إلى ضحايا كارثة ميناء بيروت وإلى حراك الربيع العربي الفينيق.

بادئ ذي بدءٍ، هذا تيمور لنك المغولي، أحد كبار الغزاة في العصر الوسيط، يعترف في مذكراته: "لقد عملتُ على الإمساك عن الابتزاز والقهر، إذ أني لا أجهل أن هذه جرائم تُحدث المجاعات وشتى الأهوال التي تحصد أجناسا كاملةً". ويقر ابن خلدون أيضا في غير ما موضع: "وأما الموتان فلها أسباب من كثرة الفتن لاختلال الدولة، فيكثر الهرج أو وقوع الوباء".



عطفا على ذلك وسواه، في امتحان ترقية البلاد، ها نحن أولاء نرى أرباب السلطِ كلها والمتحكمين في الأرواح والرقاب، يحصدون وطنيا وحتى خارجيا النقط الموجبةَ للسقوط.. الساقطونَ الفاشلونَ العاجزونَ القيّمونَ على هندسةِ البؤسِ والشقاء، الدافعونَ بالبلادِ والعباد إلى فوهات الهاوية، نقول لهم جهرا وبلغة حبنا لوطننا: لا وألفُ لا ولا!...

الحقُّ أننا تعبنا من وجوههم ومن عشرتهم، الحقُّ أننا ننشدُ المغايرةَ والتغيير ونتوقُ إلى التنفسِ خارجَ عاهاتهم ونتاناتهم، لأننا ما دمنا محاصرين بسيوفهم وتجلياتِ جبروتهم وتعلقاتهم الغرائيةِ الجنونية بالكراسي والمواقع، فإن الإنعتاق في ظلهم دونه حقولٌ ملغومة وعقبات شائكةٌ كأداء وأدغال.

انظروا إلى سماسرة السراب والمترفينَ حتى التخمة والمفسدين في الأرض كيف يخدعونَ الناس، مؤدين أغلظَ الأيمان، آخذينَ أوثقَ العهود بــ"الطعام اللي تشاركناه"، ثم تراهم في محافل التشدق بالكلامِ واللغو يمارسونَ في حقِّ القيّم ومشتقاتها استهتارا عارما وشتى صنوف التبخيسِ والإنكار. النّهبُ عندهم مهنة، والرُّشى شهوة، والإحتكارُ سُنّة، والريعُ مذهبٌ ومِلّة.انظروا إليهم هؤلاء الذين كما يتنفسون يستهلكون ويهلكون، ويستحوذون على خيرات هذي الأرض من مقالع الرمال والصيد في أعالي البحار ومن حقول كروم فخمور يصدرونها إلى النصارى وبعضها يخصون به الاستهلاك المحلي؛ إنهم إذن يستحوذون على تلكم الخيرات ويُجْرونَ محاصيلها وقطوفها في بطونهم وعافيتهم، ويصرفونها عقاراتٍ وأملاكا باذخة وأرصدةً ضخمةً حُبلى بأخرى، ويجنونَ بها جشعين المتعَ والملذاتِ الوافرةَ السائبة، بل ويريدون بها، هم الأثرياء جدّا جدّا، أن يتسيّدوا ويسودوا ويسوسوا، مشترين الذمم والمقاعدَ السُّلطاتية، كما يريدون حجب الشمس بالغرابيل والطعنَ في الأنوار وفي صفاءِ المرايا وحجيةِ الوقائع.

لو كانت عدالةُ الحياةِ جارية لسعينا إلى مقاضاتهم بتهمة المس بحرمةِ الإنسان وإلحاقِ الأضرار الفادحة بصحتهِ وعافيتهِ ومناعته، وبالبيئةِ والهواء وبتسفيه المبادئ والمفاهيم العلية وأعزِّ المنى والأحلام.

انظروا إلى سماسرة السراب والمترفينَ حتى التخمة والمفسدين في الأرض كيف يخدعونَ الناس، مؤدين أغلظَ الأيمان، آخذينَ أوثقَ العهود بــ"الطعام اللي تشاركناه"، ثم تراهم في محافل التشدق بالكلامِ واللغو يمارسونَ في حقِّ القيّم ومشتقاتها استهتارا عارما وشتى صنوف التبخيسِ والإنكار. النّهبُ عندهم مهنة، والرُّشى شهوة، والإحتكارُ سُنّة، والريعُ مذهبٌ ومِلّة.

باسمكم، يا فقراء الأرض ومعذبيها ومرضاها، وأمام شواهدِ السَّلبِ وصيغهِ عند أباطرة الفساد السياسي والخلقي وناشري بؤر العوز والخصاصات، ها نحن نرفع عن تلكم البؤر الأغطية بالتوصيف والمعاينات في مرافق إدارتهم وتدبيرهم وفي عجزهم العضال عن حبِّ هذي البلاد وإنقاذ أهاليها من الإملاقِ والبؤس والأمراض.

وقفنا على صورٍ كثيرة من بلاغةِ يأسِ الناس، فهتفنا لأولئك جهارا بالأصوات الجياشةِ الملتفَّةِ المتضافرة: أكلُّ هذا الشر تسلطونه على المستضعفين والمعدمين! أبكل هذي القنابلِ المسيلة للدموع، وحتى للدماء أحيانا، ترمون همومهم وجراحاتهم، قنابلِ التحقير والترك والإهمال! ما هذا التكالبُ على تأجيجِ شعائرِ التلاشي والتصدعات! ما هذي الجائحةُ الشديدةُ الوطءِ والفتكِ والعدوى والإنتشار! ما هذا الذُّعرُ الكاسح ُالمستبدُّ بالوجوه والأذهان!  ما هذا الموت المروِّعُ العرمرم المتخطِّفُ للآدميين فرادى وزرافات ليُدفنوا بالرافعات والجرافات في مقابرَ جماعية لا تحيط بشساعتها الأبصار!  ما هذا الضمور الممتدُّ، كقدرٍ ماحق، على صحة الأرض والهواء وعلى عافيةِ الناس وأمنهم!

أحياةٌ هاته التي نحيا أم كوابيسُ مرعبة؟

قسما ببسمةِ الرضيع، وبما تبقّى من دفءٍ في أعينِ الأحبة، لنصمدنَّ معا كيما يضربنا الوجودُ مجددا بأجنحتهِ، ويصيرُ لدنيانا طعمٌ ونضارةٌ ومعنى، وتعودُ للصحة سيادتُها محفوفةً بالفرجِ والفرحِ العميمين وبأمارتِ التحررِ الفائق والإنعتاق البهيِّ الراتق.

***

مضاعفات

من باب أن الشيء بالشيء يذكر وأن الضغطَ يولِّد الإنفجار في أمكنةٍ وأزمنةٍ متقاربة أو متباعدة، فلنتذكر حِراكات الربيع العربي الذي ستكون لها عاجلا أو آجلا ما بعدها، ومنها حراكُ شباب 20 فبراير 2011 في المغرب، خرجوا حشودا مكتسحين الشوارع والساحات، ذكورا وإناثا حاسرات ومحجبات، مرّددين بالصياح والهتافات بالأبواق شعاراتٍ تنديدية وأخرى مطلبية، ومما ترسَّخَ في الأذهان والذاكرات وتناقلته بعضُ الصحفِ والمواقع هذه العينات:

هذي مسيرة سلميه/ والمبادئ حقوقيه
هذي خرْجه سلميه/ وقيّمْنا تحريريه
هذي تجمعات سلميه/ وطَريقنا هيَ هيَ
هذي انتفاضه إنذاريه/ والمطالب حياتيه
هذي وقفات سلميه/ والحلول ضروريه...

ثم علت أصواتٌ أخرى بقوةٍ تجأر:

لا لكنْ ولا حتّى/ الصحة ولا بدَّ
لا لكنْ ولا حتّى/ العداله ولا بدَّ
لا لكنْ ولا حتّى/ الشفاء ولا بدَّ// لا لكنْ ولا حتّى/ النماء ولا بدَّ
لا لكنْ ولا حتّى/ الشغل ولا بدَّ...
الحرَكه سلميه/ والحِراك بلا عراك
خيراتْ البلاد انْهَبْتوها/ وبالريعْ انْهكتوها
على فياقْنا تْحاصرونا/ واللّي بْغضنا يْضربو ضونا
الكرامه دابا دابا/ أو نْهايتكم بالما والشطابا
الفسادْ الفساد/ هوَ عَدُوّْ هذْ البلاد
شَعْشَعْ الحقّْ والسبيل بانْ/ أتْحركوا يا الغافلين ويا المخدرين
وصَرْخو لهم: بالوعودْ اتْخمتونا/ وعلى الـﮕـصّ ارْميتونا
لا عمل ولا أمل/ احْكمتو علينا بالزوال
مامْفرقينْش مامْفكينْش/ وعلى الظلمْ ما راضينْيش...

الإصلاح الإصلاح في المعيشة والتعليم وفي الصحة هو طريق الفلاح...

قسما ببسمةِ الرضيع، وبما تبقّى من دفءٍ في أعينِ الأحبة، لنصمدنَّ معا كيما يضربنا الوجودُ مجددا بأجنحتهِ، ويصيرُ لدنيانا طعمٌ ونضارةٌ ومعنى، وتعودُ للصحة سيادتُها محفوفةً بالفرجِ والفرحِ العميمين وبأمارتِ التحررِ الفائق والإنعتاق البهيِّ الراتق.***

ثم جلجلت أصوات بلغت معها القلوبُ الحناجر: إلهنا واحد/ وطننا واحد، علَمنا واحد/ لساننا واحد/ جهادنا واحد/ مصيرنا واحد// ما تَرحلو يا أشرار ولا تفلتو منْ العقاب بل زهقوا مع الزاهقين وربّنا تعالى قال ﴿لقد جاءَ الحقُّ وزهقَ الباطل. إن الباطلَ كان زهوقا﴾. فازهقوا من إقاماتكم المحصنة إلى المحاكم فإلى السجون...

***

وتناقلت وسائط الإعلام مقطعا لمناضل خطيب جاء فيه:

قاطعوا الفكر المتحجر والمتشبث بالجمود على الموجود وبالركون إلى الثُّبوت وتركِ دار لقمان على حالها وعلاتها. قاطعوا منَّاعي التغيير المنقذِ والخلاق منَّاعيه بأسلحة المالِ والجاهِ والتسلطِ الكثيف. قاطعوا هؤلاء وأولئك بالعزم الثاقب والحزمِ الشديد وبلا وهْنٍ ولا هوادة.

قاطعوا قوما أبطرهم البذخُ حتى أمسوا للفواحش والمنكرات ما ظهر منها وما بطن عبابيد. وكلهم تثقفوا وتفننوا في تهريب الأموال إلى مناطق الأوفشورينغ والأبناك الحرة المذرَّة للفوائد الفائقة، كما أنهم برعوا في تبييض أموال أخرى وإعفائها من الضرائب المستحقة بالتصريحات البهلوانية والرشاوى اللامرئية في الأماكن السرية أو تحت ظل الموائد والطاولات الخصوصية.

ذاك ذاك! وبدا لمفكر حكيم أن يعلق مسجلا، على ما سمعه ما ورآه فقال:

إذا، يا أخي، استيقنتَ أن السياسة في بلادك مهلكة بل وباء يعرّضُ صحتك العضوية أو العقلية أو هما معا لمخاطرِ الإعاقة والتلف، فعِفْتَها ونفرتَ منها، حالئذٍ ابحثْ لك عن بدائلها الأرحبَ فضاءً والأهنأَ للنفس والأريحَ للذهن والأغنى معنـىً ودلالة؛ هذا وسواه من الفضائلِ واللطائف لا تجده في السياسة الجارية ولا في عالم الدسائس والفساد، بل في حقول المعرفة والتحصيل والإبداع، حقولِ الإنسانيات وشتى ضروب الفنون والآداب... فارعَ حماها، وأكثرْ من ارتيادها واللياذ بها تنميةً لمواهبك واستعداداتك، ودفعا بها إلى تجلياتها وأقاصيها. وإذا ما جاءك منها الإثمار والعطاء، فإنك إذن لمن الفرحين المقبولين، ومِنْ إذا سعدوا أسعدوا، وإذا إغتنوا وهبوا وأحسنوا، وإذا أحبوا أوفوا وأخلصوا، وفي تشييد صروح الحياة المجوَّدةِ النضرة أسهموا وأفلحوا...

المصدر: عربي21

كلمات دلالية: سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي أفكار كتب تقارير العربي السياسة العرب سياسة رأي أوضاع أفكار أفكار سياسة سياسة أفكار أفكار أفكار أفكار أفكار أفكار أفكار سياسة اقتصاد رياضة صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة ولا بد لا لکن ما هذا

إقرأ أيضاً:

سيناريو اليوم المشؤوم

بقلم: كمال فتاح حيدر ..

خطوة سويدية استباقية تبعث على الريبة والفزع، اقدمت عليها حكومة ستوكهولم منذ بضعة أيام، تمثلت بفتح ملاجئها الحصينة في المدن والأرياف والجبال والوديان، وتوزيع خمسة ملايين نسخة على الصغار والكبار من الكتاب الأصفر استعداداً لحرب باتت وشيكة الوقوع. من دون ان تبين: اين ستقع الحرب ؟، ومتى وكيف تبدأ ؟، ومن هي الأطراف التي سوف تشترك فيها ؟. . ما يبعث على الدهشة ان السويد نفسها ليست لديها خلافات أو نزاعات مع اي طرف. .
يتضمن الكتاب حزمة مكثفة من الإرشادات المعززة بالصور التوضيحية عن كيفية الاستعداد والتعامل مع الظروف القاهرة، وما يترتب عليها من أزمات وتداعيات، وسبل النجاة منها. ويحتوي على قوائم بالمواد التي يجب الاحتفاظ بها في المنزل. مثل: علب الفاصوليا وألواح الطاقة والمعكرونة والأدوية، بما في ذلك أقراص اليود في حال وقوع انفجار نووي. وفي الكتاب تفاصيل عن مصادر المياه والغذاء والأدوية التي قد يحتاجونها في مواجهة المخاطر. .
من ناحية أخرى ترى السويد ان نيران الحرب الروسية الاوكرانية في طريقها إلى التشظي والانتشار، وسوف تحرق الاخضر واليابس، وربما تتطور المواجهات في القارة العجوز إلى استخدام اسلحة التدمير الشامل. .
وعلى السياق نفسه سارعت الحكومة الفنلندية بنشر نصائح وتحذيرات على صفحات منصات التواصل. تضمنت الاستعداد للحوادث والأزمات، وتلقى النرويجيون مؤخراً كتيباً يحثهم على الاستعداد لتقلبات جوية غير مسبوقة وشديدة الخطورة، قد تعصف بالمنطقة بين لحظة وأخرى. آخذين بعين الاعتبار إن تقلبات المناخ والأحداث الجوية الأكثر تطرفًا مثل الفيضانات والانهيارات الأرضية جلبت مخاطر متزايدة لتلك البلدان.
بينما قالت وكالة الطوارئ الدنماركية إنها ارسلت اكثر من مليوني نسخة من الكتاب الاصفر إلى المواطنين. .
لقد انضمت السويد تواً إلى حلف شمال الأطلسي. في حين كانت النرويج عضواً مؤسساً في ذلك التحالف الدموي الغربي. .
اللافت للنظر اننا في البلدان العربية التي شهدت اعنف الحروب وأطولها وأكثرها ضراوة لم يهتم بنا احد. ولم يوزعوا علينا الكتاب الاصفر ولا الاحمر ولا الرمادي، وكنا هدفا لكل الغارات الجوية وكل أنواع القصف بالقنابل المحظورة من دون ان يفزع لنا احد. .
ختاما: يبدو ان حكومات السويد وفلندا والنرويج والدنمارك لها الحق في الاستعدات لليوم المشؤوم. فقد إنقطعت توصيلات الألياف الضوئية تحت البحر بين ليتوانيا والسويد، وبين فلندا وألمانيا في يوم واحد. وتعطلت مفاعلات محطتي لوفيسا وأولكيلوتو الفلندية في اليوم نفسه، واغلقت النرويج حقل یوهان النفطي الضخم بسبب انقطاع التيار الكهربائي في ذات اليوم، وتقطعت أسلاك الدعم في جسر لوهونسالمي المعلق في فنلندا ما أدى إلى توقف شرايين النقل البري. لقد وقعت هذا الحوادث كلها في يوم واحد فقط. والله يستر من الجايات. .

د. كمال فتاح حيدر

مقالات مشابهة

  • هجوم سياسي على مبعوث الأمم المتحدة: محاولات للالتفاف على الشرعية اليمنية
  • إطلاق 350 صاروخا على إسرائيل في يوم واحد.. و4 ملايين دخلوا الملاجئ
  • شرب القهوة بانتظام يؤثر على بكتيريا الأمعاء
  • في يوم واحد.. حزب الله يطلق مئات الصواريخ على إسرائيل
  • سيطرة غائبة وفساد متصاعد..السوداني يواجه شتاءً سياسياً قاسياً
  • شاهد | المنطقة العازلة في قطاع غزة: التخلص من السكان واحتلال الأرض
  • شبح الانتحار يخيّم على بغداد.. 4 حوادث مأساوية في يوم واحد
  • تهديدات من الفضاء تقلق الأرض!
  • حكيمي يجدّد عقده مع سان جرمان حتى 2029
  • سيناريو اليوم المشؤوم