الطوفان الحرب على فلسطين في غزة.. كتاب جديد
تاريخ النشر: 17th, July 2024 GMT
أعادت الحرب المجنونة التي ينفذها الاحتلال الإسرائيلي على قطاع غزة منذ عشرة أشهر القضية الفلسطينية إلى صدارة اهتمام العالم، ليس فقط لجهة حجم الجرائم التي ارتكبها الاحتلال وللاتهامات الموجهة له والتي وصلت حد وصمه بالإبادة الجماعية، وإصدار مذكرات توقيف دولية بحق قياداته على خلفية تلك الجرائم، وإنما لأن الأمر يتعلق بقضية تحرر وطني تجاهلها العالم لعقود طويلة، كما تجاهل حجم الانتهاكات المرتكبة فيها، وبتواطؤ دولي كذلك.
ومع أن الحرب لا تزال فصولها لم تكتمل بعد، كما لم تظهر كل جوانبها للعيان سواء تلك المتصلة بالجرائم نفسها، أو بالأطراف المتورطة فيها من الحلفاء التقليديين أو الجدد، فقد شهدت مراكز الأبحاث الاستراتيجية حول العالم نشاطا مكثفا في قراءة هذه الحرب: أسبابها ومآلاتها، حيث فشل الاحتلال المدعوم دوليا في تحقيق أهدافه المعلنة، ولم يفلح إلا في القتل والتدمير الكامل للقطاع.
المُفَكِّر والباحث والسياسي العربي الفلسطيني الدكتور عزمي بشارة المدير العام للمركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات، ورئيس مجلس أمناء معهد الدوحة للدراسات العليا، بادر لإصدار كتاب "الطوفان الحرب على فلسطين في غزة"، في قراءة اعترلف هو نفسه بأنها لن تكون مكتملة، وإنما مفتوحة بالنظر إلى أنها كتبت أثناء الحرب، حيث لا تزال رحاها تدور على أرض غزة.
يضمّ هذا الكتاب، الصادر عن المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات، والذي يقع في 184 صفحة شاملةً ببليوغرافيا وفهرسًا عامًّا، مقدمةً وأربعة فصول.
ويركّز أول هذه الفصول في توسُّعٍ ـ وهو أطولها ـ على تقييم حرب إسرائيلية مجرمة لا تزال تجري في غزة، في إثر عملية "طوفان الأقصى"، في 7 تشرين الأول/ أكتوبر 2023، ويركّز كذلك على خلفية هذه الحرب ودوافعها، وأسباب استمرار إسرائيل فيها، وإخفائها مخططات ما تسميه "اليوم التالي"، على الرغم من الخسائر التي تلحق بها. ويكشف الفصل عن حجم جريمة ما ترتكبه إسرائيل من أعمال إبادة الجماعية وضد الإنسانية. أما الفصول الثلاثة الأخرى، فهي مقالات ومحاضرات مبنيّة على وقائع الحرب وتأثيرها ألقاها المؤلف بعد انطلاقتها، وقد جاءت مكمّلةً للفصل الأول.
يناقش بشارة في هذا الكتاب، كما يقول، حدثًا لمّا يزل كاتبه وقراؤه يعيشونه، ويبحث في موضوع كبير وممتد لمّا تُعرف خواتيمه بعد، ويصعب الإلمام بجميع مكوناته وآثاره.
ويضيف قائلًا: "صحيح أن الكتابة عن بعض جوانب ظاهرة اجتماعية ما من مسافة زمنية أبعد تكون أيسرَ، وأكثرَ إفهامًا للتفاصيل والوقائع، وأشدَّ أهميةً في التحليل الشامل، كما أنها مدعاةٌ لإلمامٍ أكبر بحقائق لا تُرى قبل انجلاء الغبار عنها، إلّا أن للقرب الزمني من الحدث ومعايشتِه فضائلَ أيضًا على الرغم من صعوبات الكتابة بأسلوب علمي مع استمرار الحرب".
تكمن أهمية كتاب عزمي بشارة، ليس فقط في موضوعه المتصل بأطول حرب عرفها الاحتلال الإسرائيلي منذ نشأته، وإنما أيضا بخبرة الرجل وتاريخه الفكري والسياسي، وبالقضية الفلسطينية برمتها، التي تبدو اليوم مقبلة على تغيرات دراماتيكية، في موقعها إقليميا ودوليا.. ووفق تقرير تعريفي نشره المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات، بكتاب الطوفان، فإنه قد صدر بالتوازي مع إصدار الترجمة العربية لكتاب بشارة نفسه "قضية فلسطين: أسئلة الحقيقة والعدالة"، في خضمّ أُتون الحرب المجرمة التي تقوم بها إسرائيل في قطاع غزة، والتي اكتسبت صفتَي "حربالإبادة الجماعية" Genocide؛ فبعد أن حسم الباحث أمره بشأن عدم جواز تجاهل أيّ إصدار جديد حربًا شاملة كالتي تُخاض ضد الشعب الفلسطيني، حتى لو كان ترجمةً لكتاب صدر قبل نشوبها، واجه حيرةً بين خيارات ثلاثة:
ـ يتمثّل الخيار الأول في إضافة مادةً إلى كتاب قضية فلسطين المترجَم لم تكن من صلبه، وتكون متعلقة بحرب غزة التي ما زالت تجري حتى اليوم، وبخاصة لأن الأحداث العظمى التي نشهدها حاليًّا بدأت تشكّل منعطفًا في تاريخنا.
ـ أما الخيار الثاني، فهو يتمثّل في إضافة فصل في نهاية الكتاب المترجَم عن حرب غزة، ولكن سرعان ما تبين للباحث أن هذا الخيار، قبل اتضاح نتائج الحرب، موسوم بـ "محدودية الضمان"، وقد يورط الكتاب كله بهذا الوَسْم.
ـ ولذلك، لجأ إلى خيار ثالث هو أن يكون هذا "الفصلُ" المقترحَةُ زيادتُه خارجَ الكتاب، على شكل كتاب أصغر يُرفق به؛ ومن ثمّ تكون قراءته منفردًا أمرًا ممكنًا. وهكذا، كان كتاب الطوفان الحرب على فلسطين في غزة، الذي كان الفصلُ المطلوب أولَ فصوله الأربعة (عملية طوفان الأقصى والحرب على غزة) وأطولها (71 صفحة)، في حين مثّلت الفصول الثلاثة الأخرى ثلاثة نصوص متفاوتة الحجم نشرها الكاتب في أثناء الحرب، وهي:
ـ الفصل الثاني "قضايا أخلاقية في أزمنة صعبة" (دراسة نُشرت في دورية تبيُّن، العدد 47، شباط/ فبراير 2024).
ـ الفصل الثالث "الحرب على غزة: السياسة والأخلاق والقانون الدولي" (محاضرة ألقاها بشارة في المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات ـ الدوحة، في 28 تشرين الثاني/ نوفمبر 2023).
ـ الفصل الرابع "الحرب على غزة وأسئلة المرحلة" (المحاضرة الافتتاحية لأعمال الدورة الثانية للمنتدى السنوي لفلسطين التي قدمها بشارة يوم 10 شباط/ فبراير 2024 في الدوحة، والتي نظّمها المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات بالتعاون مع مؤسسة الدراسات الفلسطينية).
وقد جاءت فصول الكتاب الثلاثة، الثاني والثالث والرابع، مكمِّلةً للفصل الأول في معالجة قضايا لم يتوسع في تناولها. وقد يتفق القارئ مع الكاتب على أن قراءة الطوفان الأحداثَ الجارية تؤكد صحة تحليلات سلفه باللغة الإنجليزية، ثم كتابه بالعربية قضية فلسطين: أسئلة الحقيقة والعدالة واستنتاجاته؛ ذلك أنّ الهدف من إخراج هذا السِّفر الصغير هو فهْمُ ما يجري، والحفاظ على ذاكرة الضحايا المظلومين، عسى ألّا تذهب دماؤهم ومعاناة من بقي منهم حيًّا هباءً، وليس البحثَ في تاريخ منفصل لقطاع غزة والقضية الفلسطينية؛ فهو قد وُضع ليكمِّل الكتابَ المترجَم الذي يُمكن الرجوع إليه لفهم العديد من الخلفيات على نحو خاصّ.
تكمن أهمية كتاب عزمي بشارة، ليس فقط في موضوعه المتصل بأطول حرب عرفها الاحتلال الإسرائيلي منذ نشأته، وإنما أيضا بخبرة الرجل وتاريخه الفكري والسياسي، وبالقضية الفلسطينية برمتها، التي تبدو اليوم مقبلة على تغيرات دراماتيكية، في موقعها إقليميا ودوليا.. إذ لم يعد من الممكن القبول لا فلسطينيا ولا عربيا ولا إسلاميا ولا دوليا باستمرار الحال على ما هو عليه، وبات الحديث عن الدولة الفلسطينية أيا كان شكلها أمرا متداولا بل ومدعوما من مختلف القوى الدولية.. وهو نقاش لا شك أنه سيستمر لعقود طويلة بناء على فداحة الجرائم المرتكبة في هذه الحرب..
المصدر: عربي21
كلمات دلالية: سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي أفكار كتب تقارير كتب كتاب نشره قطر كتاب عرض نشر كتب كتب كتب كتب كتب كتب أفكار أفكار أفكار سياسة سياسة أفكار أفكار أفكار أفكار أفكار أفكار سياسة اقتصاد رياضة صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة الحرب على فی غزة
إقرأ أيضاً:
"أكتوبر في الأدب العربي المعاصر" في مناقشات المؤتمر العام لأدباء مصر بالمنيا
تتوالى فعاليات الدورة السادسة والثلاثين للمؤتمر العام لأدباء مصر "دورة الكاتب الكبير جمال الغيطاني"، والمقامة برعاية الدكتور أحمد فؤاد هنو، وزير الثقافة، واللواء عماد كدواني، محافظ المنيا، وتنظمها الهيئة العامة لقصور الثقافة، بإشراف الكاتب محمد ناصف، نائب رئيس الهيئة، تحت عنوان "أدب الانتصار والأمن الثقافي.. خمسون عاما من العبور"، وتعقد برئاسة الفنان الدكتور أحمد نوار، والأمين العام للمؤتمر الشاعر ياسر خليل.
وشهدت جامعة المنيا، اليوم الاثنين، ثاني الجلسات البحثية للمؤتمر بعنوان "أكتوبر في الأدب العربي المعاصر.. السرد، الشعر، المسرح" أدارها د. عادل درغام.
وتضمنت الجلسة مناقشة بحثين، الأول بعنوان "الحرب طريق السلام" أوضح خلاله د. محمد نصار، القيمة الحقيقية لحرب أكتوبر وكيف غيرت وبصورة جذرية خريطة العلاقات الإقليمية في الشرق الأوسط وإلى الأبد، مشيرا أنها أفرغت نظرية الأمن الإسرائيلي من محتواها، وفندت مفاهيم عسكرية ومعتقدات سياسية روجت لها إسرائيل على مدار ثلاثة عقود، مما ساهم في إعادة ترتيب أولويات قضايا الأمن والتعايش بين شعوب المنطقة المتصارعة.
واستعان نصار خلال المناقشة بنص مسرحية "الحمام على برج أكتوبر"، الذي شرع المؤلف عبد العزيز عبد الظاهر في كتابته تزامنا مع تاريخ الحرب والعبور، وتجلت به ملامح الدعوة للسلام منذ الأسطر الأولى، من خلال وصفه لنشوة النصر والإحساس بالقوة.
وجاء البحث الثاني بعنوان "رواية الحرب بين "الإرث المقدس"، و"الظلال القاتمة".. سرابيوم نموذجًا" أوضح خلاله الروائي محمد عطية قدرة العمل الروائي على تضفير الحالة الإنسانية بحالة الحرب ومفرداتها وأساليبها وظروفها الاستثنائية المؤثرة بلا شك في مسارات الحياة.
وأشار "عطية" أن الرواية اعتمدت على البعد التخييلي النفسي القادر على استنباط الآثار الجلية، من خلال الرموز التي طُرحت لتعبر عن الواقع المرير المشتبك، وتوثق الحرب بالتعبير عنها بصورة صادقة وكأنها ميراث مقدس.
واختتم حديثه موضحا كيف تعددت مستويات السرد في الرواية، فالخطاب السردي الموجه جاء متنوعا عبر ضمائر سردية وذلك للتعبير عن الحالة الإنسانية في ضعفها وقوتها، وكذلك التعريف بآليات الحرب ومفرداتها وبالمكان وتضاريسه.
وفي مداخلة أوضح الكاتب محمد ناصف، نائب رئيس الهيئة، أن الإنسان له الحق في التعبير عما يشعر به من انتصار أو هزيمة بكل حرية، مشيرا إلى أن المؤتمر هذا العام يتميز بحصانة خاصة ومميزة، ساعدت في استعادة روح النصر الموجودة الآن، والمسرح عليه أن يناقش ويقدم نصر أكتوبر بشكل أوسع في نصوص جذابة، لمواجهة ما تحاول إسرائيل من القيام به من تشويش للتقليل من قيمة النصر.
وأضافت الكاتبة د. هويدا صالح، رئيس تحرير مجلة مصر المحروسة، أن صورة الحرب ما زالت تحتاج إلى توضيح، مؤكدة على ضرورة تعريف ما حدث للشباب والأطفال، ويمكن ذلك من خلال الاستعانة بالتكنولوجيا الحديثة ومواقع والتواصل الاجتماعي، نظرا لدورهما المؤثر في حياة الأجيال الصاعدة.
ثم توالت المداخلات من قبل الحضور، تم خلالها التأكيد على مراعاة الدقة في استخدام المصطلحات في الكتابة الأدبية، وإلقاء الضوء على الأحداث والتجارب والبطولات المتعلقة بالنصر، لأنه ما زال هناك الكثير من الموضوعات التي تحتاج إلى المناقشة لتعزيز قيمة النصر الذي تحقق في حرب أكتوبر بحق.
"المؤتمر العام لأدباء مصر بالمنيا" يقام بإشراف الإدارة المركزية للشئون الثقافية وينفذ من خلال الإدارة العامة للثقافة العامة، برئاسة الشاعر عبده الزراع، وإدارة المؤتمرات وأندية الأدب، برئاسة الشاعر وليد فؤاد، بالتعاون مع إقليم وسط الصعيد الثقافي، برئاسة ضياء مكاوي، وفرع ثقافة المنيا برئاسة رحاب توفيق.
ويشهد المؤتمر طوال فترة إقامته عددا من الجلسات البحثية، والموائد المستديرة، بجانب الأمسيات الشعرية والقصصية ومعارض الكتب والحرف والفنون، وندوات ثقافية، بمشاركة عدد كبير من الأدباء والباحثين والنقاد والإعلاميين ونخبة من الشخصيات العامة بالإضافة إلى ممثلي أندية الأدب والأمانة العامة، وتستمر فعالياته حتى ٢٧ نوڤمبر الحالي.