البشر وما يملكون.. أوريان 21: بالنسبة لنظام الأسد كل شيء يجب أن يختفي
تاريخ النشر: 17th, July 2024 GMT
لم يكتف نظام بشار الأسد باعتقال وتعذيب وقتل أبناء شعبه، بل استولى أيضا على ممتلكاتهم تحقيقا لـ3 أهداف، هي ملء خزائن الدولة، وإثراء كبار الشخصيات، ومنع عودة غير المرغوب فيهم من المعارضين أو من يفترض فيهم ذلك، وفقا لموقع أوريان 21 الفرنسي.
وأوضح الموقع في تقرير للكاتبة نينا شاستيل أن الوثائق الكثيرة التي كشف عنها في محاكمة باريس في مايو/أيار 2024 مثلت دليلا على هذا التطهير السياسي المالي المنهجي.
وأضافت شاستيل أن محاكمة 3 مسؤولين سوريين كبار هم جميل حسام وعلي مملوك وعبد السلام محمود بتهمة ارتكاب جرائم ضد الإنسانية في مايو/أيار الماضي في باريس قد سلطت الضوء على مصادرة النظام السوري الممنهجة للممتلكات وممارسته الابتزاز وغصب أموال المختفين وأموال عائلاتهم.
وأوضح الموقع أن هذه الحقائق الموثقة تستند إلى "قضية عائلة الدباغ" التي أخذت اسمها من اسم الفرنسييْن السورييْن اللذين اعتقلا في دمشق عام 2013، مما سمح للعدالة الفرنسية بتولي القضية.
وكان المركز السوري للعدالة والمساءلة الذي ساعد في التحقيق قد أصدر تقريرا مفصلا للغاية بعنوان "بعون الله لن يبقى شيء" عن نهب الدولة ممتلكات المدنيين برعاية الحكومة السورية".
ولفت المركز إلى سرقات يتم تنسيقها على أعلى مستوى من التسلسل الهرمي العسكري سعيا لضمان الموارد الاقتصادية للنظام وقادته، وقد وصفتها المحكمة بأنها "جرائم حرب"، مشيرة إلى أن كل شيء بالنسبة لهم يجب أن يختفي، البشر والممتلكات.
مصادرة "ممتلكات الإرهابيين"عندما ألقي القبض على مازن الدباغ من منزله عام 2013 علق عملاء حكوميون على سيارته الجديدة وأخذوا مفاتيحها منه قبل نقله إلى سجن المزة الذي لن يعود منه أبدا، ثم شوهدت السيارة بانتظام في الحي حتى أن زوجته تلقت غرامة بسبب سرعة تلك السيارة التي لم تكن بحوزتها.
وأضافت أن العملاء عادوا عام 2016 وأبلغوها بمصادرة منزل العائلة، وعندما اكتشفوا أن المبنى بأكمله للعائلة استولوا على مفاتيح شقة الأم.
وقد اكتشفت العائلة أن الشقة أصبحت الآن مملوكة للدولة تحت بند "مصادرة ممتلكات الإرهابيين"، ويسكنها مقابل 30 دولارا سنويا عبد السلام محمود الذي كان آنذاك مديرا لفرع التحقيقات في المخابرات الجوية بدمشق، والمتورط بشكل مباشر في اختفاء مازن وباتريك، كما علمت أن الجزء الآخر من المبنى تم تأجيره لشخص آخر من وجهاء النظام.
ويؤكد مدير المركز السوري للإعلام مازن درويش -وهو أيضا طرف مدني- أن "الابتزاز ومصادرة الممتلكات يوفران موارد مالية واقتصادية للنظام، وهذا في بعض الأحيان هو سبب الاعتقالات"، وهذا ما تدعمه شهادة "ن"، وهو اليوم لاجئ سياسي في فرنسا.
فقد شهد "ن" بأن 70% من أراضي المعضمية التي أصبحت ذات أهمية إستراتيجية كبيرة ومحتلة بين القوات الجوية والفرقة الرابعة والألوية القتالية وجميع الفصائل التي تدور حول المطار، ويقول "ن" إن "لدينا سندات الملكية، كان لنا الحق في بيعها ولكن للنظام فقط".
ومع بداية الثورة تظاهر الأهالي للمطالبة بإعادة ممتلكاتهم المصادرة، وفي عام 2013 تعرضت المدينة المتمردة لهجمات كيميائية و3 سنوات طويلة من الحصار.
تم اعتقال "ن" ليجبر بعد 3 أشهر من التعذيب على التوقيع ببصمات أصابعه على اعتراف، وقال لقاضي المحكمة المدنية "لكنني لا أعرف على ماذا جعلوني أوقّع، ربما قمت ببيع منزلي دون أن أعرف ذلك".
وقال لقضاة محكمة باريس "لقد كنت على حق، فقد تم الاستيلاء على بعض ممتلكاتي بعد ذلك، وتمت مصادرة جميع ممتلكات والدي لصالح المخابرات الجوية".
وأشارت الكاتبة إلى أن هذه الشهادة تؤيد شهادة عبيدة الدباغ، وتبين أن مصادرة الممتلكات جزء من إستراتيجية نظام مفلس يضمن الموارد المالية عن طريق نهب المدنيين، علما أن مصادرة الأراضي كانت ممارسة شائعة لدى حزب البعث منذ وصوله إلى السلطة عام 1963.
الممتلكات والأراضي أسلحة الحرب الجديدةومنذ بداية ثورة 2011 اعتمدت حكومة بشار الأسد ما يقارب 35 قانونا يسمح بمصادرة ونزع الملكية والاستيلاء على الممتلكات، وذلك بحجة مكافحة الإرهاب تارة والتخطيط الحضري والمساكن العشوائية واسترداد الديون والخدمة العسكرية والأراضي الزراعية المشتركة وسجلات الممتلكات تارة أخرى، وهي تستهدف بشكل أساسي ممتلكات النازحين وأعضاء المعارضة المشتبه بهم.
واستمر النظام في اعتماد التعديلات والمراسيم التي تقضي بالاستيلاء قانونيا على جميع الممتلكات المنقولة وغير المنقولة، ففي عام 2019 سمح التعديل 39 لوزارة المالية بإصدار أمر بالمصادرة التنفيذية دون إشعار على ممتلكات أي شخص لم يكمل خدمته العسكرية قبل سن 43 عاما، وكذلك ممتلكات زوجته وأطفاله.
وتسمح بعض القوانين بتجريد المدنيين من ممتلكاتهم ليتم منحها لمسؤولين رفيعي المستوى أو بيعها لطرف ثالث.
المساكن الفارغة يتم تخصيصها لشاغليها الموالين للنظام الذين يتم إصدار سندات ملكية جديدة لهم، في "تطهير مكاني" يهدف إلى تغيير التركيبة الديمغرافية للبلاد
وتشير التقارير إلى أن المساكن الفارغة يتم تخصيصها لشاغليها الموالين للنظام الذين يتم إصدار سندات ملكية جديدة لهم، في "تطهير مكاني" يهدف إلى تغيير التركيبة الديمغرافية للبلاد، مما يدفع المدنيين إلى عدم مغادرة منازلهم خوفا من عدم القدرة على العودة إليها ولو على حساب حياتهم.
وأفاد اللاجئون بأن أسماء بعض الشوارع تغيرت مع وصول سكان جدد، خاصة من إيران، وأن أراضي وأحياء بأكملها تباع إلى مستثمرين أجانب، وفي المقام الأول الروس والصينيون والإيرانيون، وأكدوا أن المعلومات المتعلقة بسندات ملكية السكان الشرعيين أصبحت الآن قديمة، مما يجعل أي محاولة للاسترداد أكثر صعوبة.
التدمير والسرقة والنهبويفيد تقرير المركز السوري للعدالة والمساءلة بأنه من خلال دراسة مقاطع الفيديو والصور والمناظر الجوية في داريا وحرستا واليرموك وحمص وجرجناز، ومن خلال إجراء مقابلات مع شهود وجنود سابقين، ومن خلال الحصول على وثائق داخلية من البيروقراطية السورية توصلت المنظمة إلى استنتاج مفاده أن القوات الحكومية تقوم بشكل منهجي بنهب المنازل والممتلكات.
اللاجئون أفادوا بأن أسماء بعض الشوارع تغيرت مع وصول سكان جدد، خاصة من إيران، وأن أراضي وأحياء بأكملها تباع إلى مستثمرين أجانب، وفي المقام الأول الروس والصينيون والإيرانيون
وأوضحت الكاتبة أن توزيع الغنائم يتم وفق نظام راسخ داخل اللواء 34 المشهور بالنهب في درعا، بحيث تنقل المعدات الإلكترونية إلى فرع المخابرات العسكرية في المسمية، وتقدم البضائع الأخرى إلى القائد الذي يصطفي لنفسه ما يريد، ثم يعاد بيع الباقي في أسواق يسميها السكان "سوق اللصوص" أو "أسواق السنة"، وما لا يتم بيعه يستخدم لتأثيث البنية التحتية للنظام أو المستشفيات الخاضعة لسيطرة الحكومة.
وتطبق سياسة الأرض المحروقة على المدن والقرى والمنازل حسب الكاتبة، مما يحرم المدنيين من كل ما يسمح لهم بالبقاء على قيد الحياة، وفي العديد من الحالات التي وثقها المركز فكك الجنود وأفراد المليشيات أسطح المنازل لتصبح معرضة للعوامل الجوية وغير صالحة للسكن، في تكتيك يهدف إلى تهجير المعارضين وإثراء الموالين.
ويقول التقرير إن القوات الحكومية والمليشيات الموالية للرئيس بشار الأسد متورطة في العملية برمتها، من النهب إلى البيع، موضحا أن "السرقات ليست من عمل مجموعة فرعية انتهازية من الجهات العسكرية"، إذ تظهر الأدلة أن اللصوص يقومون بالسرقة بموافقة هرميتهم، إن لم يكن ذلك تعليماتهم المباشرة.
ومع أن مسألة عودة اللاجئين تعتبر أمرا محوريا في المفاوضات بشأن بناء سلام دائم وحل سياسي للصراع فإن جميع المراقبين مجمعون على أنه بدون عملية واضحة لإعادة الممتلكات لنحو 14 مليون نازح سوري لا يمكن أن تكون هناك عودة سلمية.
المصدر: الجزيرة
كلمات دلالية: حراك الجامعات حريات ترجمات
إقرأ أيضاً:
قيم إسلامية: العدالة المجتمعية
#قيم_إسلامية: #العدالة_المجتمعية
بقلم : د. #هاشم_غرايبه
مقال الاثنين: 24 / 3 / 2025
كعادة الغرب دائما في إرجاع أصول الحضارة الإنسانية لهم، يدعون أن الإغريق هم أول من بحث في صلاح المجتمعات واقترحوا لذلك حلولا، لكن الحقيقة أنهم سبقهم فلاسفة بلاد ما بين الرافدين، مثل “أبيقار” الذي يعتقد أنه لقمان الحكيم الذي ورد ذكره في القرآن الكريم، ووضعوا قواعد تنظم علاقات الأفراد في المجتمع.
لم تتوقف الى اليوم محاولات البشر لتصور المجتمع العادل، فما تصوره المعلم الأول “أرسطو” والمعلم الثاني “الفارابي” في تكوين المدينة الفاضلة، لم تكن مجرد مثاليات أو أحلام، بل هي أفكار ممكنة التطبيق، لكن تحتاج الى ظروف معيارية في اختيار الحكم الذي يطبق تلك المعايير بعدالة.
لما كانت النوازع الأنانية والميل الى الإستئثار هي من طباع النفس البشرية، فقد كان من الصعب الإعتماد على صلاحية هذه النفس في التحكيم بالخلافات بين أفراد المجتمع حول الحقوق والواجبات، بل لا بد من تشريع واضح وحازم يتم الإحتكام إليه بدل تحكيم الرأي الشخصي، بمعنى يجب أن يكون هنالك مرجعية نزيهة ثابتة، هي فوق كل الآراء، وهي أبعد ما يمكن عن التحيز والهوى.
لا ينطبق هذا التخصيص إلا على حالة واحدة محددة، وهي أن يكون صادرا عن الإله الخالق الحكيم العليم بدقائق مصالح البشر وخفايا دوافعهم، وتفصيل ذلك الأمر مبين في كتاب لا يطاله التحريف ولا التزوير، هو القرآن الكريم.
لدواعي الموضوعية سوف نضع المنهجين: الإجتهاد البشري والتشريع الإلهي أمامنا للمقارنة.
آخر ما توصلت له البشرية بالتجريب هي قيم الليبرالية الحديثة، وهي التي تحكم كل مناحي الحياة الآن وفي جميع المجتمعات بلا استثناء، وتتلخص بتقديس حرية الفرد ضمن إطار يحدده قانون، إذن فالحرية هنا مقيدة بضوابط يحددها نظام الحكم الذي يملك السلطة رغم أنه يكتسبها من نظام انتخابي يمتثل لرأي الأغلبية.
وهكذا فمصدر التتشريعات هو هذه الأغلبية التي يتبين بالتحليل الدقيق أنها تمثل 13 % من المجتمع فقط، بمعنى أن رأي هؤلاء هو الذي يحدد القوانين الحاكمة للجميع، والتي يفترض بها أن تمنع طغيان هذه الحرية على حقوق الآخرين، لكن بالتطبيق تبين أن تأثير مالكي الثروات على أصحاب النفوذ (السلطة) أقوى بكثير من رأي الأفراد، لذلك فإن التشريعات تغلّب مصالح هؤلاء مما يُخلُّ بالعدالة المجتمعية بشكل خطير.
التشريعات الإلهية (الدين)، جاءت مكتملة غير خاضعة لهوى أو مصلحة فئة بشرية، فهي تراعي مصالح كافة فئات المجتمع ، وتقوم مبادئها على ثلاثة ركائز: التحرر الوجداني المطلق، والمساواة الإنسانية الكاملة، والتكافل الإجتماعي الوثيق، وكل عنصر مبني على الآخر.
فالعبودية لله وحده تعني تحرير الإنسان من عبوديته لغير الله، فبذلك تتحقق المساواة بين البشر لأن إرادة الله تحكم الجميع على السواء، ومقياس التفاضل الوحيد في الإرتقاء في منزلة القرب من الله هو تقواه، والذي يتمثل بعمل الخير والإحسان الى الآخرين والإبتعاد عن ظلمهم، فتغدو اللحمة الإجتماعية بين البشر على اختلافاتهم قوية والأخوة بينهم متغلبة على العداء.
أما اختيار نظام الحكم الذي يضمن عدالة تطبيق التشريعات، فضوابطه الأساسية: الأهلية والحكمة والتمكن المعرفي، أما طبيعته فاختيارها متاح للمواطنين حسب اجتهادهم وتطور خبراتهم، وكذلك الأمر في تسمية الحاكم والهيئة الحاكمة، لكن لا خيار لهم في الخروج على المبادئ الشرعية الأساسية، والتي تكفل ضمان حقوق الجميع في الحياة الكريمة الحرة الخالية من الإكراه أو القسر ضمن مبدئين:
المبدأ الأول يتمثل بحفظ الحقوق لجميع الناس وليس فقط لمواطني الدولة، لذلك فهو يتفوق على تشريعات الليبرالية التي تميز بين المواطن والغير: “إِنَّ اللّهَ يَأْمُرُكُمْ أَن تُؤدُّواْ الأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا وَإِذَا حَكَمْتُم بَيْنَ النَّاسِ أَن تَحْكُمُواْ بِالْعَدْلِ” [النساء:58].
الثاني: تحقيق العدالة بغض النظر عن المكانة وحالة العداوة وخطورة الجرم: “وَلَا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلَى أَلَّا تَعْدِلُوا” [المائدة:8]، وهذا المبدأ مهم لتحقيق السلم المجتمعي وطمأنة المتعدى إلى حصوله على حقه القضائي بعدالة وبلا تحيز مسبق، وأقرب مثال على ذلك قوانين مكافحة الإرهاب التي سنتها الأنظمة الليبرالية التي تدعي التزامها بحقوق الإنسان، ففيها تحيز سافر ضد المنتمين للإسلام وتعدٍّ صارخٍ على كل حقوق من يتهمونه بالإرهاب، فيما لا يطبق ذلك على عتاة المجرمين والسفاحين، رغم أن بعضهم يمثل خطرا أعظم كثيرا على مجتمعهم من شخص يتعاطف مع من يرفض احتلال بلده.
ومع أنه لا يجوز أصلا أن نقارن بين العدالة الإلهية والعدالة البشرية، لكن ما أوردته كان بدافع الموضوعية.
فهل يتبقى شك في أن الإسلام هو خير ما يحقق العدالة الإجتماعية للبشر!؟.