كلمة و”غطايتا”

في العام ٢٠٢٢م نفذت لجنة المعلمين السودانيين إضرابا شهيرا استمر لشهرين، وكان السبب في طول أمد هذا الإضراب، هو رهان الحكومة على عدم قدرة المعلمين على الاستمرار في الإضراب؛ بسبب الإجراءات الإدارية التي كان يعول عليها وزير التربية والتعليم، الذي تصدى بصورة شخصية. لهذا الإضراب، دافعه في ذلك الرغبة في الانتقام لنفسه من مواقف اللجنة المناوئة للانقلاب منذ ٢٥ أكتوبر ٢٠٢١م، الأمر الذي عده خصما من رصيده أمام قادة الانقلاب، (أولياء النعمة)، فقد عمد السيد الوزير إلى رفع تقارير مضللة للحكومة، عن دوافع وتأثير الإضراب، حتى أصبح الأمر فوق مستوى قدرة الجهات ذات الصلة، ولم يعد إخفاء تأثيره أو الحد منه ممكنا، بسبب صمود المعلمين السودانيين، والمشاركة الفاعلة والواسعة التي أكدت قدرة الجماهير على فعل المستحيل، متى ما توفرت الظروف المناسبة.

تم التواصل بين لجنة المعلمين السودانيين ومجلس السيادة بمبادرة من شيخ الطريقة القادرية الشيخ أزرق طيبة، وعقد لقاء في القصر الجمهوري، أثمر عن تكوين لجنة برئاسة الفريق ياسر العطا وعضوية وكلاء وزارات المالية والتربية والتعليم والحكم الاتحادي وثلاثة أعضاء من لجنة المعلمين السودانيين، وقد أسندت لي مهمة مقرر اللجنة لاحقا.

عقدت اللجنة عدة اجتماعات في القصر الجمهوري، وقد حرصنا من خلال هذه اللجنة على طرح قضية التعليم وشرح وضعه، مع طرح أسس الحل، حتى نستطيع وضع التعليم في مكانه الصحيح، وقد استبشرنا خيرا بالتجاوب الذي أظهره السيد الفريق ياسر العطا، وسررنا بتفهمه لرؤية اللجنة وحماسة للإصلاح.

كان يستقبلنا الفريق في مكتبه وهو يردد أشعار محجوب شريف

(حارنك نحن ودايرنك

ألما من شعبنا مأمنك

عشقا جوانا اتارنك

حزباً في القلب مضارنك للشمس حتمشي مبارك

فخرا للشعب السوداني والطبقة العاملة الثورية) ممازحا مع بعض القفشات.

تحققت من خلال هذا الإضراب مجموعة من المكاسب بعضها رأى النور، وبعضها لم يستكمل بسبب تلكؤ وزارة المالية، والدور السالب الذي كان يقوم به وزير التربية والتعليم، في مجلس الوزراء، وعرقلة فلول النظام المباد لبعض القرارات في الولايات، وكنا نملك من الإرادة والتصميم والقدرة على هزيمة كل تلك المخططات، ولكن جاءت الكارثة والطامة الكبرى باندلاع حرب ١٥ أبريل ٢٠٢٣م.

ظللت أتابع تصريحات السيد الفريق ياسر العطا منذ اندلاع الحرب، وأنا في غاية الأسف أن يظهر الجنرال ياسر العطا بهذا الشكل الصارخ في تأييد الحرب، والوقوف بشدة ضد أي محاولة لإيقافها، رغم الكوارث التي تسببها، وأرى أن ما يبرر به السيد الفريق هذا الموقف المتعنت والمتشدد، من مخاوف يمكن تفاديها بكلفة أقل وطريق أقصر، إلا إذا كان وراء ما يصرح به أهداف غير معلنة، فمن المؤكد ألا أحد يؤيد تعدد الجيوش، ولا مواطن يرغب في عودة الوضع الشائه الذي كانت فيه الدولة قبل اندلاع الحرب، وكلنا نتطلع لواقع جديد عقب توقف هذه الحرب، ولكن ليس عبر البندقية، بل بالحوار والضغط الشعبي لتحقيق إرادة السلام.، فلا أظن أن استمرار الحرب بكل الفظائع، أقل كلفة من إيقافها، وبالتالي الوصول لصيغة وعقد اجتماعي جديد يضع الدولة السودانية في المسار الصحيح.

سأحاول تسليط الضوء على قطاع التعليم والدمار الذي لحق به جراء الحرب، على اعتبار أن هذا القطاع هو الذي يلينا معشر المعلمين، وأن القطاعات الأخرى يمكن أن يتم تناولها في منصات أخرى، من قبل أصحاب الشأن في كل قطاع.

هل يعلم السيد الفريق ياسر العطا، أن التلاميذ والطلاب غابوا عن المدارس منذ اندلاع الحرب _ إلا القليل جدا _ وحتى الآن وهذا يعني.

١. تراكم الأطفال في عمر المدرسة (٦) سنوات حيث يتوقع أن يصل عددهم إلى (٣ ملايين و٦٠٠ ألف طفل) إذا استمرت هذه الحرب حتى سبتمبر القادم.

وهذا يجعل من ثلثي هذا العدد خارج المدرسة نسبة لضيق مواعين الاستيعاب، بحسابات قبل الحرب.

يوجد عدد قليل من الأطفال في بعض الولايات وخارج السودان التحق بالتعليم.

٢. طلاب الشهادة الثانوية وعددهم أكثر من (٥٧٠ ألف طالب وطالبة) منتظرين دون أمل يلوح في الأفق، وهؤلاء عرضة للتسرب، والدخول في عالم المجهول، واعتقد أن هذا ضرب للأمن القومي في مقتل، فهل تتفق يا سعادة الجنرال؟؟

٣. كنا نشكو وجود (٥ أو ٦ ملايين) من الأطفال خارج المدرسة، وبسبب الحرب تضاعف هذا العدد ليصل إلى (١٩ مليوناً) حسب ما نشرته اليونيسيف، أليس هذا الأمر أخطر من الخيارات التي يتحدث عنها الجنرال، فمن المعلوم بالضرورة أن تغذية الصراعات المسلحة والجرائم المنظمة يتم عبر المتسربين من المدارس.

٤. لم يصرف المعلمون مرتباتهم منذ (١٥ شهراً إلا في بعض الولايات لبعض الشهور) فهل تتصور يا سيادة الجنرال؟ ماذا يعني فقدان المصدر الرئيسي لرب الأسرة، فقد تناقشنا كثيرا في واقع المعلمين بسبب ضعف الراتب، فكيف بهم مع فقدانه تماما؟؟!

٥. المدارس أصبحت وجهة للمواطنين الفارين من القتال، وبالتالي، ستفقد هذه المؤسسات قدرتها على استقبال التلاميذ والطلاب، بعد توقف الحرب، إلا عبر مجهود ربما يعادل تكلفة إنشائها، وعددها يفوق ال(٦ آلاف مدرسة) تقريبا، والعدد متحرك وقابل للزيادة.

ألا يستدعي هذا الواقع إعادة النظر في قرار الحرب، والتفكير في علاج الأزمة، بصورة تدرك ما تبقى من الوطن والمواطن، وترك التفكير داخل الصندوق الذي وُضِعْنَا فيه منذ بداية الحرب، والبعد عن النظر إلى القضية من المنطلقات الشخصية والتصورات التي أثبت الواقع مجانبتها للصواب، فالرجوع إلى الحق فضيلة، وشجاعة صنع السلام تفوق شجاعة خوض الحرب، فتلك تمنح الحياة، وهذه تنزعها.

 

 

الوسومسامي الباقر

المصدر: صحيفة التغيير السودانية

كلمات دلالية: سامي الباقر المعلمین السودانیین الفریق یاسر العطا السید الفریق

إقرأ أيضاً:

السيد شهاب يستقبل رئيس هيئة الأركان المشتركة بباكستان

مسقط - العمانية

 استقبل صاحب السُّمو السّيد شهاب بن طارق آل سعيد نائب رئيس الوزراء لشؤون الدفاع بمكتب سموه بمعسكر المرتفعة اليوم الفريق أول ساهر شمشاد ميرزا رئيس هيئة الأركان المشتركة بجمهورية باكستان الإسلامية والوفد المرافق له الذي يزور سلطنة عُمان حاليًّا.

وقد رحّب صاحب السُّمو السّيد نائب رئيس الوزراء لشؤون الدفاع بالضيف، وتم خلال المقابلة استعراض العلاقات الطيبة بين البلدين الصديقين، ومناقشة عدد من الموضوعات ذات الاهتمام المشترك.

حضر المقابلة الفريق الركن بحري عبدالله بن خميس الرئيسي رئيس أركان قوات السلطان المسلحة.

مقالات مشابهة

  • واشنطن: مخاطر اتساع الحرب انحسرت بالشرق الأوسط
  • «نهر النيل» تشيد بجهود المعلمين في تصحيح امتحانات الشهادة المتوسطة
  • السيد شهاب يستقبل رئيس هيئة الأركان المشتركة بباكستان
  • السيد شهاب يستقبل مسؤولًا باكستانيًّا
  • نجم الزمالك: زيزو باق 3 مواسم في القلعة البيضاء
  • اليوم.. الزمالك يبدء إستعداداته للموسم المقبل في غياب الدوليين
  • رسمياً.. سيراميكا كيلوباترا يعلن رحيل أحمد ياسر ريان
  • ياسر إدريس يهدي رئيس الاتحاد الدولي لألعاب الماء قلادة اللجنة الأولمبية المصرية
  • الرئيس السيسي يستقبل رئيس هيئة الأركان المشتركة الأمريكية 
  • لا جديد في الخطاب ، ربنا يكون في العون ، ربنا يستر