بوابة الوفد:
2025-01-17@23:21:19 GMT

القضاء والقدر

تاريخ النشر: 17th, July 2024 GMT

القضاء والقدر عقيدة من عقائد الإسلام التي يتحقق بها الإيمان بوجود الله ومشيئته في كونه . وهي عقيدة قد تصنف في إطار ما يعرف في الإسلام بالغيبيات، أي الحقائق الغيبية التي يؤمن بها المسلم بالوحي عن الله، مثل الإيمان بالله والملائكة والحساب، لكن مفهوم القضاء والقدر كذلك مرتبط بحركة الإنسان في الحياة وسلوكياته في العقيدة والعبادة والحياة والأخلاق.

ثروت الخرباوي: التطرف ليس من الإسلام في شيء نادي" بيتا" حدائق أكتوبر يدشن ندوات لنشر تعاليم ومفاهيم الإسلام الصحيحة

والقضاء والقدر كمفهوم إسلامي، أساء بعض المسلمين فهمه حين تواكلوا بداعي القدر ولم يأخذوا بالأسباب، حتى اعتبر بعض خصوم الإسلام أن هذا الاعتقاد أحد أسباب تخلف المسلمين عن ركب الحضارة . والقضاء والقدر، كما يقول الداعية الدكتور محمد الراوي، عضو مجمع البحوث الإسلامية معناه ببساطة أنه لا يقع في كون الله إلا ما يقدره ويريده، فالكون والرزق والحياة والموت، من قدر الله وقضائه، وهذا الإيمان مرتبط بوجود الله وقدرته وعلمه وحكمته وكل صفات الكمال والجلال . والقضاء والقدر هو من الإيمان المكمل للإيمان بالله والإيمان بكل العقائد والغيبيات، وقد أجمل الرسول معنى الإيمان، فقال في الحديث: أن تؤمن بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر وتؤمن بالقدر خيره وشره .

والإيمان بالقضاء والقدر هو التجسيد الفعلي لإيمان المسلم بطلاقة قدرة الله في الكون والخلق والتقدير، فهو كما يقول الخالق: الذى خلق فسوى، والذى قدر فهدى وهو المقدر لأحداث الناس في الحاضر والمستقبل، يقول الحق: ما يعزب عن ربك من مثقال ذرة في الأرض ولا في السماء ولا أصغر من ذلك ولا أكبر إلا في كتاب مبين . وهو القادر في خلقه كما يقول رب الكون: وربك يخلق ما يشاء ويختار ما كان لهم الخيرة سبحان الله وتعالى عما يشركون، وربك يعلم ما تكن صدورهم وما يعلنون، وهو الله لا إله إلا هو له الحمد في الأولى والآخرة وله الحكم وإليه ترجعون . وبقدر الله وقضائه يؤمن المسلم بأن ما فاته لم يكن ليصيبه وما أصابه لم يكن ليفوته، ورب الخلق يقول: قل اللهم مالك الملك تؤتي الملك من تشاء وتنزع الملك ممن تشاء وتعز من تشاء وتذل من تشاء بيدك الخير إنك على كل شيء قدير .

علاج لشقاء الناس والقضاء والقدر ليس فقط أساس الإيمان، بل هو في المفهوم الإسلامي مصدر السعادة والعلاج الرباني لشقاء الناس وتعاستهم . فإذا اغتر البعض بالمال أو العلم، فرب الأقدار يقول: تبارك الذي بيده الملك وهو على كل شيء قدير، ويقول: والله أخرجكم من بطون أمهاتكم لا تعلمون شيئاً وجعل لكم السمع والأبصار والأفئدة لعلكم تشكرون . والقضاء والقدر يعني رضا المؤمن عن كل ما قدر له، لأنه يشعر بنعم الله كلها وإن تعدوا نعمة الله لا تحصوها . ويظن في كل شيء الخير: فعسى أن تكرهوا شيئاً ويجعل الله فيه خيراً كثيرا .

وهو سعيد برزقه، سواء في حال ثرائه أو حال فقره . وفي السماء رزقكم وما توعدون، فورب السماء والأرض إنه لحق مثل ما أنكم تنطقون . فواجب الإنسان مع القدر هو التصديق والتسليم بما قدره الخالق فيما ليس للإنسان فيه يد . والرسول صلى الله عليه وسلم علمنا شعار المؤمن، ففي الحديث الصحيح أن المؤمن يقول: قدر الله وما شاء فعل، فإن لو تفتح عمل الشيطان، وفي حديث آخر قال رسول الله: من سعادة المرء استخارته ربه، ورضاه بما قضى، ومن شقاء المرء تركه الاستخارة وعدم رضاه بعد القضاء . وهكذا ينسجم المؤمن بإيمانه بقدر الله وقضائه مع كل نواميس الكون، مع الحياة والموت، ومع الصحة والمرض، ومع الفقر والغنى، ومع العلم والجهل، ومع الضيق والسعة، وفي الحديث: عجباً لأمر المؤمن، إن أمره كله خير، وليس ذلك لأحد إلا للمؤمن، إن أصابته سراء شكر، فكان خيراً له، وإن أصابته ضراء صبر فكان خيراً له . فهم خاطئ والأثر الرائع للإيمان بالقضاء والقدر . كما يقول الشيخ الراوي . لا يتحقق إلا بالفهم الصحيح لهذه العقيدة الإسلامية ذلك أن من أخطر جوانب الفهم الخاطئ للقضاء والقدر أن يقصر الإنسان ويتهرب من التكاليف الشرعية بحجة أن هذا من قدر الله، وهذا المعنى غير جائز، سواء في التكاليف الإيمانية أو في الأسباب المادية في دنيا العمل والإبداع . ومثل هذا السلوك عابه القرآن كثيرا على بعض المتهربين من الدين بهذه الحجة يقول الحق: وقالوا لو شاء الرحمن ما عبدناهم ما لهم بذلك من علم إن هم إلا يخرصون، أم آتيناهم كتابا من قبله فهم به مستمسكون . وقد شدد الإسلام على أن الإيمان بالقضاء والقدر لا بد أن يصحبه تصديق بدلالات هذا الإيمان، وهو القول والعمل، وفي هذا لخص الإسلام مفهوم الإيمان بأنه ما وقر في القلب وصدقه العمل، وقال بهذا عدد من علماء الأمة العظام، حيث قرروا أن الإيمان مركب من التصديق بالقلب والإقرار باللسان والأعمال التكليفية العملية، وفي هذا المعنى نفهم حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم إن قوماً غرتهم الأماني حتى خرجوا من الدنيا ولا حسنة لهم، وقالوا: كنا نحسن الظن بالله، وكذبوا، لو أحسنوا الظن لأحسنوا العمل . بين التخيير والتسيير وفي سياق فهم عقيدة القضاء والقدر، يتوقف الشيخ محمد الراوي عند حديث البعض عن أحد جوانب هذه العقيدة، وهو مسألة: هل الإنسان مسير أم مخير؟ وبالتالي ما علاقة فعل الإنسان وعمله بما قضاه الله وقدره؟ يقول: ليس مقبولاً من الناحية الإيمانية والواقعية الخوض في هذا الأمر، فالقضاء والقدر عقيدة غيبية مرتبطة بالإيمان بوجود الخالق المدبر، وقد ضل كثير من الخلق جراء هذا الخوض، ولهذا قال الرسول في هذا الموضوع: أبهذا أمرتم أم بهذا بعثت فيكم؟! إنما هلك من كان قبلكم بالمراء . أما الإنسان فهو كما نرى مسير فيما ليس له فيه اختيار، ومخير فيما له فيه قدرة على الاختيار . وله القدرة على الفعل فيما له فيه قدرة على الفعل، والله تعالى أتاح للإنسان أن يختار أمانة الله فاختار، قال الخالق: إنا عرضنا الأمانة على السماوات والأرض والجبال فأبين أن يحملنها وأشفقن منها وحملها الإنسان . 

 

المصدر: بوابة الوفد

كلمات دلالية: القضاء والقدر الإيمان قدر الله کما یقول من تشاء له فیه فی هذا

إقرأ أيضاً:

القبيلة اليمنية حضورُها مشرّف عبر التاريخ

القاضي/ علي يحيى عبد المغني

تُعرف القبيلة اليمنية بأنها كيانٌ منظمٌ، تحكمه أعراف وأسلاف؛ تعتبر كصورةٍ أوليةٍ عن القوانين الوضعية المعروفة اليوم، وقد كشفت كُـلّ النقوش اليمنية القديمة، جزءًا من هذه الأعراف التي غطت كافة جوانب الحياة الأمنية والعسكرية والإدارة والقضاء، والزراعة والتجارة.. وغيرها.

ولا تزال القبيلة اليمنية تحتفظ بهذه الأعراف والأسلاف وتمارسها حتى اليوم، إذ لم تكن قبائل فوضوية تعيش في الصحراء، أَو تتقاتل فيما بينها إلا في مراحل متأخرة من العصر الجاهلي، بل كانت القبيلة اليمنية تمتلك نظامًا خاصًّا بالحكم يبدأ من الملك وينتهي بشيخ العزلة والقرية، وكانت ديانة أبنائها قبل الإسلام هي الديانة التوحيد “الإبراهيمية” قبل أن تفرضَ عليهم الديانة اليهودية في عهد الملك “ذو نواس” أواخر الدولة الحميرية.

ومن يقرأ النقوش القديمة المكتوبة بخط “المسند” سيجد أن اليمنيين عرفوا الصلاة والزكاة والحج قبل أن تشرع في الإسلام، ولذلك حينما اقتربت بعثة الرسول صلوات الله عليه وعلى آله، هاجرت قبيلتان يمنيتان هما “الأوس والخزرج” من اليمن إلى المدينة المنورة “يثرب” سابقًا، لمناصرته عند ظهوره، وهذا ما حدث فعلاً، فهما القبيلتان العربيتان الوحيدتان اللتان ناصرتا رسول الله صلوات الله عليه وعلى آله، بداية ظهور الإسلام.

ومع انتشار الإسلام أرسل رسول الله صلوات الله عليه وعلى آله، الإمام علي عليه السلام؛ إلى اليمن لدعوتهم إلى الإسلام، فاستجابت له كافة القبائل اليمنية، وظلت علاقتها بالإمام علي عليه السلام خَاصَّة؛ وذريته من بعده، قوية ومتينة وراسخة لقرونٍ طويلة، وهناك قبائل يمنية كثيرة ذكرها الإمام علي عليه السلام في شعره ونثره ومنها (همدان وأرحب وخولان) وغيرها.

حينما بدأ الإسلام يتوسع انطلق أبناء القبائل اليمنية بأعدادٍ كبيرةٍ في الفتوحات الإسلامية، واستوطنوا الكثير من الأمصار والبلدان التي فتحوها، ولذلك لا نجد بلدًا من البلدان أَو شعبًا من الشعوب العربية والإسلامية إلا وفيها قبائل تعود أصولها إلى اليمن، وحينما انحرف “بنو أمية وبنو العباس” بالخلافة الإسلامية وحولوها إلى وراثة ملكية استقلت اليمن عنها قبل غيرها من البلدان الأُخرى.

وفي نهاية القرن الثاني الهجري تقريبًا ذهبت بعض القبائل اليمنية إلى المدنية المنورة، وبايعت الإمام “الهادي إلى الحق يحيى بن الحسين عليه السلام”؛ على السمع والطاعة، وكان أول إمامٍ من أئمة أهل البيت عليهم السلام يحكم اليمن، وكان نظام الحكم في اليمن يقوم على مبدأ الرأي والمشورة، فمن تتوفر فيه شروط الحكم (الإمامة)، ويجمع عليه أهل الحل والعقد من العلماء والمشايخ والوجهاء؛ هو من يحكم اليمن.

كما تعتبر اليمن أول بلدٍ عربي عرف نظام الحكم المحلي واسع الصلاحيات، فكل قبيلةٍ هي من تدير شؤنها، وتحفظ أمنها، وتحل خلافاتها، يرأسها شيخ من أبنائها كان المسؤول عنها أمام الحكومة في صنعاء المعنية بالشؤون الخارجية والعلاقات الدولية، وحينما كانت تضعف الحكومة أَو تتعرض صنعاء لتهديدات خارجية كانت القبيلة اليمنية هي من تتصدر المواجهة، لذلك لم يتمكّن أي غازٍ أَو معتدٍ من احتلالها عبر التاريخ.

وكونها تملك ما تملكه الدولة من المقاتلين والسلاح وغيره، لم تضعف القبيلة اليمنية إلا من خلال النظام السابق الذي أوجد الخلافات والأحقاد وأجج الثارات بين كافة القبائل، ليتمكّن من السيطرة عليها، وإخضاعها للقوى الإقليمية والدولية، لكن ومع قيام ثورة الـ 21 من سبتمبر، ظهرت قيادة ثورية وطنية مخلصة ألتفت حولها كافة القبائل اليمنية، ووقفت إلى جانبها للدفاع عن اليمن، ضد قوى تحالف العدوان الإقليمي والدولي.

هُنا قدمت القبيلة اليمنية خيرة أبنائها شهداء في سبيل الله، وقدمت القوافل الكبيرة والكثيرة من المال والرجال على مدى عشر سنوات، فمنذُ سقوط حكومة الانبطاح والعمالة في صنعاء في سبتمبر 2014م، ومع بداية العدوان السعوأمريكي 2015م، وانهيار المنظومة العسكرية والأمنية، والتحاق أغلب القيادات السابقة “سياسية وحزبية وعسكرية وأمنية” وغيرها، إلى مربع العدوان، لم يتبق للدفاع عن اليمن سوى القبيلة اليمنية، التي انتصرت للأرض اليمنية، وانتصرت لمشروع ثورة الـ 21 من سبتمبر، وانتصر الجيش واللجان الشعبيّة، وانتصر الشعب اليمني كافة؛ رغم التضحيات الكبيرة.

اليوم؛ ها هي القبيلة اليمنية تؤكّـد مجدّدًا جهوزيتها العالية للدفاع عن اليمن والوقوف بحزم ضد الأطماع الأمريكية والصهيونية وأدواتهم المحلية، وتستعرض جزءًا بسيطًا من قوتها البشرية والعسكرية خلال وقفاتها وتظاهراتها الشعبيّة المسلحة التي نفذتها وتنفذها خلال معركة “الفتح الموعود والجهاد المقدس”.

وهذا ما جعل قائد الثورة يحفظه الله؛ يثني على القبيلة اليمنية، مشيدًا بدورها وجهوزيتها العالية، خلال خطابه الأخير الخميس الماضي، والموجه لكافة الشعوب العربية والإسلامية، والذي يدعوها فيه للالتحاق بركب أبناء القبائل اليمنية، والقيام بدروها وواجبها في نصرة القضية الفلسطينية، ورفع الظلم والمعاناة الذي حَـلّ بسكان قطاع غزة، حتى لا تتعرض لما تعرض له الشعب الفلسطيني، فالعدوّ لن يردعه ويوقفه عند حده إلا الجهاد في سبيل الله.

* أمين عام مجلس الشورى

مقالات مشابهة

  • حكم حجاب المرأة المسلمة في الإسلام
  • مفتي الجمهورية: الإنسان لا يدرك الحكمة الإلهية وراء القضاء والقدر| فيديو
  • رحلة النبي (2) الإسراء والمعراج: أهمية المسجد الحرام والأقصى في الإسلام
  • المفتي: الرحمة الإلهية مشروطة بالتقوى والصدق في الإيمان.. فيديو
  • مفتي الجمهورية: الإيمان بالله أساس مشترك بين الأديان السماوية.. فيديو
  • رجب.. خصائص الأشهر الحرم وأهميتها في الإسلام
  • التكفير في الإسلام.. كيف يمكن أن يؤدي إلى انقسامات اجتماعية.. فيديو
  • حفظ العهد من الإيمان
  • لماذا يُكبّر المسلمون عند الفرح والسرور؟.. علي جمعة يوضح
  • القبيلة اليمنية حضورُها مشرّف عبر التاريخ