فى صباح الثانى من يوليو 2013، أصدرت محكمة النقض حكمها بإعادة المستشار عبد المجيد محمود إلى منصبه كنائب عام شرعى، ومن ثم فقد ثم عزل النائب العام المعين من قبل جماعة الإخوان (المستشار طلعت إبراهيم عبد الله).

المستشار عبد المجيد محمود

لقد تجمعنا فى هذا اليوم فى نادى القضاة، والتقيت مطولًا بالمستشار أحمد الزند رئيس النادى والذى كان له دوره الكبير فى الحشد الجماهيرى والثورة على نظام الإخوان، وبعد قليل وصل إلينا المستشار عبد المجيد محمود وكان فى استقباله المستشار الزند وعدد كبير من رجال النيابة العادلة والقضاة.

المستشار أحمد الزند

وكانت قضية المستشار عبد المجيد محمود الاعتداء على السلطة القضائية والمحكمة الدستورية هى واحدة من أخطر الأزمات التى كانت واحدة من مشاكل عديدة تسببت فيها جماعة الإخوان ومندوبها فى قصر الرئاسة.

• • •

ثورة 30 يونيو.. الطريق إلى استعادة الدولة

كان يوم الأربعاء الثالث من يوليو، يومًا حاسمًا فى تاريخ البلاد، صحوت فى نحو الرابعة صباحًا، لم أنم أكثر من ساعتين فى هذا اليوم، ظللت أتابع الأحداث وردود الفعل، وكنت على ثقة أن الجيش سيضع اليوم حدًا فاصلًا لما يجرى فى الشارع من تظاهرات وأعمال قتل وتخريب.

فى هذا الصباح اتصلت بى د.فايزة أبو النجا وزير التخطيط والتعاون الدولى سابقًا، وسألتنى عن توقعاتى، فقلت لها إننى أتوقع اليوم تحركًا عسكريًا بعد انتهاء مدة الـ48 ساعة فى الرابعة عصرًا، وسيكون هذا التحرك لصالح الشعب وحماية الدولة.

الدكتورة فايزة أبو النجا

قالت لى: وأنا أشاركك هذا التوقع.

كان القائد العام قد طلب فى هذا الوقت تكليف د.أحمد فهمى رئيس مجلس الشورى ود.محمد سليم العوا بدء اتصالات مع محمد مرسى لإقناعه بقبول مطالب الشعب، لإنهاء الأزمة، إلا أن الاتصالات لم تجدِ نفعًا.

وفى العاشرة من صباح هذا اليوم اتصل اللواء عباس كامل مدير مكتب القائد العام فى هذا الوقت، بالدكتور أحمد فهمى رئيس مجلس الشورى.

اللواء عباس كامل

وبالفعل توجه رئيس مجلس الشورى إلى دار الحرس الجمهورى، حيث التقاه د.سليم العوا هناك، والتقى الاثنان بالرئيس مرسى، وعرض عليه أحمد فهمى مضمون الطلب المكلف به، إلا أن الرئيس مرسى أبلغه استعداده للموافقة على تشكيل حكومة جديدة برئاسة السيسى والإعلان عن موعد الانتخابات البرلمانية بعد عدة أشهر، إلا أنه يعترض على إجراء الاستفتاء على الانتخابات المبكرة، وأنه مستعد لذلك، شريطة أن يتم الاستفتاء فى أعقاب إجراء الانتخابات البرلمانية وتشكيل الحكومة الجديدة بعد عدة أشهر.

دار حوار مطول بين أحمد فهمى والعوا مع مرسى للوصول إلى حل وسط، إلا أنه رفض وبعناد شديد الموافقة على الاستفتاء وطلب منه أن يبلغ هذا الموقف إلى القائد العام باعتباره موقفه النهائى.

بعد أن غادر د.أحمد فهمى ود.سليم العوا دار الحرس الجمهورى، اتصل أحمد فهمى باللواء عباس كامل وطلب منه إبلاغ السيسى بعدم موافقة مرسى على إجراء استفتاء عاجل على الانتخابات الرئاسية المبكرة مع استعداده لتنفيذ هذا المقترح ولكن بعد إجراء الانتخابات البرلمانية وتشكيل الحكومة الجديدة.

أبلغ القائد العام أعضاء القيادة العامة للقوات المسلحة على ما دار بينه وبين مرسى، ورفضه الاستجابة للمطالب، أدرك الجميع أن لم يعد أمامهم من خيار سوى التدخل للحيلولة دون دخول البلاد فى حرب أهلية، خاصة أن الجماهير بدأت تزحف إلى مبنى وزارة الدفاع للمطالبة بتدخل الجيش لحماية البلاد.

وبعد مناقشة الأمر، تم البدء فى دعوة الشخصيات المحددة وهم: شيخ الأزهر وبابا الكنيسة المرقسية، ورئيس مجلس القضاء الأعلى، ود.محمد البرادعى الذى تم تفويضه من قِبل جبهة الإنقاذ، وممثلة للمرأة، و3 ممثلين لشباب تمرد، بالإضافة إلى قادة الأفرع الرئيسية للقوات المسلحة، والقائد العام.

وقامت الجهة المعنية بإجراء اتصال بالمستشار هشام بدوى رئيس محكمة الجنايات فى هذا الوقت لصياغة بيان خارطة الطريق، إلا أنه اعتذر لأنه ليس قاضيًا دستوريًا، ورشح المستشارة تهانى الجبالى التى تم الاتصال بها، وانتقلت على الفور إلى الجهة المعنية.

واستعانت وزارة الدفاع من جانبها بالمستشار ماهر البحيرى أحد أبرز قضاة المحكمة الدستورية، ثم جرى بعد ذلك دمج البيانين فى صيغة واحدة وأدخل الفريق أول عبد الفتاح السيسى بعض التعديلات والإضافات.

فى هذا الوقت علمت من مصادرى الخاصة أن البيان سيذاع فى الرابعة والنصف مساء، وعندما سئلت من بعض الفضائيات عن السيناريو المتوقع، قلت لهم إن البيان سيذاع بعد عصر اليوم، وإن هناك اتجاهًا لاختيار رئيس المحكمة الدستورية العليا المستشار عدلى منصور لإدارة شئون البلاد فى الفترة الانتقالية.

لم يصدق الكثيرون أن القرار سيُحسم بهذه السهولة، وكان الأمر المثير والغريب، أن القوات المسلحة أعطت إشارة واضحة بأنها تنوى اتخاذ قرارات حاسمة من بينها دعوة القوى السياسية لإعداد خارطة طريق، أى وضع نظام حكم جديد للبلاد، وكان ذلك قبل الموعد المحدد بـ48 ساعة، ومع ذلك ظل الإخوان على يقين أن الجيش لن يستطيع أن يفعلها حتى فوجئوا بتطورات الأحداث.

لقد ظللت فى هذا اليوم أتابع تطورات الأحداث وأحللها من الرابعة مساء إلى نحو الثامنة مساء مع المذيعة ياسمين سعيد على قناة الحياة، باعتبار أن القرار قد اتُّخذ، وأن حكم الإخوان قد سقط وأن بيان انحياز الجيش للثورة سوف يصدر بعد قليل.

وكانت المذيعة فى دهشة من الأمر، وتطرح دومًا سؤالًا متكررًا: وهل أنت على ثقة من ذلك؟ فكانت الإجابة: نعم على ثقة من ذلك.

• • •

كانت الاستعدادات فى هذا الوقت قد اكتملت، لقد تم الاتصال بالدكتور محمد سعد الكتاتنى رئيس حزب الحرية والعدالة الإخوانى للمشاركة فى إعلان البيان، إلا أن تعليمات صدرت للكتاتنى برفض المشاركة جملة وتفصيلًا.

كانت مصر كلها فى انتظار الحدث الذى سيمثل نقطة تحول فى تاريخ هذا البلد، كانت الآمال معلقة بالقرار الذى سيتم اتخاذه، لقد انتهت المدة المحددة فى الرابعة والنصف مساء، وبدأ القلق يتسلل إلى النفوس، وراحت الأسئلة تلاحق بعضها، وكنت أحاول على قدر المستطاع أن أجيب عليها من شاشة قناة الحياة.

لقد تردد فى البداية أن إعلان البيان سيتم فى الرابعة، ثم قيل فى السابعة، ثم الثامنة، حتى تم فى التاسعة والنصف من مساء ذات اليوم، وخلال هذه الفترة كانت الشائعات لا تتوقف، وكانت عقول الناس فى انتظار الحدث الذى سيحدد مصير الوطن بأسره.

كان الإخوان قد طلبوا فى هذا الوقت مهلة لمدة يومين آخرين لإنهاء الأزمة، إلا أن المعلومات التى رصدها جهاز الأمن القومى فى هذا الوقت، أكدت أن الإخوان قد أعدوا قوائم للاعتقال والاغتيال مساء الأربعاء 3 يوليو وصباح الخميس..

وقد استطاع جهاز الأمن القومى من خلال رصد بعض هذه المكالمات أن يتوصل إلى المعلومات كاملة وأن يبلغها إلى القائد العام للقوات المسلحة.

كانت الأجهزة الأمنية قد أعدت قائمة كاملة بأسماء العناصر الحركية الناشطة والمتورطة فى خلق الأزمات وأعمال العنف فى البلاد، وقبيل أن يعلن القائد العام بيانه كانت أسماء هؤلاء قد أُدرجت على قوائم الممنوعين من السفر على المطارات والموانئ، بينما بدأت الجهات الأمنية الاستعداد لحملات اعتقال لهذه العناصر التى هددت بإشعال أعمال العنف والتخريب فى البلاد.

وفى نفس الوقت الذى استعد فيه السيسى لإعلان البيان التاريخى، طلب اللواء محمد زكى قائد الحرس الجمهورى من محمد مرسى الدخول إلى الفيلا، لأن هناك أمرًا عسكريًا باحتجازه، فراح يصرخ: انتوا مين، أنا القائد الأعلى للقوات المسلحة، وأنا آمرك بأن تتوقف عن هذا الفعل وإلا فإننى سأحاكمك محاكمة عسكرية، انت والسيسى وكل المتورطين..

حاول اللواء محمد زكى إفهامه الأمر، وقال له إن الجيش قد انحاز إلى الشعب، وإن الفريق أول عبد الفتاح السيسى يعلن الآن خارطة الطريق فى حضور القوى السياسية والأزهر والكنيسة والقضاء، إلا أنه لم يصدق، وظل يردد: أنا الرئيس الشرعى المنتخب، أنا القائد الأعلى للقوات المسلحة، أنا سأحاكمكم، ولن أسكت عليكم أبدًا، وإن المجتمع الدولى سيجبركم على التراجع.

وعندما لم يجد مرسى استجابة، راح يطلب ضرورة أن يصاحبه فى الإقامة داخل الفيلا، كل من السفير محمد رفاعة الطهطاوى رئيس الديوان وأسعد الشيخة نائب رئيس الديوان، وقد تحقق له مطلبه بالفعل، بينما تم احتجاز الأشخاص الآخرين داخل مبنى الحرس الجمهورى، وتم السماح لأفراد أسرته الذين كانوا يصاحبونه بمغادرة المبنى إلى منزلهم.

• • •

فى تمام التاسعة من مساء الأربعاء الثالث من يوليو وقف الفريق أول عبد الفتاح السيسى يلقى بيان القوات المسلحة لخارطة طريق المرحلة الانتقالية بحضور الفريق صدقى صبحى رئيس الأركان وبعض من الأفرع الرئيسية للقوات المسلحة، وأيضًا بحضور شيخ الأزهر د.أحمد الطيب والأنبا تواضروس والدكتور محمد البرادعى الأمين العام لجبهة الإنقاذ المعارضة وسكينة فؤاد ـ مساعد رئيس الجمهورية السابق ـ التى سبق أن قدمت استقالتها، ومحمود بدر ومحمد عبد العزيز من قادة حركة تمرد وغيرهم.

لقد أكد البيان التاريخى للقوات المسلحة عددًا من القرارات المهمة هى:

١ ـ أن القوات المسلحة لم يكن فى مقدورها أن تصم آذانها أو تغض بصرها عن حركة ونداء جماهير الشعب التى استدعت دورها الوطنى وليس دورها السياسى، على أن القوات المسلحة كانت هى بنفسها أول من أعلن ولاتزال وسوف تظل بعيدة عن العمل السياسى.

٢ ـ لقد استشعرت القوات المسلحة ـ انطلاقًا من رؤيتها الثاقبة ـ أن الشعب الذي يدعوها لنصرته لا يدعوها لسلطة أو حكم وإنما يدعوها للخدمة العامة والحماية الضرورية لمطالب ثورته، وتلك هى الرسالة التي تلقتها القوات المسلحة من كل حواضر مصر ومدنها وقراها، وقد استوعبت بدورها هذه الدعوة وفهمت مقصدها وقدَّرت ضرورتها واقتربت من المشهد السياسى آملة وراغبة وملتزمة بكل حدود الواجب والمسئولية والأمانة.

3 ـ لقد بذلت القوات المسلحة خلال الأشهر الماضية جهودًا مضنية بصورة مباشرة وغير مباشرة لاحتواء الموقف الداخلي وإجراء مصالحة وطنية بين كافة القوي السياسية بما فيها مؤسسة الرئاسة منذ نوفمبر 2012 بدأت بالدعوة لحوار وطنى استجابت له كل القوى السياسية والوطنية وقوبل بالرفض من مؤسسة الرئاسة فى اللحظات الأخيرة، ثم تتابعت وتوالت الدعوات والمبادرات من ذلك الوقت حتى تاريخه.

4 ـ تقدمت القوات المسلحة أكثر من مرة بعرض تقدير موقف استراتيجى على المستويين الداخلى والخارجى تضمن أهم التحديات والمخاطر التى تواجه الوطن على المستوى الأمنى والاقتصادى والسياسى والاجتماعى، ورؤية القوات المسلحة كمؤسسة وطنية لاحتواء أسباب الانقسام المجتمعى وإزالة أسباب الاحتقان ومجابهة التحديات والمخاطر للخروج من الأزمة الراهنة.

5 ـ فى إطار متابعة الأزمة الحالية اجتمعت القيادة العامة للقوات المسلحة بالسيد رئيس الجمهورية فى قصر القبة يوم 22 يونية 2013، حيث عرضت رأي القيادة العامة ورفضها الإساءة لمؤسسات الدولة الوطنية والدينية، كما أكدت رفضها ترويع وتهديد جموع الشعب المصرى.

6 ـ لقد كان الأمل معقودًا على وفاق وطني يضع خارطة مستقبل ويوفر أسباب الثقة والطمأنينة والاستقرار لهذا الشعب بما يحقق طموحه ورجاءه، إلا أن خطاب السيد الرئيس ليلة أمس وقبل انتهاء مهلة الـ48 ساعة) جاء بما لا يلبى ويتوافق مع مطالب جموع الشعب، الأمر الذى استوجب من القوات المسلحة، استنادًا إلى مسئوليتها الوطنية والتاريخية، التشاور مع بعض رموز القوى الوطنية والسياسية والشباب ودون استبعاد أو إقصاء لأحد.. حيث اتفق المجتمعون على خارطة مستقبل تتضمن خطوات أولية تحقق بناء مجتمع مصرى قوى ومتماسك لا يُقصى أحدًا من أبنائه وتياراته وينهى حالة الصراع والانقسام.. وتشتمل هذه الخارطة على الآتى:

ـ تعطيل العمل بالدستور بشكل مؤقت.

ـ يؤدى رئيس المحكمة الدستورية العليا اليمين أمام الجمعية العامة للمحكمة.

ـ إجراء انتخابات رئاسية مبكرة، على أن يتولى رئيس المحكمة الدستورية العليا إدارة شئون البلاد خلال المرحلة الانتقالية لحين انتخاب رئيس جديد.

ـ لرئيس المحكمة الدستورية سلطة إصدار إعلانات دستورية خلال المرحلة الانتقالية.

ـ تشكيل حكومة كفاءات وطنية قوية وقادرة تتمتع بجميع الصلاحيات لإدارة المرحلة الحالية.

ـ تشكيل لجنة تضم كافة الأطياف والخبرات لمراجعة التعديلات الدستورية المقترحة على الدستور الذي تم تعطيله مؤقتًا.

ـ مناشدة المحكمة الدستورية العليا سرعة إصدار مشروع قانون انتخابات مجلس النواب والبدء فى إجراءات الإعداد للانتخابات البرلمانية.

ـ وضع ميثاق شرف إعلامى يكفل حرية الإعلام ويحقق القواعد المهنية والمصداقية والحيدة وإعلاء المصلحة العليا للوطن.

ـ اتخاذ الإجراءات التنفيذية لتمكين ودمج الشباب فى مؤسسات الدولة ليكون شريكًا فى القرار كمساعدين للوزراء والمحافظين ومواقع السلطة التنفيذية المختلفة.

ـ تشكيل لجنة عليا للمصالحة الوطنية من شخصيات تتمتع بمصداقية وقبول لدى جميع النخب الوطنية وتمثل مختلف التوجهات.

ـ تهيب القوات المسلحة بالشعب المصرى العظيم بكافة أطيافه الالتزام بالتظاهر السلمى وتجنب العنف الذي يؤدي إلى مزيد من الاحتقان وإراقة دم الأبرياء، وتحذر من أنها ستتصدى -بالتعاون مع رجال وزارة الداخلية- بكل قوة وحسم لأى خروج عن السلمية طبقًا للقانون وذلك من منطلق مسئوليتها التاريخية والوطنية.

وفى هذا الاجتماع تحدث شيخ الأزهر فأكد أن مصر الآن أمام أمرين أحلاهما مر وأشدهما صدام الشعب، وأكد البابا تواضروس أن التوافق حول خارطة الطريق لحل الأزمة استهدف عدم إقصاء أحد، أما البرادعى فقد أكد فى كلمته أن خارطة الطريق هى تصحيح لمسار ثورة 25 يناير، وأكد محمود بدر على المعانى نفسها وكذلك الآخرون.

كان الحرس الجمهورى قد قرر احتجاز محمد مرسى فى هذا الوقت داخل دار الحرس الجمهورى ومعه بعض مستشاريه ومساعديه.

وفى هذا المساء راح نجله «أحمد» يركب إحدى سيارات الرئاسة ويلف بها فى فناء دار الحرس الجمهورى بطريقة جنونية غير مصدق لما جرى، كان يسب الجميع بألفاظ فاحشة، إلَّا أن اللواء محمد زكى قائد الحرس طلب عدم التعرض له.

لقد عمَّت الفرحة الشارع المصرى، تدفق الملايين إلى الشوارع يحتفلون بقرار القيادة العامة للقوات المسلحة، لم يصدق البعض وقائع ما حدث، شعروا أنهم كانوا يعيشون كابوسًا رهيبًا، كانوا على ثقة أن مصر قد خُطفت منهم، وأن الجيش أعاد إليهم الوطن والحياة.

ارتفعت أعلام مصر وصور السيسى فى كل مكان، خرجت مظاهرات فى العديد من البلدان العربية تعلن تضامنها مع الشعب المصرى وتهنئه بسقوط حكم الإخوان.

أصيب الإخوان وحلفاؤهم بصدمة عنيفة، تساءلوا فى دهشة: كيف استطاع السيسى أن يفعلها؟! عم الصراخ المحتشدين فى رابعة، انطلقت هتافاتهم تدوى وتطالب بالثورة على من أسموهم بقادة «الانقلاب»، أصدر عصام الحداد بيانات يطالب فيها بالتدخل الأجنبى لإعادة الرئيس المعزول إلى منصبه، اجتماعات سرية لجماعات إخوانية وتكفيرية، عمليات هروب القيادات الإخوانية والاختفاء عن الأنظار، القبض على بعض القيادات وكان من أبرزها المرشد السابق محمد مهدى عاكف و4 من حراسه ود.محمد سعد الكتاتنى رئيس حزب الحرية والعدالة.

وفى هذا الوقت أعلن مسئول بحزب الحرية والعدالة فى بيان صادر عن الحزب رفض ما أسماه بـ«الانقلاب العسكرى» الذى قام به وزير الدفاع وعطَّل به الدستور، وعزل رئيس الجمهورية المنتخب وقيامه بتعيين قيادة جديدة لإدارة شئون البلاد.

وقد حذر الحزب فى بيانه من أنه سيقف بكل حسم ضد ما أسماه بـ«الانقلا العسكرى»، وأنه لن يتعاون مع إدارة البلاد الحالية التى قال إنها اغتصبت السلطة وأنه سيظل يعمل لعودة الشرعية مع كل القوى الرافضة لـ(الانقلاب)، وأنه يطالب جميع القوى الشعبية والحزبية بإعلان مواقفها الواضحة القاطعة إما مع إرادة الشعب الحرة، وإما مع انقلاب عسكرى كامل على الإرادة الشعبية.

وقال الحزب إنه سيظل مشاركًا فى جميع الفعاليات السلمية الرافضة للانقلاب وسط الشعب وضد الممارسات القمعية التى أطلَّت برأسها وضد القتل الممنهج الذى بدأته قوات الأمن ضد المتظاهرين السلميين وضد إغلاق منافذ التعبير ومصادرة حرية الرأى التى بدأت باعتقال رئيس الحزب د.محمد سعد الكتاتنى ومطاردة بعض رموزه وقياداته.

• • •

فى هذا الوقت استأذن الفريق أول عبد الفتاح السيسى زملاءه وقرر الخروج من مبنى المخابرات الحربية متجهًا إلى منزل والدته فى مدينة نصر، مضى إلى هناك وسط الحشود التى راحت تتدفق فى الشوارع والميادين، ألقى بجسده فى حضنها، قبَّل يديها، فاضت دموعه، اختلطت بدموعها، وطلب منها الدعاء لمصر، وقرر العودة إلى مبنى المخابرات الحربية.

فى هذا الوقت أصدرت وزارة الداخلية بيانًا أكدت فيه دعمها الكامل والتام لبيان القيادة العامة للقوات المسلحة بكل ما تضمنه من خطوات وطنية وجادة وصادقة رسمت بحق خارطة طريق تبتغى مصلحة الوطن، وتحقق إرادة الشعب المصرى العظيم، وتنحاز لطموحاته المشروعة نحو مستقبل أفضل.

وشدد البيان على أن رجال الشرطة يؤكدون وقوفهم كتفًا بكتف مع رجال القوات المسلحة البواسل، تساندهم جموع أبناء الوطن لتحقيق أمن واستقرار البلاد، وقال: «إن الجميع على ثقة كاملة بأن سواعدهم الوطنية قادرة على بناء مصرنا التى نتمناها جميعًا، قوية أبية شامخة، آمنة».

وفى هذا الوقت دعا الرئيس الأمريكى باراك أوباما إلى اجتماع عاجل لمجلس الأمن القومى الأمريكى لبحث الموقف فى ضوء الأحداث التى تشهدها مصر.

وكانت الخارجية الأمريكية قد طلبت من السفيرة «آن باترسون» إجراء اتصالات مكثفة مع المسئولين المصريين لمعرفة آخر تطورات الموقف فى البلاد.

أما وزارة الدفاع الأمريكية، فقد أقامت غرفة عمليات للمتابعة، بينما أصدر رئيس هيئة الأركان الأمريكية بيانًا حذر فيه عواقب ما إذا جرى اعتبار عزل الجيش للرئيس مرسى انقلابًا، وقال: «إنها بلدهم على أى حال وسيجدون طريقهم، ولكن ستكون هناك عواقب كبيرة إذا أسىء التعامل مع الأمر، هناك قوانين تحكم كيفية تعاملنا مع هذه الأنواع من المواقف».

وفى مقابل ذلك، صرح رئيس لجنة الشئون الخارجية فى مجلس النواب الأمريكى قائلًا: «إن الاستقرار فى مصر بالغ الأهمية، لأمن أمريكا وحلفائها فى الشرق الأوسط، ووصف الرئيس المعزول محمد مرسى بالعقبة أمام الديمقراطية الدستورية التى يريدها معظم المصريين».

لقد حدث انقسام فى الرأى بين أركان المؤسسة الأمريكية فى هذا الوقت، حيث كان جون كيرى وزير الخارجية وسوزان رايس مستشار الرئيس للأمن القومى أقرب إلى موقف أوباما المتشدد ضد انحياز الجيش للشعب، بينما كان «تشاك هيجل» وزير الدفاع وقادة الكونجرس يتخذون موقفًا يتسم بالمرونة ويرفضون التصعيد ضد النظام الجديد فى مصر.

وفى هذا الوقت، وتحديدًا فى الثانية صباحًا من بعد منتصف ليل الأربعاء، أجرى رئيس المخابرات المركزية الأمريكية اتصالًا برئيس المخابرات المصرية اللواء رأفت شحاتة وأبلغه رسالة من الرئيس باراك أوباما إلى الفريق أول عبد الفتاح السيسى القائد العام، تضمنت عدة نقاط أبرزها:

- أن الولايات المتحدة تأمل تحقيق الاستقرار فى مصر سريعًا، ولا تسعى إلى التدخل فى الشئون الداخلية للبلاد.

- أن الرئيس أوباما لا يرغب أن يكون للجيش أى دور فى الحياة السياسية وأن دوره يجب أن ينحصر فى حماية العملية السياسية ومتابعة تنفيذ خارطة الطريق والحرص على تحقيق المصالحة، وعدم إقصاء أى تيارات سياسية خصوصًا حزب الحرية والعدالة وجماعة الإخوان.

- أن الولايات المتحدة تتمنى عدم اللجوء إلى أى إجراءات استثنائية أو القبض على عناصر سياسية إلا فى إطار القانون، وأنه يجب الحرص على سلامة الرئيس السابق محمد مرسى وعدم اتخاذ أى إجراءات استثنائية ضده.

- أن الإدارة الأمريكية تقر بالحق فى التظاهر السلمى للتعبير عن المطالب المشروعة للمصريين وتحذر من أعمال العنف فى البلاد وتطلب حماية الرعايا الأمريكيين فى مصر.

- أن واشنطن ستتابع ما يجرى فى مصر لتقييم موقف الإدارة الجديدة، وأن الإدارة الأمريكية ستحدد مواقفها فى ضوء التطورات التى تشهدها البلاد.

لم يستطع اللواء رأفت شحاتة الاتصال بالقائد العام، فاتصل فى الثانية والنصف من فجر الخميس 4 يوليو بالفريق صدقى صبحى رئيس الأركان وأبلغه بمضمون الرسالة، فأعطاه اللواء محمود حجازى مدير المخابرات الحربية الذى كان يجلس إلى جواره لإبلاغه بمضمون رسالة أوباما إلى القائد العام.

فى هذا الوقت، وفى أعقاب انتهاء اجتماع مجلس الأمن القومى الأمريكى أصدر الرئيس أوباما بيانًا طالب فيه بالخروج الآمن للرئيس مرسى، وقال فى بيان صادر عن البيت الأبيض «إن مستقبل مصر، لا يمكن تحديده إلا من قِبل الشعب المصرى»، وقال: «نحن نشعر بقلق عميق تجاه قرار القوات المسلحة تنحية الرئيس مرسى من منصبه وتعليق العمل بالدستور، ولكن على الجيش المصرى التحرك بسرعة لإعادة السلطة الكاملة مرة أخرى إلى حكومة مدنية منتخبة ديمقراطيًا فى أقرب وقت ممكن من خلال عملية شاملة وشفافة وتجنب أى اعتقالات لمرسى وأنصاره».

وقال: «إننا نتوقع من الجيش ضمان حقوق جميع المصريين بما فى ذلك الحق فى التجمع السلمى والمحاكمات النزيهة أمام المحاكم المدنية، مشددًا على أن يكون الهدف من أى عملية سياسية هو تشكيل حكومة تحترم حقوق الأغلبية والأقلية، وتضع مصالح الشعب فوق مصلحة أى حزب أو فصيل»، وقال: «إلى أن يتحقق ذلك فإننى أحث جميع الأطراف على تجنب العنف والتوحد لضمان تحقيق الديمقراطية فى مصر».

لقد أدركت واشنطن أن رهانها على الإخوان قد سقط، فبدأت فى ممارسة الضغوط على القيادة المصرية الجديدة، إلا أن الفريق أول السيسى كان قد وقع اختياره وباتفاق الجميع على رئيس المحكمة الدستورية العليا لتولى شئون الحكم فى البلاد..

لقد انتصرت الثورة، وتمكن الجيش من حسم الأمر سريعًا، كان السيسى يدرك أن المعركة قادمة بلا محال، وأنه مستعد لتحمل أعبائها، وأن الجيش سيتصدى ويتحمل المسئولية نيابة عن الشعب، ولم يكن أمامه من خيار آخر، إنه قدر الرجال الذين تحملوا المسئولية وأنقذوا البلاد من خطر الانهيار والسقوط.

المصدر: الأسبوع

كلمات دلالية: مصطفى بكري عبدالفتاح السيسي 30 يونيو المستشار عبدالمجيد محمود رئیس المحکمة الدستوریة العلیا القیادة العامة للقوات المسلحة المستشار عبد المجید محمود القوات المسلحة خارطة الطریق الأمن القومى الشعب المصرى القائد العام فى هذا الوقت فى الرابعة هذا الیوم رئیس مجلس أحمد فهمى فى البلاد محمد مرسى أن الجیش وفى هذا إلا أنه على ثقة صباح ا على أن د محمد جمیع ا فى مصر إلا أن موقف ا

إقرأ أيضاً:

بالتزامن مع ذكرى تأسيس المؤتمر.. علي محسن الأحمر يدعو لإستلهام مبادئ "الميثاق الوطني"

دعا نائب رئيس الجمهورية السابق، الفريق أول ركن علي محسن صالح الأحمر، القوى اليمنية السياسية، الى استلهام مضامين ومبادئ "الميثاق الوطني" بالتزامن مع ذكرى تأسيس حزب المؤتمر الشعبي العام.

 

وقال علي محسن الأحمر في منشور له على منصة إكس: "في ذكرى تأسيس المؤتمر الشعبي العام 24 أغسطس 1982م، نستحضر تجربة سياسية تنظيمية مُلهمة، احتضنت كل فئات الشعب بمختلف تصنيفاتها وتوجهاتها، والتقى اليمنيون فيها على كلمة سواء، وأفضت التجربة خلال سنوات معدودة فقط إلى إحراز نجاحات غير مسبوقة، في تاريخ الجمهورية، في الأمن والاستقرار والتنمية".

 

 

واعتبر "محسن" عقد الثمانينات بأنه "عقد المؤتمر والدولة والإنجاز والتكاتف، حتى وصل الحال إلى خلو البلد من أي معارض أو معتقلٍ سياسي".

 

وأردف: "التهنئة لجماهير الشعب اليمني، بهذه المناسبة السياسية والحزبية، وهي فرصة مهمة لدعوة الجميع الى استلهام دروس هذه التجربة ومضامين ومبادئ "الميثاق الوطني" الخالدة، بما يحفظ لليمن مجده وتلاحم ووحدة أبنائه ضد توجهات العنصرية ومشاريع الاستعلاء والاستعباد، وفي مقدمتها توجه استنساخ الاثنى عشرية الطائفية وولاية الفقيه الدخيلة على هويتنا ومعتقدنا ونهج شعبنا الوسطي".


مقالات مشابهة

  • عمرو الحديدي يهاجم مترجم كولر.. لا يصح أن يكشف أسرار بيته (فيديو)
  • حبس سائق التريلا المتسبب فى حادث تصادم طريق القاهرة - الفيوم 4 أيام
  • مجلس القضاء الأعلى يستعرض خطة السلطة القضائية لإحياء ذكرى المولد النبوي الشريف
  • مدارس محافظة صنعاء تدشن فعاليات ذكرى المولد النبوي الشريف
  • انتصار للدولة.. مصطفى بكري يرد على مبادرة الإخوان لاعتزال السياسة
  • شهادات وذكريات.. يرويها مصطفى بكري: طريقي إلى صاحبة الجلالة
  • مصطفى بكري معلقا على مبادرة حلمي الجزار: «دليل على وصول الإخوان إلى مرحلة اليأس»
  • مصطفى بكري: عملية حزب الله ضد إسرائيل قد تكون بداية عمليات عسكرية موسعة بالمنطقة
  • مالك مصطفى يحقق برونزية لمصر في منافسات البطولة العربية للجودو بالعلمين
  • بالتزامن مع ذكرى تأسيس المؤتمر.. علي محسن الأحمر يدعو لإستلهام مبادئ "الميثاق الوطني"