غزة - خــاص صفا

وسط ويلات حرب الإبادة الجماعية الإسرائيلية المتواصلة على قطاع غزة، تتجلى قصص التفاني والشجاعة والبطولة في شهادات الأطباء الذين يُواصلون العمل ليلًا ونهارًا، رُغم نقص الإمكانيات الطبية، وتعرضهم لمخاطر وتحديات كبيرة. 

الطبيب تيسير الطنة استشاري جراحة الأوعية الدموية، رئيس قسم الأوعية الدموية في مجمع الشفاء الطبي واحد من الأطباء الذين ما زالوا يواكبون على مدار تسعة أشهر، مهمتهم الإنسانية في مدينة غزة، رافضًا النزوح القسري مع باقي زملائه إلى جنوبي القطاع.

 

تحدٍ وإصرار

يُصر الطنة على البقاء في مكان عمله وتكريس كل وقته وجهده في مداواة الجرحى وإنقاذ حياتهم، واضعًا أمام عينيه إيمانه بقضاء الله وقدرة دافعًا للبقاء.

لم توهن معاناة الحرب من عزيمته، بل زادته إصرارًا على تقديم المساعدة لأكثر من 600 ألف مواطن محاصر في محافظتي غزة والشمال.

بدءًا من السابع من أكتوبر/ تشرين أول الماضي، عمل الطنة على مدار 24 ساعة في مجمع الشفاء الطبي، ما أجبره على الابتعاد عن عائلته لنحو 25 يومًا، إلا أنه قرر لاحقًا إحضارهم إلى منزل أحد أقاربه في محيط مكان عمله، لضمان رعايتهم وتوفير احتياجاتهم الأساسية.

تحقيق وتهديد

يقول الطنة، في حديث لوكالة "صفا": "في الرابع عشر من نوفمبر/ تشرين ثاني 2023 حاصرت قوات الاحتلال مجمع الشفاء الطبي قبل اقتحامه، وكنت حينها أمارس عملي الإنساني في علاج المصابين، تحت القصف والقتل، وبقيت على هذا الحال حتى منتصف ديسمبر/ كانون أول 2023، إذ تعرضت إلى تحقيقٍ قاسٍ، وطلب مني الجنود النزوح إلى جنوبي القطاع، لكن قررت المخاطرة والعودة إلى بيتي".

لم يكن الطنة فقط الطبيب، بل كان أيضًا المأوى والداعم لأفراد عائلته، في ظل حرب الإبادة المستمرة، فكان الحاضن في بيته لإحدى شقيقاته وأطفالها الأربعة، بعد استشهاد زوجها وابنتها. 

ورغم التحقيق والتهديد الإسرائيلي، إلا أن الطبيب الطنة صمم على الاستمرار في ممارسة عمله الإنساني بمستشفى أصدقاء المريض، بعد تخريب مجمّع الشفاء الطبي، وبقي هناك حتى عاد إلى العمل في "الشفاء" يوم الرابع من آذار/ مارس الماضي، بعد إعادة تأهيله جزئيًا عقب الاقتحام الأول. 

ويضيف "كنت أعمل يوميًا من الساعة السابعة صباحًا حتى السادسة مساءً، وأحيانًا يتم استدعائي ليلًا لإجراء العمليات لبعض المصابين، حتى تفاجأنا في 17 مارس/ آذار باقتحام الاحتلال مجددًا للمجمع بشكل مباغت".

وكباقي زملائه تعرض الطنة خلال فترة الاقتحام التي استمرت 14 يومًا، إلى تحقيقٍ قاسٍ، وتم تصويرهم بكاميرات جيش الاحتلال، في ظل وضع مأساوي ومؤلم عاشه الجرحى والمرضى داخل المجمع.

ويتابع "بعد انسحاب جيش الاحتلال من مستشفى الشفاء وتدميره، انتقلت للعمل في مستشفى المعمداني، وتقديم الرعاية الصحية كطبيب جراح حتى هذا اليوم".

مواقف مؤثرة

ويتحدث الطنة عن بعض المواقف المؤثرة خلال عمله، قائلًا: "كنت في غرفة العمليات وجاء زميلي وأخبرني أن هناك حالة لسيدة حامل لا يستطيع التعامل معها، وحين وصلت إليها وجدت جسدها مليئًا بالشظايا، والجنين ميت في الرحم، ففتحت البطن ثم الرحم وأخرجت الجنين الميت، وكانت بعض الشظايا اخترقت من البطن إلى الرحم".

"وفي حالة أخرى، أجريت عملية بتر قدم لسيدة حامل بسبب إصابتها الخطيرة، ورغم تأثير البنج، إلا أنها استمرت في حملها"، يضيف الطنة.

ويشير إلى أنه تعامل مع العديد من الأطفال الذين تعرضوا لإصابات بالغة الخطورة نتيجة القصف الإسرائيلي، وفقد بعضهم أحد والديه أو كليهما، ومنهم من فقد حياته وكان جاء لعائلته بعد سنوات طويلة من الانتظار وصلت إلى 18 عامًا، كما أنه تعامل مع حالة شاب استشهد بعد أسبوعين فقط من زواجه، وآخرين تعرضوا لبتر في الرجل أو اليد.

إصابات الحرب

وعن أنواع الإصابات التي تعامل معها خلال الحرب، يوضح أن هناك إصابات بسيطة جراء إطلاق النار "الرصاص العادي"، وإصابات متوسطة نتيجة القنابل وشظايا القصف، وأخرى شديدة الخطورة جراء القصف الصاروخي والانفجارات الكبيرة، وهذه من الأنواع التي تُحدث دمارًا كبيرًا، وتُصنف بأنها انفجارات صاروخية".

ويتابع "الإصابات التي واجهتها خلال الحرب كانت بالغة الخطورة وكبيرة جدًا، كما أن بعض الجروح كانت فظيعة نتجت عنها حالات بتر عالية".

ويُشدد الطبيب الطنة على أهمية التعامل النفسي مع المرضى وأسرهم بعد اتخاذ قرار البتر، قائلًا: "نحرص دائمًا على زيارة المرضى بعد إجراء العمليات لرفع معنوياتهم والتأكيد بألا شيء ينقصهم، وما زالوا قادرين على عيش حياة كاملة".

ويوضح أن "الأهل غالبًا ما يشعرون بالامتنان بعد إجراء العمليات، خاصة حين يرون أنه تم إنقاذ حياة أحبائهم"، مؤكدًا أن "البتر رُغم صعوبته لكنه يمكن أن يُحسن جودة حياة المرضى، مثل مرضى السكر الذين يعانون من آلام شديدة قبل البتر، لكن يشعرون بتحسن كبير بعده".

وفي رسالته للجرحى مبتوري الأطراف، يقول: "بفضل الله لم نخسر أي مريض بسبب عدم قدرتنا على تقديم الرعاية الطبية اللازمة، ونسعى دائمًا للحفاظ على حياة المريض في المقام الأول، ومن ثم على أعضائه، والعمل على تجميلها". 

ويضيف "أنا كطبيب أشعر بالمسؤولية تجاه المريض، وعليَّ أن أحافظ على حياته وفقًا لأفضل الطرق الممكنة نفسيًا، لكنني أدرك أن الثبات والقوة في القرارات هي ما يحتاجه المريض ليشعر بالأمان والثقة في العلاج الذي نقدمه، وهذا لا يعني أن أكون قاسيًا عليه، بل قويًا من أجله ومعه، لنحمي سويًا ما يمكن إنقاذه".

وينوه إلى أن هناك قانونًا عالميًا يتعلق باتخاذ قرار البتر في حالات الحروب الكارثية، خاصة إذا كانت الإصابات بالمئات، لأن مثل هكذا قرار يجب أن يتخذه ثلاثة استشاريين دون الرجوع إلى المريض أو أهله، وفي حال توقيعهم عليه فإنهم محميون قانونيًا على مستوى العالم.

ويتابع "مع ذلك، أُفضّل أن تكون هناك فرصة للتحدث مع الأهل أو المريض، لأن قرار البتر ليس سهلًا، بل هو أصعب قرار على الجراح، كونه يُعتبر هدمًا للحياة كما يعرفها المريض، بالرغم من أنه قد يكون ضروريًا لإنقاذ حياته". 

رسالة للعالم

ومن قلب غزة الجريحة المكلومة، يوجّه الطبيب الطنة رسالة إلى العالم، قائلًا: "أوقفوا الحرب، يكفينا أوجاع وآلام، سكان قطاع غزة في معاناة متواصلة منذ عام 1948، ونحن لا نريد الحرب، نريد السلام والأمان، وأن نعيش حياة كريمة كباقي شعوب العالم".

ويضيف "نرغب في تعليم أبنائنا قيم الاحترام والتعاون والعطاء، نريد مدارس وجامعات تكون ملاذًا آمنًا، وشوارع يمكننا المشي فيها بأمان وسلام".

ومنذ السابع من أكتوبر الماضي  حصدت حرب الإبادة المستمرة على قطاع غزة، أكثر من 38 ألف شهيدًا، بينهم 500 من الطواقم الطبية، وأكثر من 86 ألف جريح، عدا عن 10 آلاف ما زالت جثامينهم تحت الأنقاض.

المصدر: وكالة الصحافة الفلسطينية

كلمات دلالية: جرحى غزة حرب غزة الشفاء الطبی

إقرأ أيضاً:

الحل الوحيد

#الحل_الوحيد

د. #هاشم_غرايبه

التاريخ كتاب مفتوح لمن شاء أن يقرأه ويستفيد منه، صحيح أن مساره في اتجاه واحد دائما، فهو لا يعيد نفسه، إنما ما يوحي بذلك أن الأحداث ليست عشوائية، بل هي نتاج لتفاعل الثابت مع المتغير، الثابت هو السنن الكونية التي وضعها الخالق، والمتغير هو الإرادة البشرية.
السنن الكونية هي قواعد ثابتة أساسها أن المخرجات مرتبطة جذريا بالمدخلات، ما يعدل إيجابيا أو سلبيا في المخرجات وليس جذريا هي أرادة البشر.
لو تناولنا إحدى هذه السنن، وهي أن نتيجة أي صراع عسكري بين طرفين ليست خاضعة للحظ أو لعامل الصدفة، بل هي لصالح الأقوى، فمن يتجهز تسليحا ويعد نفسه جيدا تدريبا ويضع الخطط الذكية ينتصر على الطرف الأقل تهيؤا، كما تحكم نتيجته النهائية قاعدة ان الصراعات بين باطل وباطل تدوم وتطول وتبقى سجالا لكنها لا تنتهي، وأما بين حق وباطل فقد تقصر أو تطول بحسب همة أهل الحق، لكن نتيجتها محسومة في نهاية المطاف لصالح الحق، أما مرحليا فلا يمكن أن يغير هذه النتيجة سوى أمرين : الإرادة الإلهية والإرادة البشرية.
فأذا أراد الله أن يجري بنتيجة هذا الصراع سنة أخرى، فهو يتدخل فيغير منتج الصراع، ومثال على ذلك حروب الروم والفرس التي دامت قرونا، وكانت سجالا، وتصادف أنه في عصر فجر الدعوة هزم الروم في غور الأردن، فحزن المسلمون، لكن الله طمأنهم أنهم سينتصرون على الفرس قريبا (في بضع سنين)، إذاً هنا تدخلت إرادة الله، ليست طبعا لأجل أن يفرح المسلمون، بل ربما ليحقق حالة من توازن القوى بين الفرس والروم، قبيل قدوم جيوش الفتح الاسلامي.
أما أرادة البشر فهي إيمانية،عندما تهديهم عقولهم الى اتباع منهج الله ويخبتون الى خالقهم، عندها ينالوا رعايته وعنايته، فلا يجعل للكافرين إليهم سبيلا، وبالتالي تتعطل هنا السنة الأساسية التي تعطي الغلبة للأقوى، فاذا أراد الله للمؤمنين النصر ينتصرون، وذلك بعد أن يحققوا (وبإرادتهم الحرة) المتطلبات الايمانية.
ومن سنن الله الكونية أنه تكفل بتوفير جميع متطلبات العيش لكل مخلوقاته، فلا يقصره على من أطاعه ولا يحجبه عمن عصاه، لكنه يمنح محبته للمؤمنين به ويكرم من أطاعه فاتبع منهجه، فيبارك لهم ويغدق عليهم رحماته في الدنيا قبل الآخرة، فتكون محصلة السعادة لديهم أعلى، وتكون محصلة الضنك لدى المعرضين عن منهجه أكثر، حتى ولو نالوا رزقا اوفر.
ومن محبته للمؤمنين أنه أنزل إليهم كتابه الكريم دليلا هاديا فيه كل ما يحقق لهم هذه السعادة، وبين فيه كثيرا من سننه الكونية، ومنها أنه أرشدهم الى ضرورة دوام التهيؤ والاستعداد العسكري: “واعدوا لهم ما استطعتم من قوة”، لأنهم بذلك يرهبون عدو الله والذي هو سيبقى عدوهم الى يوم الدين، لأن من يعادي منهجه سيداوم العدوان على من يتبعه، ولا تشكمه معاهدات سلام ولا تطبيع، بل ما يرهبه عزيمة المؤمن وعلو همته، وطمأنهم الى أن لا يوقفهم عن ذلك امتلاك العدو لوسائل عسكرية متقدمة ولا ترسانات هائلة، بل ما عليهم الا اعداد ما يستطيعون، وهو يتكفل بنصرهم.
لو راجعنا كل معارك التاريخ الفاصلة وجميع فصول الصراعات، لوجدنا أن نتائجها النهائية منضبطة تماما مع ما سلف من سنن كونية، فالصراعات بين أهل الباطل لم تنقطع في اي عصر، وكان حصادها وبالا على الطرفين ونتائجها سجالا، بدليل أنها ظلت على الدوام متجددة.
والصراعات بين الحق والباطل كانت نتائجها العسكرية في المحصلة العامة لصالح المؤمنين، رغم انه لم يكونوا الأقوى عسكريا، ولا الأكثر عديدا، وما انهزموا إلا حينما فشلوا في تحقيق المتطلبات الإيمانية.
بعد هذا الجلاء والوضوح الذي يبينه استقراء مجريات التاريخ، لا يبقى لمن يتساءل عن سر انهزامنا في هذا العصر غموض ولا اندهاش.
فالوصفة للنصر واضحة، وتتلخص بأمرين بمقدور الصادق النية تأمينهما:
فلتحقيق وعد الله بنصر المؤمنين يجب عليهم أولا أن ينصروه، أي يتبعوا منهجه ويستقيموا على أمره ونهيه.
فكيف إن كانوا يعادون منهجه ويتبعون منهج أعدائه، بل ويحاربون من يدعو له ويعتبرونه ارهابيا!؟.
وعليهم ثانيا أن يعدوا ما يستطيعون من قوة، فكيف ان اختاروا الاستسلام بالتطبيع!؟.
لذا فالحل ليس بالدعاء، بل بالعودة للحكم بموجب منهج الله.

مقالات ذات صلة مشروع وقوة ترامب المُسيطر كونيا…نتاج لأيدلوجيا ام لتكنولوجيا..؟..رؤية تفكرية واخزة.. 2025/04/09

مقالات مشابهة

  • من أحرق مدينة الفاشر؟
  • نصائح للوقاية من الجلطات الدموية أثناء السفر الجوي الطويل
  • فان دايك يختار البقاء في ليفربول
  • هند عاكف: أرفض الأدوار التي لا تتناسب مع شخصيتي
  • شجون الهاجري في فيديو مؤثر مع والدها المريض في أحد المستشفيات
  • الحل الوحيد
  • النحل في اليمن.. بين صراع البقاء والاستقرار في ظل الحرب وتغير المناخ (ترجمة خاصة)
  • كتاب: الحب والطب والمعجزات
  • الملياردير الوحيد الذي لم يخسر بسبب رسوم ترامب الجمركية
  • تيسير الحركة المرورية أولوية: محافظ الجيزة يتابع بدء تطوير طريق المريوطية الحيوي