ألقى العلامة السيد علي فضل الله خطبة يوم العاشر من محرّم في مسجد الإمامين الحسنين، في حارة حريك، بعد تلاوة المصرع الحسيني، وجاء فيها: "أيُّها المواسون للحسين: لقد أدى الحسين، والذين كانوا معه في كربلاء ما عليهم، هم لم يسكتوا على الباطل أو الانحراف الذي كان يراد له أن يستشري ويحكم الواقع آنذاك، ولم يبيعوا قرارهم لأحد أو أن يقبلوا بمصادرته، وها نحن نشهد النتائج الكبيرة في هذه المجالس العامرة التي  يعلو فيها ذكر الحسين، وفي كل الانجازات التي تحققت على مدى التاريخ ونشهدها اليوم فيما أعداؤهم يدانون ويلعنون، وهم قاموا بدورهم على أحسن وجه، وبقي علينا تحمل المسؤولية في التعبير  عن حبنا الحقيقي للحسين، وولاؤنا له ولكل الصفوة الطيبة معه.

.. المسؤولية في أن نقوم بدورنا ونتابع ما بدأوه وأرسوه لنا، بأن نعمل للأهداف التي عملوا لها...".
وأضاف: "ان هذه المسؤولية بالنسبة إلينا ليست خياراً بل واجباً علينا القيام به، طبعاً بالأسلوب الذي يتناسب مع مرحلتنا والظروف التي نعيشها، أن نعمل للإصلاح في واقعنا إن على الصعيد الفردي أو العائلي أو الاجتماعي أو السياسي أو الأمني أو الاقتصادي، وأن لا نسمح للفساد والانحراف أن يصبح جزءاً من واقعنا، بأن نرفع صوتنا بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر... لا نجامل أحداً على حساب الحق والعدل والحرية والقيم الأخلاقية والإنسانية، بأن نكون أحراراً في دنيانا نملك قرارنا بأيدينا لا نسمح لأحد أن يستعبدنا أو يأخذنا إلى حيث يريد".
وتابع: "أن نقوم بذلك أفراداً ونتعاون عليه مجتمعاً لمواجهة اعداء الأمة الذين سخروا وسائل إعلامية ضخمة وجهوداً سياسية واسعة وقدرات وإمكانات كبيرة لكي يستهدفوا قيمنا وديننا ويعملوا على تفريغ واقعنا منها أو تهديد أوطاننا، والسيطرة على ثرواتنا ومقدراتنا، والذي  نشهد أجل مظاهره في الجرح النازف في غزة، حيث يسعى العدو الصهيوني للإجهاز على القضية الفلسطينية، وهو لذلك يرتكب المجازر والتدمير الممنهج للمباني السكنية والمدارس والجامعات والمستشفيات ويستكمل ذلك في الضفة الغربية، وهو يستفيد في ذلك من الدعم الدولي والإقليمي، ومع الأسف من الصمت  المريب للعالم العربي والإسلامي رغم المسؤولية التي تقع على هذا العالم...".
وقال: "إننا وانطلاقاً من معاني هذا اليوم، ندعو إلى أن يكون الموقف موحداً لمواجهة هذا الكيان من المسلمين سنة وشيعة ودروزاً ومسيحيين، لأنها قضية عدل وحرية في مواجهة الظالم والجلاد ولأن السماح لهذا العدو أن ينتصر سيسمح لهذا الكيان لا بإخضاع هذا البلد فحسب بل بأن يسيطر على كل المنطقة، وأن يهدد وحدتها وثرواتها وقرارها الحر وأن يمتلك السطوة عليها...

وتوجه بالتحية إلى الشعب الفلسطيني على صلابته وصبره وصموده والروح المضحية، وهو الذي ينتصر اليوم لشعار الحسين: "ألا وإنَّ الدَّعيَّ ابنَ الدَّعيْ قَدْ رَكَزَ بَيْنَ اثْنَتَيَنِ: بَيْنَ السَلَّةِ وَالذِّلَّةِ وَهَيْهاتَ مِنّا الذِّلَّةُ"، في غزة وكل فلسطين،  ويعبر عنه بصبره وصموده وصلابة موقفه ودفاعه عن ارضه".

ودعا إلى "الوقوف مع هذا الشعب وإسناده بكل سبل الإسناد الذي هو واجب أديني وإنساني. كما توجه بالتحية إلى كل من ساند ويساند هذه القضية انطلاقاً من  شعورهم بالمسؤولية تجاه هذا الشعب المظلوم والذي يُراد ان يصادر قراره ومن وعي لمخاطر انتصار هذا العدو؛ سواء الذين يساندونها على الصعيد العسكري والأمني والاقتصادي والمالي أو الذين يرفعون أصوات التنديد بهذا الكيان وفضح أهدافه والإظهار للعالم ما يقوم به من ارتكابات، لا سيما تلك التي انطلقت من الدول الداعمة لهذا الكيان وأمريكا بالخصوص".

وشدد على "ضرورة الوقوف في وجه من يعمل على الاساءة إلى الوحدة الإسلامية التي تجلت في الموقف الموحد من غزة وأن نتجاوز لأجلها الحسابات المذهبية الضيقة ووأد الفتنة والتي شهدنا أحد مظاهرها في عُمان،حيث تم الاعداء على أحد المجالس العاشورائية  في الوقت الذي لا نحتاج إلى التأكيد أن عاشوراء هي إسلامية وإنسانية كما تشهد شعاراتها ومنطلقاتها وشخصياتها، فالحسين ليس رمزاً للشيعة بل هو للمسلمين وللإنسانية، ولا زلنا ندعو أن يكون الإحياء على مستوى المسلمين بل على المستوى الإنساني. وبالانتقال إلى لبنان الوطن، فإنه لا يسعنا إلا أن نشد على أيدي المقاومة التي وعت مسؤوليتها تجاه الشعب الفلسطيني وقامت بدورها، من منطلقها الإنساني والقومي والذي يستلهم شعارات الحسين(ع) وأهدافه، ومن وعيها وحرصها على مستقبل هذا البلد الذي لن يستطيع أن يحظى بأمانه واستقراره في ظل غطرسة هذا العدو وعدم توقفه عن العبث بأمنه واستقراره، وهو ما دفع هذه المقاومة لتقوم بواجبها، وها هي اليوم بجهادها وتضحياتها وصبر شعبها تلقن العدو الصهيوني درساً بأن عليه أن يفكر طويلاً قبل أن يقدم على ما يهدد به من استباحة هذا البلد أو المس به وأن الجو لم يعد سائباً لعدوانه وكذلك البر والبحر".

ودعا اللبنانيين الى أن "يكونوا أكثر وعياً لمخاطر هذا العدو على هذا البلد، والذي لن يكون يوماً آمناً إذا لم يحظ بالقوة والمناعة الداخلية".

وأكد "ضرورة استمرار العمل لإخراج هذا البلد من أزماته التي يعاني منها بأن نكون دعاة فيه لإزالة قواعد الفساد الذي يستشري في مفاصل الدولة وسد الفراغ ، في مؤسساته ولاسيما على صعيد رئاسة للبدء وبمعالجة الأزمات المستفحلة والتي لن تطوى إلا ببناء دولة نريدها دولة الإنسان، الدولة التي دعا إليها الإمام الحسين، دولة القيم الأخلاقية والإنسانية التي جاءت بها كل الديانات السماوية، دولة خالية من الفساد وبحيث لا يتم تجاوز حدود القانون ولا ُيستأثر فيها بأموال الناس ونهبها، وهو ما يحتاج إلى تعاون كل اللبنانيين بجميع طوائفهم ومذاهبهم ومواقعهم السياسية".

وخنم: "أيُّها المواسون للحسين: هنيئاً لكم هذه الدموع الحارة العزيزة، والتي نريد لها أن تتحول إلى طاقة ايجابية لتصب في خدمة الأهداف التي عمل لها والشعارات التي أطلقها وعمل بها، أن نحولها إلى أفعال تدك مواقع الظلم والاحتلال".

المصدر: لبنان ٢٤

كلمات دلالية: هذا الکیان هذا البلد هذا العدو

إقرأ أيضاً:

السيد نصر الله يُعيد تعريف مفهوم الانتقام بالحكمة

25 أغسطس، 2024

بغداد/المسلة:

في سماء الشرق الأوسط الملبّدة بغيوم الخنوع والخضوع، كان خطاب السيد حسن نصرالله، برقاً صاعقاً مختلفا عن كلمات المنابر، انه صرخة ثورية تمزق سكون الخوف، وتدك قلاع الظلم بصوت الحكمة.

كانت كل كلمة تنبض بروح التحدي، كل جملة تتردّد بين أصداء القوة والإصرار، كالسيف الذي يلمع في ظلام المعركة ويجعل العدو يرتعد من هول العاقبة.

لم يكن خطاب السيد نصرالله، مجرد تعبير عن موقف، بل كان فصلاً جديداً يُكتب في تاريخ النضال، يتسم بالحكمة والحنكة السياسية، ويُبرز شجاعة نادرة في مواجهة العدو.

لم يدعُ إلى العنف المجنون أو الانتقام الأعمى، بل إلى ضربات محكمة، استهدفت أهدافاً عسكرية واستخباراتية بعناية ودقة.

لم يكن في قاموسه مكان للعبث بحياة الأبرياء، فكل فعل كان رسالة تحمل بين طياتها معنى العدالة والكرامة.

وعندما تحدّث عن حق الرد، كان حديثه أقرب إلى وعد من فارس نبيل لا يرضى إلا بالنصر التام.

قال السيد نصرالله: “إذا كانت نتيجة عملية الرد الأولي مرضية فإن عملية الرد تكون قد تمت، وإذا لم تكن كافية فنحتفظ بحق الرد”. جملة كالسكين، تقطع أوصال العدو وتجعله يعيش في حالة من الترقب والارتباك، ينتظر بلا جدوى، حتى يختنق بانتظار الرد الذي لا يعرف موعده.

كان الخطاب مشحونًا بشجاعة لا تعرف التراجع، وصبر لا يعرف الهزيمة. كان السيد يتحدث بلغة الثوار، بلغة من لا يخشى في الحق لومة لائم، بلغة من يوقن أن التضحيات هي الطريق الوحيد نحو الحرية.

لم يكن يتردد في إعلان موقفه الثابت، بأن التأخير في الثأر لم يكن ضعفاً، بل كان فرصة يمنحها للسلام، ولكن ليس سلام الخنوع، بل سلام الشرف والكرامة.

أكد السيد نصرالله في خطابه، أن الأمة ولبنان والمقاومين هم اليوم أصحاب القرار والقوة، والقوة هنا ليست فقط في السلاح، بل في الحكمة والبصيرة.

قال السيد بإصرار وايمان زوار الاربعينية وقد سمى الرد باسمها: “نحن قوم لا يمكن أن نقبل بذل ولا يمكن أن نحني الرقاب لأحد ودمنا المظلوم سينتصر على السيف.”
كلمات كالرعد تهز الأرض تحت أقدام الطغاة، وتُذكِّر الجميع أن هذا الدم الذي سفك ظلماً لن يذهب هباءً، وأن الشعوب التي تعيش تحت نير الظلم ستنهض.

خطاب السيد نصرالله، درة في تاج الثورة، ونورًا يبدد ظلمات اليأس.

 

 

المسلة – متابعة – وكالات

النص الذي يتضمن اسم الكاتب او الجهة او الوكالة، لايعبّر بالضرورة عن وجهة نظر المسلة، والمصدر هو المسؤول عن المحتوى. ومسؤولية المسلة هو في نقل الأخبار بحيادية، والدفاع عن حرية الرأي بأعلى مستوياتها.

About Post Author Admin

See author's posts

مقالات مشابهة

  • آداب كفر الشيخ تستعد لـ المؤتمر الدولي «العلوم الإنسانية وبناء الإنسان» في الجمهورية الجديدة
  • يوميات يحي السنوار داخل الأنفاق.. تقرير يكشف جزء عن حياة زعيم حماس
  • «فورسايت 1» يضع الإمارات ضمن أكبر 20 دولة في تشغيل أقمار رصد الأرض
  • القمر يُعانق نجوم الثريا في مشهد بديع .. الليلة
  • السيد نصر الله يُعيد تعريف مفهوم الانتقام بالحكمة
  • الكائن المُفتت !
  • وزير الكهرباء: تسخير القوة الكامنة بالذرة لخدمة الإنسان فى مختلف مناحى الحياة
  • وزير الكهرباء: تسخير القوة الكامنة بالذرة لخدمة الإنسان في مختلف مناحي الحياة
  • العلامة فضل الله: قوة لبنان في هذه المرحلة من قوة المقاومة
  • الحرب المنسية؟؟؟؟ لا، الحرب الإنتحارية!