هل تتحكم النجوم حقًا في مصائرنا؟ الجدل التاريخي بين التنجيم والعلم!
تاريخ النشر: 17th, July 2024 GMT
دأبت البشـرية عبـر العصور على التطلع إلى السـماء ومراقبة النجـوم والكواكـب والأقمار، كونها تُعرف الإنسان على الكون من حوله ومجرياته، والذي يرى في استقراء قوانينه ما يُمكنه من تسخير الطبيعة في سـبيل سـعادته. وقبل البدء بالحديث عن العلاقة الجدلية بين الأبراج وصحة وسلوك الإنسان لابد أن نُعرفكم على الأبراج وعددها في السماء، ولماذا اخترنا منها 13 برجا فقط (12 سابقًا)!
من يتأمل صفحـة السـماء في ليـل صاف غير مقمر بعيدًا عن إضاءة المدن والتلوث الضوئي والجوي يشـاهـد نجومًا موزعة بشكل غيـر منتظم تحتشد أحيانًا في مناطق معينة وتتفرق في مناطق أخرى بحيث تؤلف مجاميع نجمية ذات أشكال معينة، هذه الأشكال تخيّلها أجدادنا الأقدمون وهي تزين السماء بعد أن ربطوا بينها بخطوط وهمية على أنها صور شتى شاعت فيها تعدد الحيوانات والأساطير وأطلقوا عليها أسماء من بيئتهم وحيواناتهم وأدواتهم.
وأطلق على بعض تجمعات النجوم هذه أسماء حيوانات مثل الدب الأكبر والدب الأصغر والأسد والثور والجدي والحمل والكلب والعقرب والحوت والسرطان والحية والبعض الآخر أطلق عليها أسماء أساطير مثل الجبار والراعي والمرأة المتسلسلة كما أطلق على بعضها أسماء أدوات لها علاقة بحياة الإنسان مثل الميزان والقوس والكرسي والدلو، ونقل المصريون أسماء هذه الأشكال عن البابليين، ثم نقلها الإغريق عن المصريين، وهكذا ظلت هذه التسميات تستخدم إلى يومنا هذا لتساعد الفلكيين على تسهيل مهمتهم في التثبت من مواقع النجوم ومعرفتها من بين الأعداد الهائلة من النجوم التي تم اكتشافها والتي تفوق الأرقام الفلكية.
في عام 1928م نظمت نجوم القبة السماوية على يد عُلماء الفلك وبإقرار من الاتحاد الفلكي الدولي في (88) كوكبة أو تشكيلة نجمية أو برجا لتغطي جميع أجزاء السماء المرئية مع تثبيت مواقعها وتسهيلا لعمليات الأرصاد والدراسات الفلكية أطلق على كل منها الكوكبة النجمية أو التشكيلة النجمية أو البرج الفلكي كما هو متعارف عليه في الكتب والصحف والمجلات.
ولكن لماذا يدور الحديث دائما حول عن 12 برجا فقط؟!
إن ما يحدد ذلك هو حركة الشمس ظاهريا، فهي تتحرك ضمن نطاق معين نطلق عليه دائـرة البروج السماوية التي تتكون من إثني عشـر برجـًا وتمضي شـهرًا واحـدًا (30 يـوما) تقـريبًا في كـل بـرج الـذي يتكـون من 30 درجة، أي أن الشمس تقطع دائرة البروج السماوية (360 درجـة) خـلال سـنة كاملة.
وفي أحدث دراسة بحثية فلكية لحركة الشمس الظاهرية لوحظ بأن عدد الأبراج التي تقطعها الشمس خلال حركتها السنوية هي ثلاثة عشر برجًا وليس اثني عشر برجًا كما هو متعارف عليه في الصحف والمجلات حيث أضيف برج الحواء لتصبح الأبراج ثلاثة عشر برجًا وهنا يبرز السؤال التالي كيف يصح ذلك وعدد أيام السنة 365 يوما تقريبًا، والإجابة كما وردت في البحث بأن الشمس لا تستغرق فترة 30 يوما في كل برج وإنما فترات مختلفة تقطع فيها الشمس تلك التشكيلات النجمية فمثلاً الشمس تقطع أحد أكبر أبراج السماء (برج العقرب) في سبعة أيام فقط بينما تقطع برج العذراء في أربعة وأربعين يومًا وهكذا، والشكل التالي يوضح اسم البرج وبداية دخول وخروج الشمس في ذلك البرج وعدد الأيام التي تمكث فيها الشمس أثناء عبورها تلك التشكيلة النجمية وهذه المعلومات دقيقة علميا وحسب ما جاء بآخر الأبحاث العلمية الفلكية بهذا الخصوص.
ماذا يحدث لك عند اكتمال القمر؟
نأتي الآن للجدل الحقيقي، «ما علاقة هذه الأبراج بصحة الإنسان وسلوكه اليومي؟»، وماذا أيضًا عن تأثير القمر والشمس والأجرام السماوية القريبة على صحة وسلوك الإنسان؟!
أثبت العلم الحديث أن للقمر والشمس والأجرام السماوية القريبة من الأرض تأثيرات مباشرة وغير مباشرة على حياة الإنسان، فللقمر تأثير على مياه الكرة الأرضية وكل منا وخصوصا الساكنين قرب السواحل يشاهدون ظاهرتي المد والجزر مرتين في اليوم لكل منها، وهذه الظاهرة سببها الرئيسي هو تأثر المياه الموجودة على سطح الأرض بجذب القمر لها فيحصل مدٌ في الجهة المقابلة للقمر بسبب قوة الجذب وكذلك في الجهة المعاكسة للقمر بسبب القوة الطاردة المركزية للأرض وفي الوقت نفسه يحصل جزر بمياه البحار والمحيطات في الجهة التي تكون زاوية قائمة على خط امتداد القمر مع الأرض ويحصل ذلك حسب قانون نيوتن للجاذبية والقائل أن كل جسمين في الكون يجذب أحدهما الآخر بقوة تتناسب طرديا مع حاصل ضرب كتلتي الجسمين المتجاذبين وعكسيًا مع مربع المسافة التي تفصل بينهما وحسب هذا القانون فإن الشمس التي تبعد عن الأرض مسافة 150 مليون كيلومتر تقريبا يكون تأثيرها الجذبي على المياه الموجودة في كرتنا الأرضية لا يزيد عن ثلث جاذبية القمر (الذي يبعد عن الأرض بحوالي 400 ألف كيلومتر فقط) لتلك المياه.
ونلاحظ أنه بالرغم من كبر حجم الشمس إلا أن تأثيرها في جذب مياه سطح الأرض أقل مقارنة بتأثير جذب القمر حسب قانون نيوتن للجاذبية، وأن للقمر التأثير الأكبر في جذب المياه الموجودة على سطح الأرض، وعلينا أن لا ننسى بأن جسم الإنسان يحتوى على 70% من السائل فهو أيضا يتأثر بجذب القمر وهذا التأثر تمت دراسته من مختلف النواحي ولسنين عدة.
وقد بيَّنت الدراسات العلمية بأن هناك ارتباطا وثيقا بين القمر والولادة. وقد ثبتت هذه النتائج على إثر إحصائيات أجريت في بعض المستشفيات في الولايات المتحدة الأمريكية ودول أوربية عديدة ولعدد من السنوات، إذ أكدت هذه الإحصائيات زيادة عدد المواليد مع كون القمر في الأيام البيض عنها مع القمر في المحاق، وأن أعلى معدَّل لها بعد اكتمال القمر (يصبح بدرًا) مباشرة، وأقل معدل مع مولد القمر الجديد (المحاق). كذلك ثبت وجود علاقة بين الولادة وظاهرتي المدِّ والجزر، ففي المجتمعات التي تعيش على سواحل البحر ترتفع نسبة المواليد عادة مع المد العالي. وهذا يؤكد أن الذي يتحكَّم في ذلك ليس المدُّ والجزر بحدِّ ذاته، بل القمر الذي يحدث ظاهرتي المدّ والجزر، وكذلك وجد هناك ارتباط وثيق بين القمر والنزف الدموي بشكل عام، حيث أجرى أحد الأطباء الأوروبيين بحثاً على أكثر من ألف شخص ممَّن يتعرضون لنزف غير عادي أثناء العمليات الجراحية، فوجد أن 85 % من نوبات النزف الحاد تقع بين الربعين الأول والأخير للقمر، مع ارتفاع هذه النسبة حتى أوجها في الليالي المقمرة (15،14،13). كما أكدت دراسات طبية أن النزيف الدموي يزداد في الليالي المقمرة وهذا يعود لـتأثير جذب القمر على الدم الموجود في الأوعية والشرايين التي يتعامل معها مشرح الطبيب الجراح ويزداد تدفق الدم (النزيف) خاصة عندما يجد الدم طريقا سهلا للخروج (أي من خلال الجرح الناتج من إجراء العملية) أي أن كمية الدم المتدفق تزداد بتلك الليالي عن غيرها لذا يكون إجراء العمليات الكبيرة والقيصرية في الليالي غير المقمرة أقل نزفا.
كما دللت الإحصائيات في أغلب الدول الأوربية والولايات المتحدة الأمريكية، أن الليالي التي يكون فيها القمر بدرًا كاملاً (الليالي المقمرة أو البيضاء) يظهر فيها تصرف غير طبيعي على بعض الناس حيث يكون مزاجهم متعكرا، عصبيين أكثر من اللازم، حساسين لكل صغيرة وكبيرة ونتيجة لذلك تزداد معدلات الجريمة في تلك الليالي المقمرة (15،14،13) من الشهر الهجري ) وتصل الذروة قمتها مع اكتمال القمر أي يوم 14. والجدير بالذكر أن مستشفيات الأمراض العقلية ومصحات الحالات النفسية تعلن حالة الطوارئ بين العاملين فيها ولا تسمح لأي موظف بالتمتع بأي نوع من الإجازة يوم 14 (وقت اكتمال القمر ويصبح بدرًا) إلا للحالات الضرورية جدًا وذلك تحسبا لكثرة زوار تلك المستشفيات والمصحات النفسية بهذا اليوم.
وهناك الكثير من البحوث والإحصاءات التي أجريت على مراكز الشرطة والتي تشير إلى هذا التأثير.
ولكن.. ماذا عن الأبراج؟
في الحقيقة أن التشكيلات الظاهرية النجمية للأبراج تتكون من نجوم تبعد عن بعضها مسافات شاسعة جدا تقدر بعشرات أو مئات أو ربما آلاف السنين الضوئية (السنة الضوئية = 9.45 مليون مليون كيلومتر، أو المسافة التي يقطعها الضوء خلال سنة كاملة) وليست متقاربة كما يراها الإنسان ظاهريًا، وفي الوقت نفسه تبعد بمسافات شاسعة جدًا عن كوكبنا الأرض فضوء أقرب النجوم إلينا غير الشمس يصلنا بعد أكثر من أربع سنوات ضوئية وبعضها الآخر يستغرق آلاف السنيين الضوئية كي يصلنا، إن ضوء بعض النجوم الذي نشاهده في الليالي يكون قد غادر تلك النجوم منذُ ملايين السنين الضوئية فهل يعقل بأن تلك النجوم البعيدة كل البعد عن كوكبنا الأرض تؤثر علينا نحن سكان الكرة الأرضية.
جميع البحوث العلمية أكدت أن نجوم هذه الأبراج ليس لها أي تأثير يذكر على حياة الإنسان وسلوكه إطلاقا لا من قريب ولا من بعيد، ولكن نعترف بأن لها تأثيرا عاطفيا وربما هلوسة فكرية من خلال ما ينشر أو يكتب في الصحف والمجلات عن تلك الأبراج والذي ليس له أي أساس علمي على الإطلاق! فالمعلومات تكتب بأشكال وطرق مختلفة وتنقل من هنا وهناك، والدليل على ذلك اختلاف المعلومات المكتوبة عن البرج نفسه، وأؤكد أنا من جانبي أنه ليس هناك أي تأثير للأبراج على صحة وسلوك الإنسان من الناحية العلمية، والله أعلم.
المصدر: لجريدة عمان
كلمات دلالية: اکتمال القمر فی اللیالی نجوم ا
إقرأ أيضاً:
الأرض تشهد "القمر الدامي" الجمعة.. هل يمكن رؤيته في المملكة؟
ستشهد الكرة الأرضية يوم الجمعة، 14 مارس 2025، ظاهرة فلكية تتمثل في خسوف كلي للقمر، هو الأول من نوعه هذا العام.
وسيتمكن سكان مناطق واسعة من العالم من مشاهدة هذا الحدث السماوي البديع بالعين المجردة، إلا أنه لن يكون مرئياً في المملكة، وفقًا لما صرح به المهندس ماجد أبو زاهرة، رئيس الجمعية الفلكية بجدة.تفاصيل الحدث وتوقيتاته
أخبار متعلقة "قمر الدم" وكسوف جزئي للشمس.. ظاهرتان فلكيتان نادرتان في مارسعاجل الأرصاد لـ"اليوم": تقلبات جوية وأمطار على الشرقية ومناطق المملكة حتى الاثنينلمنافسة 70 دولة.. 40 مبدعًا يترشحون لتمثيل المملكة في آيسف 2025وقال، المهندس ماجد أبو زاهرة يمتد الخسوف بمراحله كافة بين الساعة 06:57 صباحًا والساعة 01:00 ظهرًا بتوقيت مكة المكرمة.
ويبلغ ذروته في تمام الساعة 09:58 صباحًا، حيث سيكون القمر في أوج اكتماله فوق المحيط الهادئ.
وبينما يتأهب سكان القطب الجنوبي، والنصف الغربي من أفريقيا، وأوروبا الغربية، والأمريكيتين، والمحيط الهادئ، وشرق أستراليا، وشمال اليابان، وشرق روسيا لمشاهدة هذا الحدث، لن يتمكن سكان المملكة من رؤيته. .article-img-ratio{ display:block;padding-bottom: 67%;position:relative; overflow: hidden;height:0px; } .article-img-ratio img{ object-fit: contain; object-position: center; position: absolute; height: 100% !important;padding:0px; margin: auto; width: 100%; } القمر الدامي
”القمر الدامي“.. ظاهرة لونية آسرة
وأشار المهندس أبو زاهرة إلى أن القمر، وخلال فترة الخسوف الكلي التي تمتد من الساعة 9:25 وحتى 10:31 صباحًا بتوقيت مكة، سيكتسي بلون أحمر أو نحاسي.
ويعزى هذا التحول اللوني إلى كمية الغبار والغيوم الموجودة في الغلاف الجوي للأرض، ما يضفي على القمر مسحة درامية أخاذة.
وعلى الرغم من انتشار مصطلح ”القمر الدامي“ أو ”قمر الدم“ للإشارة إلى هذه الظاهرة، إلا أن أبو زاهرة يؤكد أنها ليست تسمية علمية دقيقة، وإنما ظهرت لأول مرة في عام 2013 وأصبحت تستخدم على نطاق واسع لوصف أي خسوف كلي للقمر.
خسوف غير مركزي.. وتأثير ”تشتت رايلي“
ويوضح أبو زاهرة أن هذا الخسوف يتميز بكونه غير مركزي، حيث لن يمر قرص القمر بمركز ظل الأرض تمامًا. وسيكون الطرف الجنوبي للقمر أقرب إلى مركز الظل من الطرف الشمالي، مما يجعل الجزء الشمالي من القمر المخسوف أقل ظلمة من جنوبه.
وأشار إلى أن ظاهرة ”القمر الأحمر“ تحدث نتيجة لـ ”تشتت رايلي“، وهي نفس الظاهرة المسؤولة عن احمرار لون الشمس عند الغروب.
أبعاد علمية تتجاوز المشهد الجمالي
لا يقتصر خسوف القمر الكلي على كونه مشهدًا سماويًا آسرًا، بل يتعداه إلى أبعاد علمية مهمة. فهو يتيح فرصة فريدة لدراسة تأثير الغلاف الجوي للأرض على الضوء.
وبتحليل لون القمر المخسوف وسطوعه، يتمكن العلماء من جمع بيانات قيمة حول تكوين الغلاف الجوي وخصائصه، بما في ذلك وجود الهباء الجوي والغبار والجسيمات الأخرى.مساهمة في فهم تغير المناخ
وأضاف أبو زاهرة أن المعلومات المستقاة من دراسة خسوف القمر تساهم في فهم أفضل لظاهرة تغير المناخ وديناميكيات الغلاف الجوي. ويمكن استخدام البيانات التي يتم جمعها في تحسين النماذج المستخدمة للتنبؤ بأنماط الطقس والمناخ.أهمية قياس محتوى الهباء الجوي البركاني
وشدد أبو زاهرة على الأهمية العلمية لقياس محتوى الهباء الجوي البركاني في طبقة الستراتوسفير، والذي يمكن استنتاجه من خلال تحليل لون وسطوع الخسوفات القمرية. فالخسوف المظلم يشير إلى وجود هذا الهباء الذي يعكس أشعة الشمس ويساهم في تبريد الكوكب، بينما يشير الخسوف الساطع إلى خلو الستراتوسفير من الشوائب، مما يسمح لأشعة الشمس بتدفئة الكوكب.تبريد القمر.. نافذة على تكوينه
وأشار أبو زاهرة إلى أنه أثناء الخسوف الكلي، يبرد سطح القمر بشكل سريع، حيث يفقد حوالي 140 درجة مئوية في غضون دقائق.
وتوفر مراقبة هذا التبريد السريع بيانات قيمة حول حجم وكثافة الصخور على سطح القمر، مما يساعد في فهم أفضل لتكوينه وخصائصه.
كسوف شمسي جزئي يتبع الخسوف
يذكر أنه بعد أسبوعين من خسوف القمر الكلي، سيحدث كسوف جزئي للشمس في نهاية شهر رمضان، ولكنه لن يكون مرئياً في السعودية.