ترجمة: أحمد بن عبدالله الكلباني -

«عندما ننظر بشكل دقيق نحو الأضرار الناتجة عن «وقت الشاشة»، فإنها ليست قوية كما قد تبدو»

«دع هاتفك»، لطالما وجد العديد من الآباء أنفسهم وهم يرددون هذه العبارة وهم يزجرون أبناءهم، ويقابل الأبناء ذلك بدهشة كبيرة! نجد أنفسنا جميعًا نقضي أوقاتًا طويلة على الشاشات، خاصة في السنوات الأخيرة، حيث ظهرت الهواتف الذكية ومنصات التواصل الاجتماعي، والأبناء كذلك غير مستثنين من هذا الأمر.

وبشكل مختصر، يمكن القول: إن المخاوف من قضاء الأطفال وقتًا طويلًا أمام الشاشات الذكية يكمن في تدمير حياتهم، كما يمكن القول: إن الشركات التكنولوجية التي صممت التطبيقات الجاذبة لنا هي متواطئة في هذا الأمر. وليس بالغريب أن تفكر كثير من حكومات الدول في طرق لتقليص الوقت الذي يمكث فيه الأطفال تحت سن 18 عامًا أمام الشاشات. ولكن مع قليل من التمحيص والتأكيد على هذه الفكرة من خلال فحص الأدلة، يتضح أن فكرة المخاوف ليست دقيقة بشكل كبير، وأن قضاء الأوقات الطويلة ليس بذلك السوء المتصور. وهذا لا يعني أنني أمتدح شركات التكنولوجيا، بل ما زلت أؤكد على ضرورة القيام بمزيد من إجراءات التنظيم، وهذا يدفعنا إلى التفكير بشكل عميق في الصورة الحقيقية لاستخدامات وسائل التكنولوجيا لدى الأطفال والمراهقين، وكيف يمكنهم أن يمتلكوا بوابات الإنترنت بشكل آمن؟

وقت طويل أمام الشاشة

لقد توصلنا إلى دليل حقيقي عن تأثير الشاشات ووسائل التواصل الاجتماعي. وما توصلنا إليه هو أمر واحد وواضح في هذا العالم المعقد: يقضي غالب الأطفال والمراهقين أوقاتًا طويلة أمام شاشات هواتفهم، وهو الأمر الذي يحدث معنا كذلك. لقد وجدت بحثًا تم نشره في عام 2023، وهذا البحث جمع العديد من الدراسات التي تمت خلال عامي 2016 و2021، ومما جاء في البحث أن الأطفال ما بين 4 إلى 12 عامًا يقضون بشكل متوسط 2.8 ساعة أمام الشاشات يوميًا في كل دول العالم، وزاد هذا المعدل بشكل ملحوظ خلال جائحة كوفيد-19 لأن أغلب المؤسسات التعليمية توجهت إلى التعليم عن بعد، أي عبر الإنترنت. كما أن الزيادة في الوقت ترجع إلى استخدام مواقع التواصل الاجتماعي وتطبيقات الترفيه. كما وجدت دراسة من دراسات البحث أنه في عام 2021 ومع تراجع إجراءات الإغلاق وعودة الحياة إلى طبيعتها بعد الجائحة، لم يزل معدل الوقت المنقضي أمام الشاشات مرتفعًا بمعدل 1.1 ساعة مقارنة بما قبل كوفيد-19.

اليوم، حتى أصغر الأطفال سنًّا نراهم في الغالب يقضون وقتًا في استخدام الشاشات، الأمر الذي دفع مجموعة من المنظمات، مثل منظمة الصحة العالمية، والأكاديمية الأمريكية لطب الأطفال، إلى أن توصي بوجوب أن يقضي الأطفال ما دون سن الخامسة وقتًا قليلًا أمام الشاشات، وعدم قضاء الوقت الطويل، وذلك بصرف النظر عن نوع الشاشات، سواء أكانت تلفازًا، أو حاسوبًا، أو هاتفًا محمولًا، أو جهازًا لوحيًا، أو أجهزة ألعاب الفيديو. وعلى الرغم من ذلك، وجدت دراسة أجريت في عام 2022 تشير إلى أن ربع الأطفال ما دون سن الثانية في الكثير من البلدان لا يقضون وقتًا أبدا أمام الشاشات، كما أشارت الدراسة إلى أن 36% فقط من الأطفال ما بين العامين والخمسة أعوام يقضون ساعة واحدة فقط في اليوم أمام الشاشات.

ولا شك أن العديد من الشباب يعانون من تجارب سيئة على شاشاتهم. في شهر مايو الماضي، كشف تقرير برلماني بريطاني أن 79% من الأطفال في إنجلترا تعرضوا لمواد إباحية عنيفة قبل سن 18 عامًا، وأن 81% من الإناث بين 7 و21 عامًا تعرضن لسلوك تهديدي أو سلوك مزعج. من بين هذه السلوكيات يأتي التنمر عبر الإنترنت. وقد وجدت دراسة أجريت عام 2023 أن ثلث الأطفال في الولايات المتحدة تعرضوا للتنمر عبر الإنترنت، كما وجدت دراسة كندية من العام نفسه أن الفتيات والشباب من الأقليات العرقية كانوا أكثر الضحايا.

والتنمر عبر الإنترنت هو أحد الأسباب الرئيسة لدخول المراهقين إلى المستشفى لتلقي الرعاية النفسية. وجاء في بحث -غير منشور- أجرته «ميشيل دروين» وزملاؤها من جامعة بوردو في فورت واين بولاية إنديانا: «في بعض الأحيان، كان الآباء غير مدركين تمامًا أن أطفالهم يتعرضون للتنمر عبر الإنترنت». لم يخبر العديد من المراهقين آباءهم بذلك، حيث كانوا يعتقدون أن آباءهم لن يكونوا على دراية كافية بالتكنولوجيا لمساعدتهم أو خافوا من أن يقوم آباؤهم بمصادرة الهواتف منهم.

وإضافة إلى ذلك، أظهرت الدراسات في السنوات الأخيرة قائمة طويلة من الأضرار المرتبطة بالإفراط في استخدام الشاشات، خاصة بين الأطفال والمراهقين. وجد تحليل في عام 2020 لـ 31 دراسة أن زيادة وقت الشاشة كانت مرتبطة بنوم أسوأ لدى الأطفال دون سن الثالثة. وبالمثل، أشارت مراجعة عام 2023 لـ 50 دراسة للمراهقين إلى أن معظمها وجد ارتباطات بين استخدام الشاشة وضعف الصحة العقلية، خصوصًا بين الفتيات.

وتشير الكثير من الأدلة إلى أن وسائل التواصل الاجتماعي قد تكون ضارة بشكل خاص، دون غيرها من وسائل الترفيه. فقد أجريت دراسة عام 2020 حددت عشوائيًا بعض المراهقين للحصول على عدد أقل من «الإعجابات» على منشوراتهم في صفحات وسائل التواصل الاجتماعي الخاصة بهم. هؤلاء المراهقون أفادوا بأنهم شعروا بالرفض أكثر وكانت لديهم أفكار سلبية عن أنفسهم، وكانت المخاطر أكبر بين أولئك الذين تعرضوا للتخويف أو الاستبعاد من قبل أقرانهم. وبشكل مماثل، وجدت دراسة عام 2022 أنه عندما زاد استخدام «الفيسبوك» في حرم الجامعات الأمريكية، ارتبط الأمر بتدهور الصحة العقلية بين الطلاب.

«المقارنة الاجتماعية هي واحدة من أقوى الآليات التي تفسر التأثيرات السلبية المحتملة لوسائل التواصل الاجتماعي»، هذا ما قالته «سيلجي ستينسبك» من الجامعة النرويجية للعلوم والتكنولوجيا في تروندهايم. كما قالت: «الجميع يجب أن يبدو مثالياً ويعيش حياة مثالية، وهذا يجعلني أشعر بالبؤس».

للتعمق في هذا الأمر، نشر طبيب الأطفال «جيسون ناغاتا» من جامعة كاليفورنيا العديد من الدراسات التي تبحث في الروابط بين قضاء الوقت على الشاشة والنتائج الصحية السيئة. وقد استخدم بيانات من دراسات تتبع الأطفال على مدى عدة سنوات. لاحظ «ناغاتا» وزملاؤه بعض الروابط المثيرة للقلق، حيث وجدت إحدى الدراسات أن قضاء الوقت الطويل أمام الشاشة بين الأطفال الذين تتراوح أعمارهم بين 11 إلى 18 عامًا كان مرتبطًا بزيادة احتمالية الإصابة بالسمنة ومرض السكري بعد 24 عامًا. وبشكل مماثل، كان قضاء الوقت الطويل أمام الشاشة للفئة العمرية ما بين 9 و10 سنوات، بما في ذلك مشاهدة الفيديوهات ولعب ألعاب الفيديو، مرتبطًا بزيادة احتمالية الإصابة باضطراب الوسواس القهري بعد عامين، وكذلك بزيادة احتمالية السلوكيات الانتحارية.

وهنا أرى أنه ليس من المستغرب أن العديد من الآباء وصانعي السياسات يطالبون بقواعد أكثر صرامة بشأن مدة استخدام الهواتف الذكية ووسائل التواصل الاجتماعي. والتقرير البرلماني البريطاني في مايو يوصي بفرض ضوابط أكثر صرامة على بيع الهواتف الذكية للأطفال دون سن 16 عامًا، وحظر صارم على الهواتف المحمولة بين الطلبة في المدارس، وتوجيهات أكثر للآباء. وفي عام 2023، أوصى الجراح العام الأمريكي، «فيفيك مورثي»، بأن «تحد الحكومات من الوصول إلى وسائل التواصل الاجتماعي لجميع الأطفال بطرق تقلل من مخاطر الضرر». كما هددت «هيئة تنظيم البث في المملكة المتحدة» بحظر وسائل التواصل الاجتماعي على من هم دون 18 عامًا.

لكن هناك مشكلة، فعندما ننظر بشكل دقيق نحو الأضرار الناتجة عن «وقت الشاشة»، فإنها ليست قوية كما قد تبدو.

الذنب على الارتباط

بالنسبة للمبتدئين في دراسة تأثير الشاشات على المجتمع، فإن أغلب دراساتهم تكون حول الوقت الذي يقضيه الأطفال على الشاشات مستخدمين برامج الهواتف ووسائل التواصل الاجتماعي. وتبحث هذه الدراسات مدى الارتباطات، وتبعث بتساؤلات: فهل ترتبط زيادة الوقت المقضي على الشاشات -من الناحية الإحصائية- بضرر معين؟ وقد تكون الإجابة حاضرة بأن هناك تأثيرًا بين استخدام الشاشات والعديد من المشكلات، ولكن هذا يعني أن المشكلات قد تحصل بعيدًا عن «الوقت المقضي»، بمعنى أن الوقت الطويل في استخدام الشاشات ليس هو السبب المباشر في وقوع المشكلات، كما أن هذا الأمر لا يمكن تحديده. وفي الغالب يطلب الباحثون من الأطفال تحديد الوقت الذي يقضونه أمام الشاشات، ولكن هذه الإجابات لا يمكن الاعتماد عليها لأنها غير موثوقة، خاصة حينما يراد معرفة أنواع المشكلات التي قد تحدث جراء الوقت الطويل على الشاشة.

وفي 2021 تطرق بحث جمع 33 دراسة جميعها حول تأثير الوقت الطويل على الشاشات في مشكلات قصر النظر وقصر النظر الشديد. وأشار البحث أنه في ظاهر الأمر ارتبط قضاء الوقت الطويل على الشاشات بزيادة خطر التعرض لقصر النظر وقصر النظر الشديد. رغم ذلك لم تتطرق تلك الدراسات إلى مقياس حقيقي وموثوق للوقت المقضي أمام الشاشة، بل إن 7 دراسات منها لم تكن دراسات موضوعية، وكان من توصيات البحث أن يتم تناول نتائج الدراسات بدقة أكبر. ومما يدعو إلى الريبة في مسألة الوقت هو الجدل في من يقضي أوقاتًا طويلة أمام الشاشة هو بسلوك مستقر. وبشكل عام، تلخصت البحوث «الجمعية» في نتيجة مفادها إعطاء أهمية أكبر لبعض الدراسات التي حققت الأفضلية دون غيرها، وبالتالي تقلصت الأدلة التي تؤكد الأضرار عمومًا وأصبحت دقيقة أكثر.

ومن أشهر الدراسات التي حققت الأفضلية دراسة تعود إلى عام 2019، قام بإجرائها «أوربن واندرو برزيبيلكسي» من جامعة أكسفورد. كانت الدراسة تحليلية حول رفاهية المراهقين، وجمعت الدراسة أكثر من 355 ألف مراهق تتراوح أعمارهم ما بين 12 إلى 18 عامًا يعيشون في الولايات المتحدة والمملكة المتحدة.

ووجد الباحثون أن استخدام التكنولوجيا الرقمية لا يشكل فارقًا في مسألة الرفاهية، وأنه قد يعتبر زيادة في الرفاهية بنسبة 0.4% وهو ما يعد نسبة ضئيلة جدًا، ولا يبرر اتخاذ السياسات.

وفي هذا الموضوع المشحون، قد تجد مجموعة من الباحثين الآخرين نتائج مغايرة معتمدين على ذات المصادر، إذ يتناولون المعطيات بطريقة مختلفة. ومن ذلك ما قام به «جان توينج» و«جوناثان هايدت» وباحثون آخرون، حينما خلصت تحليلاتهم في عام 2020 المعتمدة على الوقت الفعلي في قضاء الوقت على وسائل التواصل الاجتماعي، والمعتمدة كذلك على تفصيل الجنس، خلصت إلى أن «الاستخدام المطول لوسائل التواصل الاجتماعي مرتبط باستمرارية ظهور المشكلات العقلية، وكانت النتائج الصحية مؤثرة بدرجة لا يمكن وصفها بالتافهة، وخاصة بالنسبة للفتيات».

وبعدها ظهرت نتائج أخرى تشير إلى أن استخدام المراهقين لوسائل التواصل الاجتماعي غير مرتبط بشكل كبير بالاكتئاب والقلق، حيث جمع بحث شامل للدراسات التي أجريت في عام 2022 المبنية على العديد من التحليلات السابقة. ووجد البحث أن معظم الدراسات وُصِفَت بالضعيفة وغير المستقرة، وخاصة التي تحاول تأكيد الروابط بين استخدام الشاشات والصحة العقلية.

ومن التجارب التي أجريت في عام 2023 ارتباط استخدام الشاشات بالنسبة للأطفال بمهارات القراءة والكتابة. فقد لوحظ أن الأطفال الذين لا يحظون بإشراف أبوي تكون مهارات القراءة والكتابة لديهم ضعيفة، على عكس الأطفال الذين يشرف آباؤهم على مشاهداتهم واستخدامهم للشاشة. بل وأن الأطفال الأوائل بعد إشراف أبويهم تحسنت مهارات القراءة والكتابة لديهم.

إن ترجيح فكرة «أنه ليس هناك ارتباط بين الوقت المقضي على الشاشات والمشكلات» لا يعني قولنا بأن نسبة الخطر صفر، هناك شريحة من الشباب معرضة للمخاطر جراء ما يشاهدونه على الإنترنت. ويقول «إيمي أوربن» إن بعض المحتويات في عالم الإنترنت، إن لم تكن مؤثرة للبعض، فإنها قد تكون مؤثرة وخطرة لفرد آخر يمر بأزمة نفسية، وقد تكون عواقب ذلك كبيرة. ويؤكد ذلك «سيلجي ستينسبك» بقوله: «إذا كنت فرحًا، ومستواك جيد في الدراسة، وتحظى بحياة أسرية سعيدة، ولديك الكثير من الأصدقاء، فليس هناك قلق من أن تدمر وسائل التواصل الاجتماعي صحتك العقلية».

وتشير أبحاث عديدة إلى أن قضاء ساعات طويلة أمام الشاشات ليس له فائدة كبيرة، ويوضح ذلك «بيت إيتشلز» من جامعة باث سبا في المملكة المتحدة، مؤلف كتاب «آن لوكد»، بقوله: «وقت الشاشة مفهوم لا معنى له».

ففي بحث أجري عام 2021 شمل 622 دراسة حول وقت الشاشة لدى الأطفال حتى سن 6 سنوات، تبين أن 60% من هذه الدراسات فقط قيمت مدة وقت الشاشة اليومي، وأفاد أقل من 20% بما كان يشاهده الأطفال أو ما إذا كان الآباء يشاهدونه معهم، وقدمت 11% فقط معلومات حول موثوقية مقاييسهم.

يرغب الباحثون مثل «بيت إيتشلز» و«إيمي أوربن» في التعمق في كيفية تفاعل الأشخاص مع الشاشات والتقنيات الرقمية لفهم السلوكيات المفيدة أو الضارة وميزات التصميم التي تدعم السلوكيات الصحية. ويشير بعض الباحثين إلى ضرورة التمييز بين الاستخدام الإيجابي والسلبي لوسائل التواصل الاجتماعي. ورغم ذلك، تُظهر ورقة لم تنشر بعد حررت في مارس أن الأدلة لا تدعم باستمرار الاستخدام النشط باعتباره مفيدًا، والسلبي باعتباره ضارًا، مما يستدعي تقسيم السلوك بطرق أكثر تفصيلًا.

يقول «إيمي أوربن» إنه من الصعب الحصول على أدلة خاصة بالمنصات مثل «إنستجرام» وتأثيرها على صورة الجسم لدى المراهقين. ومع ذلك، فإن فرضية أن المواقع التي تحتوي على صور الأجسام قد تدفع المراهقين إلى مقارنة أنفسهم بالآخرين تظل صحيحة.

كان «سيلجي ستينسبك» قائدًا مشاركًا في دراسة آمنة بجامعة تروندهايم، والتي تتبعت 1250 شخصًا نرويجيًا منذ عام 2007، ووجد أن استخدام وسائل التواصل الاجتماعي في مرحلة الطفولة والمراهقة لا يتنبأ بالاكتئاب أو القلق في المستقبل. ومع ذلك، في دراسة أجريت عام 2021، وجد الفريق أن الفتيات اللاتي أمضين وقتًا كبيرًا في التفاعل مع منشورات الآخرين على وسائل التواصل الاجتماعي طورن «احترامًا أقل» للذات فيما يتعلق بمظهرهن، بينما لم يظهر هذا التأثير على الأولاد.

صداقات أكثر ثقة

هناك العديد من الأدلة على أن للهواتف الذكية ووسائل التواصل الاجتماعي العديد من الفوائد، ومنها أن بعض الأطفال يمكنهم التعرف على أصدقاء يتمتعون بنفس الاهتمامات المشتركة، وهذا الأمر من الصعب أن يحدث واقعيًا إذا ما تحدثنا عن القرى الصغيرة. يقول «إيمي أوربن»: «يقول العديد من الشباب إن هواتفهم أتاحت لهم القيام بالكثير من الأشياء التي يهتمون بها مع أناس آخرين يشتركون في ذات الاهتمام». وتأكيدًا على هذه النظرة، فقد نشرت دراسة في أبريل الماضي قام بها فريق «سيلجي ستينسبك» تؤكد أن الأطفال ما بين 10 إلى 18 عامًا الذين قضوا وقتًا طويلًا أمام الشاشات مع أصدقاء عبر الإنترنت زادت من اللقاءات الواقعية بينهم. ويقول «سيلجي ستينسبك» حول ذلك: «صداقاتهم تصبح أقرب»، وهذا ما ينفي القلق من فكرة أن قضاء وقت طويل أمام الشاشات يعطل العلاقات الاجتماعية.

وفي هذه الأقوال المتعارضة والدراسات المتباينة، ما الذي ينبغي علينا فعله؟ هناك إجراء واحد حدث فعلاً وهو حالة صارمة من الحظر. فكوريا الجنوبية في عام 2011 قد أصدرت قانونًا لحماية الشباب، نص على منع الأشخاص دون سن 16 عامًا من قضاء الوقت بألعاب الإنترنت ما بين 12 بعد منتصف الليل إلى الساعة السادسة صباحًا، وكان الهدف أن ينال المراهقون وقتًا أطول للنوم. وبناءً على هذا القانون أجريت دراسة في 2017 لقياس مدى الوصول إلى الأهداف، ووجدت الدراسة أن معدل النوم زاد فقط دقيقة ونصف، ليتم إلغاء القانون في عام 2021، ووصف «بيت إيتشلز» هذا القانون بأنه مضيعة كبيرة للوقت!

إلا أن هناك العديد من الأساليب تساعد الشباب على التعامل مع أجهزتهم المحمولة التي تجذبهم، ومن ذلك ما أشار إليه «إيمي أوربن» أن بعض برامج التواصل الاجتماعي تتيح لمستخدميها التنقل بين المحتوى دون حد معين، إلى ما لا نهاية، وهذا يشجع على الاستمرار في الانتقال «حتى الموت» على حد وصف «إيمي أوربن». ولكن يمكن التحكم بهذا الأمر من خلال ضبط الإعدادات بالنسبة للمستخدمين الأطفال، ومن هذا المنطلق يتمنى «بيت إيتشلز» من الحكومات أن تعمل على ما يسميه «محو الأمية الرقمية» للجميع.

ويقول «إيمي أوربن»: إن تقييد استخدام الفئة العمرية ما دون الـ 18 عامًا سيقيد الشباب، وبدلاً من ذلك على الحكومات أن تجعل عالم الإنترنت آمنًا لهم. وأكد أن للشباب الحق في الوصول إلى الإنترنت، ويجب أن تتوفر مساحة جيدة لهم، مؤكدًا «يجب أن يكون الشباب جزءًا من هذا العالم الرقمي، لديهم القدرة على بناء المهارات وعلى التجربة في عالم الإنترنت الذي يعتبر جزءًا أساسيًا في عالمنا الحالي».

وجهة النظر هذه يحتاج تطبيقها إلى أن تقوم الحكومات بالتعامل مع كبرى شركات التكنولوجيا. يقول «إيمي أوربن»: إن قوة تلك الشبكات نابعة من قوة الشركات، وعليه يجب أن تقوم الحكومات بمحاسبة تلك الشركات.

ويقول «ميشيل دروين»: «أنا متفائل بشأن المستقبل والطرق التي من خلالها يمكننا تسخير التكنولوجيا لصالحنا، نحن فقط نحتاج إلى أن نكون أصحاب أهداف واضحة فيما يتعلق بتسخير التكنولوجيا».

وهنا نتساءل، ما الذي يجب أن يفعله الآباء؟ هناك بعض الأمور يجب ألا يغفل عنها الآباء، منها أنه يجب أن يكون هناك تواصل دائم بين الآباء وأبنائهم، وخاصة في مرحلة المراهقة التي غالبًا ما يرغب فيها المرء بالاستقلالية. يجب التفكير في توقعات ما سيحدث وما هي الحدود المعقولة، وعلى الآباء التناقش دائمًا فيما يتعلق بأنواع البرامج التي يستخدمها الأبناء، وما هي أنسب تلك البرامج، وذلك كما قال «بيت إيتشلز».

وعلى سبيل المثال، إذا طلب الابن البالغ من العمر 6 أعوام هاتفًا، فإننا كأولياء أمور يمكن أن نقول له «لا»، ولكن لا يجب أن يكون الأسلوب سيئًا، ويمكن أن يتم الحوار بشكل نقاشي، بأن نسأل: لماذا تريد الهاتف؟ وهنا يمكن تلبية الرغبة التي يريد تحقيقها بالهاتف بطرق أخرى.

وفي دراسة أجريت عام 2019 شملت 1000 مراهق بريطاني، بينت الدراسة أن المراهقين الذين كان آباؤهم يتمتعون بحسن التعامل والحوار فيما يتعلق بـ«استقلالية استخدام التكنولوجيا» كانوا أكثر ثقة بوالديهم والرغبة في العصيان كانت ضئيلة، على عكس المراهقين الذين كان آباؤهم أكثر صرامة.

إن «النهج الرقابي والعقابي» هو نهج محترم، ويزيد من احتمالية أن يقوم الأطفال بإخبار والديهم بما يواجهونه من مشكلات عبر الإنترنت، وبذلك يمكن أن يتدخل الآباء بالمساعدة قبل تفاقم المشكلة. كما أن هناك أدلة على أن منح الطفل «استقلالية التصفح» مع الإشراف الأبوي يساعد على أن يكون استخدام وسائل التواصل الاجتماعي أمرًا صحيًا.

وعليه، بدلاً من الزجر بعبارة «دع هاتفك»، حاول أن تطرح سؤالًا لطفلك: «ماذا وجدت اليوم؟».

الذعر التكنولوجي عبر العصور

وعلى مر العصور، أثارت تقنيات الاتصالات الجديدة مخاوف أدت أحيانًا إلى حالة من الذعر، منذ أكثر من 2000 عام، أبدى الفيلسوف اليوناني القديم «سقراط» قلقه من أن الانتشار الواسع للنصوص المكتوبة سيؤثر سلبًا على تعلم الطلاب!

وفي منتصف القرن التاسع عشر، أثارت الزيادة في إنتاج الصحف والمجلات والكتب الشعبية مخاوف «أخلاقية»، حيث كان يُعتقد أن الناس (وخاصة النساء) يقضون وقتًا طويلًا في القراءة ويهملون واجباتهم. وعلق «بيت إيتشلز» قائلًا: «كان هناك دائمًا عنصر أبوي ومعادٍ للنساء في هذا النوع من الذعر».

وفي القرن العشرين، اعتبر التلفزيون والراديو مصدر القلق الرئيسي، إذ كانت هناك مخاوف في الأربعينيات من القرن الماضي من أن الأطفال الأمريكيين أصبحوا مدمنين على البرامج الدرامية الإذاعية التي تركز على الجريمة، وفي تسعينات القرن الماضي، أصبح الإنترنت محط الانتباه، وظهرت مخاوف بشأن إدمان الإنترنت والألعاب العنيفة وتأثيرها على السلوك في الحياة الواقعية.

إن المخاوف الحالية تتشابه مع ما سبق ذكره بشأن تأثير وقت الشاشة ووسائل التواصل الاجتماعي على الأطفال، ولكن لا يمكن تجاهلها ببساطة؛ لأن الناس كانوا قلقين في الماضي بشأن أمور مشابهة، يقول «بيت إيتشلز»: «السؤال الذي يطرح الآن هو، هل هذا مجرد ذعر أخلاقي آخر؟، إنه سؤال صعب؛ لأنه لا يمكن معرفة ما إذا كنا في حالة ذعر أخلاقي أثناء حدوثه».

ويتساءل الكثير عما إذا كانت الثورة الرقمية قد جعلتنا أكثر أو أقل استقرارًا، وهنا أظهر تحليل أُجري في عام 2022 أن مستويات النشاط البدني لدى الأطفال الذين تتراوح أعمارهم بين 11 و17 عامًا ظلت مستقرة نسبيًا منذ عام 2010، حيث لم يتمكن حوالي 80 % منهم من تحقيق المستوى الموصى به من النشاط، وخلص القائمون على الدراسة إلى أن زيادة الوصول إلى الوسائط الرقمية قد لا تكون السبب الرئيسي لهذا الخمول، وربما تكون ببساطة قد حلت محل أشكال أخرى من السلوك المستقر مثل: قراءة الكتب والمجلات أو مشاهدة التلفزيون.

مايكل مارشال

خدمة تربيون عن مجلة «New Scientist»

المصدر: لجريدة عمان

كلمات دلالية: ووسائل التواصل الاجتماعی لوسائل التواصل الاجتماعی وسائل التواصل الاجتماعی استخدام الشاشات ا أمام الشاشات الدراسات التی الأطفال الذین عبر الإنترنت أمام الشاشة لدى الأطفال دراسة أجریت على الشاشات وقت الشاشة وجدت دراسة الأطفال ما أن الأطفال الوصول إلى العدید من طویل أمام هذا الأمر الکثیر من البحث أن فی دراسة من جامعة أن قضاء قد تکون تأثیر ا لا یمکن من ذلک دون سن إلى أن عام 2023 ا طویل ما بین فی عام عام 2021 عام 2022 فی هذا یجب أن

إقرأ أيضاً:

دبي الأكثر رواجاً في العالم على منصات التواصل الاجتماعي

كشفت صحيفة "ميرور ترافل" البريطانية عن تصدر دبي قائمة المدن السياحية الأكثر رواجاً في العالم على منصات التواصل الاجتماعي، وفقاً لتحليل أجرته شركة السفريات "تيتان ترافل".

وحظيت دبي على أكثر من 30 مليون مقطع مصور على تيك توك و123 مليون منشور على إنستغرام.

مقالات مشابهة

  • مغاربة استشعروا هزة أرضية جديدة.. وجبور يكشف عبر أخبارنا حقيقة ما حصل
  • أضرار قضاء الوقت أمام الشاشات في العشرينيات على صحة الجسم
  • ندوات ودروس علمية في ملتقى البيت الآمن ببهلا
  • في 2024.. جيل Z يولد من الاحتجاجات
  • تقرير طبي: الإفراط في النظر للشاشات.. خطورة مكوث الطفل أمام التابلت
  • حرب الشائعات.. والوعي المطلوب
  • أوقات بتزيد الهموم.. تعرف على آخر بوست للباحثة ريم حامد قبل وفاتها بشكل غامض في باريس
  • ضياع الوقت على مشاهدة الشاشات قد يزيد من خطر الوفاة المبكرة.. تفاصيل
  • يهدد صحتهم ويمهِّد للعزلة والانطوائية والعنف.. إدمان الألعاب الإلكترونية يبعد الأطفال عن الأنشطة التفاعلية
  • دبي الأكثر رواجاً في العالم على منصات التواصل الاجتماعي