تعد أزمة التغيّر المناخي وارتفاع درجة الحرارة من أكبر التحديات التي تواجه البشرية في القرن الحادي والعشرين، وترتبط هذه الأزمة وتفاقمها بالنشاطات الصناعية غير الملتزمة بالأطر البيئية -سنفصّل هذه الأسباب في الفقرات القادمة- وتؤثر هذه الظواهر بشكل مباشر على البيئة والاقتصاد والصحة العامة. من أجل التعامل مع هذه التحديات الناتجة من التغيّر المناخي وارتفاع درجات الحرارة، حاول العلماء والمختصون في الشأن البيئي البحث عن حلول كثيرة؛ إلا أنّ أكثرَ هذه الحلول كانت تعوّل على الوسائل السياسية والقانونية التي لم تستجبْ بعضُ الدول الصناعية الكبرى لتنفيذها والالتزام بها، وهذا ما فتح الأبواب إلى طرق السبل العلمية لتكون حلا قادرا على مواجهة هذه التحديات وتخفيف آثارها السلبية الصاعدة، وأحد هذه الحلول استعمال تقنيات متقدمة مثل الذكاء الاصطناعي؛ لتقديم حلول فعّالة ومستدامة.

في هذا المقال، سنتناول كيفية التعامل مع أزمة التغيّر المناخي باستعمال الذكاء الاصطناعي، ونستعرض فيه بعض الأبحاث والتطبيقات المتعلقة باستعمال الذكاء الاصطناعي في مواجهة أزمة المناخ، وتقديم رؤية واضحة لمستقبل الذكاء الاصطناعي في هذا الشأن.

الأرقام تتحدث

يأخذ التغيّر المناخي منهج التحول طويل الأمد في درجات الحرارة وأنماط الطقس الذي لا يمكن إدراكه إلا عبر الحركة الزمنية وتغيّراتها التراكمية، ومن الممكن أن يكون هذا التغيّر له طابعه الطبيعي؛ إلا أن الدراسات تشير إلى أسباب تتعلق بالممارسات البشرية مثل حرق الوقود الأحفوري الذي يزيد من تراكم الغازات الضارة في الغلاف الجوي؛ فاستنادا إلى تقرير الهيئة الحكومية الدولية المعنية بتغير المناخ (IPCC) لعام 2021م؛ فإن النشاطات البشرية مسؤولة عن حوالي 1.1 درجة مئوية من الارتفاع في درجات الحرارة منذ أواخر القرن التاسع عشر التي يُعَدُّ الحقبة الزمنية التي بدأت معها الثورة الصناعية الأولى.

ما تأثيرات التغيّر المناخي؟

التغير المناخي له تأثيرات واسعة النطاق على البيئة وموجوداتها بما فيها الإنسان، منها:

- ارتفاع مستوى سطح البحر: نتيجة لذوبان الجليد في القطبين، ويعدُّ هذا تهديدا مباشرا للمدن الساحلية والجزر الصغيرة المعرّضة للغمر بمياه البحار واختفائها.

- زيادة حدة الكوارث الطبيعية: مثل الأعاصير والفيضانات والجفاف بسبب ارتفاع درجات الحرارة وعدم انتظام النظام البيئي الخاص بالأرض، وهذا ما يقود إلى التسبب في خسائر بشرية ومادية ضخمة، وشهد العالم العديد من هذه الكوارث التي حدث بعضها في سلطنة عمان رغم التأكيد على مرور سلطنة عمان -وفقا للسجلات التأريخية ومروياتها- بكوارث الفيضانات إلا أننا نشهد حالات أشد قسوة في الأعوام الأخيرة من زمننا المعاصر.

- تأثيرات على الزراعة: كذلك الزراعة ليست بمنأى عن ظروف التغيّر المناخي وآثاره مما يؤدي إلى نقص في الإنتاج الغذائي وزيادة في الأسعار.

- تدهور صحة الإنسان: يمكن أن نجد الكثير من الارتباطات بزيادة الأمراض وبظاهرة التغيّر المناخي مثل ارتفاع درجات الحرارة والتلوث البيئي اللذين يؤثران بشكل مباشر وغير مباشر على صحة الإنسان وحياته.

الذكاء الاصطناعي باعتباره أداة للتعامل مع التغير المناخي

ويمكن للذكاء الاصطناعي أن يسهم في معالجة التغير المناخي عبر عدة طرق، منها التنبؤ بالكوارث الطبيعية، وتحسين كفاءة استعمال الموارد، وإدارة الأنظمة البيئية.

1. التنبؤ بالكوارث الطبيعية

يمكن استعمال نماذج التعلم الآلي وخوارزمياته لتحليل البيانات المناخية والتنبؤ بالكوارث الطبيعية قبل حدوثها، وتبدأ العملية عبر جمع البيانات المتعلقة بالمناخ وتغيراته لفترات زمنية مسجّلة؛ فكلما زادت كمية هذه البيانات وتنوعت؛ زادت كفاءة الخوارزمية في التنبؤ، وأحد الاستعمالات -الحالية- الممكنة للذكاء الاصطناعي في التنبؤ بالأعاصير والفيضانات تستند إلى بيانات الأقمار الصناعية والمعلومات المستقاة عبر الزمن؛ فوفقَ دراسة نشرتها جامعة «ستانفورد» في عام 2020م أظهرت أن الذكاء الاصطناعي يمكن أن يتنبأ بدقة بحدوث الأعاصير بنسبة تصل إلى 90%.

2. تحسين كفاءة استعمال الطاقة

يملك الذكاء الاصطناعي قدرة على تحسين كفاءة استعمال الطاقة في المباني والمصانع وتشغيلها، وذلك عن طريق تحليل أنماط استهلاك الطاقة، ويمكن للأنظمة الذكية العمل على تنظيم الإضاءة والتدفئة والتبريد تلقائيًا لتقليل استهلاك الطاقة؛ وبالتالي تقلل من الانبعاثات الضارة الناتجة من المحروقات مثل الغاز المستعمل في توليد الطاقة. إحدى التجارب العملية الناجحة لمثل هذه المشروعات قامت بها شركة «Deep Mind» «ديب مايند» التابعة لـ«جوجل» حيث تمكنت من تقليل استهلاك الطاقة في مراكز البيانات التابعة لها بنسبة 40% بواسطة تقنيات الذكاء الاصطناعي.

3. الإدارة الذكية للموارد الطبيعية

كذلك ثمّة قدرة للذكاء الاصطناعي في الإدارة الذكية للموارد الطبيعية مثل: المياه والمناطق الزراعية عن طريق تقنيات تحليل البيانات؛ إذ يمكن التنبؤ بوجود المياه وتحديد المناطق التي تحتاج إلى الري وفقا للأولوية؛ ففي الزراعة، يمكن استعمال الذكاء الاصطناعي لتحديد أفضل الأوقات للزراعة والحصاد، مما يزيد من إنتاجية المحاصيل، ويقلل من هدر الماء والطاقة المستعملة في عمليات الري والتشغيل بشكل عام.

ماذا عن التحديات؟

بالرغم من الفوائد الكبيرة للذكاء الاصطناعي في التعامل مع التغير المناخي والحلول التي يمكن أن يسهم بها مثل التي أشرنا إليها في السطور السابقة، إلا أن ثمّة تحديات تواجه هذه المشروعات المتعلقة بالجانب الرقمي بحاجة إلى مزيد من الحلول لتحقيق أقصى استفادة من هذه التقنيات، ونستعرض في السطور الآتية بعضًا من هذه التحديات المحتملة والحلول الممكنة:

1. نقص البيانات

أحد أبرز التحديات التي تواجه تطبيقات الذكاء الاصطناعي -بشكل عام- نقص البيانات الدقيقة والشاملة التي تعدُّ عنصرًا ضروريًا لتدريب نماذج الذكاء الاصطناعي؛ إذ تؤكد الكثير من التجارب وجود هذا التحدي المتعلق بنقص البيانات واعتباره عائقًا كبيرًا يعوق إنجاز مهمات معقدة مثل التغيّر المناخي وآثاره، ولتجاوز هذا التحدي، ينبغي على الحكومات والشركات المعنية التعاون لتوفير وتبادل البيانات المتعلقة بالمناخ والبيئة، ويمكن تحقيق ذلك عبر توفير أجهزة الاستشعار الدقيقة والخاصة المرتبطة مع بعضها بعضا بواسطة تقنيات رقمية مثل إنترنت الأشياء، وتوفير منصة تخزينية خاصة وآمنة لجمع هذه البيانات وفرزها وفقًا لمعايير الجودة والتصنيفات المطلوبة.

2. التكلفة العالية

في زاوية أخرى، تعدُّ تطويرات حلول الذكاء الاصطناعي في مواجهة التغيرات المناخيّة مكلفةً من الناحية المالية لما تتطلبه مثل هذه المشروعات من خبرات في مجال التغيّر المناخي والدعم الفني والرقمي والذكاء الاصطناعي بشكل خاصّ، وهذا ما يشكل عائقًا أمام الكثير من الدول خصوصا الدول النامية. لمواجهة مثل هذه الصعوبات، يُتطلب من الحكومات والمؤسسات الدولية تقديم الدعم المالي والفني للدول النامية لمساعدتها في تبنّي مثل هذه التقنيات، وتقديم الخبرات والتدريب الفني والرقمي.

3. التحديات الأخلاقية

يثيرُ استعمالُ الذكاء الاصطناعي بعض القضايا الأخلاقية، مثل: الخصوصية وسلامة البيانات، وتضاعفت هذه المخاوف بعد الطفرة الرقمية التي شهدها العالم بظهور نماذج الذكاء الاصطناعي التوليدية التي أظهرت قدرات غير متوقعة منذ عام 2023م، وتزامنت مع تحذيرات الكثير من خبراء الذكاء الاصطناعي بتصاعد تطويرات هذا الكائن الرقمي الذي يأخذ مسلكه إلى بلوغ النوع العام إلا أنه -كما سبق أن ذكرنا في مقالات سابقة- هناك الكثير من الحلول التي ينبغي التفاعل معها وأخذها بمحمل الجد مثل وضع سياسات وقوانين واضحة لضمان استعمال الذكاء الاصطناعي بشكل مسؤول وآمن، وهذه إشارة إلى تمكين حوكمة خاصة للذكاء الاصطناعي وتفعيلها في كل التطبيقات بما فيها التطبيقات المتعلقة بمعالجة التغيرات المناخية وضبط مسارها.

تجارب يوصى الاقتداء بها:

1. مشروع «بلو دوت»

انطلق مشروع «Pale Blue Dot» «بلو دوت» في عام 2020م، ويسعى الباحثون عبر هذا البرنامج إلى تحقيق تمكين للذكاء الاصطناعي لتحليل البيانات المناخية والتنبؤ بالكوارث البيئية، ويعتمد المشروع على تحليل بيانات الأقمار الصناعية والمعلومات المناخية لتحديد المناطق الأكثر عرضة للكوارث مثل الفيضانات والجفاف.

2. مبادرة «أغروتيك»

تعدُّ القطاعات الزراعية وتأثيراتها جزءا من منظومة المناخ التي تتغير بتغيّرات المناخ، ومبادرة «AgriTech Initiative» «أغروتيك» -التي أطلقت لأول مرة في عام 2015م- إحدى المبادرات المهمة التي تعتمد على الذكاء الاصطناعي؛ لتحسين الزراعة المستدامة -وفقَ نشرة نشرها منتدى الاقتصاد العالمي في أبريل 2024م الذي يسعى بواسطتها إلى تحليل البيانات البيئية والمناخية؛ لتمكين المزارعين من تحديد أفضل الأوقات للزراعة والحصاد، وتقليل استهلاك المياه والأسمدة الكيميائية، مما يسهم في الحفاظ على البيئة وزيادة الإنتاجية.

3. مشروع «جوجل إيرث إنجين»

أطلقت شركة «جوجل» مشروع «Google Earth Engine» «جوجل إيرث إنجين» الذي يعدّ منصة حوسبة سحابية لتحليل البيانات الجغرافية والبيئية بواسطة الذكاء الاصطناعي، وتتيح للمستخدمين والباحثين الولوج إلى البيانات الكبيرة التي تحتفظ بها هذه المنصة -أرشيف ضخم من الصور الفضائية والمعلومات التي تمتد إلى عقود من الزمن- وتحليلها، وكذلك يمكن للباحثين والحكومات استعمال هذه المنصة لمراقبة تغيرات الغابات مثل الحرائق التي يَكثرُ حدوثها مع ارتفاع درجات الحرارة، وذوبان الجليد، والتلوث البيئي، واتخاذ الإجراءات المناسبة لحماية البيئة.

توسّع في دور الذكاء الاصطناعي

ما سبق عرضه من مبادرات وتجارب يعكس القدرات الرقمية الذكية في محاولة معالجة قضايا التغيرات المناخية ومتعلقاتها إلا أنها لا تقدّم حلولا نهائية، إنما هناك الكثير من المجالات التي يمكن أن يعوّل الذكاء الاصطناعي على مواصلة الزحف إليها لتوليّ زمام أمرها مثل:

تطوير نظام الإنذار المبكّر

يمكن استعمال الذكاء الاصطناعي في تطوير نظام الإنذار المبكر الذي يعتمد على بيانات الأقمار الصناعية والمستشعرات الأرضية الذكية لتقديم التحذيرات المبكرة فيما يخص الكوارث الطبيعية؛ فعلى سبيل المثال، يمكن للنماذج التنبؤية المدعومة بالذكاء الاصطناعي تقديم تحذيرات من حرائق الغابات والفيضانات في مراحلها الأولى التي لا تفطن الحواسُ البشرية الطبيعية إلى وجودها، ولكن يمكن عبر المستشعرات الذكية التي تجمع البيانات الدقيقة وترسلها لخوارزميات الذكاء الاصطناعي للتحليل والمعالجة أن تتنبأ بحدوثها بدقة عالية، وتتيح هذه القدرات للحكومات والمجتمعات الوقت الكافي لاتخاذ الإجراءات اللازمة للحد من الأضرار.

إدارة النفايات والتلوث

من المهم أن ندرك أن النفايات والتلوث البيئي لها آثارها التي تؤثر سلبا على المناخ، وتفاقم من تغيّراته الضارة، ولهذا يأتي دور الذكاء الاصطناعي في المساعدة في إدارة النفايات عبر تحسين عمليات الجمع وإعادة التدوير؛ إذ يمكن استعمال نماذج الذكاء الاصطناعي في تحليل أنماط إنتاج النفايات وتحديد أفضل الوسائل وأكثرها فعالية في جمع النفايات وإعادة تدويرها. بالإضافة إلى ذلك، يمكن استعمال الذكاء الاصطناعي في مراقبة مستويات التلوث الجوي والمائي ورصد تغيراتها بشكل دقيق وسريع، وتحديد توصيات مناسبة للحدّ من مصادر التلوث وتفاقماته.

تعزيز النقل المستدام

كذلك يستطيع الذكاء الاصطناعي تعزيز النقل المستدام عن طريق تحسين حركة المرور وتقليل استهلاك الوقود؛ فبواسطة تحليل بيانات المرور في الوقت الفعلي، يمكن للأنظمة الذكية تقديم توصيات للسائقين فيما يخص أفضل الطرق لتجنّب الازدحام وتقليل زمن القيادة. علاوة على ذلك، للذكاء الاصطناعي قدرات في دعم تطوير المركبات الكهربائية وتحسين كفاءتها عبر النماذج الذكية التي يمكن أن تصنع تنبؤات دقيقة لصيانة البطاريات وتحسين أدائها، ويصب هذا كله في مصلحة تقليل التلوث البيئي وانبعاثاته الضارة.

التحديات المستقبلية والحلول الممكنة

لا يمكن أنْ نغفلَ عن الصورة المستقبلية للعالم والحياة في ظل توترات تفاقم أزمة المناخ وتغيّراته الضارة التي تعصف بكثير من مفاصل حياتنا، وهنا نحتاج إلى تحديد مواضعنا الحاضرة وتحدياتها التي ستعيننا على تحديد مواضعنا في المستقبل القريب والبعيد؛ وبالتالي نملك القدرة على فهم ما يمكن أن نواجهه من تحديات وما يمكن أن نسهم به من حلول ممكنة، ومن هذه الحلول التي يمكن أن تعزز جهود مواجهة التغيّر المناخي في حاضرنا ومستقبلنا ما يلي:

- من المهم أن تعمل دول العالم أجمع على التعاون المشترك وتبادل البيانات والخبرات المتعلقة بالتغيّرات المناخية وآثارها؛ حيث يمكن للمنظمات الدولية مثل الأمم المتحدة والبنك الدولي والمنتدى الاقتصادي العالمي دعم جهود التعاون بواسطة توفير منصات لتبادل البيانات والأدوات التقنية والرقمية مثل أنظمة الذكاء الاصطناعي التي تتطلب -قبل كل شيء- تقديم الدعم المالي والتقني للدول النامية.

- تطوير حلول مبتكرة لمكافحة التغيّر المناخي، يتطلب استثمارات كبيرة في مجال البحث العلمي والتطوير؛ إذ ينبغي للحكومات ومؤسسات القطاع الخاص المعنية تخصيص ميزانيات لتمويل الأبحاث المتعلقة بالذكاء الاصطناعي وتطبيقاته في مجالات البيئة والطاقة المستدامة، وهذا ما نجده جليّا -في سلطنة عُمان- عبر برامج دعم البحوث، ومنها بحوث البيئة والتغيّر المناخي الذي تطلقه المؤسسات الحكومية المعنية عبر منصات البحث العلمي التابعة لوزارة التعليم العالي والبحث العلمي والابتكار، وحينها لا يمكن أن نقلل من الجهود التي يمكن للجامعات ومراكز البحث أن تبذلها عبر التعاون المحلي والدولي لتطوير تقنيات جديدة وتحسين كفاءة الحلول الحالية.

ونأتي إلى أهم ما يمكن أن نعوّل عليه في أول مراحل انطلاقاتنا العلمية لمواجهة تحديات البيئة والمناخ، والتي تعد الركن الذي ينبغي أن نعتمد عليه لبلوغ أهدافنا المنشودة، ونعني بذلك الوعي المجتمعي الذي نستطيع أن ننطلق بواسطته إلى مكافحة التغيّر المناخي والقدرة على استعمال التقنيات الرقمية الحديثة التي تُعدُّ جزءًا أساسيًا من الحل كما أسلفنا آنفا؛ حيث يمكن للحكومات والمنظمات غير الحكومية تنظيم حملات توعية وبرامج تعليمية لتشجيع المواطنين على تبنّي ممارسات صديقة للبيئة واستعمال الحلول التقنية المبتكرة، وإشراك المجتمع بشتّى الوسائل الممكنة في هذه العملية التي تتطلب جهود الجميع.

د. معمر بن علي التوبي

أكاديمي وباحث عُماني

المصدر: لجريدة عمان

كلمات دلالية: استعمال الذکاء الاصطناعی ارتفاع درجات الحرارة الذکاء الاصطناعی فی ل الذکاء الاصطناعی للذکاء الاصطناعی التغی ر المناخی تحلیل البیانات التغیر المناخی یمکن استعمال التی یمکن أن تحسین کفاءة الکثیر من وهذا ما مثل هذه إلا أن من هذه التی ی

إقرأ أيضاً:

صراع من أجل البقاء!

 

د. محمد بن عوض المشيخي **

 

الذكاء الاصطناعي ومستقبل الإعلاميين من البشر هو موضوع هذا المقال في ظل التطورات التكنولوجية المتسارعة والمتمثلة في الانفجار المعرفي الهائل، وما صحابه من تطورات مُلفتة؛ حيث الآلات والروبوتات التي تحاكي العقل البشري وتُبرمَج من خلال تطبيقات ذكية مُتقدمة مثل "شات جي بي تي، وجوجل جيمني"، وغيرها من التطبيقات، التي تعمل من خلال الخوارزميات المتقدمة كبديل عن البشر.

وقد تمكَّن الذكاء الصناعي ولأول مرة، من التعرف على توجهات الرأي العام والمضامين الإعلامية المفضلة لدى المستقبلين والمتفاعلين مع مختلف الفنون الصحفية المنشورة عبر المواقع المختلفة في شبكة الإنترنت، وخاصة الهواتف الذكية التي أصبحت القوة الضاربة والجسر الذي يعبر من خلاله الجميع للحصول على المعلومات التي تهم أكبر عدد من الناس في هذا الكوكب. ثم يتبع ذلك بخطوة أخرى تقوم بها تلك التطبيقات تلقائيًا (أوتوماتيكيًا) من خلال تثبيت المواضيع الأكثر رواجًا بين الجماهير وتكرارها على الدوام في هذا الميدان المثير للجدل.

وقد نجح إلى حد ما في قلب موازين القوى لصالح الذكاء الاصطناعي على حساب العنصر البشري، على الرغم مما يتميز به العقل البشري من مزايا وخصائص يفتقد إليها هذا الذكاء المبرمج؛ إذ إن الفكر المُبدع والمرونة والذوق الرفيع وفهم البيئة المحيطة بالمجتمع وأمانة الكلمة والصدق والالتزام بالبُعد الأخلاقي في إنتاج المعلومات ونشرها، وأهم من ذلك العواطف والمشاعر الإنسانية الصادقة؛، كلها بالطبع صفات خاصة وأصيلة ارتبطت بالإنسان، ولا نصيب للأجهزة الحاسوبية والروبوتات والتطبيقات الذكية فيها. وعلى الرغم من ذلك نجد أنَّ صحيفة "الجارديان" البريطانية قد نشرت أول مقال افتتاحي مُولَّد بالكامل عن طريق الذكاء الاصطناعي، بينما تعتمد وكالة "بلومبرج" المُتخصصة في الأخبار الاقتصادية والسياسية على روبوتات في جمع وإنتاج ثُلث أخبارها، وذلك بدلًا من الصحفيين الذين استغنت عن عدد كبير منهم!

وانتشرت ظاهرة المذيعات الافتراضيات باستخدام الذكاء الاصطناعي في شبكة الجزيرة؛ إذ تقدم الروبوت "ابتكار" الأخبار، بينما تقدم زميلتها "نورا" البرامج الحوارية، وظهرت في الكويت المذيعتان "فضة" و"نوف".

وهكذا دخل الذكاء الاصطناعي في كل القطاعات الاقتصادية والإنتاجية والتعليمية والثقافية والإعلامية؛ مما ترتب على ذلك الخوف من تفوق هذا النوع من الذكاء الذي في الأساس هو من صنع الإنسان وأصبح حديث الساعة؛ وذلك لأهمية التطبيقات والآلات التي أفرزتها هذه الصناعة الذكية والمُتقدِّمة والتي أصبحت تشكل خطرًا داهمًا ووجوديًا على البشرية جمعاء لا تقل تداعياتها عن الحروب النووية. لما لا، وقد أصبح خطاب الكراهية بين الأمم والشعوب هو الصوت البارز عبر منصات الإعلام الرقمي ووسائل التواصل الاجتماعي. وكما قيل في سابق الأزمان حول هذا الموضوع إن "الفتنة أشد من القتل".

ويعود هذا الفتح العلمي الكبير إلى منتصف القرن الماضي، عندما وضعت كوكبة من المخترعين من بريطانيا وأمريكا البدايات الأولى لما يُعرف اليوم بالذكاء الاصطناعي، أمثال جون مكارثي ومينسكي، لكن لم يخطر على بال هؤلاء الباحثين أن نتائج تلك البحوث ستنعطف بالبشرية إلى هذا المستوى من الإمكانيات والتحديات في نفس الوقت. ويُعرف الذكاء الاصطناعي بأنه "فرع من علوم الكمبيوتر معني بإنشاء آلات ذكية تحاكي القدرات البشرية، مثل التعلم والفهم والتفكير وحل المشكلات. وتعتمد تقنيات الذكاء الاصطناعي على خوارزميات معقدة قادرة على تحليل البيانات واستخلاص المعلومات واتخاذ القرارات".

ويمثل الإعلام وما يحمله من مضامين عبر شبكة الإنترنت واحدًا من أبرز المجالات التي دخلت بقوة في الذكاء الاصطناعي؛ فهناك اليوم بعض المؤسسات الإعلامية تُوظِّف هذه التقنية على نطاق واسع في مختلف الفنون الصحفية والإعلامية، مثل: جمع الأخبار وتحريرها ثم تقديمها عبر المنصات، وكذلك تحليل الكم الهائل من المعلومات وتصنيفها وإعدادها للنشر. كما إن هناك عمليات ترجمة على نطاق واسع من اللغة الإنجليزية إلى اللغة الأم والعكس، وتتميز هذه العمليات التي تعتمد على سرعة توليد المضمون الإعلامي باختصار الوقت وقلة التكلفة، لكنها في نفس الوقت تفتقد إلى الحقيقة لكونها مُجمَّعة من عدة مصادر، وتعتمد على الخوارزميات وتحليلات الذكاء الاصطناعي التي لا تصيب دائمًا. كما أصبحت بعض الصحف تنشر مقالات مجهولة يتم توليدها بالكامل من الذكاء الاصطناعي، وتخضع لعمليات الذكاء الاصطناعي التي تُولِّد مضامين متنوعة الأفكار مصدرها البحث في محركات المواقع مثل جوجل ومايكروسوفت.

السؤال المطروح الآن: ما التحديات والفرص المتاحة للإعلام العُماني وسط هذا السباق نحو الاستفادة من هذه التقنية؟

يبدو لي أنَّ الإعلام العربي بوجه عام، والعُماني خاصة، لم يتمكن حتى الآن من فك رموز خوارزميات الذكاء الاصطناعي، أو امتلاك واستيعاب طبيعة عمل الحواسيب والروبوتات المعروفة علميا بـ"الهارد وير" وكذلك توطين التطبيقات الخاصة بهذه التقنية المعقدة والمعروفة بـ"السوفت وير"، من أجل تطوير واستخدام المحتوى الإعلامي المُولَّد بالكامل من هذه التكنولوجيا الواعدة. وهناك أسباب تتعلق بالتحديات التكنولوجية والمتمثلة بالمشرفين الفنيين أو الخبراء، وكذلك غياب الموازنات المالية المخصصة للولوج إلى عالم الذكاء الاصطناعي. والأهم من ذلك كله الخوف أن تتولى الروبوتات والتطبيقات القيام بالأعمال اليومية للصحفيين والإعلاميين في تلك المؤسسات التي تُعاني من شح في الموارد؛ بهدف التوفير وتقليل المصاريف التي تُدفع كرواتب للعاملين في هذا الحقل.

صحيحٌ أننا في سلطنة عُمان ما زلنا في البداية وعهدنا بهذه التقنية جديد، وفي المراحل الأولى ولكن استطاعت منصة "عين" الحكومية مثلًا استخدام خوارزميات الذكاء الاصطناعي بهدف التعرُّف على تفضيلات الجمهور المُتابِع للمضامين المعروضة. كما يتم استخدام بعض التطبيقات في المجال الإعلامي لترجمة النصوص وتحريرها وتصحيحها لغويًا، وكذلك وضع وصف توليدي للصور التي تُنشر عبر وسائل التواصل الاجتماعي، مع تقديم إجابات مفصلة واقتراحات للمواضيع المطروحة عبر شبكة الإنترنت. كما إن صحيفة "عُمان أوبزرفر" الحكومية الناطقة باللغة الإنجليزية فقد أدخلت مؤخرا تطبيق "ChatGPT" لتحرير وتصحيح الأخبار، مع استخدام الأصوات في قراءة الأخبار، بالاشتراك مع جريدة عُمان، فضلًا عن استخدام بعض البرامج في إنتاج صور بالذكاء الاصطناعي. أما إذاعة الوصال الخاصة فقد أدخلت تطبيقات تحويل الكلام إلى صوت وكلمات، كذلك استخدام تقنية الذكاء الاصطناعي للتصحيح اللغوي، فضلاً عن استخدام "ChatGPT" في مجالي الإعداد والتقديم.

وفي الختام.. هناك اعتقاد على نطاق واسع بأنَّ أدوات الذكاء الاصطناعي لا يُمكن أن تكون بديلًا للبشر في المجال الفكري المُتعلِّق بالإنتاج الفكري، مهما تقدمت هذه التكنولوجيا التي تمشي بخطوات متسارعة نحو اللامعلوم، لكن في كل الأحوال فإنَّ الآمال معقودة بأن تكون العلاقة بين العنصر البشري والمتمثل في الإعلاميين والصحفيين وبين الآلات الذكية، هي علاقة تكاملية تُبقي على الوظائف الإنسانية من جانب، وتُطوِّر العمل الصحفي من خلال استخدام الذكاء الاصطناعي في المجالات المطلوبة.

** أكاديمي وباحث مختص في الرأي العام والاتصال الجماهيري

رابط مختصر

مقالات مشابهة

  • الذكاء الاصطناعي يحلّل 1.6 مليون مسح دماغي
  • الذكاء الاصطناعي قد يخفف التوتر لدى مرضى السرطان
  • التغيّر المناخي يهدد مدناً تاريخيّة في اليمن
  • إسلام خالد يكتب: مخاطر الذكاء الصناعي.. تحديات تواجه العالم الرقمي
  • محمد سليم شوشة يناقش مخاطر ثورة الذكاء الاصطناعي في «فخ الحضارة»
  • النائبة عايدة نصيف: تنظيم تشريعات الذكاء الاصطناعي تدعم مسار الإصلاح الاقتصادي
  • برلمانية: تنظيم تشريعات الذكاء الاصطناعي يدعم مسار الإصلاح الاقتصادي
  • نائب رئيس حزب المؤتمر: مصر تحتاج تشريعات متكاملة لتنظيم الذكاء الاصطناعي
  • مواكبةً لتحركات العالم.. مصر تتقدم 50 مركزا في التصنيفات العالمية بالذكاء الاصطناعي
  • صراع من أجل البقاء!