تُحيط بنا المركبات العضوية في كل مكان، بدءًا من مكونات أجسادنا، مرورًا بمنازلنا ووصولًا إلى مجالات الصحة، والنقل والرياضة والتجميل. ففي أجسادنا، تلعب المركبات العضوية دورًا مهمًّا في وظائف حيوية مثل الإبصار (الريتينال) والمزاج (السيريتونين) ونقل الأوكسجين (الهيم) والتخزين الجيني (الأحماض النووية).

وفي منازلنا، نجدها في مختلف الأدوات المنزلية (البلاستيك) والمواد الحافظة للطعام، وحتى في مكيفات الهواء والثلاجات.

وتؤدي دورًا مهمًّا في صحتنا من خلال الأدوية (مسكنات الألم، مضادات الحيوية) والمواد المخدرة في العمليات الجراحية، ومواد التعقيم والتطهير.

كما تُستخدم في تشغيل سياراتنا (الوقود) وتحسين أدائها (إضافات الوقود) وتقليل انبعاثاتها (عوامل مساعدة)، كما أنها تُضفي لمسة من الجمال على مظهرنا من خلال العطور ومستحضرات التجميل.

ونظرًا للاستخدام الواسع للمركبات الكيميائية العضوية في حياتنا اليومية، يبرز السؤال حول مصير هذه المواد بعد استخدامها. فالعديد من هذه المواد قد تكون خطرة وسامة في حالات معينة، وبعضها لا يتحلل بسهولة بعد الاستخدام، مما يؤدي إلى تراكمها إلى مستويات خطيرة، خاصة في الغلاف الجوي. مثال على ذلك، مواد البلاستيك والمركبات المحتوية على الهالوجينات، التي يصعب تفكيكها إلى مركبات بسيطة غير ضارة للإنسان والحيوان والنبات والبيئة بشكل عام.

تحت هذه الظروف، تؤدي الكيمياء الخضراء دورًا محوريًّا في التخفيف من مضار المركبات العضوية المستخدمة حولنا. تُعرف الكيمياء الخضراء بأنها تلك الكيمياء التي تنتج مواد أو مركبات مفيدة للاستخدام البشري أو البيئي، مع زيادة مستوى الفائدة والاستخدام وتقليل الأضرار والتأثيرات السلبية. وتهدف إلى إيجاد طرق أو تفاعلات كيميائية مستدامة تحقق النتائج المرجوة دون التأثير السلبي على متطلبات الأجيال القادمة.

والاستدامة في إنتاج المواد والمركبات هي عنصر أساسي في الكيمياء الخضراء، حيث يمكن تحويل التفاعلات الكيميائية التقليدية إلى استراتيجيات خضراء عن طريق التحكم في عناصر متعددة مثل المركبات المتفاعلة، الإضافات، العوامل المساعدة، المذيبات، الوقت، ودرجة حرارة التفاعل. وجميع هذه العوامل تؤثر بشكل مباشر على فعالية التفاعل الكيميائي أو الطريقة المستخدمة.

ومن المهم في التفاعلات الكيميائية استخدام الذرات الموجودة في المركبات المتفاعلة بشكل كامل لإنتاج المركب المطلوب دون فقدان ذرات أو إنتاج مركبات فرعية غير مرغوب بها. تُعرف هذه التفاعلات بتفاعلات الاقتصاد الذري الكامل، مثل تفاعلات الإضافة وإعادة التوزيع. على الجانب الآخر، توجد تفاعلات أخرى ينتج عنها فقدان بعض الذرات كمنتجات فرعية غير مرغوب بها، وتسمى تفاعلات من دون اقتصاد ذري، مثل تفاعلات الإحلال والتبديل.

مبادئ الكيمياء الخضراء الـ12:

١. الوقاية

يهدف هذا المبدأ إلى التقليل من النفايات من خلال التخطيط السليم للتفاعلات الكيميائية، وتفادي إنتاج مواد غير مستهدفة أو نفايات، أو استخدام إضافات ومذيبات خطيرة أو مضرة بالبيئة، بالإضافة إلى تقليل وقت ودرجة حرارة التفاعل.

٢. الاقتصاد الذري

يعتمد هذا المبدأ على استخدام تفاعلات كيميائية ذات اقتصاد ذري كامل مثل الإضافة، وتجنب تفاعلات مثل الإحلال لتقليل النفايات.

٣. تقليل الخطورة

يتم تطبيق هذا المبدأ عن طريق استخدام مركبات متفاعلة غير خطيرة أو مضرة بالبيئة، مما يقلل من المخاطر المحتملة.

٤. نواتج غير سامة

ولا يقتصر الأمر على إدارة التفاعلات، فمن الضروري أيضا التخطيط للمركبات التي يمكن إنتاجها، والروابط التي قد تنتج خواص سامة أو خطرة أو تكون جزءًا من مواد متفجرة.

٥. استخدام مذيبات آمنة

يعد المذيب من أعمدة التفاعل الكيميائي، وتستخدم المذيبات لتذويب المركبات المتفاعلة وتقريبها من بعضها البعض، لكن هناك مذيبات تسبب أضرارا بيئية وصحية، لذا يهدف هذا المبدأ إلى إيجاد بدائل للمذيبات الخطيرة والمسببة للسرطان، أو تلك القابلة للتبخر السريع.

٦. تصميم كفاءة الطاقة

تستدعي بعض التفاعلات الكيميائية درجات حرارة أو ضغوطًا عالية، ويهدف هذا المبدأ إلى تقليل استخدام هذه الظروف إلى درجة حرارة الغرفة والضغط الجوي.

٧. استخدام موارد متجددة

يهدف هذا المبدأ إلى استخدام الموارد المتجددة في التفاعلات الكيميائية بدلا من الاعتماد على المواد الكيميائية التقليدية، مما يقلل من الاعتماد على الوقود الأحفوري ويشجع على استخدام الكتل الحيوية في إنتاج الوقود الحيوي والمواد الكيميائية المتعددة.

٨. تقليل المشتقات

يتحتم التقليل من استخدام المجموعات الحافظة أو المقنعة التي تستدعي تفاعلات إضافية، ويجب تخطيط الطرق الكيميائية بشكل دقيق لتفادي استخدام هذه المجموعات.

٩. استخدام عوامل محفزة ومتفاعلات بكميات قليلة

يتم استخدام العوامل المساعدة بكميات أقل من المتفاعلات، ولا تستهلك في التفاعلات الكيميائية، مما يقلل من إنتاج النفايات والمواد غير المرغوب فيها.

١٠. إنتاج مواد قابلة للتفكيك

بعد الاستخدام

من المهم تصميم المواد المنتجة بحيث تكون قابلة للتفكيك الكيميائي والحيوي لتجنب التأثيرات السلبية على البيئة.

١١. منع أو تقليل التلوث البيئي

يهدف هذا المبدأ إلى التقليل من استخدام المواد الكيميائية الخطرة أو المذيبات الضارة بالبيئة، ويشمل ذلك المتفاعلات والعوامل المساعدة والمضافة وكذلك النواتج الكيميائية المستهدفة.

١٢. منع أو تقليل الحوادث

يسعى هذا المبدأ إلى التقليل من الأضرار والحوادث البيئية من خلال تصميم التفاعلات بحيث لا تتضمن مواد قابلة للتفجير أو تفاعلات خطرة، وضمان عدم استخدام مواد سامة أو مذيبات خطيرة.

د. حمد بن حمدان المعمري

أستاذ مشارك في قسم الكيمياء، بكلية العلوم بجامعة السلطان قابوس

المصدر: لجريدة عمان

كلمات دلالية: هذا المبدأ إلى التقلیل من من خلال

إقرأ أيضاً:

المفتي يشرح حديث النبي لا إيمان لمن لا أمانة له.. فيديو

أكد الدكتور نظير عياد، مفتي الجمهورية، أن العلم من أخطر أنواع الأمانة، لأنه مسئولية عظيمة تتعلق بنقل المعرفة الصحيحة، وبيان الأحكام الشرعية، والتوجيه إلى الصلاح، وهو ما أشار إليه الله تعالى بقوله: {إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ}، فقد وصف العلماء بأنهم أهل الخشية الذين يدركون حدود الله، ويعلمون حقوقه وصفاته، ومن هنا جاءت خطورة خيانة العلم، لأنها تؤدي إلى تشويه الدين، وتخريب العقول، ونشر الفوضى الفكرية، وقد يصل أثرها إلى إفقاد الناس الثقة في الدين نفسه.

مفتي الجمهورية: كل ما في حياة الإنسان أمانة يُسأل عنها يوم القيامةتداعياته خطيرة.. المفتي يحذر من خطورة عدم التفريق بين الشريعة والفقه

وبشأن الفتوى تابع مفتي الديار المصرية، خلال لقائه مع الإعلامي حمدي رزق ببرنامج «اسأل المفتي» المذاع على قناة «صدى البلد»: "إنها أمانة عظيمة، لأن المفتي عندما يصدر حكمًا شرعيًا، فإنه يوقع عن الله تعالى، وهو ما يقتضي أن يكون أمينًا، ملتزمًا بالدقة والورع، وإلا فإنه يكون قد خان الأمانة، وابتعد عن الحق، مستشهدًا بقول النبي صلى الله عليه وسلم: «لا إيمان لمن لا أمانة له»، فالمفتي مسؤول أمام الله عن كل كلمة يقولها، لأن الفتوى قد تؤدي إلى صلاح المجتمعات أو فسادها".

وتابع المفتي: "الداعي ينبغي أن يتحلى بالحكمة، والصبر على المدعوين، ومراعاة أحوالهم، والتدرج معهم، كما قال الله تعالى: {ادْعُ إِلَىٰ سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ}، محذرًا من أن بعض الدعاة يسيئون إلى الدين بسبب سوء فهمهم لمضامينه، أو عدم استخدامهم للأساليب الصحيحة في الدعوة".

وأضاف نظير عياد: كل فرد مسئول عن وطنه، وأن حب الوطن لا يكون بالشعارات، بل بالعمل والاجتهاد والحرص على مصلحته، مشيرًا إلى أن بعض الناس يعتقدون أن الغش في الامتحانات أو العمل أو التجارة نوع من الذكاء، ولكن الحقيقة أن هذه الأمور تندرج تحت خيانة الأمانة، مستشهدًا بقول النبي صلى الله عليه وسلم: «كلكم راعٍ وكلكم مسؤول عن رعيته»، مؤكدًا أن الخيانة في الأمانة من أخطر الصفات، حيث يقول الله تعالى: {إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الْأَمَانَاتِ إِلَىٰ أَهْلِهَا}، كما وصف المنافقين بأنهم في الدرك الأسفل من النار، بسبب خيانتهم للأمانة.

مقالات مشابهة

  • حديث الذات
  • «الخارجية» تؤكد الحاجة لقيادة مستدامة بأزمة المياه العالمية
  • المصري مؤمن سليمان يصل بغداد لتسلم مهمة تدريب القيثارة الخضراء
  • الخارجية تشارك في مؤتمر دولي للتأكيد على قيادة مستدامة بشأن أزمة المياه العالمية
  • الإمارات تشارك في مؤتمر للتأكيد على قيادة مستدامة بشأن أزمة المياه العالمية
  • حديث أركو مناوي ..الذي نفذ في خضّم المعركة ورغم مرارات الحرب
  • المفتي يشرح حديث النبي "لا إيمان لمن لا أمانة له".. فيديو
  • المفتي يشرح حديث النبي لا إيمان لمن لا أمانة له.. فيديو
  • ليبراسيون: استخدام فرنسا الأسلحة الكيميائية بالجزائر قررته أعلى مستويات الدولة
  • 3 ركائز مستدامة للتعليم المبكر في الإمارات