«الأجنة المُجمدة» تقلل الأعباء المجتمعية وفرص انتقال الأمراض الوراثية!
تاريخ النشر: 17th, July 2024 GMT
وسط ثماني مليارات نسمة على كوكب الأرض اليوم، وُلِد أكثر من ١٢ مليون بشري من نطفة تم التدخل في تنشئتها مخبريًا، واختبروا شعور البقاء تحت عدسات المجهر قبل حتى ولادتهم!. قادني لإجراء هذا الحوار صديقة لي قضت سنوات طويلة تحت ضغط انتظار الحمل، جاءتني في يومٍ ما فرحِة بنتيجة حمل إيجابية بمساعدة طبيبة إخصاب عمانية.
كان عدد المراجعين في المركز كبيرا، وعلى الحائط كانت هناك صور للأطفال الذين ساعد المركز في ولادتهم، وفي مكتب منفصل صافحت الدكتورة شريفة بحرارة تُعبر عن كم الفضول الذي يعتريني وانهالت أسئلتي عليها فور جلوسنا.
يتردد مصطلح «أطفال الأنابيب» كثيرًا على مسامعنا، وقد يقود خيال السامع لتفسيرات عديدة قد لا تكون منطقية فهلا توضحين لنا معناه؟
إن هذا المصطلح قد لا يعبر بشكل واضح عن عملية الإخصاب المخبري التي تتم، فقد يُخيل للسامع حقًا أننا نقوم بوضع الجنين في أنابيب، ولكن ذلك ليس دقيقا. في الحقيقة الأنبوب المقصود به هنا هو قناة فالوب وهي نقطة التقاء الحيوان المنوي القادم من الأب بالبويضة التي أطلقها مبيض الأم في حالة الحمل الطبيعية إلا أن انسداد هذه القناة الشبيهة بالأنبوب لأي مشكلة صحية كانت يستدعي تدخلا مخبريًا أو إجراء «أطفال الأنابيب».
وكيف يتم الإخصاب المخبري؟
بعد الفحص والتوصل للمشكلة التي تمنع الحمل طبيعيًا، نقوم بتنشيط جسد المرأة ليقوم بإنتاج بويضات أكثر، نقوم بعدها بسحبها بطريقة بسيطة جدًا، وتقشير الخلايا المتكونة حول هذه البويضات لنرى مدى نضوجها، والبويضة الناضجة هي التي تحتوي نصف كروموسومات الإنسان، أما غير الناضجة والتي تحتوي على عدد أكبر أو أقل من الكروموسومات يتم استبعادها، وهذا يحدث مع نسبة قليلة فقط من النساء. في المقابل، يعطي الرجل عينة من السائل المنوي، ونقوم بتصفية الحيوانات المنوية واختيار السليم منها من حيث الحركة والشكل للبدء بعملية «الحقن المجهري»، والمتمثلة في أخذ بويضة ناضجة وحقنها بحيوان منوي ومراقبتها بكاميرات مجهرية حتى تصبح ملقحة، وقد تتلقح ٨ بويضات فقط من أصل ١٠. بعدها نتابع انقسامات البويضات الملقحة حتى اليوم الخامس، أي حتى تشكل الجنين بقشرة خارجية من الخلايا وكتلة داخلية، وعند اكتمال هيئته الأولى كما يجب أن تكون عليه يتم اختياره وإرجاعه للرحم.
وماذا عن البويضات الملقحة الأخرى؟
يتم حفظها لعمليات حمل قادمة وهذا ما يُطلق عليه «تجميد الأجنة».
هل يضمن إجراء «الإخصاب المجهري» نتائج إيجابية في كل مرة؟
إذا كان عُمر السيدة أقل من ٤٠ سنة فإن نسبة نجاح الإجراء تكون ٥٠ في المائة وتزداد هذه النسبة كلما قل عمرها، والعكس.
ذكرتِ سابقًا أن انسداد قناة فالوب سبب مهم في عدم حدوث الحمل طبيعيًا؟ فما الذي يتسبب في إغلاقها؟ وهل هو عيب خلقي أم مكتسب؟
ليس خلقيا، غالبية الحالات التي نستقبلها في المركز يكون السبب المؤدي لانسداد قناة فالوب فيها هي الالتهابات التي تُصيب الرحم، والتي يمكن أن تنتقل من الزوج نفسه خلال العلاقات، أو تسببت بها عمليات جراحية سابقة.
ما الأسباب الأخرى لتأخر حدوث الحمل طبيعيًا؟
تعاني بعض النساء من صعوبة الحمل بشكل طبيعي نتيجة إصابتهن بالبطانة المهاجرة وتكيّسات المبيض، وقد يرجع السبب للرجل، خاصة إن كان يعاني من مشكلة في حركة الحيوانات المنوية تُصعّب عليها الوصول إلى قناة فالوب في رحم المرأة، وهو المكان الذي يحدث فيه الإخصاب الطبيعي، كما أوضحنا سابقًا، أو قد يكون عدد الحيوانات المنوية قليلا من الأساس. وهناك حالات تأخر في الحمل دون أسباب واضحة وقد ترجع لعوامل نفسية.
وهناك حالات لا تعاني من مشاكل في الحمل الطبيعي ولكنها تلجأ إلى التلقيح المخبري؛ لضمان عدم نقل الأمراض الوراثية إلى الجنين والتي قد تُعيق نمط حياته مستقبلا.
هل بات من الممكن حقًا اختيار الصفات الوراثية التي نرغب بها في الجنين؟
نعم، إلى حد معين، فعلى سبيل المثال ومن أجل تقليل احتمال الولادة بأطفال مصابين بأمراض وراثية مستعصية أو بمتلازمة داون يقوم البعض بعمل «فحص كروموسومات» للجينات المسببة لهذه الأمراض في الأجنة التي تم تلقيحها مختبريًا، ويقوم باختيار الأفضل منها، كما يقوم البعض - حسب الطلب - بإجراء شامل للأمراض المحتملة؛ لتجنب أي مفاجآت غير سارة.
ماذا عن اختيار جنس المولود؟ أو لون عينيه على سبيل المثال؟
عند فحص كروموسومات الأجنة، أي بعد خمسة أيام من تلقيح البويضات مخبريًا تقريبًا، تظهر القراءات إذا ما كان الجنين ذكرًا أم أنثى، وتختار بعض العائلات تحديد جنس المولود لدوافع مختلفة أغلبها مجتمعية. أما التحكم بالخصائص الشكلية الأخرى فهو أمر غير موجود أو مطبق في الطب البشري، وهناك تجارب قائمة لتحديد الصفات للحيوانات وأنواع من النبات لتحسينها، ولكن ليس للبشر، إلا في حال اللجوء لمتبرعين خارجيين يحملون الصفات التي يرغب الوالدان بالحصول عليها، وهذا أمر غير مقبول في ديننا ومجتمعنا كما تعلمون.
وحتى في المجتمعات الغربية يرى البعض أن تغيير الصفات وحتى جنس الجنين أمر غير أخلاقي، وبغضّ النظر عن التوجهات العقائدية للعاملين في هذا المجال، فإن هناك أخلاقيات تحكم ممارساتنا الطبية، وفتح مجال التلاعب بالصفات الوراثية قد يشكّل مخاطر عديدة لا يُحمد عقباها.
ولكن التلاعب بالجينات وارد مستقبلا، صحيح؟
هذا أمر وارد وممكن بالطبع، خاصة مع النقلات الكبيرة التي نراها في علم هندسة الجينات، وهناك بالفعل تجارب كثيرة قائمة ولكننا لا نعرف إن كان سيسمح بتطبيقها على أرض الواقع مستقبلا.
هل هناك اختلاف بين الأطفال الذين يولدون بطريقة طبيعية، و«أطفال الأنابيب»؟
لا توجد أي اختلافات، وهم يمثلون عشرات الملايين من سكان الأرض اليوم، ولا توجد أي دراسات تثبت وجود أي اختلاف، بل على العكس يمكننا إجراء عمليات أطفال الأنابيب مع إزالة الأمراض الوراثية المحتملة كما أسلفنا.
قلتِ إن الأجنة التي لا يتم إرجاعها للرحم بعد الإخصاب المجهري يتم حفظها وتجميدها لسنوات قادمة، فماذا نقصد ب«تجميد الأجنة» علميًا؟
لدي تحفظ على كلمة «تجميد»، فالمصطلح الأدق هو الحفظ بالتبريد، وهي الطريقة التي نستخدمها للحفاظ على الأجنة ونسيجها الحيوي لسنوات طويلة، حيث نقوم بتبريد الأجنة الفائضة تدريجيًا لمدة تتراوح من 3 - 5 دقائق وحفظها في أنابيب دقيقة جدًا ثم توضع في سائل نيتروجين تصل حرارته لسالب 196 درجة سيليزية.
وحين يقرر الزوجان خوض تجربة الحمل مرة أخرى نقوم بعملية «إزالة التجمد» وإرجاع الأجنة إلى الرحم.
نسمع أيضًا بتقنية «تجميد البويضات» للنساء اللواتي يرغبن بالزواج في سن متأخرة، حديثنا عن ذلك.
تنتشر هذه التقنية بشكل كبير اليوم في الدول الغربية خاصة بين النساء اللواتي يقررن خوض تجربة الحمل بعد سن الأربعين لأي سبب كان. وتمر بنفس الخطوات التي تمر بها المرأة التي تخضع لعملية الإخصاب المخبري. أي أننا نحقنها بمادة منشطة لإنتاج البويضات ونقوم بعدها بأخذ هذه البويضات وانتقاء الأفضل منها، وتجميدها دون إخصاب لعدد سنوات لانهائي، أو حتى توفر حيوانات منوية من الأب.
ما الحالات التي لا يمكنها الحمل بتاتا، حتى بالتدخل الطبي؟
تأتي الحاجة إلى التدخل الطبي في حال كان الزوجان قادرين على الإنجاب ولكن هناك صعوبات في إتمام عملية الحمل طبيعيًا، أما في حالات العقم فلا نستطيع المساعدة. ونعني بالعقم، عدم القدرة على النسل، وهو يتمثّل عند الرجل بعدم قدرته على إنتاج حيوانات منوية من الأساس، أي عندما نضع السائل المنوي الخاص به تحت المجهر فإننا لا نرى أي حيوانات منوية، أما المرأة العقيم فهي التي تولد دون مبيض، وهناك نساء لا ينتجن بويضات منذ سن صغيرة جدًا، وهي حالات لا يمكن علاجها. إلا أن أكثر الأشخاص في المجتمع يمكنهم أن ينسلوا بشكل طبيعي أو قد يحتاجوا لتدخل أو مساعدة طبية بسيطة، ونسبة ضئيلة جدًا هي التي لا تنسل من الأساس.
ولكن المشهد قد يختلف في المستقبل مع تطور التقنيات في هذا المجال، فعلى سبيل المثال هناك تجارب تم إجراؤها على الحيوانات مبدئيًا لتصنيع البويضات مخبريًا باستخدام الخلايا الجذعية. ويمكن أن تُطبق هذه التجارب مستقبلا لإنتاج بويضات بشرية من نسيج المرأة نفسها، والنتائجw الأولية مبشرة.
كيف تقيمين توجّه النساء والعائلات للإخصاب المجهري وعمليات أطفال الأنابيب في مجتمعنا؟
بلا شك بات هناك وعي أكبر بهذا الإجراء اليوم، فعمليات الإخصاب المجهري أو ما يسمى بأطفال الأنابيب ليس إجراء حديثا، فقد بدأ في عام ١٩٧٨، أي منذ ما يقارب ٤٦ عامًا في بريطانيا، ومن يومها إلى الآن وُلد أكثر من ١٢ مليون طفل بهذه الطريقة بل وربما أكثر، وفي البدايات كانت التقنيات بسيطة وبالتالي نسب نجاحها كانت أقل بلا شك، ومع تقدم التقنيات وتطور الحاضنات والمحاليل الوسيطة غدت النتائج أفضل، مما يشجع العائلات على خوض هذه التجربة.
كما أن الحاجة إلى التدخل الطبي في الحمل في تزايد أيضًا، وهو ليس أمرا إيجابيا، ويقع اللوم في ذلك على أسلوب الحياة السريع والمتوتر لدى الأجيال الجديدة، والأطعمة السريعة والمصنعة التي تتلاعب بهرمونات الشباب، إضافة إلى زيادة نسب التوتر والقلق مع تسارع وتيرة الحياة وزيادة متطلباتها، وللجانب النفسي تأثير لا يستهان به على إتمام الحمل طبيعيًا، ففي مجتمعنا على سبيل المثال قد يؤدي ضغط العائلة على المتزوجين حديثًا للإنجاب سريعا في تأخره. وأخيرًا لابدّ من اختيار نمط حياة صحي ومليء بالحركة والنشاط للصحة عامة لضمان أفضل إمكانية لحمل طبيعي وإنجاب أطفال أسوياء وأصحاء.
المصدر: لجريدة عمان
كلمات دلالية: على سبیل المثال أطفال الأنابیب الحمل طبیعی ا مخبری ا التی ت
إقرأ أيضاً:
"بحوث الهندسة الوراثية" يطلق برنامجا تدريبيا حول التعديل الجينومي لتحسين المحاصيل
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق
نظم معهد بحوث الهندسة الوراثية التابع لمركز البحوث الزراعية برنامجا تدريبيا حول التعديل الجينومي وتطبيقاته في مجال الزراعة والذي يعد موضوعًا حيويًا ومثيرًا للاهتمام، خصوصًا عندما يلقيها خبراء مثل الدكتور مجدي محفوظ من جامعة الملك عبدالله للعلوم والتكنولوجيا.
وقالت الدكتورة جيهان محمد حسني مدير معهد بحوث الهندسة الوراثية ان هذا يأتي في اطار توجيهات وزير الزراعة واستصلاح الأراضي علاء فاروق وتحت اشراف الدكتور عادل عبد العظيم رئيس مركز البحوث الزراعية.
وأضافت مدير المعهد انه يشمل التعديل الجينومي أدوات وتقنيات حديثة مثل كريسبر كاس-9، التي تتيح للعلماء إمكانية تعديل الحمض النووي للنباتات بشكل دقيق، بهدف تحسين صفات زراعية معينة، مثل مقاومة الظروف البيئية القاسية (كالملوحة والجفاف) أو تعزيز إنتاجية المحاصيل.
وتناول الدكتور مجدي محفوظ دور أهمية التعديل الجينومي في تحقيق الأمن الغذائي، خاصة في ظل التغيرات المناخية، وتقنيات التعديل الجينومي المختلفة وكيفية استخدامها في النباتات.
وأضافت حسني، أن التعديل الجينومي يدخل في تحسين المحاصيل الاستراتيجية مثل القمح والذرة، مع التركيز على مقاومة الإجهادات البيئية، والتحديات التي تواجه التعديل الجينومي في الزراعة، مثل السلامة البيولوجية والجوانب الأخلاقية، التطبيقات المستقبلية للتقنيات الحديثة في الزراعة المستدامة.
ومن خلال استخدام هذه التقنيات، يمكن للدول تحسين المحاصيل الزراعية وتحقيق الاكتفاء الذاتي، خاصة في المناطق المتأثرة بتغير المناخ والتي تتطلب محاصيل قادرة على التأقلم مع ظروف البيئة الصعبة.