الجنين يعاني من المناخ الحار أيضا!
تاريخ النشر: 17th, July 2024 GMT
ترجمة: سعيد الطارشي -
يُعدّ تغير المناخ أحد أكبر تهديدات الصحة العامة التي واجهتها البشرية على الإطلاق. ويشكل الاحتباس الحراري العالمي جزءًا من هذا التهديد. ويرتبط ارتفاع درجات الحرارة بتدهور الصحة؛ خاصة لدى الفئات السكانية الضعيفة، وبما في ذلك النساء الحوامل والأطفال.
ولقد أثبت العلماء -سابقا- أنّ التعرض للحرارة يزيد من خطر الولادة المبكرة وولادة جنين ميت، ويستمر بحثنا الجديد في الكشف عن العلاقات المقلقة للتعرض للحرارة والنتائج السيئة على الأمهات وأطفالهن.
إنّ أحد المجالات التي لم تحظ بنفس القدر من الاهتمام هو التأثير طويل المدى الذي قد يحدثه التعرض للحرارة أثناء الحمل على الجنين. وللإجابة على هذا السؤال أجرينا مراجعة منهجية لجميع الأبحاث الموجودة حول آثار التعرض للحرارة أثناء الحمل على الصحة والعواقب الاجتماعية والاقتصادية في قادم الحياة.
ولقد صمّمت تلك المراجعات المنهجية - في بحثنا- لتوفير أعلى مستوى من الأدلة الطبية، وجمع وتلخيص جميع نتائج الأبحاث المعتمدة السابقة، بدلا من الاقتصار على دراسة واحدة فقط.
وكانت النتائج التي توصلنا إليها واضحة، وأظهرت أنّ الأشخاص الذين تعرضوا للحرارة المفرطة قبل ولادتهم عانوا من آثار مزعجة مدى الحياة.
آثار طويلة المدى
إنّ المقياس الأكثر شيوعا للحرارة هو متوسط درجة حرارة الهواء؛ لكن بعض الدراسات استخدمت مقاييس أكثر تعقيدا تتكيف مع الرطوبة، وعوامل أخرى تؤثر على كيفية تعرض الفرد للحرارة.
وكيفية تحديد مستويات الحرارة الخطيرة بالنسبة للنساء الحوامل هي محور التركيز المستمر لأبحاثنا. والسيناريو الأكثر ترجيحا هو أنّها تتأثر بالموقع والسياق ونقاط الضعف الفردية. وقد يكون للظروف المتنوعة -أيضًا- بدايات ضارة وفترات قابلية تأثير مختلفة.
ولقد حللّنا 29 دراسة تغطي أكثر من 100 عام؛ مما سمح لنا برؤية التأثيرات طوال حياة الفرد. وقد قامت بعض الدراسات بمتابعة حالات الحمل عن كثب، لملاحظة أي آثار سيئة على الطفل، واعتمدت أخرى على سجلات السكان التي تسجل تاريخ ومكان الميلاد؛ مما يسمح للباحثين بقياس مدى تعرض الجنين للحرارة داخل الرحم.
ولقد أجريت أكثر من 60% من الدراسات في بلدان مرتفعة الدخل في شمال الكرة الأرضية، والتي غالبا ما تتمتع بمناخ أكثر برودة. واعتمد هذا البحث على ملاحظة الاختلافات التي تحدث بشكل طبيعي بسبب التعرض للحرارة، بدلا من التجارب الخاضعة للتحكم.
وعلى الرغم من تلك القيود البحثية؛ لكننا وجدنا أنّ غالبية الدراسات تربط بين آثار ضارة طويلة المدى وزيادة التعرض للحرارة أثناء الحمل.
فعلى وجه الخصوص وجدنا ارتباطات مع الأداء التعليمي السيئ، وانخفاض الدخل في وقت لاحق من الحياة.
وعلى سبيل المثال ففي الولايات المتحدة خُفّض الدخل السنوي عند سن الثلاثين بمقدار 56 دولارا أمريكيا (بحسابات عام 2008م) عن كل يوم عمل إضافي مع درجات حرارة أعلى من 32 درجة مئوية خلال الأشهر الثلاثة الأولى من حمل الأم.
ووجدنا -أيضا- آثارا صحية ضارة، بما في ذلك زيادة خطر الإصابة بأمراض القلب وارتفاع ضغط الدم، وكذلك الربو والالتهاب الرئوي لدى الأطفال.
وتشير التقديرات إلى أنّ مخاطر الإصابة بالالتهاب الرئوي لدى الأطفال تزيد بنسبة 85% لكل زيادة بمقدار درجة حرارة مئوية واحدة خلال فترة الحمل.
وفي إفريقيا ارتفع خطر سوء التغذية لدى الأطفال مع زيادة التعرض للحرارة أثناء الحمل، وفي الولايات المتحدة اكتشفت إحدى الدراسات وجود صلة بين زيادة التعرض للحرارة وخطر الإصابة بالسمنة.
وأظهرت العديد من الدراسات -أيضًا- وجود علاقات بين التعرض للحرارة ونشأة الأمراض العقلية؛ بما في ذلك زيادة خطر اضطرابات الأكل والفصام. وفي الواقع فقد أظهرت الأبحاث السابقة أنّ الشهر الذي يولد فيه الطفل يرتبط كثيرا بخطر الإصابة بالأمراض العقلية. فلذا تشير أبحاثنا إلى أنّ التعرض للحرارة قد يكون أحد الأسباب وراء ذلك.
ويبدو أنّ هذه التأثيرات قد تبلغ ذروتها في ارتباطها بانخفاض متوسط العمر المتوقع، حيث وجدنا أنّ الأشخاص الذين تعرضوا للحرارة المتزايدة أثناء الحمل يموتون في سن أصغر.
ووجدنا -أيضا- أنّ التأثيرات بدت أسوأ بالنسبة للأجنة الإناث في الدراسات التي استكشفت نقاط الضعف لدى المجموعات الفرعية.
مسارات متعددة
كان فهم كيف ولماذا يمكن رؤية هذه التأثيرات عبر أجهزة الجسم المختلفة جزءا مهما من بحثنا. ولقد اعتمدنا على فريقنا من الخبراء في مجال النمو البشري، وعلى الأبحاث الجارية حول التأثيرات المباشرة للحرارة على النساء الحوامل، وعلى الدراسات التي أجريت على الحيوانات.
فتوصلنا إلى أنّ تأثيرات الحرارة -أثناء الحمل- على الجنين من المحتمل أنْ تحدث من خلال مسارات متعددة، بما في ذلك ما يلي:
تدهور صحة الأم من خلال أمراض مثل تسمّم الحمل والسكري،
والتأثير بشكل مباشر على نمو الطفل، وخاصة الجهاز العصبي، فالحرارة يمكن أنْ تسبب عيوبًا خلقية،
وزيادة خطر الولادة المبكرة، ومشاكل أخرى في وقت الولادة،
وتغيير الحمض النووي للجنين بشكل مباشر. ومن المحتمل أنْ يحدث هذا من خلال التغيرات في بصمة التَّخَلُّقِ المُتَوالِي epigenetic signature؛ وهي آلية تطورية تسمح لنا بالتكيف بسرعة مع بيئتنا عن طريق تشغيل الجينات وإيقافها.
حتى إنّ إحدى الدراسات أشارت إلى إضعاف القُسَيْمات الطَرَفِيّة telomeres لدى الجنين، وهي الساعة البيولوجية في حمضنا النووي المرتبطة بعمرنا المحدود.
إنّ هناك حاجة مُلِحّة لإجراء المزيد من الأبحاث في هذا المجال، واستكشاف كيفية وسبب حدوث هذه التأثيرات الضارة.
دعوة للعمل
وعلى الرغم من أنّ البحث محدود، إلا أنّ النتائج التي توصلنا إليها مثيرة للقلق، وتشجع العمل (الفردي والمجتمعي والعالمي) الفوري لحماية النساء الحوامل وأجنتهن من التعرض للحرارة ومن واجبنا -كذلك- أنْ نتحدث وبصوت مسموع باسم أولئك الذين لا صوت لهم، والذين لم يلعبوا أي دور في التسبب في هذه المشكلة الصحية العامة، والذين من المحتمل أنْ يواجهوا أسوأ العواقب المترتبة على تقاعسنا عن العمل.
ماثيو تشيرشيتش أستاذ بجامعة ويتواترسراند
دارشنيكا بيمي لاخو طبيبة أبحاث بجامعة ويتواترسراند
نيكولاس برينك باحث سريري بجامعة ويتواترسراند
المصدر: لجريدة عمان
كلمات دلالية: فی ذلک
إقرأ أيضاً:
عتبات الفرح للكاتبة هديل حسن: لعلها عتبات الكتابة أيضا
على باب بيت الأدب، والحياة، تطل الكاتبة من الباب والشبابيك، وهي في طريقها لاختبارات الحياة والأدب. لعلها إطلالة المبدعة قبل ترك العتبة والخروج الى الدنيا، والعودة الى اكتشاف الذات. ما بين "خيبة ولكن، و"عتبات الفرح" عام، بما يمنح لا التأويل فقط، بل استشراف ميلاد كاتبة، تصعد سلما إنسانيا وأدبيا معا، ضمن سلالم ما زلنا جميعا نصعدها، ولا نكاد ننتهي من الصعود.
ولعلنا هنا نركّز قليلا في العتبات، التي أملت الكاتبة أن تكون عتبات فرح، كأنها، ومن خلال نفس طيبة نقية، تستشرف الفرح القادم.
هديل حسن، كاتبة شابة، من الأردن، تحب الأدب، وتعيش له، وقد تجلى ذلك بشكل ظاهر في لغتها التي مالت فيها الى الوضوح والبساطة والجمال.
في الكتاب الأول، كنا إزاء نصوص أدبية، متنوعة الموضوع، ومتنوعة التكثيف، ما بين الشعر والحكمة والتأمل. تلك كانت دفقات الإبداع في كتابة العبارة فالفقرة، حيث يبدو أن الكاتبة هنا تركت نفسها للمعاني كي تأخذها نحو الشكل، أكان خاطرة كاملة، أو معنى مزيا تجريديا أو فكريا اجتماعيا أدبيا.
في النصوص بحث عن الشكل والمضمون، وبحث عن الذات، من خلال شذرات نفسأدبية، تنبئ بما تنفعل به الكاتبة، وما تحتفل به وله، وما تريد التعبير عنه وعنها.
لذلك، لربما تتشابه هديل حسن في رحلتها مع كثيرين وكثيرات، في البحث عن الشكل الفني، وفق ما يستدعيه المضمون الذي يسكنها، ولعله كما نرى مضمون إنساني لشخصيات، تنتظم فيها، أو لعلها هي الناظمة لذلك كله، بما توحي به من شعور وفكر؛ لذلك فإن البذور التي التقطناها ونحن نقرأ "خيبة ولكن"، ما لبثت أن نمت في "عتبات الفرح"، والتي تحتاج حاضنة أدبية وإنسانية لتنمو في بنائها السردي.
السرد القصصي، هو ما سيكون مفتاح الكاتبة، كذلك سيكون تجليات رؤيتها، والذي يمكن أن يتبلور في ظل امتلاك شرط الكتابة، بحيث إما أن تسلك سلوكا له علاقة بالسيرة، أو ترك مسافة والذهاب نحو السرد العادي المنفصل عن الذات ما أمكن ذلك، أو المزاوجة بينهما.
"في عتبات الفرح"، نحت الكاتبة منحى المزاوجة، حيث يبدو أن القصّ هنا، إنما هو عام وخاص، ولربما بسبب هذه المزاوجة، لم تستطع الكاتبة من القص لمدى واضح، حيث كنا نلاحظ إنها ما تبدأ القص، بدءا بالوصف المكاني ووصف الشخصيات الذي أجادته حتى تنهيه.
يجد القارئ لمجموعة الكاتبة هديل حسن "عتبات الفرح" نفسه، مشدودا لخمس منها، خمس عتبات قصصية، فيها ما يؤكد ميل الكاتبة للسرد، وأنها تؤثره عمن سواه من أشكال أدبية.
في نص "ذاكرة مهترئة: من القصص المكتملة، فيها تذكر في ظل زمنين، حيث تكبر الصغيرة، وكيف تتغير نظرة البائع تجاهها صغيرة وكبيرة. في القصة تعبير عن عمق استشعار الأنثى لمشاعر الذكور الحسية، حيث تقرأ انجذاب البائع، داخل مونولوجه، نحو الأنثى، بينما هي ظلت بشعورها الطفولي البريء.
"يد واحدة تصفق"، قصة عميقة، تربط تغيّر المشاعر مع تغير (نقص) أعضاء الإنسان الذي يشعر بالوحدة، وبزهد النساء به. وتصل الذروة النفسية الساخرة، حين يرد على النادل الذي يسأله عن طلبه، فيجيبه: "يد جديدة لهذا العبد الفقير" صفحة .70
وفي النظر تجاه أمراه جميلة، يدور في النفس سؤال: "كيف ستنتبه لي وبجانبها رجل لا عطب فيه" صفحة 71.
أما قصة "لاجئة على عتبات الحزن" فهي قصة لاجئة سورية تعمل مع كبار السن نهارا، وفي الليل نادلة لتبدد الوقت. لديها وقت لا تعرف كيف تمضيه، حيث تكون بانتظار زوجها كي يلحق بها في مكان لجوئها. تصف معاناة كبار السن، فكل وما ينتظره. أما اللحظة الفارقة والصادمة، فهي عندما تذهب لاستلام طلب أحد الزبائن، فيكون الزبون زوجها محمود.
"انتظار محبّ: قصة، تبرع فيها بوصف الجسد، وفرق العمر، من خلال الحب من خلال التواصل الاجتماعي.
ولربما كانت "صفقة عادلة"، الأكثر صادمة اجتماعيا، كونها قدمت الرجل الذي ليس فقط لا يغار على زوجته، بل يستغلها لتمرير صفقاته، في حين تكون المفارقة في أن يصبح "الرجل العاشق" مخلصها.
أما قصة "قتل متعمد" فقد امتلكت عناصر القصّ، ولكن المضمون لم يأت بجديد، لكن الكاتبة وفقت في حداثة وفاتها بسبب حادث وهي هاربة من عنف الزوج، لتتساءل عمن كان القاتل أهو الزوج أم الحبيب الذي تخلى عنها، أم المركبة التي صدمتها وهي مسرعة.
وتشكل قصة "ازمة رجولة" مضمونا اجتماعيا تقليديا، يتعلق بعدم الإنجاب كمسبب للطلاق. في النص نلاحظ وصف الجمال الأنثوي كأنه نابعا من ذكور.
زواج بالإكراه: قصة تزويج الأهل علا من خالد، ورفض ومازن بدون سبب. ليس فيها ما يضيف لهذا المضمون.
في نص كورونا، تيمة الموت، كذلك في "عناق الموت" عن الحرب على لبنان وفقدان الأحبة. وفي مضمون نص "ميلاد أسود"، نحن إزاء ميلاد الطفلة وقت ما يمكن أن نتخيله عن رحيل معاكس كأن يكون رحيل الجد، وفي الوقت نفسه، النفور من ميلاد أنثى. أما نص "عشق" فهو مجرد وصف. وفي نص "ذكورة"، تعبير عن الشهوة، ورد فعل الأنثى الحاد.
أما "سيدة النساء انت": عن موت الزوجة، وإخلاص الزوج. لا ننفي وجود هذه النماذج في الحياة، لربما كان من الممكن الاتكاء على سلوك ما يتجلى فيه الوفاء.
وفي "حب قبل أوانه": وصف المرأة لرجل يخشى الحب، فيما تكون هي قد وقعت به.
الأسلوب:
من ميزات النصوص اختيار اللغة القريبة من السرد القصصي، ما منح المجال لبناء قصص واقعية. كان نفس الكاتبة متفاوتا في القصص، فكأنها تكتب ونتشوق، لكن تتركنا نتابع مصائر الشخوص، فقد وجدنا أنفسنا بحاجة لدفق سردي أكثر من المكتوب.
إضافة الى ما ذكرناه في الحديث عن القصص، فقد استخدمت الكاتبة أكثر من أسلوب، فثمة تجريد رمزي مثلا في نص "عتبات الفرح"، الى أسلوب خطاب في "أناي"، الى ما هو واقعي كما في نص "صخب العالم"، الذي تعلق بالشعب تحت الاحتلال، إلى مزاوجة بين الواقع والرمز، كما في نص "قصة بطلتها أنا" التي تتحايل المرأة هنا على معاناة نفسية، فهي حين تتحدث عن "الانجاب المعرفي"، أي نشر كتاب جديد، فهي إنما تقربنا من هموم المرأة الفطرية في الزواج والإنجاب.
لقد تجاوزت الكاتبة نصوصها الأولى "خيبة ولكن"، ولكن لعلها تواصل الكتابة القصصية؛ فلا تطوير في عالم الكتابة الا بالكتابة جنبا الى جنب مع القراءة.
"في عتبات الفرح" ما يشير إلى عتبات الحياة، والكتابة التي تسكن الكاتبة، كأن الكاتبة الإنسانة هنا ما بين رؤية الأدب من خلال الحياة، والحياة من خلال الأدب.
جدير بالذكر بأن المجموعة صدرت عن دار فضاءات عمان-الأردن عام 2023، "ووقعت في 125 صفحة.