هشام الأعور يقرأ في مداخلة فياض: هاجس الدروز وجودي ومعالجته بإقرار مجلس الشيوخ
تاريخ النشر: 17th, July 2024 GMT
في الوقت الذي سلطت فيه مداخلة النائب علي فياض خلال الجلسة الأولى من مؤتمر "تجدد للوطن" والتي حملت عنوان "لبنان في ظل النظام الإقليمي الجديد"، الضوء على قضايا إشكالية عديدة تستدعي تفاهماً بين المكونات اللبنانية، فإن الحوار حول هذه المداخلة، كشف في الوقت ذاته أنه في داخل كل مكوّن طائفي ثمة قراءات عديدة ومقاربات مختلفة في فهم حقيقة المشاكل اللبنانية ومواقف الطوائف منها ومن ثم تحديد سبل المعالجة.
الحلقة الثامنة: مساهمة نائب رئيس حزب التوحيد الدكتور هشام الاعور في مناقشة مداخلة النائب علي فياض.
يعتبر الاعور أن قول النائب علي فياض في مداخلته بأن" الوضع اللبناني يمر في مرحلة انتقالية" إنما يشكل، بحسب الأعور، نقطة مفصلية تأخذ بعين الاعتبار الصيغة التعددية للتركيبة اللبنانية والحاجة الى تطبيق الاصلاحات السياسية على ضوء المادة 95 من الدستور التي تحدثت عن الاصلاحات السياسية النهائية وفي طليعتها طبعا استحداث مجلس شيوخ تتمثل فيه العائلات الروحية وتنحصر صلاحياته في القضايا المصيرية (المادة 22)،وما لم تطبق مثل هذا الإصلاحات المعلق منها والمجمد ، جاز القول عندئذ مع النائب فياض "أن الدولة أيضاً هي دولة انتقالية".
على هذا الأساس يقارب الاعور، هذه النقطة الاصلاحية التي تأخذ بعين الاعتبار هواجس دروز لبنان والتي تنبع من منطلق حماية دورهم وتفعيل هذا الدور في ظل هذه الاضطرابات وحالة اللا استقرار التي تخيم على البلد وعلى المنطقة، وبالتالي فإن الهاجس عند الدروز لا ينحصر بالهاجس السياسي فحسب، كما حاول أن يصوره النائب فياض، بل يتعداه الى حماية الوجود واستعادة الدور ، في ظل إشكالية التضاؤل الديموغرافي، وهو ما يستدعي بطبيعة الأمر الذهاب إلى أدوات معالجة ومقاربة من داخل المنطق الطبيعي للدولة.
وفي ما يتصل بهذا المستوى من الاصلاحات، نحن نحتاج، وفق الدكتور الأعور، إلى أن نكون واقعيين بمسؤولية وأن نبحث عن أدوات للمعالجة من خلال تطبيق المادة 22 من الدستور التي تشكل رداً مناسباً على مقتضيات المرحلة وتطورات الأحداث ومشهد الاشتباك العام، وردود فعل المكونات اللبنانية - أحزاباً وطوائف ومرجعيات - على المشاريع السياسية والدستورية المطروحة .
إن قولنا بأن الطائفة الدرزية، تعاني خوفاً وجودياً، لن يعيدنا وفق الأعور، بالطبع،الى ما قبل إعلان دولة لبنان الكبير، وإنما يدفعنا إلى استحضار الأزمات الدورية التي كابدتها الطوائف البنانية، وذلك بحسب تبدل التدخلات الأجنبية على جبل لبنان؛ وبما لا شك فيه أن تغيرات كبيرة طرأت على الأطياف اللبنانية، لا سيما تحجيم دور إمارة الجبل بعد إعلان الحدود الجديدة التي ضمَّت تنوعاً جغرافياً وديمغرافياً غنياً ومتكاملاً، بحيث سقطت معه مقولة (لبنان ملجأ الأقليات) لمصلحة لبنان الدولة الواحدة التي يحكمها دستور وقوانين وأنظمة، ومرجعيات قضائية، وبالتالي فإن دروز لبنان لا يحتاجون إلى نظرية يبنون عليها سياساتهم، لأنهم أصحاب نظرية أصلية كانت وراء إنشاء دولة لبنان الكبير وهم جزء لا يتجزأ من مشروع قيام الدولة التي تتعاطى مع شعبها كمواطنين وليس كمهمشين، فهناك فارق شاسع بين كيان وعنوانه الدرزية السياسية او المارونية السياسية او السنية السياسية او الشيعية السياسية، وكيان له اسم الدولة المكتملة الأوصاف والتي تقوم على فكرة "التكاؤن " بين كل الأطياف اللبنانية، وذات سيطرة على أدوات الحكم والاتفاق على استراتيجية للدفاع الوطني في ظل التهديدات الإسرائيلية المتكررة على لبنان براً وبحراً وجواً.
اما على الصعيد الإقليمي فمن الوهم، كما يقول الأعور، الرهان على نظام شرق أوسطي جديد في غياب نظام عالمي جديد، والوهم الأكبر هو التسليم بأن الشرق الأوسط مسرح لأدوار ثلاث قوى غير عربية هي إسرائيل وإيران وتركيا، تلعب فوقه وتتقاسم النفوذ بينها بتفاهم معلن أو ضمني وبصراع جيوسياسي أو بواقعية سياسية، من دون دور للعرب وهم 400 مليون إنسان على أوسع مساحة من المنطقة.
وإذا كان وجود نظام عالمي تعددي جديد يضم (اميركا روسيا الصين الاتحاد الاوروبي)شرطاً لترتيب نظام شرق أوسطي، فإن ما يكمله,، وفق الأعور، هو ثلاثة شروط، أولها عودة "إسرائيل" إلى حدود 1967 وقيام دولة فلسطينية في غزة والضفة الغربية عاصمتها القدس الشرقية. وثانيها استعادة دور سوريا في المنطقة وثالثها عودة الدور العربي في ظل قيادة عربية واقعية تعمل للتنمية ورفاه الشعوب ، بدلاً من المغامرات العسكرية الفاشلة التي اندفعت فيها القيادات الماضية وأدت إلى خسارة عقود من المستقبل لا مجرد مساحات جغرافية، والفرصة مفتوحة، لكن الخطر كبير.
أما بالنسبة للدور الايراني في لبنان وعلاقته الاستراتيجية بحزب الله فإن هذه العلاقة خلقت، بحسب الأعور، حالة من القلق والتوجس عند بعض المكونات اللبنانية لكنها مسألة ترتبط بالصراع مع العدو الصهيوني وهي تُمثل ركيزة سياسية وفكرية تتصل اتصالاً وثيقاً بالدور الإيراني في لبنان من حيث علاقة إيران بالدولة اللبنانية والأهم والأكثر دلالة علاقة إيران بحزب الله. مع ذلك يرى التوجه الرافض للدور الإيراني، أن لبنان يعاني من تفاعل الصراع الأميركي - الإيراني في المنطقة والصراع العربي - الإيراني بوجه عام، وأنه كلما تفاقم هذا الصراع، كلما زادت المعاناة عند الشعب اللبناني .
يبقى أن السياق الدولي ومكانة الدول وقدرتها على النفاذ المباشر والسيطرة لا تُقارن ولا يسهل التعميم في ما بين النماذج والأمثلة بصورة أقرب إلى التبسيط المُخل، ويبقى لنا ألا ننكر تنامي الدور الإيراني برغم معارضة بعض الجهات والقوى السياسية، ولكن يتطلب دوما الحكم على سلوك الدول بعضا من الإنصاف والعقلانية في الإدراك من دون الاستسلام لنظرية المؤامرة ولا افتراض أحكام عامة ترقى ببعض الدول الغربية إلى مرتبة المُبشرين ودعاة الإصلاح.
المصدر: خاص "لبنان 24"
المصدر: لبنان ٢٤
إقرأ أيضاً:
انقسام ليبي بشأن مبادرة المبعوثة الأممية لحل الأزمة السياسية
طرابلس- تعيش ليبيا حالة من الجمود السياسي المستمر منذ تأجيل انتخاباتها العامة التي كانت مقررة نهاية عام 2021، وانعكس ذلك على المشهد العام في البلاد.
فمع استمرار الانقسام المؤسسي وتشكيل مجلس النواب للحكومة الموازية تفاقمت الأزمات السياسية والاقتصادية وبلغت ذروتها، خاصة مع تصاعد الخلاف على مصرف ليبيا المركزي، مما هدد استقرار المنظومة المالية للبلاد قبل التوصل إلى تسوية خففت حدة التوترات.
وفي ظل هذا التعقيد برزت جهود دولية جديدة للبحث عن مخرج للأزمة، إذ أطلقت المبعوثة الأممية إلى ليبيا بالإنابة ستيفاني خوري مبادرة جديدة لحل أزمة القوانين الانتخابية الخلافية وتشكيل حكومة توافقية للوصول إلى الانتخابات عبر تشكيل لجنة استشارية لحلحلة المسائل الخلافية.
وخلال إحاطتها الأخيرة أمام مجلس الأمن الاثنين الماضي قالت خوري إن "أي حكومة جديدة قد تنبثق عن مفاوضات ليبية- ليبية يجب أن تلتزم التزاما صارما بالمبادئ والضمانات والأهداف والآجال الزمنية للوصول إلى الانتخابات كشرط لشرعيتها والاعتراف بها دوليا".
وبعد إطلاق المبادرة الجديدة أعلنت كل من فرنسا وألمانيا وإيطاليا وبريطانيا والولايات المتحدة في بيان مشترك لسفارات الدول الخمس في ليبيا الثلاثاء الماضي دعمها المبادرة الأممية الجديدة، وحثت جميع الأطراف على المشاركة فيها، ودعتها إلى الامتناع عن أي مبادرة موازية وغير منسقة، مؤكدة دعمها بقوة الجهود الشاملة للتوصل إلى اتفاق سياسي قادر على توحيد الحكومة وإنهاء مسار التفتت.
إعلان تحرك المياه الراكدةوكان من اللافت في مبادرة خوري تجاهلها دور مجلس النواب والمجلس الأعلى للدولة اللذين يمثلان الهيئتين التشريعيتين الرئيسيتين في ليبيا، مما دفعهما إلى عقد اجتماع تشاوري أول أمس الأربعاء بين أعضاء من المجلسين قارب عددهم 100 شخصية في مدينة بوزنيقة المغربية.
وخلص الاجتماع إلى الاتفاق على تشكيل 5 لجان مشتركة، أهمها لجنة لبحث إعادة تكليف سلطة تنفيذية جديدة تتألف من حكومة ومجلس رئاسي جديدين، ويكون من مهامها التواصل مع البعثة الأممية ومع الأطراف المحلية والدولية بهذا الشأن.
ويرى عضو مجلس النواب عصام الجهاني -وهو أحد المجتمعين في بوزنيقة- في تصريح للجزيرة نت أن مبادرة خوري "قاصرة وغير واضحة.."، مؤكدا في الوقت نفسه دعمه أي مبادرة "تحرك المياه الراكدة".
وأكد الجهاني أن ذهابه إلى اجتماع بوزنيقة جاء نتيجة التحركات الدولية التي دفعت المجلسين إلى التشاور من أجل وضع خطة متكاملة لتحقيق كل الاستحقاقات، مؤكدا أن "أي حكومة جديدة لا بد أن ترتبط بالاستحقاق الانتخابي، وهو ما يستدعي التنسيق والبحث عن ضمانات حقيقية لتجنب تكرار التجارب الفاشلة سابقا"، حسب تعبيره.
آراء متباينةمحليا، انقسمت المواقف بشأن المبادرة بين مؤيدين يدعمونها بلا تحفظ، وآخرين يرحبون بها بحذر، ومعارضين يرفضونها بشكل قاطع، فقد رحب كل من خالد المشري ومحمد تكالة المتنازعين على شرعية رئاسة المجلس الأعلى للدولة بمبادرة خوري، في حين عبر عضو المجلس الرئاسي عبد الله اللافي عن دعمه الكامل لإطلاق عملية سياسية شاملة برعاية "البعثة الأممية للدعم في ليبيا".
وفي السياق ذاته، أكد رئيس مجلس النواب عقيلة صالح خلال لقائه القائم بأعمال السفارة الأميركية في ليبيا جيريمي برنت الثلاثاء الماضي أهمية بذل كل الجهود لدعم المساعي الأممية للدفع بالعملية السياسية وتشكيل حكومة موحدة في مدد محددة، هدفها إجراء الانتخابات الرئاسية والبرلمانية.
إعلانمن جهة أخرى، اتهم رئيس حكومة الوحدة الوطنية عبد الحميد الدبيبة مجلس النواب بعرقلة العملية الانتخابية واستمرار المراحل الانتقالية.
وأضاف الدبيبة في تصريحات له أمس الخميس أن لجنة الدستور المنتخبة من الشعب قدمت مسودة دستور إلى مجلس النواب الذي رأى أن مصالحه لا تتوافق معها فجعلها حبيسة الأدراج، مشيرا إلى أن حكومته جاهزة لتسليم السلطة إلى حكومة جديدة بعد الانتخابات البرلمانية.
وأصدر أعضاء مجلس النواب فوزي النويري وسالم قنان وطلال الميهوب وعائشة شلابي بيانا مشتركا قالوا فيه إن إحاطة ستيفاني خوري وخطتها تمثلان "عبارات عامة ومواقف مكررة لا تلبي تطلعات الليبيين"، مؤكدين رفضهم القاطع "أي محاولة لفرض حلول خارجية"، على حد وصفهم.
مراقبون يتخوفون من تكرار المراحل السابقة والاستمرار في مسلسل المراحل الانتقالية (الصحافة الليبية) الحلبدوره، يرى المحلل السياسي فرج فركاش أن خوري -كغيرها من المبعوثين- أهملت الإطار الدستوري "الذي يعد الحل الأمثل لنصف الأزمة الليبية، إذ لن ترى الانتخابات النور دون دستور توافقي يرسم شكل الدولة وينظم العلاقة بين السلطات والمؤسسات"، حسب تصريحه للجزيرة نت.
أما عضوة المجلس الأعلى للدولة أمينة المحجوب فانتقدت المبادرة، واستبعدت -في تصريحها للجزيرة نت- نجاحها في ظل تضارب المصالح الدولية بشأن ليبيا.
وشددت المحجوب على الحاجة الماسة إلى دستور دائم "بدل الخوض في صياغة قوانين معيبة"، حسب وصفها.
أما عضو المجلس الأعلى للدولة بلقاسم قزيط فقال إن المبادرة "جاءت في وقتها بعد مرور 4 سنوات على حكومة لم تنجح في تحقيق أهدافها"، داعيا إلى تجنب الحكم عليها لأنها غير واضحة المعالم، ولكنه انتقد خلوها من ذكر أي دور للمجلسين.
وأضاف قزيط في تصريح للجزيرة نت "إذا كان التحرك الدولي جادا ويوفر الأدوات المناسبة فمن الممكن التوصل إلى حلول حقيقية للأزمة، لكن الصعوبة هي في كيفية ردع الدول التي تصفي حساباتها الدولية على الأراضي الليبية، وهو ما فشلت البعثة الأممية في إنجازه"، حسب تعبيره.
إعلانمن جهته، يرى عضو مجلس النواب عبد المنعم العرفي أن المبادرة يمكن البناء عليها في ظل الانسداد السياسي.
وأضاف العرفي في حديثه للجزيرة نت أن "نقطة الخلاف هي في تشكيل اللجنة الفنية"، موضحا أن تشكيل لجنة مكونة من 150 شخصا دون آلية واضحة ومعايير محددة سيؤدي إلى تكرار خطأ حوار جنيف السابق نفسه الذي أنتج حكومة الدبيبة، "وكانت نتائجه أسوأ من المتوقع"، حسب وصفه.
بدوره، يعتقد المحلل السياسي عبد الله الكبير أن خوري لم تجد دعما حقيقيا من الأطراف الدولية ولا الأطراف المحلية لإطلاق مبادرة حقيقية لحل أزمة الوصول إلى الانتخابات، مضيفا أن "الطريق في هذه المبادرة طويل لا تحتمله الأزمة الليبية، ويعكس الموقف الدولي الذي لا يريد حلولا جذرية للأزمة".
وأضاف الكبير خلال تصريحه للجزيرة نت أنه كان من اللافت مطالبة المندوب الروسي بتعيين مبعوث أممي جديد إلى ليبيا يوم إحاطة خوري في مجلس الأمن، "وهو ما يعكس رفض موسكو أي مبادرة تطلقها خوري الأميركية الجنسية، متوقعا أن يؤول مصيرها إلى الفشل"، حسب قوله.
ووسط كل تعقيدات المشهد الليبي وتضارب المصالح الداخلية والخارجية تبدو مبادرة خوري أقرب إلى محاولة أخيرة قبل نهاية ولايتها في يناير/كانون الثاني المقبل، لكن مصير المبادرة يبقى رهينا بتجاوب الأطراف المحلية وفاعلية الدور الأممي والدولي في الضغط لإيجاد حلول ناجعة للأزمة.