لجريدة عمان:
2024-11-20@15:22:25 GMT

الثقافة والأمن القومي

تاريخ النشر: 17th, July 2024 GMT

التصور الشائع هو أن أمن الدولة القومي قد يكون متوقفًا في المقام الأول على قوتها العسكرية والاقتصادية، فذلك ما يكفل استقرارها ومنعتها بحيث يحول دون اختراقها من قوى أخرى معادية، وفي إطار هذا التصور لا يكون للثقافة دور في الأمن القومي؛ إذ يُنظَر إليها باعتبارها ترفًا أو مكونًا هامشيًّا في هذا الصدد، فلا يعتد به بالقياس إلى قوة الدولة العسكرية والاقتصادية! هذا التصور-فيما أرى- هو تصور منقوص لمفهوم الأمن القومي بحيث يصبح منعزلًا عن مفهوم الأمن الداخلي، وأنا لا أزعم ذلك فقط باعتبار أن الثقافة تعد إحدى قوى الدولة التي تسمى بالقوة الناعمة من حيث تأثيرها في الخارج؛ وإنما باعتبارها أيضًا -وفي المقام الأول- قوة تكفل للدولة منعة من الداخل، أعني: قوة في نسيج الدولة الداخلي يجعلها مستعصية على الاختراق، وهذا ما أحاول البرهنة عليه في هذا المقال.

في هذا الصدد أتذكر موقفًا شخصيًّا لعله يكون مثالَا دالًا على ما أود قوله هنا: فقد التقيت منذ سنتين تقريبًا اللواء مراد موافي مدير المخابرات العامة المصرية الأسبق في فترة الربيع العربي، وذلك في أحد الصالونات الثقافية. تحدث سيادة اللواء بالتفصيل عما جرى في مصر في ثورة يناير وما قبلها (وكذلك في ثورات الربيع العربي)، وكشف عما كان هناك من مخططات لاختراق الدولة المصرية وتقسيمها، وبيّن أن ما جرى إنما هو امتداد لمشروع قديم في تقسيم مصر وغيرها من الدول العربية، وهو مشروع سايكس بيكو. وبعد أن انتهى سيادته من كلامه وتوصيفه المفصل، قمت بالتعقيب على كلامه، وقلت: إن كل ما جاء في كلام سيادته صحيح من دون شك، ليس فقط من الناحية التاريخية، وإنما أيضًا لأنه يتوافق مع المعقولية: فالأصل هو أن القوى العظمى تتصارع من أجل الهيمنة والسيطرة على الدول الضعيفة، فذلك هو قانون الطبيعة الذي يسري على الأفراد مثلما يسري على الدول أيضًا: «فالإنسان ذئب لأخيه الإنسان» كما قال هوبز؛ ولذلك فإن من يعارضون فكرة المؤامرة أو التآمر هم قوم لا يعرفون الطبيعة البشرية أصلًا، ومن ثم لا يفهمون طبيعة الصراع بين الدول على النفوذ والهيمنة! ومع ذلك، فإننا لا يمكن أن نكتفي بهذا القول، ونظن أن القوة العسكرية أو الاقتصادية وحدها يمكن أن تكفل لنا حائط صد في مواجهة الهيمنة على مقدراتنا، هذا على فرض أننا أمكننا تحقيق تلك القوة في هذين المجالين معًا. ولذلك قلت: لماذا لم تستطع القوى العالمية المهيمنة بزعامة الولايات المتحدة الأمريكية أن تخترق دولًا أخرى مثل: دول النمور الآسيوية التي تنامت قوتها بشكل غير مسبوق؟! حقًّا إن المنطقة العربية تظل منطقة مركزية باعتبارها بؤرة أو بيئة حاضنة شعبيًّا لإمكان تجدد الصراع مع إسرائيل التي هي أداة أو ذراع لهيمنة أمريكا في الشرق الأوسط، ولكن سياسة الاختراق هذه لم تكن ممكنة من دون تسلل إلى التأثير في الوعي بهدف إضعاف دول المنطقة وإغراقها في حالة من الفوضى «غير الخلَّاقة»، وهو ما يقتضي اختراق النقاط الضعيفة في وعي الناس، وذلك من قبيل التلاعب بوعيهم الديني الهش، ومن ثم دعم الجماعات الدينية مثل: داعش والجماعات السلفية، فضلًا عن جماعة الإخوان المسلمين، بادعاء أن ذلك المسار هو طريق الخلاص والتحرر من أجل تحقيق نظام ديمقراطي مزعوم في مواجهة نظم استبدادية.

لم يكن لهذا المخطط المتآمر أن يحقق أهدافه إلا في سياق ثقافي هش يفتقر إلى الوعي، ليس فقط الوعي الديني، وإنما أيضًا الوعي بمعناه العام الذي يشمل أيضًا الوعي السياسي والتاريخي والعلمي والجمالي، وغير ذلك من أشكال الوعي التي يتم تغييبها بفعل تغييب الوعي الديني ذاته بحيث يصبح مهيمنًا على سائر مناحي النشاط الإنساني. وهكذا يمكن القول بأن هذا النظام أو المخطط الجديد كان يزعم أنه يسعى إلى تبديل الاستبداد السياسي، ولكنه في الحقيقة كان يسعى إلى إحلال شكل آخر من الاستبداد باسم الدين. جرى هذا المخطط في ظل غياب للوعي بمعنى الدولة والهوية والمواطنة، وغير ذلك من المفاهيم الأساسية التي تؤسس معنى وماهية الوجود الإنساني. هذا هو السياق الذي قفزت فيه جماعة الإخوان المسلمين على الحكم باسم الدين لا الدولة، وهو ما جرى في كل الدول التي عايشت ما يُسمَّى بالربيع العربي. ولكن السؤال الذي يبقى هو: هل تغير هذا السياق الثقافي بالفعل بحيث يكفل لهذه الدول منعة من الداخل على محاولات الاختراق التي لا تهدأ ولا تتوقف؟ وكيف يمكن مواجهة ما يُعرَف الآن «بالإمبريالية الثقافية»؟ هنا تبرز أهمية الثقافة في بناء الدولة والنهوض بها، وهذا أمر يظل مرهونًا بدعم الدولة للثقافة وسائر مؤسساتها الرسمية وغير الرسمية، على الأقل من الناحية السياسية، وبتوافر مناخ يتيح حرية الفكر والإبداع. فالثقافة هي ما تصنع نسيج الوعي في الأمة وتشكل هويتها في مواجهة سحق منظومة العولمة للهويات ولمفهوم الوطن والمواطنة. كل هذا يقتضي إصلاح آليات الثقافة التي تصنعها وزارة الثقافة مع منظومة التعليم والإعلام، وهي مسائل سبق أن تناولتها بالتفصيل في مقالات أخرى عديدة، فليرجع إلى ذلك من يشاء.

المصدر: لجريدة عمان

كلمات دلالية: ذلک من

إقرأ أيضاً:

«المؤتمر»: نجاح الدولة في مواجهة الشائعات ركيزة أساسية في حماية الأمن القومي

ثمن إسلام تمراز، رئيس اتحاد شباب حزب المؤتمر، نجاح الدولة المصرية، بقيادة الرئيس عبد الفتاح السيسي، في مواجهة الشائعات الممنهجة التي تستهدف النيل من استقرار البلاد وثقة المواطنين في مؤسسات الدولة.

جهود مستمرة لفضح أكاذيب الجماعة الإرهابية

وأكد «تمراز»، في بيان، أن الجهود المستمرة لكشف الحقائق وفضح الأكاذيب التي تروجها الجماعات الإرهابية، وعلى رأسها جماعة الإخوان، تمثل ركيزة أساسية في حماية الأمن القومي ودعم جهود التنمية المستدامة.

وأضاف رئيس اتحاد شباب المؤتمر، أن الحملات الإعلامية المضللة التي تسعى إلى تشويه صورة مصر وإنجازاتها لم تفلح في النيل من عزيمة الشعب المصري وإرادته، موضحا أن وعي المواطنين مدعومًا بالجهود المتواصلة للدولة في تقديم المعلومات الدقيقة والشفافة، كان له دور حاسم في إفشال هذه المحاولات التخريبية.

وأشار رئيس اتحاد شباب المؤتمر إلى أن ما حققته الدولة المصرية في السنوات الأخيرة، تحت قيادة الرئيس السيسي، من إنجازات على الأصعدة كافة، هو أكبر رد على الشائعات، فقد تمكنت مصر من بناء الجمهورية الجديدة، القائمة على العدالة الاجتماعية والتنمية المستدامة، من خلال مشروعات قومية ضخمة في مختلف القطاعات، والتي تهدف إلى تحسين مستوى معيشة المواطن المصري وتوفير فرص العمل للشباب.

الإصلاحات الاقتصادية وضعت مصر على الطريق الصحيح

وأكد أن مسيرة الإصلاحات الاقتصادية والاجتماعية التي انتهجتها الدولة خلال الفترة الماضية وضعت مصر على الطريق الصحيح نحو مستقبل مزدهر ومستدام.

وأشاد رئيس اتحاد شباب المؤتمر، بالدور الذي تلعبه القوات المسلحة والشرطة المصرية في حماية أمن واستقرار الوطن، وكذلك الإعلام الوطني الذي ساهم بفاعلية في توعية المواطنين وتحصينهم ضد الشائعات المغرضة، مؤكدا أن الدولة المصرية ستظل قوية بفضل قيادتها الرشيدة، ووعي شعبها، وتصميمها على مواجهة التحديات كافة، لتحقيق أهداف التنمية الشاملة وبناء مستقبل مشرق للأجيال القادمة.

مقالات مشابهة

  • تجهيز مكتبة "نون السحار" لنشر الوعي الثقافي والتعليمي
  • "مصر العامة" تنتهي من تجهيزات مكتبة نون السحار لنشر الوعي الثقافى والتعليمى
  • مصادر المعلومات المفتوحة والأمن القومي
  • «المؤتمر»: نجاح الدولة في مواجهة الشائعات ركيزة أساسية في حماية الأمن القومي
  • "الصراعات الإقليمية وتحديات الأمن القومي" ندوة بالنيل للإعلام بالفيوم
  • برلماني: مشروع قانون لجوء الأجانب يأتي حفاظا على الأمن القومي لمصر
  • الصحة: مصر من الدول الرائدة التي تسعى لتعزيز مرونة التعامل مع الآثار المرتبطة بالمناخ
  • أكاديمية ربدان تطلق برنامج الترجمة التخصصية في الدفاع والأمن لمواطني الدولة
  • رئيس لجنة الدفاع والأمن القومي: قانون لجوء الأجانب يضمن حقوق وواجبات اللاجئين
  • برلماني: اللاجئ غير الحاصل على موافقة الدولة سيتم ترحيله مرة أخرى لدولته