العلاقات الخفية بين مشروع نيمبوس التابع لغوغل وأمازون والجيش الإسرائيلي
تاريخ النشر: 16th, July 2024 GMT
نشرت مجلة "وايرد" الأمريكية تقريرًا حول الصلات الوثيقة بين مشروع "نيمبوس" الذي يضم غوغل وأمازون والجيش الإسرائيلي، الذي يشكل جزءًا أساسيًا من تصميم المشروع ويعتبر أحد أهم مستخدميه.
وقالت المجلة، في التقرير الذي ترجمته "عربي21"، إنه في 16 نيسان/ أبريل الماضي دخلت الشرطة مكاتب غوغل في نيويورك وكاليفورنيا لاحتجاز العديد من الموظّفين الذين احتجوا على عقد بقيمة 1.
ويقول العاملون المعارضون لهذا المشروع إن الشركتين متواطئتان في النزاعات المسلحة الإسرائيلية ومعاملة حكومتها غير القانونية وغير الإنسانية للمدنيين الفلسطينيين. ومن جهتها، أصرّت غوغل على أن المشروع لا يهدف إلى العمل العسكري وليس "له صلة بالأسلحة أو الخدمات الاستخباراتية"، بينما يبدو أن أمازون لم تناقش نطاق العقد علنًا.
تظهر مراجعة المجلة للوثائق العامة وتصريحات المسؤولين الإسرائيليين وموظفي غوغل وأمازون أن مشاركة الجيش الإسرائيلي محورية في مشروع "نيمبوس" منذ بدايته. فقد شكّلوا تصميم المشروع وكانوا من أهم مستخدميه، ويعتقد كبار المسؤولين الإسرائيليين أن عقد "نيمبوس" يوفر بنية تحتية مهمة للجيش الإسرائيلي.
وفي شباط/ فبراير، نقلت وسائل الإعلام الإسرائيلية عن رئيس المديرية الوطنية الإسرائيلية للأمن السيبراني، غابي بورتنوي، في مؤتمر مخصص لمشروع "نيمبوس" قوله إن العقد ساعد في الانتقام العسكري ضد حماس.
وحسب بورتنوي، فإن "نيمبوس" أحدث أشياء مذهلة ومؤثرة في النصر في المعركة، ولم يستجب بورتنوي ومديرية الأمن السيبراني لطلب التعليق.
وأشارت المجلة إلى أن تصريح بورتنوي يتناقض مع تصريحات غوغل لوسائل الإعلام، التي سعت إلى التقليل من أهمية الاستخدامات العسكرية لمشروع "نيمبوس".
ووفقًا لما قالته آنا كوالتشيك، المتحدثة باسم غوغل، في بيان مرسل عبر البريد الإلكتروني، فإن المشروع ليس موجهًا إلى الأعمال الحساسة للغاية أو العسكرية ذات صلة بالأسلحة أو أجهزة الاستخبارات، وإنما للأعمال التي توافق على الامتثال لشروط الخدمة وسياسة الاستخدام المقبولين عن الشركة.
تحظر شروط غوغل على العملاء "الأنشطة عالية الخطورة"، التي تم تعريفها لتشمل الحالات التي "يُتوقع فيها بشكل معقول أن يؤدي استخدام الخدمات أو فشلها إلى الوفاة أو الإصابة الشخصية أو الإضرار بالبيئة أو الممتلكات. ومن غير الواضح كيف يمكن أن يندرج دعم العمليات القتالية للجيش الإسرائيلي ضمن هذه القواعد.
يُضاف ادعاء بورتنوي والعديد من الوثائق والبيانات الأخرى إلى التقارير الأخيرة التي يبدو أنها تؤكد أن عقد "نيمبوس" له صلات عسكرية راسخة منذ فترة طويلة. وقد نقلت مجلة "التايم" عن وثيقة داخلية من غوغل أن وزارة الدفاع الإسرائيلية لديها "منطقة هبوط" خاصة بها في البنية التحتية لمشروع "نيمبوس". وذكر موقع "ذي إنترسبت" أن شركتي أسلحة إسرائيليتين مملوكتان للدولة الإسرائيلية ملتزمتان باستخدام الخدمات السحابية لغوغل وأمازون عبر مشروع "نيمبوس".
وقد كرّر المتحدث باسم أمازون، دنكان نيشام، الخطاب المعتاد الذي استخدمته أمازون في الماضي للحديث عن مشروع "نيمبوس"، التي تقول إن الشركة توفر تقنيتها للعملاء "أينما كانوا" وأن الموظفين لديهم "الحق في التعبير عن أنفسهم".
وأضاف نيشام: "نحن ملتزمون بضمان سلامة موظفينا، ودعم زملائنا المتضررين من هذه الأحداث الرهيبة، والعمل مع شركائنا في مجال الإغاثة الإنسانية لمساعدة المتضررين من الحرب". (يحتجز حاليًا ساشا تروفانوف، وهو موظف روسي-إسرائيلي من شركة أمازون، كرهينة لدى حماس في غزة، وقد شوهد آخر مرة وهو على قيد الحياة في مقطع فيديو تم نشره في 28 أيار/ مايو).
صناعة مشروع "نيمبوس"
أوضحت المجلة أن مشروع "نيمبوس" بدأ في سنة 2019 كتحديث كبير لتكنولوجيا الحكومة الإسرائيلية. ولم يكن للمشروع الذي تقوده وزارة المالية تاريخ انتهاء محدد، ودعا الحكومة إلى اختيار مقدمي الخدمات السحابية المفضلين الذين سيبنون مراكز بيانات جديدة لتخزين البيانات بشكل آمن داخل "إسرائيل". وعلى غرار العملاء الآخرين للخدمات السحابية، يمكن للحكومة الإسرائيلية استخدام غوغل لتخزين البيانات، واستخدام أدواتها المدمجة للتعلم الآلي وتحليل البيانات وتطوير التطبيقات.
وظهر الأثر المبكّر الذي يلمح إلى مشاركة الجيش الإسرائيلي في مشروع "نيمبوس" في منشور على موقع لينكد إن في حزيران/ يونيو 2020 من شاهار براخا، الرئيس التنفيذي السابق للوكالة الرقمية الوطنية الإسرائيلية، التي كانت تسمى آنذاك هيئة تكنولوجيا المعلومات والاتصالات. وقد كتب في المنشور: "يسعدني أن أعلمكم أن وزارة الدفاع قررت الانضمام إلى مركز السحابة، وبذلك غيرت المركز ليكون أكبر وأكثر جاذبية"، مما يشير إلى أن الجيش سيكون مستخدمًا رئيسيًا للخدمات في إطار المشروع.
على مدار عملية تقديم العروض التي استمرت ثلاث سنوات، كانت العديد من الوثائق والبيانات العامة الأخرى صريحة بشأن مشاركة الجيش الإسرائيلي الكبيرة في مشروع "نيمبوس". وجاء في بيان قدّمته وزارة المالية الإسرائيلية سنة 2022 إلى موقع "ماكو" الإخباري الإسرائيلي أن "مشروع نيمبوس هو مشروع لتزويد الحكومة ووزارة الدفاع والجيش الإسرائيلي بالخدمات السحابية العامة". وأضاف البيان أن "الهيئات الأمنية ذات الصلة كانت شريكة في هذا المشروع منذ يومه الأول، ولا تزال شريكةً فيه بشكل كامل".
وتضمّنت مشاركة الجيش الإسرائيلي أن يكون جزءًا من عملية اختيار الشركات التي ستفوز بعقد "نيمبوس". وذكر تقرير تدقيق صادر عن مراقب الدولة الإسرائيلي في سنة 2021 أن الجيش الإسرائيلي انضم "من أجل إتاحة نقل الأنظمة التي رُفعت عنها السرية إلى السحابة العامة". ويشير إلى أن "وزارة الدفاع والجيش الإسرائيلي جزءان أساسيان من الفريق الذي يعمل على المناقصة، سواء في وضع المتطلبات أو في تقييم النتائج".
وفي نهاية المطاف، فازت كل من غوغل وأمازون بعقود مشروع "نيمبوس"، متغلبتين على مايكروسوفت وأوراكل. وفي البيان الصحفي الصادر في أيار/ مايو 2021 باللغة الإنجليزية لتهنئة الشركتين وإعلان أن "الحكومة الإسرائيلية تنتقل إلى السحابة"، تم التأكيد على أن مشروع "نيمبوس" يهدف إلى خدمة "الحكومة والأجهزة الأمنية والكيانات الأخرى".
وذكرت صحيفة "تايمز أوف إسرائيل" في اليوم نفسه أن شركتي غوغل وأمازون لا يمكنهما انتقاء واختيار الوكالات التي تعملان معها. ونقلت عن محامي وزارة المالية الإسرائيلية قوله إن العقد يمنع الشركتين "من رفض تقديم الخدمات لجهات حكومية معينة". ويبدو أن ذلك لا يزال يشمل الجيش الإسرائيلي، فقد رصدت المجلة العديد من البيانات والوثائق الحكومية الإسرائيلية المنشورة منذ سنة 2022، والتي تؤكد استمرار مشاركة الجيش الإسرائيلي في مشروع "نيمبوس"، على الرغم من أنها لا تقدم تفاصيل عن الأدوات والقدرات التي يستخدمها.
وفي تموز/ يوليو 2022، نشر موقع "ذي إنترسبت" أيضًا تقريرًا عن وثائق التدريب ومقاطع الفيديو المقدمة لمستخدمي مشروع "نيمبوس" في الحكومة الإسرائيلية، والتي كشفت عن بعض تقنيات غوغل المحددة التي أتاح العقد الوصول إليها وشملت قدرات الذكاء الاصطناعي مثل التعرف على الوجوه، وتتبع الأشياء، وتحليل المشاعر، ومهام أخرى معقدة.
وتعرض الصفحات الحكومية الرسمية القديمة والجديدة، باللغتين العبرية والإنجليزية، نفس الوصف النمطي لمشروع "نيمبوس"، الذي ورد فيه أنه "مشروع رائد متعدد السنوات وواسع النطاق، تقوده إدارة المشتريات الحكومية في قسم المحاسب العام في وزارة الخزانة بالاشتراك مع الوحدة الرقمية الوطنية، والمكتب القانوني في وزارة المالية، الوحدة الوطنية للأمن السيبراني، وقسم الميزانية، ووزارة الدفاع، والجيش الإسرائيلي".
ونُشرت أيضًا نسخة من هذا البيان في وثيقة إرشادية لأمازون حول مشروع "نيمبوس" في كانون الثاني/ يناير 2023. كما نشرت نسخة على صفحة الفعالية الخاصة بـ "قمة نيمبوس" لسنة 2024، وهي فعالية يديرها القطاع الخاص.
وتجمّع العاملون في مجال التكنولوجيا من أمازون وغوغل وعشرات الشركات الأخرى التي لعبت دورًا بشكل أو بآخر في تحديث البنية التحتية التكنولوجية في "إسرائيل" في السنوات الأخيرة.
علاقات وثيقة
وأفادت المجلة بأن منشورات المسؤولين الإسرائيليين وموظفي أمازون وغوغل على وسائل التواصل الاجتماعي تشير إلى أن الجيش الإسرائيلي لا يزال منخرطًا بشكل وثيق في مشروع "نيمبوس" مع الشركتين السحابيتين الأمريكيتين اللتين تعملان عليه. وفي حزيران/ يونيو 2023، نشر عومري نيزر، رئيس وحدة البنية التحتية التكنولوجية في إدارة المشتريات الحكومية الإسرائيلية، ملخصًا لمؤتمرٍ عقدته الحكومة الإسرائيلية على موقع "لينكد إن"، الذي كان يهدف إلى جمع أشخاص من "مكاتب حكومية مختلفة ضمن مشروع نيمبوس".
وذكر منشور نيزر حلقة نقاش في المؤتمر شارك فيها "ممثل عن الجيش الإسرائيلي" ورئيس قسم تكنولوجيا المعلومات الهندسية في شركة رافائيل لأنظمة الدفاع المتقدمة، وهي شركة دفاعية أنشئت في الأصل كشركة بحث وتطوير تابعة للجيش الإسرائيلي. وذكر موقع "ذي إنترسبت" الشهر الماضي أن شركتي رافائيل وصناعات الطيران والفضاء الإسرائيلية، وكلاهما من شركات تصنيع الأسلحة المدعومة من الحكومة الإسرائيلية، هما "عملاء إلزاميون" لغوغل وأمازون عبر مشروع "نيمبوس".
وتظل وكالات الأمن القومي جزءاً مهماً من مشروع "نيمبوس". وفي منشور على موقع "لينكد إن" 2023 يحمل الوسم "#nimbus"، لخّص أومري هولزمان، قائد فريق الدفاع في أمازون لخدمات الويب، فعالية أقامتها أمازون مؤخرًا لعملاء الدفاع، مؤكدًا وجود حضور من كل وكالة أمنية في "إسرائيل"، دون تحديد هذه الوكالات.
وأضافت المجلة أن غوغل عرضت مؤخرًا على مسؤولي الشرطة والأمن القومي الإسرائيليين نموذج الذكاء الاصطناعي "جيميناي"، وهو محور محاولات شركة البحث لمنافسة "شات جي بي تي". وحسب شاي مور، مدير ورئيس القطاع العام والدفاع في غوغل كلاود إسرائيل، فإنه قدّم مؤخرًا معلومات حول "مشاريع نيمبوس الرائدة" لوكالات تشمل الشرطة الإسرائيلية والوكالة الرقمية الوطنية الإسرائيلية والمديرية الوطنية الإسرائيلية للأمن السيبراني.
لم يحدد مور كيف يمكن للجيش الإسرائيلي أو الأجهزة الأمنية استخدام الذكاء الاصطناعي من غوغل، لكن الشركة قالت إن "جيميناي" يمكن أن تساعد عملاءها الذين يستخدمون الخدمات السحابية في كتابة التعليمات البرمجية أو تحليل البيانات أو تحديد التحديات الأمنية.
وأشار بورتنوي إلى أن مشروع "نيمبوس" يهدف إلى تعميق علاقات أمازون وغوغل مع جهاز الأمن القومي الإسرائيلي. وقال إن الشركتين "شريكتان في العمل" على مشروع جديد ينشئ "إطارًا للدفاع الوطني" باستخدام أدوات أمنية قائمة على السحابة. وشبّه بورتنوي هذا المشروع بنظام الدفاع الصاروخي الإسرائيلي، واصفًا إياه بـ"القبة الحديدية للأمن السيبراني".
احتجاجات متزايدة
أكدت المجلة أن الاحتجاجات الأخيرة ضد مشروع "نيمبوس" ليست المرة الأولى التي تؤدّي فيها صفقة سحابية ذات صلات عسكرية إلى احتجاجات، خاصة داخل غوغل. وحسب أحد موظفي غوغل السابقين، الذي تم فصله مع عشرات آخرين بعد الاحتجاج على مشروع "نيمبوس" في نيسان/ أبريل، فإن سنوات من محاولة توجيه الشركة في اتجاه أكثر أخلاقية قد تركتهم منهكين. فقد احتجوا في سنة 2018 على مشروع مافن، وهو عقد منتهٍ الآن مع وزارة الدفاع الأمريكية كان يهدف إلى تحليل صور المراقبة بالطائرات المسيرة باستخدام خوارزميات غوغل. كما احتجوا على عمل غوغل مع هيئة الجمارك وحماية الحدود الأمريكية في سنة 2019، وبدأ الاحتجاج على مشروع "نيمبوس" في سنة 2021 مع مجموعة "لا تكنولوجيا للفصل العنصري".
تم أول إجراء رئيسي ضد مشروع "نيمبوس" في تشرين الأول/ أكتوبر 2021، عندما نشر تحالف من موظفي غوغل وأمازون رسالة مفتوحة في صحيفة "الغارديان" تندد بالصفقة. وقد شارك العديد من نفس هؤلاء الأشخاص الذين انضموا إلى هذه الجهود التنظيمية المبكرة أيضًا في حركة "لا تكنولوجيا من أجل إنفاذ قوانين الهجرة والجمارك"، وهي حركة يقودها العاملون بالتكنولوجيا تشكلت في سنة 2019 لمعارضة عمل شركاتهم لصالح إدارة الهجرة والجمارك.
وتقول آرييل كورين، التي كانت تعمل في ذلك الوقت مديرة مشروع في غوغل، وساعدت في صياغة الرسالة المفتوحة، إن مديرها أخبرها في أوائل تشرين الثاني/ نوفمبر 2021 أن عليها الموافقة على الانتقال إلى ساو باولو بالبرازيل في غضون 17 يوم عمل "أو أن تفقد منصبها"، وذلك وفقًا لصحيفة "لوس أنجلوس تايمز". وأعلنت كورين أنها استقالت في آذار/ مارس 2022، وبعد بضعة أسابيع، نظم مجموعة من العاملين في مجال التكنولوجيا والنشطاء احتجاجات خارج مكاتب غوغل وأمازون في نيويورك وسياتل ودورهام بولاية نورث كارولينا للتعبير عن تضامنهم مع كورين ومطالبتها بإنهاء مشروع "نيمبوس".
وتصاعدت الاحتجاجات منذ ذلك الحين، إذ طُردت إيمان حسيم، وهي مهندسة سابقة في غوغل كلاود، في نيسان/ أبريل إلى جانب 48 آخرين بعد أن سافرت من سياتل إلى سان فرانسيسكو للمشاركة في اعتصام جماعي داخل مكتب الرئيس التنفيذي لشركة غوغل كلاود توماس كوريان، وتقول إن حركة "لا تكنولوجيا للفصل العنصري" هي جزء من حركة أوسع تُعرف باسم "مقاطعة وسحب الاستثمارات وفرض العقوبات"، والتي تستخدم الضغط الاقتصادي لإجبار "إسرائيل" على إنهاء احتلال الأراضي الفلسطينية. وقالت حسيم إن مشروع "نيمبوس" "هو العقد الذي يلفت الانتباه أكثر من أي شيء بالنسبة لأي شخص يضع نصب عينيه الإبادة الجماعية في غزة حاليًا".
المصدر: عربي21
كلمات دلالية: سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي صحافة صحافة إسرائيلية نيمبوس غوغل أمازون غوغل الاحتلال أمازون نيمبوس صحافة صحافة صحافة سياسة سياسة صحافة صحافة صحافة صحافة صحافة صحافة صحافة صحافة صحافة صحافة سياسة اقتصاد رياضة صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة مشارکة الجیش الإسرائیلی الوطنیة الإسرائیلیة الحکومة الإسرائیلیة والجیش الإسرائیلی الخدمات السحابیة للجیش الإسرائیلی للأمن السیبرانی وزارة المالیة غوغل وأمازون وزارة الدفاع على مشروع العدید من فی مشروع یهدف إلى فی غوغل إلى أن فی سنة
إقرأ أيضاً:
القوة الخفية وراء محاولات فرض العلمانية
لم تكن الخطوة التي أقدمت عليها مليشيا الدعم السريع وحلفاؤها من بقايا المجلس المركزي في قوى الحرية والتغيير ومعهم فصيل الحركة الشعبية – شمال الذي يقوده عبد العزيز الحلو، والذين اجتمعوا في كينيا منتصف الشهر الماضي ضمن تحالف أسموه “تأسيس” مؤخراً، والتي أعلنوا فيها تبنيهم لدستور علماني، وتحصينه بما أسموه “مبادئ فوق دستورية”، لم تكن تلك الخطوة معزولة عن سياق ممتد، منذ فجر الاستقلال، لعزل السودان وشعبه عن هويتهم الإسلامية وفرض نظام غريب ومستورد عليهم !!
والمتتبع لتاريخ السودان السياسي، خلال ما يقارب السبعين عاماً التي أعقبت إستقلاله عن الحكم البريطاني، يدرك بشكل جلي أن جهة ما، تحرك الأحداث من وراء ستار، تصر على إبعاد الإسلام – دين الأغلبية المطلقة من السودانيين – من أن يكون مرجعاً لنظام حكمهم ودستور بلادهم، كما سنحاول أن نبين في هذا المقال.
لقد ظلت قضية “الدستور الإسلامي” على رأس أجندة البرلمانات السودانية المنتخبة منذ فجر الاستقلال، وكان يُطلق على تلك البرلمانات مسمى “الجمعية التأسيسية”، وذلك للترابط الوثيق بين نظام تأسيس الدولة عقب الاستقلال وبين قيم ومبادئ الشريعة الإسلامية التي كان يُراد أن يتأسس عليها دستور البلاد؛ وفي نفس الوقت، ظلت محاولات الحؤول دون ذلك مستمرة، بأوجه متعددة.
وقد شكل انقلاب مايو 1969 الذي قاده تحالف الحزب الشيوعي والقوميين العرب، أولى المحاولات الأكثر جدية لقطع الطريق على إقرار الدستور الإسلامي في الجمعية التأسيسية التي كانت قائمة وقتها، والتي كانت أغلبيتها المطلقة من نواب حزبي الأمة والوطني الاتحادي، وكان نصيب “جبهة الميثاق الإسلامي” فيها خمسة نواب فقط، إذ تجاوز الدستور وقتها مرحلة القراءة الثانية وأوشكت الجمعية على إقراره، لكن الانقلاب قطع الطريق أمام تلك الخطوة !!
أما المحاولة الثانية الأوضح فقد برزت في العام 1983 في أعقاب إعلان الرئيس جعفر نميري تحريم الخمور وإغلاق الحانات وبيوت الدعارة وتطبيق قوانين الشريعة الإسلامية، إذ بمجرد أن بدأ النميري “نهجه الإسلامي”، قبل ذلك بسنوات قليلة، وحتى قبل إعلان تلك القوانين، أخذت الضغوط الغربية تتكاثف عليه، فأوقفت شركة شيفرون الأمريكية نشاطها في حقول النفط التي اكتشفتها في “أبو جابرة”، وتمّ إعلان تأسيس “الحركة الشعبية لتحرير السودان” بزعامة جون قرنق، ضابط الجيش الذي بدأت علاقته بالولايات المتحدة الأمريكية منذ العام 1971، وتكررت زياراته الأكاديمية لها حتى نال درجة الدكتوراة من جامعة قرنيل بولاية إيوا عام 1981، ووصلت الضغوط مداها بوقف جميع أشكال القروض والعون التنموي الذي كان يتلقاه السودان من مؤسسات التمويل الدولية.
والحقيقة أن تمويل المشروعات التنموية من الصناديق الدولية ظل متوقفاً منذ ذلك الحين (1983) وإلى يومنا هذا، على الرغم من تعاقب الأنظمة على حكم السودان وتنوعها، بما في ذلك نظام الديمقراطية أو التعددية الثالثة برئاسة رئيس الوزراء الراحل الصادق المهدي، والسبب أن كل تلك الأنظمة إمتنعت – لسبب أو لآخر – عن إلغاء القوانين الإسلامية، بل إن عدم الإلغاء هذا كان سبباً رئيسياً في زيادة الضغوط على حزب الأمة وقيادته، إبان التعددية الثالثة واللجوء إلى البيت الديني الآخر ممثلاً في زعيم الحزب الاتحادي الديمقراطي، محمد عثمان الميرغني، فكان أن فوجئت الساحة السياسية بتوقيع الإتفاق الذي عرف باتفاق الميرغني – قرنق في نوفمبر 1988 وفيه أقروا “تجميد قوانين سبتمبر” – وهو المسمى السياسي لقوانين الشربعة – إلى حين إنعقاد ما أسموه المؤتمر الدستوري !!
لم تفلح “الجهود” التي كانت تجري وراء ستار- وقتها – في تمرير إتفاق الميرغني قرنق، فعمدت هذه المرة إلى أسلوب جديد وهو ما عُرف في التاريخ السياسي السوداني ب “مذكرة الجيش” إذ تقدمت قيادة القوات المسلحة في فبرابر 1989 بمذكرة موجهة لرئيس الوزراء المنتخب، ظاهرها مهني، وجوهرها مطالب بفرض مسار سياسي محدد على رئيس الوزراء أبرز بنوده فض الشراكة في الائتلاف الحاكم مع الجبهة الإسلامية القومية، باعتبارها هي الطرف الذي يقف حجر عثرة أمام مخططات إلغاء القوانين الإسلامية.
ويلاحظ المتتبع لهذا التاريخ، دون عناء، أن الحركة الشعبية لتحرير السودان بزعامة جون قرنق، ظلت هي رأس الرمح في الجهود والضغوط الغربية لإلغاء القوانين الإسلامية، وقد استمر ذلك حتى انتهى إلى إتفاقية السلام الشامل الموقعة في يناير 2005 والتي استثنت جنوب السودان من تلك الأحكام ،وانتهى أمرها إلى أن ينفصل الجنوب ليصبح دولة مستقلة.
لكن انفصال جنوب السودان لم يوقف مطالب العلمانية، بل لم يوقف الحرب نفسها، إذ عمدت القوى الدولية المُحرّضة على فرض العلمانية إلى إشعال الفتنة ونار الحرب في دارفور ، حتى قبل أن يتم توقيع إتفاق السلام الشامل، ونجحت أداتها في ذلك – الحركة الشعبية الأم – في تحويل “حركة تحرير دارفور” إلى حركة تحرير السودان بقيادة كل من عبد الواحد محمد نور ومني أركو مناوي؛ ثمّ لما حدث الإنفصال، وذهب الجنوب بما حمل، تسلم عبد العزيز الحلو راية العلمانية وجعل فرضها على كل السودان شرطاً لسلام يوقعه مع السلطة المركزية، وبقي عبد الواحد نور عند موقفه الأول !!
وفي نفس الوقت الذي كان يتم فيه التمسك بورقتي عبد العزيز الحلو وعبد الواحد نور، كانت الترتيبات تجري على قدم وساق لإسقاط النظام المصنف “إسلامي” في الخرطوم، وإلغاء منظومة القوانين والتشريعات التي استنها على مدى ثلاثين عاماً، وقد نجحت تلك الجهود في إسقاط النظام، وتم الشروع في إلغاء القوانين وإلغاء منظومة القيم الإسلامية عبر “تنظيف المناهج الدراسية من الحمولات الدينية”، ثم جرى إستقدام بعثة فولكر الأممية لاستكمال المهمة التي انتهت بمحاولات فرض الإتفاق الإطاري، بالضغوط السياسية والإغراءات المادية، أو عن طريق “القوة الجبرية”، فكانت النتيجة هي الحرب التي تدور منذ عامين والتي تحولت أجندتها من إلغاء الهوية الإسلامية إلى إلغاء “دولة 56” وتحويلها إلى رماد !!
إن تجميع حَمَلة مشاعل العلمانية في نيروبي مؤخراً، ومحاولة بث الروح فيهم بعد أن أصابهم الوهن واليأس من فرض أجندتهم على الشعب السوداني، ما هو إلا حلقة جديدة من حلقات التآمر المستمر على الشعب السوداني، والإصرار على فرض هوية تغريبية عليه، ولا أعتقد أن ذلك التآمر سيتوقف، لأنه مرتبط بأجندة صراع جيواستراتيجي متصل بموقع السودان الجغرافي وبتكوينه السكاني وبما حباه الله به من موارد فوق الأرض وتحتها؛ وعلى أبناء السودان ونخبه السياسية أن يدركوا أن بلدهم مستهدفة في هويتها قبل أن تكون مستهدفة في مواردها وموقعها، وأن يسلكوا سبيلاً غير الذي سلكوه في السابق، لدرء الفتن التي تحاول الإحاطة بهم وتمزيق أوصال مجتمعهم و بلادهم.
العبيد أحمد مروح
إنضم لقناة النيلين على واتساب