لماذا تحتاج منظومات الابتكار إلى المزيد من القادة التقنيين؟
تاريخ النشر: 16th, July 2024 GMT
نشأت الأنشطة البحثية والابتكارية منذ عدة عقود كنواة لتحويل الأفكار ذات المحتوى المعرفي العالي، إلى منتجات ذات قيمة اقتصادية، وفي بداياتها، لم تعبر هذه الأنشطة أسوار وحدات البحث والتطوير في المؤسسات الأكاديمية، أو شركات التصنيع الكبرى، حيث كان التقدم العلمي حينها هو العامل الحاسم لنجاح الأعمال، ومع الوقت تغيرت المفاهيم؛ ولم تعد هذه المختبرات حكرا على أماكن وجود الباحثين والمخترعين من ذوي المعاطف البيضاء، وامتدت أنشطة البحث العلمي والابتكار لتشمل مساحات العمل المشتركة المادية منها والافتراضية، والتي تهدف إلى إيجاد حلول مبتكرة للتحديات المعاصرة عبر الإبداع والتكامل والتجريب والمخاطرة، ومع هذا التطور الجذري الكبير إلا أن محور قيادة الابتكار لم يلحق بالركب بعد، إذ لا يزال ذوو المعاطف البيضاء يمسكون بدفة القيادة، وهذا يقلل من المدى الحقيقي للقدرة على اكتساب القيمة من المعرفة والابتكار من مناظير متعددة، فهل تحتاج قيادة منظومات الابتكار إلى الكفاءة التقنية أو إلى الكفاءة الاستراتيجية؟
تعالوا نقترب أكثر من هذا المشهد، نجد بأنه تاريخيا لم تكن المخرجات العلمية والمعرفية تعد ابتكارا إلا من خلال برامج البحث والتطوير، وأثناء تلك الحقبة، كانت الأفكار التجديدية المتعلقة بتوسيع أعمال المؤسسات من خلال منتجات أو نماذج أعمال جديدة تعتبر تنويعًا وليس ابتكارًا، وبذلك اقتصرت قيادة الابتكار على العلماء والباحثين والمهندسين، فالكفاءة التقنية كانت أساس المنظومة، وبحلول التسعينيات من القرن الماضي، بدأت التقنيات الرقمية الناشئة في تمكين الابتكار بجميع القطاعات العلمية والمعرفية، وظهرت التحديات المتعلقة برفع قدرة استيعاب شركات القطاع الصناعي للتطورات العلمية التي تتسارع في وحدات البحث والتطوير، وأصبحت هذه التغييرات تهدد بقاء الشركات التقليدية في عالم الأعمال بعد أن أصبحت قدرتهم على المنافسة رهينة الكفاءة الإستراتيجية في تعريف أولويات تبني الابتكارات، ودراسة اتجاهات المستفيدين والمستثمرين، ووضع المسارات المستقبلية وفق تحليل معمق للمعطيات الراهنة، وهذه العناصر المهمة لا يمكن تحقيقها عبر رؤى المخترعين والمبتكرين لوحدهم، فهم يضعون جلَّ تركيزهم في التطوير التقني، وواقع الحال يفرض إتاحة المجال لكفاءات أخرى للانضمام إلى المشهد.
وهذا يقودنا إلى النقطة المركزية وهي أن منظومات الابتكار لا يمكنها أن تصل إلى المستوى المطلوب من الفاعلية بدون توظيف القدرات المتنوعة لجميع الفاعلين، والتي هي في الأصل تدعم توجيه الأنشطة البحثية والابتكارية نحو تأسيس واستدامة السلسلة القيمة من مخرجات الابتكار دون أن تتجاهل الأدوار التقليدية لمنتجي المعرفة من الباحثين والمبتكرين، ولذلك تكتسب منظومات الابتكار درجة من التعقيد، فالكفاءات التقنية والفنية قلما توجد معها القدرات الاستراتيجية، والعكس كذلك صحيح؛ فقادة الأعمال الناجحون والمفكرون الاستراتيجيون ليس لديهم الإلمام الكافي بالتفاصيل التقنية الدقيقة التي تعد عوامل حاسمة في الابتكار، ووجود هذه الكفاءات منفصلةً يتيح الفوائد الإيجابية بشكل محدود، وتحقيق التكامل بين القطبين يضيف عبئاً آخر في قيادة العملية الابتكارية، وقد لا ينجح بشكل كامل، وهنا تظهر الأهمية الكبيرة لبناء جيل من القادة التقنيين الذين يمكنهم امتلاك القدرات والمهارات الأساسية لكلا المجالين، وما بقي من متطلبات بمكن تعزيزه عبر التكامل والشراكات.
وإذا انتقلنا من المستوى الشمولي للمنظومة إلى التفاصيل، تظهر الحاجة الحقيقية لقيادة الابتكار كفلسفة وممارسة ومنهج عمل، فعلى سبيل المثال نجد أن غياب الفكر الإستراتيجي في تمكين الإبداع والابتكار في مراحله المبكرة هو أساس إخفاق المبتكرين الناشئين في اجتياز رحلة الابتكار من الفكرة إلى المنتج، وهذا هو منشأ المعيقات الكبرى التي تعترض محاولات الابتكار سواءً كانت من قبل أفراد، أو مجموعات عمل داخل المؤسسات، أو شركات ناشئة، ويأتي على رأسها قلة الوعي بأهمية الملكية الفكرية في حماية الأفكار والمبادرات ذات العناصر الأصيلة، وكذلك يمكن أن تهدر الأفكار الابتكارية بالتقادم وإن توفر عنصر الحماية، ويحدث ذلك بسبب حالة شائعة جدا بين المبتكرين الناشئين وهي الجمود والبطء في التطوير، وخصوصا الأفكار الفائزة في المسابقات التي تكتسب شهرة إعلامية واسعة، ويعود ذلك لعدم وجود القدرات الاستراتيجية الموجهة لاستكشاف الفرص التطبيقية، إذ تؤثر ديناميكيات السوق والتقدم التكنولوجي على عملية وضع أولويات الابتكار، وهذا يستوجب التركيز على الأفكار عالية القيمة من حيث العوائد الإيجابية المحتملة، أو تلك التي تمتلك الفرص السوقية الواعدة على المدى المتوسط والبعيد، وليس الوقوف عند كل فكرة لامعة، مما يعكس ضرورة تطوير القدرات القيادية للابتكار للقيام بهذا الدور الحاسم في تعريف الأولويات.
وبناء القدرات القيادية ليس بالعمل الهين، ولا يمكن تحقيقه بتشجيع المبتكرين على توسيع معارفهم بالدورات التدريبية في الإدارة وريادة الأعمال، أو تطوير المنتجات، إذ إنه ومع الرياح الاقتصادية المعاكسة التي تعصف بالتحديات على كل المستويات، لا بد من الالتزام بالابتكار في جوهره كإستراتيجية لتحقيق الأهداف على المدى القصير، وبناء المزايا التي من شأنها تعزيز الأداء المستقبلي الذي يكتنفه الكثير من عدم اليقين، ويجب أن يساند هذا التوجه الإدراكُ الكامل بأن القادة التقنيين ليسوا مجرد رؤساء تنفيذيين يحققون عوائد مالية وغير مالية هائلة، ويقدمون العروض التقديمية المذهلة أمام الشركاء والمستفيدين، ويعلنون في وسائل التواصل الاجتماعي بأن الذكاء الاصطناعي هو مدخل أساسي في عملياتهم التطويرية والابتكارية، ولكنهم في المقابل، أولئك الذين يصنعون نهجًا أكثر شمولا للنمو الذي يقوده الابتكار مع الرؤية الإبداعية، كما ذكر توماس أديسون في إحدى مقولاته الشهيرة التي نصت على أنه «يرى البعض الأشياء كما هي، ويتساءلون عن السبب، والبعض الآخر يحلم بأشياء لم تكن موجودة ويتساءل لماذا لا؟»، ومن أجل ذلك تُعد قيادة الابتكار من الأولويات التي تستوجب التركيز والالتفات، وكما يكتسب بناء القيادات مكانة كبيرة، فإن قيادة الابتكار لا تقل أهمية وتأثيرا.
المصدر: لجريدة عمان
إقرأ أيضاً:
نتائج مفاجئة!.. علماء يكشفون الحد الأقصى لسرعة الدماغ البشري في معالجة الأفكار
إنجلترا – تمكن العلماء أخيرا من تحديد الحد الأقصى لسرعة معالجة الدماغ للأفكار البشرية، وهو اكتشاف يوضح السبب وراء قدرتنا على معالجة فكرة واحدة فقط في كل مرة.
وفي حين أن أنظمة الحواس البشرية مثل العينين والأذنين والجلد والأنف تجمع البيانات حول بيئتنا بمعدل يصل إلى مليار بت في الثانية، فإن الدماغ يعالج هذه الإشارات بسرعة 10 بت فقط في الثانية، وهي سرعة أبطأ بملايين المرات من المدخلات.
وللتوضيح، يمكن لاتصال الواي فاي العادي معالجة نحو 50 مليون بت في الثانية.
ويحتوي الدماغ البشري على أكثر من 85 مليار خلية عصبية، يشارك ثلثها في التفكير المعقد وتقع في منطقة القشرة الدماغية المتطورة في الجزء الخارجي من الدماغ.
ورغم الشبكة العصبية الواسعة، توصل العلماء إلى أن سرعة معالجة الأفكار البشرية هي أبطأ بكثير من سرعة جمع البيانات بواسطة الحواس.
وأشار العلماء في الورقة البحثية التي نشرتها مجلة Neuron إلى أن سرعة التفكير البشري تقدر بـ 10 بتات في الثانية، وهي سرعة “منخفضة للغاية”.
ووفقا لما قاله ماركوس ميستر، أحد مؤلفي الدراسة، “في كل لحظة، نحن نستخرج 10 بتات فقط من التريليون التي تستقبلها حواسنا، ونستخدم هذه الـ 10 بتات لتصور العالم من حولنا واتخاذ القرارات. وهذا يثير تساؤلا محيرا: ماذا يفعل الدماغ لتصفية وإدارة كل هذه المعلومات؟”.
وتشير الدراسة إلى أن الخلايا العصبية الفردية في الدماغ قادرة على معالجة المعلومات بسرعة أكبر من 10 بتات في الثانية، لكن هذه الخلايا لا تعمل بتلك السرعات عندما يتعلق الأمر بمعالجة الأفكار البشرية. وهذا يعني أن البشر هم مفكرون بطيئون بطبيعتهم، وغير قادرين على معالجة العديد من الأفكار في وقت واحد.
على سبيل المثال، لا يستطيع لاعب الشطرنج تصور عدة تحركات محتملة في وقت واحد، بل يمكنه فقط استكشاف تسلسل واحد من التحركات في كل مرة.
وقد يكون هذا “الحد الأقصى للسرعة” في الدماغ إرثا من أقدم الكائنات الحية التي تمتلك جهازا عصبيا، حيث كانت هذه الكائنات تستخدم أدمغتها أساسا للملاحة، للتحرك نحو الطعام والابتعاد عن الحيوانات المفترسة.
ويعتقد العلماء أن أدمغة البشر تطورت من هذه الأنظمة البسيطة، وظلت تحتفظ بالقدرة على اتباع “مسار” فكري واحد في كل مرة، على غرار الكائنات الأولى التي كانت تتبع مسارات بسيطة من أجل البقاء.
وتشير النتائج أيضا إلى أن الحد الأقصى لسرعة الدماغ كان له غرض بيئي. وبحسب العلماء، “اختار أسلافنا بيئة كانت بطيئة بما يكفي لجعل البقاء ممكنا”. ويضيفون أن الـ 10 بتات في الثانية تكون ضرورية فقط في الحالات القصوى، حيث تتغير البيئة في الغالب بوتيرة أبطأ بكثير.
وعلى العكس، فإن التقدم السريع في قدرة الحوسبة الآلية الذي يتضاعف كل عامين، يشير إلى أن الآلات قد تتفوق في النهاية على البشر في أداء المهام التي يقومون بها حاليا.
ومع تقدم التكنولوجيا، يقترح العلماء أن البشر قد يجدون أنفسهم غير قادرين على مواكبة الآلات، تماما مثل الحلزونات الغير قادرة على التكيف مع الطرق السريعة.
وتثير نتائج الدراسة تساؤلات هامة حول مستقبل التفاعل بين البشر والآلات وحدود معالجة الدماغ البشري في عالم تكنولوجي متقدم.
المصدر: إندبندنت