لجريدة عمان:
2024-08-25@13:25:41 GMT

المعلومات المضللة ومحاولة اغتيال «ترامب»

تاريخ النشر: 16th, July 2024 GMT

مع كل حدث عالمي كبير يعود الحديث مجددا عن أمرين أصبحا متلازمين في العصر الرقمي الذي نعيشه، هما نظرية المؤامرة والمعلومات المضللة والكاذبة.

السبت الفائت وفَور إطلاق النار على الرئيس الأمريكي السابق والمرشح الرئاسي الحالي، في تجمع انتخابي بمقاطعة «بتلر» بولاية بنسلفانيا، شهدت شبكات التواصل الاجتماعي في العالم كله، وليس داخل الولايات المتحدة الأمريكية فقط، انتشارا واسعا وفيروسيا للمعلومات الكاذبة والمضللة المبنية على فرضيات نظرية المؤامرة.

نظريا يمكن القول إن انتشار المعلومات الكاذبة حول حدث ما يعود في الغالب إلى ثلاثة أسباب؛ الأول هو نقص المعلومات الرسمية حوله من جانب، وتأخر وسائل ومنصات الإعلام الرئيسية في تلبية احتياجات الجمهور العاجلة في معرفة حقيقة ما حدث وتفسيره، والثاني هو رغبة الجمهور في ملء الفجوات المعرفية حول هذا الحدث، والسبب الثالث هو رغبة كل طرف من أطراف الحادث في تحقيق أقصى استفادة منه عبر صناعة سردية تخدم مصالحه والترويج لها. نتيجة لكل ذلك يتم ملء الفراغات المعلوماتية حول الحادث بأخبار وقصص تتوافق مع أجندات صُنّاعها وناشريها، إذ يتجه كل من ينشر ويروج لسردية معينة إلى اختيار ما يتوافق مع قناعاته الأيديولوجية، ورفض ومهاجمة السرديات الأخرى التي تتعارض معها. وقد عبر عن ذلك عالم النفس الاجتماعي «فيرتز هيدر» منذ خمسينات القرن الماضي في نظرية أسماها «الاتساق المعرفي»، وتقول إن: «مفهوم الاتساق في السلوك البشري هو امتداد لفكرة الاتساق القائمة في الكون والعالم المادي، وأن البشر يحاولون طوال حياتهم تحقيق أكبر قدر من الاتساق والتوافق مع أنفسهم ومع الآخرين، ويقضون معظم أوقاتهم في محاولات مستميتة لتحقيق الاتساق بين المواقف بعضها البعض، وبين السلوكيات بعضها البعض، ومن ثم بين المواقف وبين السلوكيات بوجه عام، بهدف تنظيم عالمهم بطرق تبدو لهم منطقية وذات معنى». وتفترض نظريات الاتساق أن عدم التوافق يُولِّدُ «توترًا نفسيًا» أو شعورا بعدم الارتياح، وهو ما ينتج عنه ضغط داخلي للتخلص من عدم الاتساق أو الحد منه، وتحقيق التوازن النفسي إذا أمكن. ومن علم النفس انتقلت نظرية الاتساق والنظريات المتولدة عنها إلى علوم الاتصال والإعلام لتفسير كيفية تعامل الأفراد مع الأخبار والمعلومات المتعارضة أو غير المُتسقة، والتي عادة ما تستهدف إحداث تغيير في المواقف والاتجاهات والسلوكيات البشرية.

في حادث محاولة اغتيال ترامب تزايدت بشكل واضح الأخبار الكاذبة والمضللة نتيجة تزايد حدة الاستقطاب في الصراع الدائر بين الجمهوريين والديمقراطيين قبل أربعة أشهر من الاستحقاق الانتخابي الرئاسي الذي من المتوقع حتى الآن أن يجمع بين الرئيس الحالي جو بادين، والرئيس السابق دونالد ترامب. ورغم أن السلطات الأمريكية بدأت تحقيقا في الحادث باعتباره محاولة اغتيال، وحددت هوية مطلق النار الذي قتل في المكان، فإن المنصات الإعلامية الفردية والمؤسساتية تسابقت في تغذية الأخبار الكاذبة التي تدعم موقف كل منها في الانتخابات. وعلى سبيل المثال فقد ادعى أنصار ترامب أن الرئيس بايدن هو من أصدر الأمر باغتيال الرئيس السابق لإزاحته من السباق نحو البيت الأبيض، خاصة بعد الأداء المخيب لبايدن في المناظرة الرئاسية الأولى، ومطالبة بعض قادة حزبه بانسحابه من السباق. في المقابل اتهم أنصار بايدن ترامب نفسه بتمثيل عملية الاغتيال الكاذبة لكسب مزيد من التعاطف الشعبي وتعزيز حظوظه في العودة إلى البيت الأبيض.

الغريب أن اللجوء إلى نظرية المؤامرة في تناول هذا الحادث لم يقتصر على المستخدمين العاديين، وامتد إلى السياسيين والمؤثرين الذين يتابعهم الملايين على شبكات التواصل الاجتماعي. فبعد دقائق من انتشار خبر إطلاق النار، بدأ هؤلاء وغيرهم، مثل النائب الجمهوري عن ولاية جورجيا مايك كولينز إلى توجيه الاتهام للرئيس بايدن، وكتب على صفحته بموقع التدوين القصير «اكس»، أن جو بايدن أرسل الأوامر». وقد حصد هذا المنشور 4 ملايين مشاهدة. ودعا النائب إلى توجيه اتهام رسمي إلى بايدن بالتحريض على الاغتيال. في المقابل كانت كلمة «حادث مدبر» هي الأكثر استخداما على موقع اكس من جانب معارضي ترامب ومؤيدي بايدن، حيث قالت أعداد كبيرة من المستخدمين إن مشهد محاولة الاغتيال كله كان مزيفا ومصنوعا.

لا يمكن بالطبع إلقاء اللوم فقط على الشبكات الاجتماعية التي تنشر مثل هذه الأخبار الكاذبة وتدعم أصحاب نظرية المؤامرة، لأن الأحداث الكبرى لا تترك فور وقوعها الفرصة لشركات التقنية التي تدير هذه الشبكات للقيام بحصار المعلومات المضللة، لأنها هي نفسها يكون لديها نقص في المعلومات الموثوق بصحتها. ولذلك تحتاج تلك الشبكات إلى وقت للاستعداد لمواجهة هذه الأخبار، وإعادة ترتيب الخوارزميات للبحث عن المحتوى المضلل، وإعلام المراجعين البشريين بالمعلومات والآراء المقبولة للنشر وغير المقبولة، والإبلاغ عن الحسابات التي تروج للأخبار المضللة.

في ظل هذا الضباب المعلوماتي الذي أحاط بحادث إطلاق النار على ترامب وغيره من الحوادث الكبرى، فإن السؤال الذي يطرح نفسه الآن هو: كيف نستطيع تحصين أنفسنا ومواطنينا في العالم العربي من الوقوع في أسر نظريات المؤامرة والمعلومات الكاذبة، خاصة وقد أصبح كل شخص قادرا على الوصول إلى هذه المعلومات ومشاركتها بل وصنعها ونشرها، والتي قد تكون محملة بالدعاية السياسية التي تستهدف تحقيق أهداف الأعداء كما هو الحال في حالة الحرب في غزة التي كتبنا عنها من قبل. ويزداد الأمر تعقيدا مع الانتشار الواسع في استخدام أدوات وبرامج الذكاء الاصطناعي التي تسهل عملية صنع المحتوى الزائف من نصوص وصور ولقطات فيديو من خلال تقنية «التزييف العميق»؟

من المؤكد أننا لا ندعو على الإطلاق إلى فرض وصاية على المستخدم العربي تجبره على عدم نشر ومشاركة المحتوى الزائف والأخبار الكاذبة، خاصة في الأحداث الكبرى. ولا ندعو كذلك إلى إصدار المزيد من القوانين التي تحد من حرية التعبير على شبكات التواصل الاجتماعي أو المنصات الإعلامية بشكل عام، فلدينا ترسانة ضخمة من القوانين، ولكن ليس بالقانون وحده تستقيم الحياة. إن إمداد الناس بالمعلومات وتعليمهم طرق الاستخدام الآمن للمنصات الرقمية لأنفسهم وأوطانهم، وتحقيق أقصى استفادة منها دون الوقوع في شرك المعلومات المضللة يتطلب أن نبدأ من الآن ودون تسويف ما رفضنا لسنوات تعميمه في دولنا العربية، وأعني بذلك إقرار منهج دراسي للتربية الإعلامية، وفي القلب منه برنامج تعلمي للتربية على وسائل الإعلام الرقمية، يتم تنفيذه في المرحلة التعليمية المختلفة بما يتفق مع المراحل العمرية للطلاب. بدون هذه التربية لن نستطيع حماية أجيالنا الشابة من الآثار السلبية لتكنولوجيا الاتصال والمعلومات بوجه عام وتجنيبها مخاطر الشبكات الاجتماعية بوجه خاص. إذا أردنا تأمين مجتمعاتنا من السقوط في آبار المعلومات المضللة، فإنه من المهم أن نُعلم أبناءنا من الصغر الشك في كل معلومة يتلقونها عبر المنصات الرقمية، وكيفية التأكد من صحة المعلومات، واستخدام المصادر الأصلية للمعلومات، وعدم مشاركة المعلومات المشكوك في صحتها، وفحص مقاطع الفيديو والصور الحقيقية.

المصدر: لجريدة عمان

كلمات دلالية: المعلومات المضللة الأخبار الکاذبة نظریة المؤامرة

إقرأ أيضاً:

ترامب وهاريس يتبادلان الاتهامات.. طوفان الأقصى يصل السباق الرئاسي الأمريكي

قالت كامالا هاريس مرشحة الحزب الديمقراطي للانتخابات الرئاسية الأمريكية، إنها ستقف دائما مع حق إسرائيل في الدفاع عن نفسها.

وأضافت، أنها تعمل مع الرئيس بايدن لإنهاء الحرب في غزة وإطلاق سراح الأسرى في غزة، مبينة أن الوقت قد حان لصفقة لوقف إطلاق النار وإعادة المحتجزين.

وأشارت إلى أن ما حصل في غزة مدمر ومستوى المعاناة الإنسانية محزن للغاية، مضيفة "نعمل من أجل إنهاء المعاناة في غزة وأن يكون للفلسطينيين حق في الكرامة وتقرير المصير".



وأوضحت خلال خطاب ألقته في مؤتمر الحزب الديمقراطي في شيكاغو إن انتخابات نوفمبر/تشرين الثاني المقبل ستكون فرصة "لرسم مسار جديد".

وتحدثت عن حياتها كونها ابنة لأب من جامايكا وأم من الهند، واستعرضت خططها للتعامل مع ارتفاع التكاليف وتعزيز الحريات الشخصية، بما في ذلك حقوق الإجهاض.

وانتقدت هاريس (59 عاما) الرئيس السابق دونالد ترامب، وقالت إن "عواقب عودته إلى البيت الأبيض ستكون خطيرة جدا"، مذكرة بهجوم أنصاره على الكابيتول وإدانة القضاء له في قضايا جنسية، متسائلة "ما الذي سيحدث لو منحت له السلطة مجددا؟".



في المقابل، هاجم المرشح الجمهوري لانتخابات الرئاسة الأميركية دونالد ترامب منافسته هاريس قائلا، إنها "تكره إسرائيل ولم تحضر كلمة نتنياهو أمام الكونغرس".

واتهم ترامب هاريس بالتسبب في هجوم 7 أكتوبر.

وأضاف، أن "هاريس أعلنت للتو أنها ستمنح الجنسية للمهاجرين غير النظاميين لكونها ماركسية راديكالية".

وتابع، "لن يكون هناك مستقبل تحت قيادة هاريس لأنها ستأخذنا إلى حرب عالمية نووية ثالثة".

وسبق أن أظهر استطلاع للرأي أجرته صحيفة “واشنطن بوست” وشبكة “إيه.بي.سي نيوز” ومؤسسة إبسوس للاستطلاعات هذا الأسبوع، أن نائبة الرئيس الأمريكي، كامالا هاريس حصلت على تأييد 49 بالمئة، مقابل 45 بالمئة لدونالد ترامب، بين الناخبين المسجلين.

 وتم إجراء استطلاع الرأي على الإنترنت في الفترة من التاسع حتى 13 آب/أغسطس، بين 2336 بالغا، من بينهم 1901 ناخب مسجل.

وكان استطلاع للرأي أجرته شبكة إيه بي سي نيوز ومؤسسة “إبسوس” يومي 26 و27 تموز / يوليو الماضي، قد أظهر أن نسبة التأييد لنائبة الرئيس كامالا هاريس شهدت ارتفاعا بين الأمريكيين منذ قرار جو بايدن التخلي عن الترشح في الانتخابات الرئاسية.

مقالات مشابهة

  • ذئاب السيرك السياسي
  • ترامب يتعهد بنشر وثائق عن اغتيال جون كينيدي حال فاز بالانتخابات المقبلة
  • في حال عودته للبيت الأبيض.. ترامب يتعهد بنشر وثائق عن اغتيال جون كينيدي
  • الكشف عن إجراء عقابي بالخدمة السرية بعد محاولة اغتيال ترامب
  • من إيران.. محاولات لاختراق حسابات "واتساب" لمسؤولين أميركيين
  • بسبب محاولة اغتيال ترامب.. الخدمة السرية يمنح عدداً من عناصر إجازة
  • الإنتخابات الأميركية: شعبية كامالا هاريس تتزايد وترامب في خطر
  • عن اغتيال قياديّ فتح في صيدا.. تفاصيل جديدة
  • ترامب وهاريس يتبادلان الاتهامات.. طوفان الأقصى يصل السباق الرئاسي الأمريكي
  • ترامب: لا نثق بالأرقام الصادرة عن حكومة بايدن بشأن الوظائف والمناصب وجميعها زائفة