المعلومات المضللة ومحاولة اغتيال «ترامب»
تاريخ النشر: 16th, July 2024 GMT
مع كل حدث عالمي كبير يعود الحديث مجددا عن أمرين أصبحا متلازمين في العصر الرقمي الذي نعيشه، هما نظرية المؤامرة والمعلومات المضللة والكاذبة.
السبت الفائت وفَور إطلاق النار على الرئيس الأمريكي السابق والمرشح الرئاسي الحالي، في تجمع انتخابي بمقاطعة «بتلر» بولاية بنسلفانيا، شهدت شبكات التواصل الاجتماعي في العالم كله، وليس داخل الولايات المتحدة الأمريكية فقط، انتشارا واسعا وفيروسيا للمعلومات الكاذبة والمضللة المبنية على فرضيات نظرية المؤامرة.
نظريا يمكن القول إن انتشار المعلومات الكاذبة حول حدث ما يعود في الغالب إلى ثلاثة أسباب؛ الأول هو نقص المعلومات الرسمية حوله من جانب، وتأخر وسائل ومنصات الإعلام الرئيسية في تلبية احتياجات الجمهور العاجلة في معرفة حقيقة ما حدث وتفسيره، والثاني هو رغبة الجمهور في ملء الفجوات المعرفية حول هذا الحدث، والسبب الثالث هو رغبة كل طرف من أطراف الحادث في تحقيق أقصى استفادة منه عبر صناعة سردية تخدم مصالحه والترويج لها. نتيجة لكل ذلك يتم ملء الفراغات المعلوماتية حول الحادث بأخبار وقصص تتوافق مع أجندات صُنّاعها وناشريها، إذ يتجه كل من ينشر ويروج لسردية معينة إلى اختيار ما يتوافق مع قناعاته الأيديولوجية، ورفض ومهاجمة السرديات الأخرى التي تتعارض معها. وقد عبر عن ذلك عالم النفس الاجتماعي «فيرتز هيدر» منذ خمسينات القرن الماضي في نظرية أسماها «الاتساق المعرفي»، وتقول إن: «مفهوم الاتساق في السلوك البشري هو امتداد لفكرة الاتساق القائمة في الكون والعالم المادي، وأن البشر يحاولون طوال حياتهم تحقيق أكبر قدر من الاتساق والتوافق مع أنفسهم ومع الآخرين، ويقضون معظم أوقاتهم في محاولات مستميتة لتحقيق الاتساق بين المواقف بعضها البعض، وبين السلوكيات بعضها البعض، ومن ثم بين المواقف وبين السلوكيات بوجه عام، بهدف تنظيم عالمهم بطرق تبدو لهم منطقية وذات معنى». وتفترض نظريات الاتساق أن عدم التوافق يُولِّدُ «توترًا نفسيًا» أو شعورا بعدم الارتياح، وهو ما ينتج عنه ضغط داخلي للتخلص من عدم الاتساق أو الحد منه، وتحقيق التوازن النفسي إذا أمكن. ومن علم النفس انتقلت نظرية الاتساق والنظريات المتولدة عنها إلى علوم الاتصال والإعلام لتفسير كيفية تعامل الأفراد مع الأخبار والمعلومات المتعارضة أو غير المُتسقة، والتي عادة ما تستهدف إحداث تغيير في المواقف والاتجاهات والسلوكيات البشرية.
في حادث محاولة اغتيال ترامب تزايدت بشكل واضح الأخبار الكاذبة والمضللة نتيجة تزايد حدة الاستقطاب في الصراع الدائر بين الجمهوريين والديمقراطيين قبل أربعة أشهر من الاستحقاق الانتخابي الرئاسي الذي من المتوقع حتى الآن أن يجمع بين الرئيس الحالي جو بادين، والرئيس السابق دونالد ترامب. ورغم أن السلطات الأمريكية بدأت تحقيقا في الحادث باعتباره محاولة اغتيال، وحددت هوية مطلق النار الذي قتل في المكان، فإن المنصات الإعلامية الفردية والمؤسساتية تسابقت في تغذية الأخبار الكاذبة التي تدعم موقف كل منها في الانتخابات. وعلى سبيل المثال فقد ادعى أنصار ترامب أن الرئيس بايدن هو من أصدر الأمر باغتيال الرئيس السابق لإزاحته من السباق نحو البيت الأبيض، خاصة بعد الأداء المخيب لبايدن في المناظرة الرئاسية الأولى، ومطالبة بعض قادة حزبه بانسحابه من السباق. في المقابل اتهم أنصار بايدن ترامب نفسه بتمثيل عملية الاغتيال الكاذبة لكسب مزيد من التعاطف الشعبي وتعزيز حظوظه في العودة إلى البيت الأبيض.
الغريب أن اللجوء إلى نظرية المؤامرة في تناول هذا الحادث لم يقتصر على المستخدمين العاديين، وامتد إلى السياسيين والمؤثرين الذين يتابعهم الملايين على شبكات التواصل الاجتماعي. فبعد دقائق من انتشار خبر إطلاق النار، بدأ هؤلاء وغيرهم، مثل النائب الجمهوري عن ولاية جورجيا مايك كولينز إلى توجيه الاتهام للرئيس بايدن، وكتب على صفحته بموقع التدوين القصير «اكس»، أن جو بايدن أرسل الأوامر». وقد حصد هذا المنشور 4 ملايين مشاهدة. ودعا النائب إلى توجيه اتهام رسمي إلى بايدن بالتحريض على الاغتيال. في المقابل كانت كلمة «حادث مدبر» هي الأكثر استخداما على موقع اكس من جانب معارضي ترامب ومؤيدي بايدن، حيث قالت أعداد كبيرة من المستخدمين إن مشهد محاولة الاغتيال كله كان مزيفا ومصنوعا.
لا يمكن بالطبع إلقاء اللوم فقط على الشبكات الاجتماعية التي تنشر مثل هذه الأخبار الكاذبة وتدعم أصحاب نظرية المؤامرة، لأن الأحداث الكبرى لا تترك فور وقوعها الفرصة لشركات التقنية التي تدير هذه الشبكات للقيام بحصار المعلومات المضللة، لأنها هي نفسها يكون لديها نقص في المعلومات الموثوق بصحتها. ولذلك تحتاج تلك الشبكات إلى وقت للاستعداد لمواجهة هذه الأخبار، وإعادة ترتيب الخوارزميات للبحث عن المحتوى المضلل، وإعلام المراجعين البشريين بالمعلومات والآراء المقبولة للنشر وغير المقبولة، والإبلاغ عن الحسابات التي تروج للأخبار المضللة.
في ظل هذا الضباب المعلوماتي الذي أحاط بحادث إطلاق النار على ترامب وغيره من الحوادث الكبرى، فإن السؤال الذي يطرح نفسه الآن هو: كيف نستطيع تحصين أنفسنا ومواطنينا في العالم العربي من الوقوع في أسر نظريات المؤامرة والمعلومات الكاذبة، خاصة وقد أصبح كل شخص قادرا على الوصول إلى هذه المعلومات ومشاركتها بل وصنعها ونشرها، والتي قد تكون محملة بالدعاية السياسية التي تستهدف تحقيق أهداف الأعداء كما هو الحال في حالة الحرب في غزة التي كتبنا عنها من قبل. ويزداد الأمر تعقيدا مع الانتشار الواسع في استخدام أدوات وبرامج الذكاء الاصطناعي التي تسهل عملية صنع المحتوى الزائف من نصوص وصور ولقطات فيديو من خلال تقنية «التزييف العميق»؟
من المؤكد أننا لا ندعو على الإطلاق إلى فرض وصاية على المستخدم العربي تجبره على عدم نشر ومشاركة المحتوى الزائف والأخبار الكاذبة، خاصة في الأحداث الكبرى. ولا ندعو كذلك إلى إصدار المزيد من القوانين التي تحد من حرية التعبير على شبكات التواصل الاجتماعي أو المنصات الإعلامية بشكل عام، فلدينا ترسانة ضخمة من القوانين، ولكن ليس بالقانون وحده تستقيم الحياة. إن إمداد الناس بالمعلومات وتعليمهم طرق الاستخدام الآمن للمنصات الرقمية لأنفسهم وأوطانهم، وتحقيق أقصى استفادة منها دون الوقوع في شرك المعلومات المضللة يتطلب أن نبدأ من الآن ودون تسويف ما رفضنا لسنوات تعميمه في دولنا العربية، وأعني بذلك إقرار منهج دراسي للتربية الإعلامية، وفي القلب منه برنامج تعلمي للتربية على وسائل الإعلام الرقمية، يتم تنفيذه في المرحلة التعليمية المختلفة بما يتفق مع المراحل العمرية للطلاب. بدون هذه التربية لن نستطيع حماية أجيالنا الشابة من الآثار السلبية لتكنولوجيا الاتصال والمعلومات بوجه عام وتجنيبها مخاطر الشبكات الاجتماعية بوجه خاص. إذا أردنا تأمين مجتمعاتنا من السقوط في آبار المعلومات المضللة، فإنه من المهم أن نُعلم أبناءنا من الصغر الشك في كل معلومة يتلقونها عبر المنصات الرقمية، وكيفية التأكد من صحة المعلومات، واستخدام المصادر الأصلية للمعلومات، وعدم مشاركة المعلومات المشكوك في صحتها، وفحص مقاطع الفيديو والصور الحقيقية.
المصدر: لجريدة عمان
كلمات دلالية: المعلومات المضللة الأخبار الکاذبة نظریة المؤامرة
إقرأ أيضاً:
عينه ترامب وفصله بايدن.. من هو أول مسلم في الإدارة الأمريكية الجديدة؟
اختار الرئيس الأمريكي المنتخب دونالد ترامب، مقدم البرامج السابق وجراح القلب محمد أوز، لتولي إدارة مراكز الرعاية والخدمات الصحية في إدارته الجديدة.
ويرصد موقع "الفجر"، في سطور معلومات عن أول مسلم اختاره الرئيس الأمريكي المنتخب دونالد ترامب، في إدارته الجديدة.
نشأة الدكتور محمد أوز
ولد محمد جنكيز أوز، في عام 1960 لأسرة تركية مسلمة في مدينة كليفلاند بولاية أوهايو، وينتمي والده الذي يعمل جراحًا لمقاطعة قونية في تركيا، أما والدته فكانت من أصل شركسي ومن عائلة ثرية في إسطنبول.
يبلغ الدكتور أوز، من العمر 64 عامًا، ومتزوج من الكاتبة ليزا أوز ولديهما 4 أبناء.
وتلقى تعليمه في مدرسة تاور هيل في ولاية ديلاوير، وحصل على شهادة بكالوريوس في علم الأحياء بامتياز من جامعة هارفارد عام 1982، ثم حصل على الدكتوراه في الطب من كلية الطب بجامعة بنسلفانيا عام 1986.
كيف اشتهر أوز إعلاميًا؟
اشتهر الدكتور أوز إعلاميًا، في عام 2003 عندما حل ضيفًا على المذيعة الشهيرة أوبرا وينفري، ومنذ ذلك الحين أصبح ظهوره معتادًا على الشاشات الأمريكية.
وفي عام 2009، أطلق برنامجه الشهير "دكتور أوز شو"، الذي يركز على القضايا الصحية والطبية، واستمر عرضه لمدة 13 موسمًا.
الجوائز التي حصل عليها الدكتور أوز
حصل الدكتور أوز، على 9 جوائز إيمي، كما حصل على عدد من براءات الاختراع المتعلقة بجراحة القلب عام 2015.
محاولته لتمثيل ولاية بنسلفانيا في مجلس الشيوخ
خاض الدكتور أوز، غمار محاولة فاشلة عام 2022 لتمثيل ولاية بنسلفانيا في مجلس الشيوخ، بدعم جمهوري من ترامب نفسه وخسر في الانتخابات.
عينه ترامب وفصله بايدن
في عام 2018عينه دونالد ترامب في مجلس الرئيس للرياضة واللياقة والتغذية، ثم فصلته إدارة الرئيس الحالي جو بايدن.
ماذا قال عنه ترامب؟
قال الرئيس الأمريكي المنتخب دونالد ترامب، في بيان: "سيكون الدكتور أوز قائدا في تحفيز الوقاية من الأمراض، حتى نحصل على أفضل النتائج في العالم مقابل كل دولار ننفقه على الرعاية الصحية في بلدنا العظيم".
وأضاف ترامب: "سيعمل أيضا على الحد من الهدر والاحتيال داخل أغلى وكالة حكومية في بلدنا، والتي تمثل ثلث إنفاق أمتنا على الرعاية الصحية، وربع ميزانيتنا الوطنية بالكامل".