لجريدة عمان:
2025-11-14@11:48:06 GMT

العنف السياسي ليس غريبا على أمريكا

تاريخ النشر: 16th, July 2024 GMT

ماثيو داليك وروبرت داليك

في يوم السبت الماضي، وبعد ساعات من محاولة اغتيال الرئيس السابق دونالد ترامب ببندقية هجومية من طراز (آيه آر 15)، ردَّد الرئيس بايدن تعليقا مكرورا ومألوفا إذ أكَّد للشعب أن الولايات المتحدة تحل خلافاتها سلميا، وأن العنف السياسي أمر غير أمريكي وبغيض، مضيفا قوله: «لا يمكن أن نسمح بحدوث هذا.

ففكرة وجود عنف سياسي أو عنف بالمطلق في أمريكا على هذا النحو أمر لم نسمع به من قبل».

والأمريكيون ينقلون السلطة سلميا من حزب إلى آخر في أغلب الأحيان، وأغلب الانتخابات لديهم نزيهة وخالية من وصمة إراقة الدماء. ولكن الهجوم على ترامب يرد في قائمة من المحاولات الشائعة إلى حد ما لاغتيال الرؤساء - وهي أعمال مستوطنة في الثقافة السياسية وجزء من تراث بديل هو تراث العنف السياسي. ويتناقض هذا التراث مع إيمان أسطوري لدى نطاق عريض من الأمريكيين بنظام سياسي يتجنب الرصاص ويتبنى التصويت.

يمثل الرؤساء والرؤساء السابقون أعضاء في أحد أكثر الأندية حميمية على وجه الأرض، وهم بصفة شبه دائمة يصفون العنف السياسي وبخاصة ما يتعلق بهجمات على أحدهم باعتباره استثناء غير طبيعي في النظام السياسي السلمي. فبعد أن حاول القوميون في بورتوريكو اغتيال الرئيس هاري ترومان في عام 1950، كتب الرئيس السابق هربرت هوفر للرئيس ترومان أن «الاغتيال ليس جزءا من أسلوب الحياة الأمريكي».

وردَّد رونالد ريجان هذه النقطة بعد وقت قصير من رصاصة كادت تقتله في عام 1981. إذ أعلن أن موقف الأمريكيين المشجع على النداء القريب «كان بمنزلة رد على تلك الأصوات القليلة التي ارتفعت قائلة إن ما حدث دليل على أننا مجتمع مريض».

«فالمجتمعات المريضة» كما قال ريجان «لا تنتج شبابا مثل عميل الخدمة السرية تيم مكارثي، الذي حال بجسده بيني وبين الرجل الذي يحمل السلاح لمجرد أنه شعر أن هذا هو ما يفرضه عليه الواجب... والمجتمعات المريضة لا تجعل أمثالنا عظيمي الفخر بكونهم أمريكيين وعظيمي الفخر ببعضنا بعضا».

يجدر بنا، في هذه اللحظة الراهنة، أن نتريث لنتذكر أنه، خلافا لتأكيد الرئيس هوفر، فإن محاولات الاغتيال تمثل إلى حد كبير «جزءا من أسلوب الحياة الأمريكي». فمن الرجال الخمسة والأربعين الذين تولوا منصب الرئيس في تاريخ الولايات المتحدة، تعرض أربعة للقتل. وفي القرن العشرين وحده، وقع ما لا يقل عن ست محاولات فاشلة خطيرة لاغتيال رؤساء وواحدة لاغتيال رئيس سابق. وإذن فإن ما لا يقل عن رُبع الرؤساء لقوا مصرعهم أو أوشكوا على ملاقاته على يد قاتل.

أما بالنسبة للخبراء الذين يتنبأون بأن تكون محاولة الاغتيال التي وقعت نهاية هذا الأسبوع بمثابة انتصار سياسي لترامب، فنقول لهم إنه لم ينشأ عن جميع محاولات الاغتيال هذه، التعاطف الذي كان يمكن أن نتوقعه من الشعب.

لقد تعرض ثلاثة رؤساء للاغتيال في الفترة من عام 1865 إلى عام 1901، ويمكن القول إن القرن العشرين كان أسوأ من ذلك فيما يتعلق بالعنف السياسي. فقد اغتيل جون كينيدي. وأصابت رصاصة الرئيس السابق تيدي روزفلت في صدره عندما كان يترشح لمنصب الرئيس عن حزب ثالث في عام 1912. (وقد استمر الرئيس روزفلت في الحديث لأكثر من ساعة وهو ينزف). وكان الرئيس المنتخب هربرت هوفر هدفا لمؤامرة في أمريكا اللاتينية لتفجير قطار كان يستقله، لكن السلطات أحبطتها في اللحظة الأخيرة. وأطلق عامل مهاجر إيطالي مناهض للنخبة الرصاص على خمسة أشخاص في ميامي، مما أسفر عن مقتل أنطون سيرماك عمدة شيكاغو، ولكن القاتل أخطأ هدفه المتمثل في الرئيس المنتخب فرانكلين روزفلت. وكان الرؤساء ترومان وريتشارد نيكسون وجيرالد فورد، وريجان جميعا أهدافا لمحاولات اغتيال.

تاريخيا، كان العديد من السياسيين يلقون اللوم في هذه الهجمات على المرض العقلي. ويذهبون إلى أن الفرد المريض، الذي يتصرف منفردا، مع سهولة حصوله على الأسلحة النارية، ليس بالممثل لمجتمع سليم. ومع ذلك، بقيت ظلت الولايات المتحدة منفردة باعتبارها الدولة الأكثر عنفا على المستوى السياسي بين جميع البلاد الديمقراطية الصناعية. فقد قضى جميع رؤساء وزراء كندا في القرن العشرين فترات ولايتهم ولم يتعرض أي منهم لإطلاق النار. ومنذ تأسيس اليابان باعتبارها دولة ديمقراطية برلمانية كاملة في أعقاب الحرب العالمية الثانية، لم يتعرض للاغتيال إلا رئيس وزراء واحد فقط، وهو شينزو آبي، بعد أن ترك منصبه، بينما كان يلقي خطابا لدعم مرشح لمجلس الشيوخ الياباني. وبرغم أن رئيسة الوزراء مارجريت تاتشر نجت من محاولة تفجير نفذها الجيش الجمهوري الأيرلندي في عام 1984، فإن بريطانيا لم تفقد غير رئيس وزراء واحد فقط في حادث اغتيال، وقد حدث ذلك في عام 1812. ومنذ إنشاء جمهورية ألمانيا الاتحادية في عام 1949، لم يتعرض للاغتيال أي مستشار فيها. وإذن، ففي جميع الديمقراطيات الكبرى، عندما يتعلق الأمر بمحاولات اغتيال رؤساء الدول، تمثل الولايات المتحدة الرائدة في هذه المجموعة.

بعد تعرض الرئيس ترومان للهجوم، تساءل بعض المراسلين إذا ما كانت النوايا الحسنة سوف تنصب بحيث تعزز حظوظ حزبه في انتخابات التجديد النصفي لعام 1950. فكتب آرثر كروك، كاتب العمود البارز في صحيفة نيويورك تايمز، عن استقبال الرئيس ترومان في اجتماع حاشد في سانت لويس حيث كان يلقي خطابا انتخابيا أخيرا «أن محاولة اغتيال الرئيس ترومان هذا الأسبوع ستحول الاستقبال الحماسي الذي يمكنه أن يعتمد عليه دائما إلى انتصار». كتب كروك يقول «إن الجمهور عندما يراه سوف يكون مدركا تماما للخطر الذي نجا منه، وكيف أنه قيَّم ذلك الخطر بهدوء عقلي وشجاعة». وبعد أيام قليلة، تلقى الديمقراطيون هزيمة نكراء.

أما تيدي روزفلت فقد عززت نجاته من الاغتيال سمعته بوصفه حصنا للقوة، لكنه ندد بالصحافة واعتبرها السبب في كراهية مهاجمه له إذ أوردت صحيفة أنه «يلقي اللوم في الاغتيال على الصحف الهمجية». وخسر تيدي روزفلت محاولته للوصول إلى البيت الأبيض في ذلك العام.

ولم يحظ فورد قط بالكثير من الدعم السياسي، برغم محاولتين استهدفتا حياته. وكاد أن يخسر ترشيح الحزب الجمهوري أمام ريجان، قبل أن يخسر فرصة إعادة انتخابه أمام جيمي كارتر بعد أكثر من عام من تعرضه للقتل.

أما حالة الرئيس ريجان فهي الاستثناء لا القاعدة. فقد استخدم ـ وهو الماهر في صناعة صورالواجهة اللامعة ـ نجاته وتعافيه بعد بضعة أشهر في منصبه، لطرح قضية التعافي الاقتصادي من خلال السياسات الاقتصادية المحافظة التي اتبعها.

وقد أثارت حادثة محاولة الاغتيال التي وقعت يوم السبت الماضي في ولاية بنسلفانيا تعاطفا مع ترامب بين المؤمنين بـ«إعادة عظمة أمريكا من جديد» ولعلها أثارت شيئا من التعاطف المؤقت حتى بين منتقديه. لكن الهجوم أيضا قد يذكِّر بعض الأمريكيين على الأقل بدوره كعامل للفوضى والعنف، خاصة في السادس من يناير 2021.

ولعل الأثر الوحيد المحتمل للهجوم على الرئيس الخامس والأربعين هو أن يؤدي إلى تسريع انقسام البلد، وتعميق الصدوع فيما بيننا. فبينما كان جهاز الخدمة السرية يرافق ترامب خارج المسرح، والدماء تسيل من أذنه، ذكر لأتباعه كلمة «القتال».

ماثيو داليك مؤرخ وأستاذ الإدارة السياسية في كلية الدراسات المهنية بجامعة جورج واشنطن.

روبرت داليك هو مؤرخ رئاسي ومؤلف كتاب «حياة مبتورة: جون كينيدي، 1917-1963». وهما يعملان على كتاب حول محاولات الاغتيال الرئاسية الفاشلة والعنف السياسي في القرن العشرين.

خدمة نيويورك تايمز

المصدر: لجريدة عمان

كلمات دلالية: الولایات المتحدة العنف السیاسی القرن العشرین فی عام

إقرأ أيضاً:

ما مستقبل هانيبال القذافي السياسي والاجتماعي بعد الإفراج عنه؟

طرح قرار القضاء اللبناني الإفراج عن "هانيبال" نجل العقيد الليبي الراحل، معمر القذافي وإلغاء منعه من السفر بعض الأسئلة عن مستقبل نجل القذافي السياسي ووجهته القادمة، وما إذا كان سيعود إلى ليبيا ويمارس نشاطا سياسيا أو يختار اللجوء خارج البلاد.

وبعد تخفيض الكفالة من قبل القضاء العدلي في لبنان ودفعها من قبل الحكومة الليبية برئاسة الدبيبة تم إطلاق سراح هانيبال القذافي رسميا، كما قرر القضاء هناك إلغاء منعه من السفر.

وتواردت أنباء أن رئاسة الجمهورية اللبنانية طلبت من هانيبال القذافي التعهّد كتابيا لدى كاتب العدل بعدم رفع أي دعوى قضائية ضد لبنان، خاصة في جنيف، وذلك كشرط أخير قبل استكمال إجراءات الإفراج عنه، وفق تقرير لقناة "إم تي في" اللبنانية.

وأوضحت القناة أن هذا الإجراء مثّل الخطوة النهائية ضمن سلسلة الإجراءات القانونية والإدارية التي سبقت قرار الإفراج، في إطار تسوية ملف نجل القذافي المستمر منذ سنوات.

والسؤال: هل يلتزم هانيبال بالتعهد المكتوب أم يقاضي لبنان؟ وما وجهته القادمة ومستقبله السياسي؟


من جهته، قال عضو اللجنة السياسية بمجلس الدولة الليبي، أحمد همومة إنه "لا مستقبل سياسي لأي من أبناء القذافي في ليبيا إلا بعد استيفاء حقوق الليبيين منهم وذلك بخضوعهم للعدالة في ليبيا، فمن كان منهم بريئا له ما لليبيين وعليه ما على الليبيين ومن كان منهم مذنبا فالعدالة له بالمرصاد".



وأشار في تصريحات لـ"عربي21" إلى أنه "يعتقد أن نجل القذافي سيتوجه إلى مكان لاتطاله فيه يد العدالة الليبية ولا دولة أخرى تستطيع أن تطلبه في تلك الدولة، وبما أن توقيفه في لبنان كان على خلفية سياسية وأن العدالة في لبنان لاتطلبه، سوف يوكل محاميه رفع دعوى قضائية ضد الحكومة اللبنانية للتعويض عن سنوات سجنه دون إتهام صريح ولا محاكمة"، وفق تقديراته.

اتجاه صوب أفريقيا

في حين رأى الأكاديمي الليبي، فرج دردور أن "هانيبال لن يكون له دورا سياسيا كونه لم يمارس السياسة أيام حكم والده، أما وجهته القادمة فلم يفصح عنها، ولكن يرجح أن تكون دولة جنوب إفريقيا، التي دعته للإقامة فيها نظرا للعلاقة التاريخية التي تربطها بالقذافي، وقد استبعد محاميه عودته إلى ليبيا لأسباب أمنية".

وأوضح في تصريح لـ"عربي21" أن "اشتراط الدولة اللبنانية بتعهد عدم رفع دعوة قضائية ضدها، فلا قيمة لهذا التعهد لأنه لا يحجر على هانيبال المطالبة بحقوقه إذا أراد، كون التعهد وقعه مشروطا تحت الضغط، ولا أعلم ما إذا كان سيلتزم بالتعهد أم سيتجاوزه ويقدم دعوى ضد لبنان"، كما رأى.



الإعلامي الليبي، عاطف الأطرش قال من جانبه إن "مستقبل هانيبال السياسي سيكون مستقبلا غامضا، فمن غير المرجح أن يلعب دورا قياديا داخل ليبيا في ظل الانقسامات الحادة ووجود شخصيات أقوى مثل شقيقه سيف القذافي، لكنه قد يقدم دعما محدودا له في حال عاد إلى ليبيا".

وأضاف: "تشير المعطيات إلى أنه قد يفضل الإقامة خارج ليبيا مؤقتا لإعادة ترتيب وضعه الشخصي والاجتماعي بعد سنوات السجن الطويلة مع احتمالات وجهته بين دول عربية مثل تونس أو الإمارات أو أوروبية مثل سويسرا، أما فيما يتعلق بالتعهّد القضائي فمن المرجح أن يلتزم به مبدئيا لتسهيل خروجه من لبنان على أن يتوجه لاحقا نحو إمكانية رفع دعوى رمزية بعد استقرار أوضاعه"، حسب تصريحات لـ"عربي21".

مقالات مشابهة

  • قاض أميركي متقاعد: 6 قواعد دكتاتورية تكشف منهج ترامب السياسي
  • 13 عامًا على اغتيال القائد الجعبري ومعركة "حجارة السجيل"
  • 13 عامًا على اغتيال الجعبري ومعركة "حجارة السجيل"
  • المليون الذي غيّر المشهد.. كيف قلب تحدي نيجيرفان بارزاني خريطة الأصوات في العراق
  • الرئيس الإسرائيلي: عنف المستوطنين ضد الفلسطينيين تجاوز “الخط الأحمر”
  • مصر.. اغتيال مهندس نووي في الإسكندرية ب13 طلقة!
  • بعد هجوم المستوطنين.. الرئيس الإسرائيلي يدعو لوقف العنف ضد الفلسطينيين
  • من هو حاتم عزّام الذي عيّنته إسرائيل نائباً لرئيس مصلحة السجون؟
  • ما مستقبل هانيبال القذافي السياسي والاجتماعي بعد الإفراج عنه؟
  • الإمارات تدين التفجير الذي وقع وسط نيودلهي