لجريدة عمان:
2024-08-25@13:31:04 GMT

العنف السياسي ليس غريبا على أمريكا

تاريخ النشر: 16th, July 2024 GMT

ماثيو داليك وروبرت داليك

في يوم السبت الماضي، وبعد ساعات من محاولة اغتيال الرئيس السابق دونالد ترامب ببندقية هجومية من طراز (آيه آر 15)، ردَّد الرئيس بايدن تعليقا مكرورا ومألوفا إذ أكَّد للشعب أن الولايات المتحدة تحل خلافاتها سلميا، وأن العنف السياسي أمر غير أمريكي وبغيض، مضيفا قوله: «لا يمكن أن نسمح بحدوث هذا.

ففكرة وجود عنف سياسي أو عنف بالمطلق في أمريكا على هذا النحو أمر لم نسمع به من قبل».

والأمريكيون ينقلون السلطة سلميا من حزب إلى آخر في أغلب الأحيان، وأغلب الانتخابات لديهم نزيهة وخالية من وصمة إراقة الدماء. ولكن الهجوم على ترامب يرد في قائمة من المحاولات الشائعة إلى حد ما لاغتيال الرؤساء - وهي أعمال مستوطنة في الثقافة السياسية وجزء من تراث بديل هو تراث العنف السياسي. ويتناقض هذا التراث مع إيمان أسطوري لدى نطاق عريض من الأمريكيين بنظام سياسي يتجنب الرصاص ويتبنى التصويت.

يمثل الرؤساء والرؤساء السابقون أعضاء في أحد أكثر الأندية حميمية على وجه الأرض، وهم بصفة شبه دائمة يصفون العنف السياسي وبخاصة ما يتعلق بهجمات على أحدهم باعتباره استثناء غير طبيعي في النظام السياسي السلمي. فبعد أن حاول القوميون في بورتوريكو اغتيال الرئيس هاري ترومان في عام 1950، كتب الرئيس السابق هربرت هوفر للرئيس ترومان أن «الاغتيال ليس جزءا من أسلوب الحياة الأمريكي».

وردَّد رونالد ريجان هذه النقطة بعد وقت قصير من رصاصة كادت تقتله في عام 1981. إذ أعلن أن موقف الأمريكيين المشجع على النداء القريب «كان بمنزلة رد على تلك الأصوات القليلة التي ارتفعت قائلة إن ما حدث دليل على أننا مجتمع مريض».

«فالمجتمعات المريضة» كما قال ريجان «لا تنتج شبابا مثل عميل الخدمة السرية تيم مكارثي، الذي حال بجسده بيني وبين الرجل الذي يحمل السلاح لمجرد أنه شعر أن هذا هو ما يفرضه عليه الواجب... والمجتمعات المريضة لا تجعل أمثالنا عظيمي الفخر بكونهم أمريكيين وعظيمي الفخر ببعضنا بعضا».

يجدر بنا، في هذه اللحظة الراهنة، أن نتريث لنتذكر أنه، خلافا لتأكيد الرئيس هوفر، فإن محاولات الاغتيال تمثل إلى حد كبير «جزءا من أسلوب الحياة الأمريكي». فمن الرجال الخمسة والأربعين الذين تولوا منصب الرئيس في تاريخ الولايات المتحدة، تعرض أربعة للقتل. وفي القرن العشرين وحده، وقع ما لا يقل عن ست محاولات فاشلة خطيرة لاغتيال رؤساء وواحدة لاغتيال رئيس سابق. وإذن فإن ما لا يقل عن رُبع الرؤساء لقوا مصرعهم أو أوشكوا على ملاقاته على يد قاتل.

أما بالنسبة للخبراء الذين يتنبأون بأن تكون محاولة الاغتيال التي وقعت نهاية هذا الأسبوع بمثابة انتصار سياسي لترامب، فنقول لهم إنه لم ينشأ عن جميع محاولات الاغتيال هذه، التعاطف الذي كان يمكن أن نتوقعه من الشعب.

لقد تعرض ثلاثة رؤساء للاغتيال في الفترة من عام 1865 إلى عام 1901، ويمكن القول إن القرن العشرين كان أسوأ من ذلك فيما يتعلق بالعنف السياسي. فقد اغتيل جون كينيدي. وأصابت رصاصة الرئيس السابق تيدي روزفلت في صدره عندما كان يترشح لمنصب الرئيس عن حزب ثالث في عام 1912. (وقد استمر الرئيس روزفلت في الحديث لأكثر من ساعة وهو ينزف). وكان الرئيس المنتخب هربرت هوفر هدفا لمؤامرة في أمريكا اللاتينية لتفجير قطار كان يستقله، لكن السلطات أحبطتها في اللحظة الأخيرة. وأطلق عامل مهاجر إيطالي مناهض للنخبة الرصاص على خمسة أشخاص في ميامي، مما أسفر عن مقتل أنطون سيرماك عمدة شيكاغو، ولكن القاتل أخطأ هدفه المتمثل في الرئيس المنتخب فرانكلين روزفلت. وكان الرؤساء ترومان وريتشارد نيكسون وجيرالد فورد، وريجان جميعا أهدافا لمحاولات اغتيال.

تاريخيا، كان العديد من السياسيين يلقون اللوم في هذه الهجمات على المرض العقلي. ويذهبون إلى أن الفرد المريض، الذي يتصرف منفردا، مع سهولة حصوله على الأسلحة النارية، ليس بالممثل لمجتمع سليم. ومع ذلك، بقيت ظلت الولايات المتحدة منفردة باعتبارها الدولة الأكثر عنفا على المستوى السياسي بين جميع البلاد الديمقراطية الصناعية. فقد قضى جميع رؤساء وزراء كندا في القرن العشرين فترات ولايتهم ولم يتعرض أي منهم لإطلاق النار. ومنذ تأسيس اليابان باعتبارها دولة ديمقراطية برلمانية كاملة في أعقاب الحرب العالمية الثانية، لم يتعرض للاغتيال إلا رئيس وزراء واحد فقط، وهو شينزو آبي، بعد أن ترك منصبه، بينما كان يلقي خطابا لدعم مرشح لمجلس الشيوخ الياباني. وبرغم أن رئيسة الوزراء مارجريت تاتشر نجت من محاولة تفجير نفذها الجيش الجمهوري الأيرلندي في عام 1984، فإن بريطانيا لم تفقد غير رئيس وزراء واحد فقط في حادث اغتيال، وقد حدث ذلك في عام 1812. ومنذ إنشاء جمهورية ألمانيا الاتحادية في عام 1949، لم يتعرض للاغتيال أي مستشار فيها. وإذن، ففي جميع الديمقراطيات الكبرى، عندما يتعلق الأمر بمحاولات اغتيال رؤساء الدول، تمثل الولايات المتحدة الرائدة في هذه المجموعة.

بعد تعرض الرئيس ترومان للهجوم، تساءل بعض المراسلين إذا ما كانت النوايا الحسنة سوف تنصب بحيث تعزز حظوظ حزبه في انتخابات التجديد النصفي لعام 1950. فكتب آرثر كروك، كاتب العمود البارز في صحيفة نيويورك تايمز، عن استقبال الرئيس ترومان في اجتماع حاشد في سانت لويس حيث كان يلقي خطابا انتخابيا أخيرا «أن محاولة اغتيال الرئيس ترومان هذا الأسبوع ستحول الاستقبال الحماسي الذي يمكنه أن يعتمد عليه دائما إلى انتصار». كتب كروك يقول «إن الجمهور عندما يراه سوف يكون مدركا تماما للخطر الذي نجا منه، وكيف أنه قيَّم ذلك الخطر بهدوء عقلي وشجاعة». وبعد أيام قليلة، تلقى الديمقراطيون هزيمة نكراء.

أما تيدي روزفلت فقد عززت نجاته من الاغتيال سمعته بوصفه حصنا للقوة، لكنه ندد بالصحافة واعتبرها السبب في كراهية مهاجمه له إذ أوردت صحيفة أنه «يلقي اللوم في الاغتيال على الصحف الهمجية». وخسر تيدي روزفلت محاولته للوصول إلى البيت الأبيض في ذلك العام.

ولم يحظ فورد قط بالكثير من الدعم السياسي، برغم محاولتين استهدفتا حياته. وكاد أن يخسر ترشيح الحزب الجمهوري أمام ريجان، قبل أن يخسر فرصة إعادة انتخابه أمام جيمي كارتر بعد أكثر من عام من تعرضه للقتل.

أما حالة الرئيس ريجان فهي الاستثناء لا القاعدة. فقد استخدم ـ وهو الماهر في صناعة صورالواجهة اللامعة ـ نجاته وتعافيه بعد بضعة أشهر في منصبه، لطرح قضية التعافي الاقتصادي من خلال السياسات الاقتصادية المحافظة التي اتبعها.

وقد أثارت حادثة محاولة الاغتيال التي وقعت يوم السبت الماضي في ولاية بنسلفانيا تعاطفا مع ترامب بين المؤمنين بـ«إعادة عظمة أمريكا من جديد» ولعلها أثارت شيئا من التعاطف المؤقت حتى بين منتقديه. لكن الهجوم أيضا قد يذكِّر بعض الأمريكيين على الأقل بدوره كعامل للفوضى والعنف، خاصة في السادس من يناير 2021.

ولعل الأثر الوحيد المحتمل للهجوم على الرئيس الخامس والأربعين هو أن يؤدي إلى تسريع انقسام البلد، وتعميق الصدوع فيما بيننا. فبينما كان جهاز الخدمة السرية يرافق ترامب خارج المسرح، والدماء تسيل من أذنه، ذكر لأتباعه كلمة «القتال».

ماثيو داليك مؤرخ وأستاذ الإدارة السياسية في كلية الدراسات المهنية بجامعة جورج واشنطن.

روبرت داليك هو مؤرخ رئاسي ومؤلف كتاب «حياة مبتورة: جون كينيدي، 1917-1963». وهما يعملان على كتاب حول محاولات الاغتيال الرئاسية الفاشلة والعنف السياسي في القرن العشرين.

خدمة نيويورك تايمز

المصدر: لجريدة عمان

كلمات دلالية: الولایات المتحدة العنف السیاسی القرن العشرین فی عام

إقرأ أيضاً:

خوفا من الاغتيال مجددا.. ترامب يحتمي خلف الزجاج المضاد للرصاص

   

للمرة الأولى منذ محاولة اغتياله في بتلر بولاية بنسلفانيا الشهر الماضي

ظهر الرئيس الأمريكي السابق والمرشح الجمهوري لانتخابات الرئاسة دونالد ترامب في تجمع بالهواء الطلق، لكن بإجراء خاص لحمايته. 

فالرئيس السابق الذي اعتاد عقد اجتماعات حاشدة في الهواء الطلق، استسلم لتوصيات جهاز الخدمة السرية وظهر في تجمع انتخابي في أشبورو بولاية نورث كارولينا خلف زجاج مضاد للرصاص، بحسب موقع «أكسيوس» الأمريكي. 

وكان جهاز الخدمة السرية الأمريكي قد أعرب في بداية الحملة الانتخابية عن قلقه بشأن قيام المرشح الجمهوري بعقد تجمعات تضم حشودا كبيرة ونصح بعدم القيام بذلك في بعض الحالات. 

والأسبوع الماضي، كشفت شبكة «ايه بي سي نيوز» للمرة الأولى عن إصدار جهاز الخدمة السرية توصية بحماية الرئيس السابق بزجاج مضاد للرصاص مع استئناف عقد التجمعات في الهواء الطلق.

هجوم «شرس»

وخلال التجمع الذي افتتحه المرشح الجمهوري لمنصب نائب الرئيس وسيناتور أوهايو جي دي فانس شن ترامب هجوما شرسا على منافسته الديمقراطية كامالا هاريس نائبة الرئيس الأمريكي.

وانتقد ترامب نائبة الرئيس وسعى إلى ربطها بانسحاب القوات الأمريكية من أفغانستان والحروب في أوكرانيا والشرق الأوسط. 

كما فتح المرشح الجمهوري النار على الرئيس الأسبق باراك أوباما، الذي وصفه بأنه "شرير" كما انتقد زوجته السيدة الأولى السابقة ميشيل أوباما، ردا على هجومهما على ترامب في خطابيهما بالمؤتمر الوطني للحزب الديمقراطي أمس الأول. 

وفي خطابه تناول ترامب أيضا مخاوف بعض الجمهوريين، الذين سبق وطالبوه بالالتزام بالسياسة بدلاً من استهداف هاريس بسبب ذكائها وهويتها العرقية ومظهرها وعوامل شخصية أخرى، خوفا من أن يؤدي ذلك إلى تنفير كتل التصويت الرئيسية.

وسأل ترامب أنصاره، قائلا: "هل يجب أن أتحدث عن أمور شخصية أم لا؟" وانطلقت الهتافات المؤيدة لاستراتيجية الرئيس السابق. 

ثم قال ترامب مازحًا إنه "فصل" مستشاره وأضاف "نفضل أن نستمر في الحديث عن السياسة.. لكن في بعض الأحيان يكون الأمر صعبًا عندما تتعرض للهجوم من جميع الجهات"

 

مقالات مشابهة

  • حال إعادة انتخابه… ترمب يتعهد بنشر وثائق عن اغتيال جون كينيدي
  • عبد المنعم سعيد: إسرائيل كانت تتوقع ردا إيرانيا عنيفا على اغتيال هنية
  • ترامب يتعهد بنشر وثائق عن اغتيال جون كينيدي حال فاز بالانتخابات المقبلة
  • محادثة الرئيس والمرشد.. لماذا لم ترد إيران على اغتيال هنية؟
  • إيران تكشف تفاصيل جديدة بشأن اغتيال «هنية»
  • إيران تكشف تفاصيل جديدة بشأن عملية اغتيال إسماعيل هنية
  • نيويورك تايمز: غزة هي القضية الأكثر إثارة للانقسام بين الديمقراطيين
  • في حال عودته للبيت الأبيض.. ترامب يتعهد بنشر وثائق عن اغتيال جون كينيدي
  • ترامب: تشكيل لجنة للتحقيق في محاولة الاغتيال حال الفوز بالانتخابات
  • خوفا من الاغتيال مجددا.. ترامب يحتمي خلف الزجاج المضاد للرصاص