كذبة بيع الفلسطينيين لأرضهم ا/2
تاريخ النشر: 16th, July 2024 GMT
الفلسطينيون لم يفرطوا فى وطنهم، ولم يبيعوا أرضهم لليهود، والأعداء يذيعون دعايات كاذبة وأراجيف مضللة ضد الفلسطينيين.
اتهم بعض الناس أهل فلسطين، أن كثيرا منهم باعوا أراضيهم لليهود، وأن بعض البائعين حصل على عفو من بعض المنظمات الوطنية، لقاء دفع مبلغ من المال.
ويجيب عن هذا السؤال، الحاج أمين الحسينى، مفتى القدس (١٨٩٥-١٩٧٤) رحمه الله تعالى، من خلال جزء من مقالته التى تحتوى على ٥٤ صفحة، ونشرت فى مجلة الأزهر الغراء فى عدد يوليو ٢٠١٥، وكان الرد كالتالي:
«كانت فلسطين قبل حرب عام ١٩١٤ جزءاً من الدولة العثمانية، وهى رقعة صغيرة من الأرض مساحتها نحو ستة وعشرين ألف كيلومتر مربع، فلما انهارت هذه الدولة فى نهاية الحرب العالمية الأولى، وقعت فلسطین بین مخالب الاستعمار البريطانى من ناحية وجشع اليهودية العالمية من ناحية أخرى، وظلت تتخبط بين هاتين القوتين العظيمتين وليس لها أى ساعد أو نصير، ولم يكن لدى أهلها من وسائل المقاومة والدفاع ما يستطيعون به دفع أذى أو رد عادية.
وبالرغم من ذلك قامت جماعة من أبناء فلسطين المخلصين، يبذلون جهودهم الضئيلة، وينظمون صفوفهم القليلة، ويؤلفون جبهة متواضعة أمام تلك القوى
الدولية العاتية. وبالرغم من عدم التكافؤ بين القوتين والجبهتين، فقد نشبت معركة هائلة طويلة المدى، لم تلن فيها لعرب فلسطين قناة، ولم تهن لهم عزيمة فى كل أدوار الكفاح والنضال.
لمدة ثلاثين عاماً حاول خلالها الاستعمار البريطانى، متآمراً مع اليهودية العالمية، بلوغ أغراضه ومقاصده فى فلسطين بالوسائل الآتية:
من الناحية السياسية.. لقد حاولوا أن يحملوا عرب فلسطين، على الخضوع والإذعان لخطتهم الغاشمة، والموافقة على سياسة إنشاء الوطن القومى اليهودى، فتوسلوا بجميع وسائل الإغراء السياسية والمالية، وأساليب الدهاء والخداع، لحملهم على الموافقة، وليتخذوا من موافقتهم حجة يبررون بها أمام العالم جريمتهم الفظيعة، فى تحويل هذه البلاد العربية المقدسة إلى وطن يهودى بعد إجلاء أهلها عنها، ويكسبون جريمتهم المنكرة صفة شرعية، ولكنهم فشلوا فى هذه المحاولة فشلاً تاماً.
من ناحية امتلاك الأراضي.. فلما سقط فى أيديهم، جعلوا أكبر همهم اشتراء أرض فلسطين بالمال، وامتلاك البلاد عمليا بهذه الوسيلة، فألقوا بمئات الملايين من الجنيهات، فارتفعت أسعار الأرض إلى عشرات الأضعاف، بل إلى مئاتها فى بعض الأحيان، ولكن عرب فلسطين صمدوا أمام هذه التجربة أيضاً، غير مبالين بالمال الذى لم يستطع أعداؤهم إغراءهم به، واحتفظوا بأراضيهم. وقد انتهى الانتداب البريطانى فى ١٥ مايو ١٩٤٨، ولم يستطع اليهود بالرغم مما حصلوا عليه من مساعدات وهبات وتسهيلات من حكومة الانتداب البريطانى، أن يمتلكوا إلا نحو سبعة فى المائة من مجموع أراضى فلسطين. وكانت خيبة آمالهم فى هذه الناحية لا تقل عن فشلهم فى محاولتهم الأولى السياسية.
من الناحية العسكرية.. ما انفك الإنجليز منذ احتلالهم فلسطين، يساعدون اليهود بمختلف الوسائل على التسلح والتدريب والتنظيم العسكرى، فى الوقت الذى كانوا يحرمون فيه جميع ذلك على عرب فلسطين، بل يحكمون بالإعدام على من يحوز أى نوع من السلاح أو العتاد، حتى إن وزير المستعمرات البريطانية مستر كريتش جونز، اعترف فى تصريح له فى مجلس العموم البريطانى، بأن الذين حكمت عليهم المحاكم العسكرية البريطانية بالإعدام شنقاً من العرب، لحيازتهم أسلحة أو ذخيرة كانوا حوالى (١٤٨) شخصاً، هذا عدا بضعة ألوف فتك فيهم الإنجليز خلال ثورات ١٩٣٦ - 1939.
وللحديث بقية
محافظ المنوفية الأسبق
المصدر: بوابة الوفد
إقرأ أيضاً:
كيف تمحو إسرائيل أحلام الفلسطينيين في المنطقة «ج»؟
في تلك اللحظة الفاصلة بين الليل والفجر، وبين الحلم والخراب، كانت أمّ كرم تعدّ خبز التنور في خيمتها المتواضعة في خربة حمصة الفوقا بالأغوار الشمالية، حين داهمتها الجرافات الإسرائيلية برفقة جنود مدججين بالعتاد. صرخت الأم قبل أن تنهار الخيمة على رؤوس أطفالها: «ما لحقت حتى ألمّ البطانيات... هدّوا كل شيء، حتى صاج الخبز اللي ورثته عن أمي».
كانت هذه ليست المرة الأولى، ولن تكون الأخيرة. ففي قلب المنطقة «ج»، التي تشكل أكثر من 60% من مساحة الضفة الغربية، يخوض الفلسطيني معركة بقاء يومية. لا تحميه القوانين، ولا تصله الكهرباء، ولا يسمح له ببناء جدار أو حفر بئر، في حين تزدهر المستوطنات على التلال، وتتكاثر مثل الطفيليات.
المنطقة «ج»: حيث تُهدم البيوت وتُحاصر الحياة
منذ توقيع اتفاق أوسلو، قُسّمت الضفة الغربية إلى ثلاث مناطق، وظلت المنطقة "ج" - الأكبر مساحة - تحت السيطرة الإسرائيلية الكاملة أمنيًا وإداريًا. تضم أكثر من 200 مستوطنة وبؤرة استيطانية، وتقطنها قرى فلسطينية مهمشة، محرومة من الحد الأدنى من البنية التحتية.
في هذا الفراغ القانوني، أصبحت الجرافة الإسرائيلية أداة تشريع، وأصبح الفلسطيني هدفًا دائمًا للمحو. كل شيء هنا مؤقت، هش، ينتظر أمر الهدم، أو حجارة مستوطن، أو اقتحامًا ليليًا يخلع أبواب المنازل وينثر سكانها في العراء.
فالهدف الإسرائيلي من هذه السياسات لا يخفى على أحد: فرض وقائع على الأرض تُمكّن من السيطرة الكاملة على المنطقة دون الحاجة إلى مفاوضات أو اتفاقيات، ودفع الفلسطينيين إلى اليأس والنزوح الذاتي البطيء، عبر خنق سبل العيش، وحرمانهم من الحق في البناء، والماء، والكهرباء، والتعليم. إنها سياسة استيطان توسعية تتستر بذرائع أمنية وقانونية زائفة، لكنها تسعى فعليًا إلى تفريغ الأرض من أصحابها، لتُعاد هندسة الجغرافيا والديموغرافيا بما يخدم مشروع الضم والهيمنة.
أقسى من الجندي: رعب المستوطن
في شرق نابلس، وتحديدًا في بيت دجن، كان أحمد صوافطة، سائق الجرافة الفلسطيني، يحاول تسوية قطعة أرض تعود لعائلة زراعية فقيرة، حين داهمتهم قوة من جيش الاحتلال الإسرائيلي وصادرت المعدّات.
يقول خلال حديثه لـ«عُمان»: «أنا لم أقوم ببناء مستوطنة، ولا اقوم بحفر نفق! أنا أعمل في عملي، قالي لي جنود الاحتلال: هذا نشاط غير مرخّص، مع أن الأرض لنا، فقام جنود الاحتلال بضرب شاب من كان يعمل معي، ووقع أرضًا من الضرب المبرح».
أما في عصيرة القبلية جنوب نابلس شمالي الضفة الغربية المحتلة، فكان المشهد أكثر رعبًا. المستوطنون لا يكتفون بسرقة الأرض، بل يهاجمون القرى نهارًا، تحت حماية جنود الاحتلال.
محمد عارف، شاب من القرية، يروي لـ«عُمان» مشهد الاقتحام الأخير: «دخلوا على القرية مثل قطيع مسعور، معهم سلاح وملثمين. رجموا البيوت بالحجارة، ضربوا الشجر، كسروا السيارات. حاولنا نصدهم، فهجم علينا جنود جيش الاحتلال، بدل ما يبعد عنا غلاة المستوطنين».
جبع: ذاكرة تهدمها الجرافات
في بلدة جبع الواقعة شمال مدينة القدس المحتلة، تقف الجرافة شاهدًا على جريمة جديدة. منزل عطا أمين العبيدي، المشيد منذ أربعين عامًا، تم تسويته بالأرض. لم تُمنح العائلة أي إخطار، ولم تُعطَ فرصة للاستئناف.
يقول عطا العبيدي لـ«عُمان»، وهو يضمد جراح ابنه الذي أُصيب أثناء الاقتحام: «12 نفر ساكنين في هذا البيت. صحونا على صريخ، دخلوا البيت بدون إذن، دفعونا، طخّوا ابني، وحجرونا، وبلشوا بالهدم. الدار راحت، كأنها ليست أربعين سنة تعب».
سامي توام، رئيس مجلس قروي جبع، يحاول أن يلملم ما تبقى من ذاكرة القرية: «هذا البيت من ثلاث طوابق، 200 متر، فيه بئر ماء وشجر عمره سنين. نحن لم نخسر بيت فقط، وإنما خسرنا تاريخ. للأسف، الاحتلال الإسرائيلي لم يهدم بيوت، ولكن يهدم مستقبل بلدة كاملة».
وأضاف بأسى: «من شهرين تقريبًا، فجأة ظهروا مستوطنين في سهل البلد، نصبوا خيام، وبدأوا يهاجموا الشجر والمزارعين. حاولنا بكل الطرق نمنعهم - اتصلنا بالارتباط الفلسطيني، والشرطة، وجهات أجنبية - ولكن بيرجعوا تاني يوم، أقوى».
الهدم بلا إنذار
وفي فجر آخر أكثر قسوة، اقتحمت قوات الاحتلال المنطقة بين بلدتي الرام وجبع، وهدمت منزلًا ومجموعة بركسات تأوي خمس عائلات فلسطينية.المنزل يعود للمواطن إبراهيم كعابنة، الذي يروي مشهد الطرد والهدم بذهول لا يزال في عينيه:«الساعة خمسة الفجر، سمعنا عراك كلامي. طلعوا علينا جيش الاحتلال، طلعونا من البيت حتى أواعينا ما قدرنا نأخذها، المبنى مشيد من 1988، معي عقد ملكية، وفيه ثلاث عائلات، وفيه مزرعة غنم فيها عائلتين. لكن ما سمعونا، ولا أعطونا مهلة، قالوا: تنفيذ أمر عسكري».
الاستيطان يزحف
ليس الهدم وحده ما ينهك الفلسطيني، بل اعتداءات المستوطنين اليومية. في قرى القدس، وخصوصًا في سهل جبع، سُجلت عشرات الهجمات في الأسابيع الأخيرة.
سامي توام يروي أن المستوطنين اقتلعوا مئات أشجار الزيتون، وهاجموا قطعان الأغنام، واعتدوا على الأهالي والمزارعين.
ويتابع : «كأنهم بيجربوا حدود صبرنا. كل يوم يأتون إلى هنا، كل مرة بخيمة جديدة. المستوطن عنده جيش محتل يحميه، ونحن لنا رب العالمين فقط».
يرى المحلل السياسي الفلسطيني عصمت منصور أن ما يحدث في المنطقة «ج» ليس سلسلة اعتداءات عشوائية، بل خطة مدروسة لتغيير الواقع الديمغرافي والجغرافي.
يقول: «إسرائيل تطبق سياسة (الضم الزاحف). لا تحتاج قانونًا لضم الضفة، بل تخلق وقائع على الأرض. تُطرد العائلات، تُسلب الأراضي، تُحاصر القرى، ويُغلق المجال للبناء والتنمية. وبهذا، تُفرغ المنطقة ج من سكانها الأصليين، وتُملأ بالمستوطنين».
ويضيف، في تصريح لـ«عُمان»: «الخطورة مش بس بالهدم، بل بكسر الروح. الفلسطيني لما يفقد البيت، الشجرة، الماء، حتى الظل، يبدأ يفكر بالرحيل. وإسرائيل تراهن على هذا التآكل البطيء».
وأشار إلى أن الاستيطان في المنطقة «ج» يجري وفق رؤية استراتيجية إسرائيلية تهدف إلى قطع التواصل الجغرافي بين المدن والبلدات الفلسطينية، وتحويل الضفة الغربية إلى جزر معزولة يسهل السيطرة عليها.
ويوضح: «هذا المشروع الاستيطاني يقتل الأمل الفلسطيني بدولة قابلة للحياة. لا يكفي أن نرصد أرقام البيوت المهدمة أو البؤر الجديدة، علينا أن ننتبه إلى ما هو أخطر: تقويض فكرة الوطن في ذهن الإنسان الفلسطيني، وقتل الأمل لديه إقامة الدولة الفلسطينية».
صوت الجرافة أعلى من النداء
في المنطقة «ج»، لا توجد خطوط تماس تقليدية، ولا حرب تُعلن رسميًا، لكن هناك ساحة مفتوحة للمحو المنهجي. كل حجر يُهدم، كل شجرة تُقطع، كل طفل يُفزع من نومه، هو جرح في جسد الأرض.
ما بين خربة حمصة، وجبع، وبيت دجن، والرام، يتكرّر المشهد، وتتشابه التفاصيل، ويطغى صوت الجرافة على صوت الأم وهي تبكي خبزها الذي احترق على صاجٍ مقلوب.
هنا، حيث تُسرق الذاكرة ويُقتل الأمل، يبقى الفلسطيني واقفًا، يبني من الطين مرة أخرى، ويعيد زرع الزيتونة، ولو في علبة سمن فارغة، ويقول: «إحنا هون... ولو ما ضل إلنا غير ظل الشجرة».