يتجه مجلس النواب لتغليظ وتشديد عقوبة البناء على الأراضى الزراعية، وجعلها جريمة مخلة بالشرف، توصم صاحبها مدى الحياة، ولا بد حتمًا أن يقابل القانون المغلظ المتشدد تيسير وسهولة فى تعدد طوابق البناء للمبنى دون النظر لسعة ومساحة الشارع فى عموم الريف، ويجب التخفيف من قيود الإجراءات الروتينية المعقدة الصارمة، لأن الحكومة يهمها فى المقام الأول الحصيلة المالية لزيادة مواردها، وإذا لم يسمح كل من البرلمان والحكومة بتعدد طوابق المبنى مهما تدنت وقلت مساحة الشارع، فسوف يصبح حتمًا قانون البناء على الأراضى الزراعية خيال مآتة، لا حول له ولا قوة، بل وسيتم الالتفاف حوله وتقويضه واقعيًا بحيل وألاعيب عديدة يعرفها ويجيدها رجال المحليات، فهى حرفتهم، بل ولعبتهم، أما التعامل بواقعية فى تعدد طوابق البناء للمبنى الواحد سوف يحد نهائيًا من الاعتداء اليومى على الأراضى الزراعية.
مجدى عباس عواجة
الجملة- العياط- الجيزة
المصدر: بوابة الوفد
إقرأ أيضاً:
الذبح: أو ربط الفضاء العام بذاكرة الدم
بقلم: محمد بدوي
القتل المتصاعد للمدنيين في الشارع من قبل الأطراف المتحاربة في السودان، وتصويرها ونشرها، وغالبا ما يسبق ذلك تصريحات محرضة على تلك الانتهاكات، ليس فعل انفعالي أو إنفلات من بعض المقاتلين، فالمراقب يرصد بأن الضحايا مدنيين كقاسم مشترك مع تعدد التصريحات حول الدوافع، ويظل المدنيين محور المعادلة التي تهدف إلي جعل الشارع العام منطقة محفوفة بالموت،والهدف من ذلك حسب تقديري زرع الخوف من ممارسة اي حياة عامة في الشارع العام بحرية ودون الشعور بالخوف والقهر، وهي استراتجية تسعي لفرض انساق سلوك محددة في الشارع العام مفادها تجريم ممارسة الحياة بحرية بما يشمل الحق في التعبير أو الاحتجاج، بالتالي فإن العنف المفرط الذي يمارس من قتل خارج نطاق القضاء سواء عن طريق الاصابة بالرصاص أو الذبح أو حرق الجثة تكشف بأن الهدف هو فصل الشارع كمان ودلالة من معادلة التغيير السياسي .
بالنظر الي الفاعلين من حيث الفئة نجدهم من تحت تصنيف الشباب، اي ذات الفئة أو الفئات التي تشكل قوان الجسارة والاقدام في الشارع العام، ولعل سجل الانتهاكات الموجهة نحو الشباب يمكن رصدها من حرب الجنوب، الاستهداف بالانخراط في صفوف المليشيات المختلفة من الشعبي إلي الأشكال المختلفة، استهدافهم بالانضمام الي صفوف المجموعات المتطرفة من داعش الي الاخري بليبيا والصومال ومالي، استهدافهم بالموت خلال احتجاجات ٢٠١٢، سبتمبر ٢٠١٣، الي ثورة ديسمبر٢٠١٨، ثم خلال فترة بعد انقلاب ٢٠٢١ الي الحرب الراهنة، المعادلة تشير إلي انهم الذين يصوبون السلاح الي ذات الفئة التي ينتمون إليها، بينما قد يبلغ متوسط عمر القادة السياسيين الذين يخضعون بحكم الانتماء السياسي أو العسكري لهم ال٥٥ عاما مجازا ، اي خارج تلك الفئة وهم بعيدون وامنون ومتمتعون بثروات ضخمة لم تفكر الفئة المقاتلة ومؤكد لن تجروا على ذلك لان مجرد البوح التفكير يعني أن ذاك الفرد خرج عن السيطرة من النسق المرسوم بدقة لدوره المحصور في ارتكاب القتل ومواجهته .
عقب سيطرة طرفي الحرب على اي مناطق سكنية تظهر انتهاكات تتعارض مع ما هو معلن من السيطرة ولعل هذه الانتهاكات هي الرسالة التي تشير إلي أن العودة للمساكن مشروطه بقطع اي علاقة بنشاط سلمي في الشارع العام، فالأتهام بالتعاون مع الطرف الآخر سواء بنقل المعلومات أو وضع الشرائح التي يعتمد عليها الطيران الحربي والمسير في تحديد القصف الذي في الراجح ليس عسكريا، إضافة إلي استخدام مرشدين للتعريف بالمستهدفين بالانتهاكات يقصد بها أن هنالك جهة تعطي الأذن بالتحرك وممارسة الحياة في الشارع العام معيارها مرتبط بتحقق القهر وفصم عري العلاقة، وهي ذات استرانجية حزم قوانيين النظام العام التي قصدت جعل الفضاء العام محكوم بخصوص تخضع لتفسير الجهة المنفذة دون مرجعية اخري.
بالنسبة لاشكال الانتهاكات فإنها ليست جديدة فقط تم استدعائها أمام كاميرات التصوير هذه المرة، ولعل ثقل سجل العنف ارتبط بغياب التخطيط الاجتماعي كدور تاسيسي خلال فترات الحكم المختلفة التي قطعت فترات نمو الديمقراطية فيها الانقلابات العسكرية وسوء إدارة الاقتصاد والسلطة بما قاد إلي حروب سياسية داخلية شفرتها لا تزال الفدرالية كنظام يتناسب مع التكوين التاريخي والاجتماعي والسياسي الذي تشكلت منه دولة ما بعد الاستقلال، وحل للأزمات الاقتصادية بالادوات العسكرية القمعية، فلم نمعن النظر بأن ظواهر النهب المسلح اعقبت فترات الجفاف القاسية، فاوغلنا في محاربتها عسكريا، مع غياب العدالة باشكالها المختلفة تاريخيا وكذلك ثقافة ومفهوم الاعتذار الرسمي من الحكومات بلا استثناء راجع من احترام الكرامة الانسانية من سياق القيم ومفهومها المتصل بين الدولة والفرد والتي تبدأ بحمايته وتوفير الخدمات له، إلي عسكرة حياته واصابته بالرصاص في حال المطالبة بما يستحقها وفقا للعلاقة الدستورية بين السلطة والشعب في سياق مفهوم الدولة والسيادة.
أن طرفي الحرب اسسوا استراتيجيات السيطرة على السلطة بمدخل فصل المدنيين من الشارع العام استنادا علي سجل العلاقة خلال ثورة ديسمبر٢٠١٨، فاللطراف تقاتل منذ أبريل ٢٠٢٣ لكنها حرب تري في الشارع الخطر الحقيقي لأنهم يمتلكون التمويل عبر الاستغلال للموارد لكن يعملون على كسر الضلع الأساسي الذي غاب ولا زال صوته ودوره غائبا منذ بدء الحرب وهم المدنيون.
أخيرا: لعل التاريخ الإنساني يدفع بنا لاعادة النظر في مجمل سجلنا لاستخلاص الدروس وتتبع الأسباب، فهذا الذبح والتمثيل بالرؤس استدعاء لتجربة داعش و إن أعاد الذاكرة إلي رأس غردون وتحرير الخرطوم " رغم اختلاف السياق" التي مضت ذكراها قبل ايام قلائل وإلي انتهاكات كتيرة امتدت في حقب مختلفة احتفينا ببعضها في مقررات الدراسة ودفعنا منها سجل اخر الي التواري خلف الحصانة السياسية قبل القانونية، فالراهن الذي جاء مصحوبا بالتدمير الواسع للمدن كانه يعيد التذكير بأن مناهج التحليل يجدر بها ربط الاجتماعي بالسياسي فالعنف ظل يبني في الذاكرة الفردية والجمعية وظللنا نهرب من ذلك بالتباهي بالقيم فاطراف الحرب ليسوا من محيط خارجي بل امتداد لذاكرة لعنتنا، وحاضر الاسلام السياسي في تجربة داعش ، لتظل الحرب فاصل من حروب دفنا أسبابها تحت الرماد لتحتفظ بنسقها واستدعاء إرثها كلما إشتعلت وكذلك استمرار الفشل في ادارة الدولة تاريخيا مع تراجع غياب التنسيق (لا اقول الاتحاد )حتي النسبي حول القضايا الوطنية الحاسمة، فاين تكمن المحنة !
badawi0050@gmail.com