مقتله يكشف مفاجأتين .. من هو براء قاطرجي؟
تاريخ النشر: 16th, July 2024 GMT
سرايا - قبل عام 2011 لم يكن اسم براء قاطرجي مع إخوته يتردد ضمن الأخبار والتطورات المتعلقة بمشهد سوريا الاقتصادي والأمني، لكن الأمر تغيّر شيئا فشيئا وبالتدريج، حتى صار يطلق عليهم لقب "رجال الأعمال" رغم أنهم كانوا يفتقدون أي أرضية أو أساس، على صعيد الثروة الطائلة والعقارات.
ولم يقتصر الصعود على حد اللقب فحسب، بل وصل إلى نقطة أصبح فيها "براء" وأخيه حسام "يلعبون بالأموال" من الشرق إلى الغرب وفقا للمصطلح المحلي في سوريا، واستنادا لـ"الإمبراطورية" مترامية الأطراف ومتنوعة القطاعات، التي أسسوها في السنوات الماضية.
تفوقت تلك الإمبراطورية في تفاصيلها عن تلك التي شيدها رامي مخلوف ابن خالة رئيس النظام السوري، بشار الأسد، كما يقول الباحث الاقتصادي السوري، كرم شعار، معتبرا أنها "الأكبر حاليا على الإطلاق".
واستعرض شعار سيناريوهين لمقتل براء يوم الاثنين "بضربة جوية إسرائيلية" قرب العاصمة دمشق، وأوضح أن "تصفيته سيكون لها أثر محدود على أعمال آل قاطرجي، لكون جميع الاستثمارات عائلية".
لكن، في حال كانت التصفية "بناءً على تعليمات من النظام السوري"، يمكن أن يكون ذلك مؤشرا على "بداية النهاية لأعمال العائلة ككل"، حسب الباحث الاقتصادي السوري، وهو مدير "مرصد الشبكات السياسية والاقتصادية".
ولم يصدر أي تعليق رسمي من جانب إسرائيل بشأن الضربة التي نسبت لها الاثنين، وأسفرت عن مقتل براء قاطرجي وأحد أفراد عائلته ويدعى أحمد عبد المعطي قاطرجي، بعد استهداف سيارتهم على طريق الصبورة، قرب دمشق.
ولم يتعاطَ النظام السوري رسميا مع الحادثة، لكن وسائل إعلام شبه رسمية مقربة منه نشرت الخبر، وربطت ملابسات الحادثة بضربة جوية نفذتها طائرة إسرائيلية، كما أطلقت على براء قاطرجي لقب "الشهيد".
وفي غضون ذلك نقلت صحيفة "فاينانشال تايمز"، الثلاثاء، عن مسؤول إسرائيلي قوله إن براء، أو كما يطلق عليه أيضا "محمد براء" كان له في السنوات الأخيرة صلات بمسؤولين كبار في جماعة "حزب الله اللبنانية" و"فيلق القدس" الإيراني.
وأضاف المسؤول، الذي طلب عدم كشف هويته، أن قاطرجي "كان جزءا من الحرس الثوري والمسؤول عن العمليات الخارجية للبلاد"، ومتهم بـ"تحويل مئات الملايين من الدولارات إلى حزب الله وفيلق القدس وجماعات أخرى".
ويشمل ما سبق، وفق حديث ذات المسؤول "تحويل ملايين الدولارات إلى حزب الله منذ اندلاع الحرب بين إسرائيل وحركة حماس الفلسطينية في أكتوبر"، مضيفا أن "اغتيال قاطرجي كان يهدف إلى منع آخرين من القيام بأنشطة مماثلة".
"وسيط بين داعش والأسد"
وكانت الضربة التي أودت بحياة قاطرجي مفاجئة لسببين، الأول أنها كانت "إسرائيلية"، كما نقلت وكالات، بينها رويترز، عن مصادر أمنية.
أما السبب الثاني فقد كشفت عن صلات هذا الرجل مع "حزب الله" و"فيلق القدس" التابع لـ"الحرس الثوري" الإيراني، التي سبق أن أشارت إليها السعودية ضمن إجراء صنفت بموجبه براء وأخيه حسام على قوائم الإرهاب.
الأخوان المذكوران، وهما في الأصل من مدينة الرقة التي أعلنها "داعش" عاصمة له، كانا قد برزا بعد اندلاع الحرب في سوريا، بعد عام 2011، وصعدا بسرعة، بعدما لعب دور الوسيط والمسّهل للتجارة غير المشروعة بالنفط بين الأسد و"داعش".
ومؤخرا دخلا على خط الوساطة بين نظام الأسد و"قوات سوريا الديمقراطية" (قسد)، حيث سهلا تمرير شحنات النفط برا، ولا تزال شركتهما تعمل على ذلك حتى الآن، بحسب مصادر محلية.
لم يكن النفط بين "داعش" والأسد القطاع الوحيد الذي تاجر به براء وأخيه حسام بين شرقي سوريا، حيث كان يسيطر داعش، وغربها.
وبالعودة إلى الوراء، كانت وكالة "رويترز" كشفت في عام 2016 أن عائلة قاطرجي اشترت مخزون صوامع الحبوب في دير الزور من تنظيم "داعش".
وعملت فيما بعد على شراء المحصول من المزارعين عبر تجار تابعين لها، بعدما أبرمت اتفاقا مع التنظيم، شمل نقل النفط إلى مناطق النظام، وتوريد بعض السلع والأغذية بواسطة شركة "قاطرجي للنقل"، وفق "رويترز".
"على قوائم العقوبات"
بين عامي 2018 و2020 فرضت الولايات المتحدة والمملكة المتحدة والاتحاد الأوروبي عقوبات على الأخوين قاطرجي (براء وحسام)، وبعض مصالحهما التجارية.
وجاء ذلك ردا على تجارتهما غير المشروعة في النفط، وتقديم الدعم لنظام الأسد، ودورهما في شحن أسلحة من العراق إلى سوريا.
وتقول "فاينانشال تايمز" في تقريرها، الثلاثاء، إن براء وأخيه كانا على مدى سنوات من الأعضاء البارزين في الدائرة الداخلية للأسد، وعملوا كواجهة لمصالح تجارية واقتصادية غير مشروعة تسيطر عليها عائلة الرئيس وتستفيد منها.
وقام الأخوان قاطرجي ببناء إمبراطورية تجارية مترامية الأطراف على مدى العقد الماضي، تشمل الأعمال المصرفية والبناء والخدمات اللوجستية والنقل وتجارة النفط غير المشروعة.
وعلى هذا الطريق، نجحا في كسب ود الأسد وزوجته أسماء، من خلال تمويل الميليشيات الموالية للنظام وغيرها من الجماعات المسلحة المدعومة من إيران.
ويوضح "المرصد السوري لحقوق الإنسان" أن براء قبل مقتله كان "مسؤولا عن تمويل المقاومة السورية لتحرير الجولان، وميليشيات لواء الباقر".
ويقول إنه كان يمول أيضا "ميليشيا محلية يبلغ تعدادها بالآلاف لحماية مصالحه وخدمة للنظام".
وهو صاحب أهم شركة مسؤولة عن توريدات النفط من مناطق سيطرة "قسد" نحو مناطق النظام.
"شركات ومشاريع كبيرة"
وبحسب بيانات رسمية، وإعلانات تنشرها عائلة قاطرجي بنفسها، يعتبر براء ركنا أساسيا في شركات عدة تتبع في معظمها لـ"مجموعة قاطرجي الدولية"، التي يتعدى عملها سوريا ليصل إلى لبنان.
وتتمحور نشاطات تلك الشركات بقطاع النفط والإنشاءات والإعلام والرياضة وتقديم الحراسة الأمنية، مرورا بالسياحة والإسمنت.
وعلى صفحاتهم الرسمية، دائما ما كان حسام وأخيه براء ينشرون صورا شخصية تجمعهم برئيس النظام السوري.
وكان ذلك مستندا على الدور الاقتصادي الذي لعبوه، والسياسي أيضا.
وبينما كان حسام عضوا في "مجلس الشعب السوري"، عيّن النظام السوري أخيه براء في سبتمبر 2018 ليصبح أحد الممثلين الخمسين للجنة الدستورية التي تقودها الأمم المتحدة.
ومن ناحية أخرى، كان لافتا قبل عامين الإعلان وإسدال الستار عن شركة "بي إس للخدمات النفطية"، ومقرها لبنان.
هذه الشركة كانت تتبع لـ"مجموعة قاطرجي الدولية"، وسمح لمحطات الوقود التابعة لها باستيراد النفط الخام وتكريره في بانياس وحمص، مقابل أجور مالية تُدفع للحكومة.
ومنحت مقابل ذلك الحق ببيع المشتقات النفطية الناجمة عن التكرير في السوق المحلية أو تصديرها.
المصدر: وكالة أنباء سرايا الإخبارية
كلمات دلالية: النظام السوری حزب الله
إقرأ أيضاً:
هل يستطيع الشمال السوري استيعاب النمو السكاني المتسارع؟
تشهد مناطق الشمال السوري الخاضعة لسيطرة المعارضة السورية ارتفاعا مستمرا في عدد السكان تخطى 6 ملايين، بحسب إحصائية فريق "منسقو استجابة سوريا" لعام 2024، وتعد هذه النسبة مرتفعة قياسا إلى المساحة الجغرافية لتلك المناطق، التي لا تتجاوز 10% من مساحة سوريا.
وتشكل هذه الكثافة السكانية التي تنمو بشكل متسارع تحديا إنسانيا كبيرا، إذ تزيد من مأساة المنطقة التي تعاني أصلًا من شح الموارد الاقتصادية والطبيعية وتهالك البنية التحتية، إضافة إلى تعدد الجهات العسكرية المسيطرة عليها وما نتج عنها من حالة عدم الاستقرار.
وفي ظل هذا الواقع المتردي، يرى مراقبون أن الارتفاع المستمر في أعداد السكان، وحصرهم بمنطقة جغرافية محددة وسط غياب أي بادرة للوصول إلى حل سياسي للأزمة السورية، يطرح كثيرا من التساؤلات حول مستقبل هذه المنطقة.
نمو الكثافة السكانية نموا متسارعا في الشمال السوري يشكل تحديا إنسانيا كبيرًا يزيد من مأساة المنطقة (غيتي) نمو متسارع للسكانفي عام 2023، بلغ عدد سكان الشمال السوري نحو 4.1 ملايين، وارتفع إلى نحو 5.1 ملايين في عام 2024، بحسب المكتب الأممي لتنسيق الشؤون الإنسانية في سوريا (أوتشا)، وهذا يعني زيادة سكانية تقدر بحوالي مليون نسمة، أي تقريبا 24.4% خلال عام واحد.
وقدّر فريق "منسقو استجابة سوريا" -في إحصائية أصدرها في نوفمبر/تشرين الثاني الجاري- نسبة النمو السكاني في هذه المناطق بنحو 27.92% مقابل معدل وفيات يبلغ 6.88% من كل ألف نسمة.
وبشكل عام، تعاني الفرق والمنظمات في الشمال السوري من صعوبة في عمليات الإحصاء بسبب وجود حكومتين في تلك المنطقة (مؤقتة في ريف حلب الشمالي والشرقي، وحكومة إنقاذ في مدينة إدلب وأجزاء من أرياف حلب وحماة)، مما زاد من تعقيد الواقع الميداني هناك.
وبالإضافة إلى النمو الطبيعي في هذه المناطق الناتج عن ارتفاع عدد الولادات وانخفاض نسبة الوفيات، تشكل حركة النزوح المستمرة من مناطق النظام السوري بسبب تدهور الأوضاع الاقتصادية عاملا إضافيا في ارتفاع عدد السكان، إذ يدخل العشرات وربما المئات شهريا إلى مناطق سيطرة المعارضة بهدف الهجرة إلى أوروبا، إلا أن صعوبة العبور إلى تركيا تدفعهم للاستقرار في الشمال السوري.
كذلك لا تزال هذه المناطق هي الوجهة الأولى لكل عمليات العودة الطوعية أو الترحيل للسوريين من تركيا، إذ تكشف البيانات الرسمية أن عدد السوريين في تركيا يتناقص تدريجيا، فقد شهدت البلاد منذ عام 2016 عودة أكثر من 715 ألف سوري إلى وطنهم. ومنذ يونيو/حزيران 2023 عاد 160 ألف لاجئ إلى سوريا في إطار "العودة الطوعية" التي ترتبط بإنشاء "مناطق آمنة "في شمالي سوريا.
إضافة إلى ذلك، شهدت هذه المناطق في الآونة الأخيرة لجوء الآلاف من الجنوب اللبناني إثر التصعيد الإسرائيلي، وفقًا للمفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين "يو إن إتش سي آر" (UNHCR).
يذكر أنه في ظل التوترات المحلية والإقليمية يبقى عدد السكان في هذه المناطق قابلا للزيادة والنقصان، ويبقى خاضعا لتغيير خرائط السيطرة العسكرية بين قوات المعارضة من جهة، وقوات كل من النظام السوري وسوريا الديمقراطية (قسد) من جهة أخرى.
أزمات اقتصادية حادةمع تلك الزيادة السكانية واستمرار تدفق النازحين داخليا وعودة اللاجئين من دول الجوار، زاد الضغط على الموارد الطبيعية المحدودة في تلك المناطق، والتي لا تضم ثروات باطنية وتقتصر مواردها الطبيعية على المياه والزراعة، ورافق زيادة الطلب على السكن تقلصٌ ملحوظ في مساحة الأراضي الزراعية عقب إنشاء العديد من المخيمات والكتل السكنية عليها.
هذا الواقع خلق الكثير من الأزمات الاقتصادية والمعيشية، منها وصول نسبة العائلات التي تعيش تحت خط الفقر إلى نحو 91%، أما نسبة الجوع فقد تخطت 41% من إجمالي العائلات الفقيرة، في حين تجاوزت نسبة البطالة 88%، بحسب فريق "منسقو استجابة سوريا".
ويأتي ارتفاع أسعار المواد الأساسية وانخفاض القدرة الشرائية لدى المدنيين بشكل واضح نتيجة ارتفاع أسعار صرف الدولار الأميركي مقابل الليرة التركية، وزيادة معدلات التضخم الذي تجاوز عتبة 75.4% كنسبة وسطية، في مقدمة الصعوبات المعيشية التي يعاني منها سكان الشمال السوري.
المغربل: ضعف الأمن الغذائي سيتفاقم مع النمو السكاني غير المدروس في الشمال السوري (الفرنسية) آثار سلبية
وعن هذه التأثيرات، يوضح الباحث في الشؤون الاقتصادية عبد العظيم المغربل أن هذه الزيادة غير المنتظمة ستترك آثارا عميقة على القطاعات الاقتصادية بشكل كامل. ففي قطاع العمل والصناعة، سيؤدي ارتفاع أعداد السكان إلى زيادة كبيرة في القوى العاملة غير المؤهلة، مما يرفع معدلات البطالة التي تشهد مستويات عالية أساسًا، ومع ضعف الاستثمارات اللازمة، سيواجه سوق العمل صعوبة في استيعاب هذه الأعداد، مما يزيد من انتشار العمالة غير المنظمة وضعف الإنتاجية.
ويضيف المغربل، في حديثه للجزيرة نت، أن ضعف الأمن الغذائي سيتفاقم مع النمو السكاني غير المدروس لأن زيادة الطلب على الغذاء ستشكل ضغطا على القطاع الزراعي الذي يعاني أصلاً من محدودية الموارد والمعدات الزراعية وارتفاع تكلفة الإنتاج وتأثر الأراضي الزراعية بالقصف المستمر، لأن المنطقة ما زالت تعتبر منطقة حرب، واقتصادها هش لكونه يعتمد منذ سنوات على المساعدات الإنسانية الطارئة.
وكان تقرير صادر عن المكتب الأممي لتنسيق الشؤون الإنسانية (أوتشا) في أكتوبر/تشرين الأول 2024 أشار إلى أن هناك نحو 3.6 ملايين نسمة يعانون من انعدام الأمن الغذائي في مناطق الشمال السوري.
تحديات أمنية واجتماعيةهذه الحالة الاقتصادية والظروف المعيشية الصعبة لا بد أن ينتج عنها تحديات ومشاكل اجتماعية وأمنية، منها على سبيل المثال الضغط المتزايد على المنظومة الصحية والخدمية.
كذلك الأمر بالنسبة للتعليم، إذ يضطر الكثير من الأطفال إلى ترك مدارسهم لمساعدة ذويهم في العمل لتأمين الاحتياجات الأساسية، وهذا ما نتج عنه -إلى جانب عدة عوامل أخرى- وجود أكثر من مليون طفل وطفلة لا يذهبون إلى المدارس في تلك المناطق، وذلك بحسب تقرير أصدره مكتب "أوتشا" في سوريا في يونيو/حزيران الماضي.
من جانبه، يؤكد الباحث المختص بقضايا السكان والمجتمع في شمالي غربي سوريا بسام سليمان أن زيادة الكثافة السكانية تتطلب مضاعفة قدرات القطاع الصحي الذي يعاني من نقص حاد في الموارد الطبية والمرافق في ظل نقص الدعم، مما سيؤدي إلى تزايد حالات الأمراض المعدية نتيجة الاكتظاظ وسوء الخدمات الصحية وغياب الأمن الصحي.
وفي حديثه للجزيرة نت عن التأثيرات الاجتماعية، يقول سليمان إن قدوم أعداد كبيرة من النازحين يؤدي إلى تغيير في التركيب السكاني للمنطقة، مما يخلق كثيرا من المشاكل الاجتماعية بين النازحين والسكان المقيمين، فهذه الزيادة الكبيرة في منطقة منهارة اقتصاديا ينتشر فيها الفقر وتقل فرص العمل ويتدنى مستوى التعليم كلها عوامل تساعد على ظهور مشاكل اجتماعية مثل تعاطي المخدرات وازدياد معدلات الجريمة والانتحار.
وعن التحديات الأمنية، يرى سليمان أن الاكتظاظ السكاني، وخاصة في المخيمات، يشكل بيئة مهيئة للظواهر الاجتماعية السلبية، إلى جانب أن هذه الزيادة السكانية المترافقة مع ظروف تؤدي إلى ضعف السلطات تدفع نحو انتشار ثقافة الثأر في ظل انتشار السلاح بين السكان.
تحديات الإغاثة والمساعدات الإنسانيةوفي مقابل هذا، يشكل ملف المساعدات الإنسانية المقدمة إلى مناطق الشمال السوري عاملا ضاغطا على السكان بسبب تسييس هذا الملف، إذ أصبحت هذه المساعدات أداة للتجاذبات السياسية بين الأطراف الإقليمية والدولية المؤثرة في الملف السوري، مما يضاعف العبء على المنظمات الإنسانية المحلية والدولية التي تسعى جاهدة لسد الفجوات في الخدمات المقدمة، لكنها تجد نفسها عاجزة أمام الطلب المتزايد.
وكان فريق "منسقو استجابة سوريا" أصدر بيانا في يوليو/تموز الماضي كشف فيه أن كمية المساعدات الإنسانية الواصلة انخفضت بمقدار 62.4% مقارنة بالعام الماضي.
وفي وقت سابق، أكد مصدر في وكالة "أوتشا" للجزيرة نت أن البرنامج أوقف دعمه للمنظمات بسبب انخفاض التمويل، إذ إن منظمة الغذاء العالمي كانت تُدخل شهريا 260 ألف سلة لمناطق الشمال السوري، إلى جانب مشاريع التعليم والمياه المقدمة من المنظمة الدولية للهجرة "آي أو إم" (IOM) والتي يستفيد منها عشرات آلاف النازحين.
وفي سبيل سعيها لتحسين الواقع الإنساني والخدمي، أعلن المنسق المقيم للشؤون الإنسانية للأمم المتحدة لدى سوريا آدم عبد المولى في بداية نوفمبر/تشرين الثاني الجاري إطلاق "إستراتيجية التعافي المبكر" في سوريا للسنوات ما بين 2024 و2028، إلا أن هذه الخطوة لاقت انتقادات من المعارضة السورية.
إذ أكد مدير وحدة تنسيق الدعم منذر سلال أن الأمم المتحدة تطرح حلولا تبدو ظاهريا مناسبة من حيث تأكيدها على التعافي المبكر عن طريق مساعدة الشعب السوري اقتصاديا ليصبح قادرا على الاكتفاء ذاتيا، ولكن من الواضح -يستدرك سلال- أن الأمم المتحدة وعن طريق هذه الإستراتيجية تحاول تقديم منافع سياسية للنظام عبر طرح أن صندوق التعافي المبكر يجب أن يكون في مناطق النظام، وهذا لاقى معارضة من منظمات المجتمع السوري ومن المعارضة السياسية.
ويرى سلال، في حديثه للجزيرة نت، أن هذه الإستراتيجية بحد ذاتها تعتبر شيئا من الالتفاف على الحل السياسي الذي يطمح المجتمع السوري للوصول إليه، وقد تكون أيضا تسمية مغلفة لـ"إعادة الإعمار" لأن هناك خطا أحمر لكثير من الداعمين لإعادة الإعمار بسبب العقوبات الأميركية والأوروبية المفروضة على النظام السوري.
هل من حلول ممكنة؟أمام هذا الواقع، يبدو واضحا أن هذه المناطق باتت بحاجة إلى حلول دائمة، تتمثل في تقديم الدعم الكافي لإعادة بناء البنية التحتية وخلق فرص اقتصادية وتنموية تعزز قدرة السكان على الاكتفاء الذاتي، إلى جانب ذلك يرى خبراء أن الشمال السوري يحتاج توجيه دعم جاد إلى المشاريع التنموية والتعليمية بما يسهم في توفير بيئة أكثر استقرارًا ويمهّد للأجيال آفاقًا أوسع نحو حياة كريمة ومستقبل أفضل.
ويرى الخبير الاقتصادي عبد العظيم المغربل أن هذه المناطق يجب أن تتخطى فكرة الاعتماد على المساعدات الإنسانية الطارئة، التي بدأت تضعف يوما بعد يوم مقابل الارتفاع المستمر بعدد السكان.
بيد أن الحل الأجدى -برأي المغربل- يتمثل في تطبيق القرارات الدولية الخاصة بالانتقال السياسي في سوريا، وعلى رأسها القرار 2254 الذي يتضمن تشكيل حكومة انتقالية وإعادة النازحين إلى قراهم وبلداتهم التي هجرهم منها النظام.
وبالتالي -يضيف المغربل- يتم توزيع هذا الاكتظاظ السكاني الكبير على مختلف المناطق السورية، بحيث يصبح الشمال السوري قادرا على استيعاب عدد مناسب من السكان.