خلال الأسبوع الأول من يوليو/تموز 2024، فرض الاتحاد الأوروبي عقوبات جديدة على روسيا بسبب حربها في أوكرانيا، مستهدفا هذه المرة أسطول موسكو من الناقلات التي تحمل الغاز الطبيعي المسال عبر أوروبا، إضافة إلى عدد من الشركات الضالعة في هذه العملية، وقائمة من 50 مسؤولا روسيا في مقدمتهم الرئيس الروسي فلاديمير بوتين ووزير الخارجية سيرغي لافروف.

وتهدف هذه الجولة من العقوبات تحديدا إلى منع روسيا من استخدام موانئ الاتحاد الأوروبي لشحن الغاز إلى أطراف ثالثة من أجل تقييد صادراتها الغازية وإجبارها على اللجوء إلى طرق أكثر تكلفة. ويُقدِّر الاتحاد الأوروبي أن نحو 4-6 مليارات متر مكعب (141 مليار إلى 212 مليار قدم مكعب) من الغاز الطبيعي المسال الروسي شُحنت إلى دول ثالثة عبر موانئ الاتحاد الأوروبي خلال العام الماضي.

اقرأ أيضا list of 2 itemslist 1 of 2الرصاصة تقرب ترامب من الرئاسة.. كيف سيكون شكل العالم خلال ولايته الثانية؟list 2 of 2أسرار غامضة.. هل تأثرت نظريات فرويد بالحضارة المصرية القديمة؟end of list

غالبا ما تُطلِق وسائل الإعلام على أسطول الناقلات الروسي هذا لقب "أسطول الأشباح" (Ghost fleet) بسبب صعوبة رصده وتتبعه، وتُستخدم هذه التسمية عموما للإشارة إلى مجموعات من السفن الغامضة، التي لا يمكن التعرف على موقعها بدقة أو تتبع خط سيرها أو إرجاع ملكيتها إلى دولة أو شركة بعينها، وعادة ما تُستخدم تلك السفن من قِبَل دول تواجه عقوبات على التجارة (مثل إيران أو كوريا الشمالية أو روسيا)، لأجل التهرب من تلك العقوبات، كما أن سفن الأشباح الروسية تحديدا يُعتقد أن لها مهامَّ عسكرية، ما يجعلها تثير المزيد من القلق في أوروبا والغرب.

 

كيف تتحول السفن إلى أشباح؟

هنا يبرز سؤال مهم: كيف يمكن إخفاء مثل هذه السفن الضخمة؟ والجواب أن السفن القديمة عادة لا تتبع معايير التأمين الأحدث المعروفة في عالم البحار، وهي تستخدم ما يُعرف بـ"نظام التعريف الآلي" (AIS)، وهو نظام تتبُّع مُثبَّت على السفن يعمل على تحديد موقعها من خلال تبادل البيانات إلكترونيا مع السفن القريبة الأخرى ومحطات المراقبة والأقمار الصناعية، في الوقت الفعلي وبصورة تلقائية دون تدخل من السفينة. ومن خلال تعطيل أجهزة الإرسال والاستقبال الخاصة بنظام التعريف الآلي، يمكن للسفينة ببساطة أن تختفي في غياهب البحار.

(الجزيرة)

بشكل أساسي، يُستخدم نظام التعرف الآلي لتحسين السلامة البحرية من خلال توفير معلومات في الوقت الفعلي عن موقع السفينة (دائرة العرض وخط الطول) والسرعة والمسار واسم السفينة ورقم المنظمة البحرية الدولية التابعة لها ونوع السفينة وأبعادها، وهذا يساعد على منع الاصطدامات ويُسهِّل التنقل بشكل أفضل، والأهم أنه يساعد في مراقبة وإدارة الحركة البحرية وتحديد الأنشطة المشبوهة وتعزيز العمليات الأمنية، وهذا تحديدا ما لا ترغب فيه روسيا أو أي دولة تود إخفاء أنشطتها البحرية عن أعين الرقابة الدولية، لذا فإنها تعمد إلى تعطيل هذا النظام في السفن المستهدفة، لتحولها ببساطة إلى أشباح.

وإلى جانب تعطيل نظام التعريف التلقائي، هناك مناورات عدة يقوم بها الروس، مثل عمليات النقل من سفينة إلى سفينة، فكثيرا ما يُنقل النفط أو الغاز الروسي وحتى السلع الأخرى من سفينة إلى أخرى في المياه الدولية، وقد يحدث ذلك مرة واحدة أو أكثر من مرة، ما يُعقِّد عملية التتبع ويحجب مصدر الشحنة ووجهتها.

أكثر من ذلك، تمتلك السفن الروسية الشبحية آليات ملكية معقدة، حيث تُسجَّل ملكية السفن في البلدان التي لديها لوائح متساهلة، إلى جانب بناء شركات وهمية متعددة ومتنوعة ولديها مرجعيات قضائية متعددة، حتى يصعب تتبعها والكشف عن هويتها، ويتضمن ذلك أحيانا وثائق غير دقيقة المعلومات تحملها السفن حول هويتها وأصل حمولتها.

وبالطبع فإن روسيا تستفيد أيضا في جهودها لإخفاء سفنها من موانئ الدول الصديقة أو المتعاطفة معها أو على الأقل المحايدة تجاهها ما دامت هذه الدول ستستفيد من عملية التمويه لأجل الروس، مما يسمح لهذه السفن بالرسو ومزاولة أعمالها بأقل قدر من التدقيق، إلى جانب ذلك تمشي السفن الروسية تلك عبر طرق بحرية بديلة أقل خضوعا للمراقبة من قِبَل القوى الغربية لتقليل أخطار الحظر.

(الجزيرة)

 

الشركات.. والمزيد من الشركات

وعندما تنكشف تلك الشركات التي أُنشئت للتغطية على السفن، لسبب أو لآخر، فإن مسيرة "أسطول الأشباح" لا تتوقف، حيث تولد المزيد من الشركات البديلة لتتحكم في السفن نفسها، بعد تغيير هويتها بالكامل وإدخالها في شبكة بيروقراطية معقدة. على سبيل المثال، ظهرت شركة "جاتيك" الهندية لإدارة السفن فجأة بوصفها شركة شحن رئيسية للخام الروسي بعد اندلاع الحرب في أوكرانيا عام 2022، وبعد أن اجتازت سفنها التدقيق الدولي، بيعت تلك السفن إلى شركات أخرى لم يُسمع بها من قبل.

وعلى مدار الأشهر التالية، انضمت المزيد من السفن بطرق مشابهة إلى أسطول الظل بمعدل غير عادي؛ فبعد اثني عشر شهرا من الحرب نما الأسطول ليصل تعداده إلى نحو 600 ناقلة (إلى جانب أنواع أخرى من السفن)، فيما تشير التقديرات المتحفظة إلى أن روسيا تسيّر 400 ناقلة ضمن الأسطول الشبحي الخاص بها في الوقت الراهن.

ومن أجل التعمية على هذه السفن، يُقدِّر الخبراء أن عشرات الشركات البحرية المرتبطة بالحكومة الروسية أُنشئت لهذا الغرض، وهي تنخرط ضمن شبكة تضاهي في تعقيدها شركات الأمن الروسية الخاصة، وتتميز هذه الشبكات عادة بالمرونة الشديدة والتغيرات المستمرة، حيث تنشأ الشركات ضمنها بسرعة لأغراض محددة وسرعان ما تفنى لتحل محلها شركات جديدة، وهكذا في ظاهرة تشبه حركة الفقاعات فوق سطح الماء المغلي، التي تنشأ لثوانٍ ثم تنهار لتحل محلها فقاعات جديدة.

لا تُستخدم هذه الشركات للتعمية على حركة السفن الشبحية فقط، وكما تشير "ويندوارد"، وهي شركة متخصصة في مجال إدارة المخاطر البحرية، فإن حرب روسيا على أوكرانيا أدت إلى ظهور فئة جديدة من السفن سُمّيت "الأسطول الرمادي"، وهي ليست سفنا شبحية تماما، ولكن من الصعب التأكد من ملكيتها وامتثالها للعقوبات، وعادة ما تقوم هذه السفن بتبديل أعلامها (التي تشير إلى بلد تسجيل السفينة) باستمرار، وتستخدم غطاء من تلك الشركات "الفقاعية" لفعل ذلك. وفي الوقت الراهن، يُقدَّر أن هناك نحو 1000 سفينة رمادية حول العالم، بخلاف قرابة 1400 سفينة مظلمة (شبحية)، رغم صعوبة الجزم بالعدد على وجه اليقين بسبب الغموض الذي يلف هذا النوع من الأنشطة.

(الجزيرة)

 

من ليبيريا إلى الجابون.. أصدقاء الروس في الخدمة

يُعَد العَلَم الذي ترفعه السفينة، ويُعرف في عالم البحار باسم "علم الملاءمة" أو "راية السفينة"، أمرا جوهريا في مسألة إخفاء هوية الأساطيل الشبحية والرمادية، وهو عَلَم ترفعه السفن أثناء ملاحتها للإشارة إلى البلد الذي سُجِّلت فيه السفينة رغم أن الشركة المشغلة للسفينة تكون تابعة لبلد آخر، عادة ما تقوم الشركات بتسجيل السفن في دول يسهل قانونيا وماديا اجتياز الإجراءات بها، وتشمل دولا مثل ليبيريا وبنما ومالطا واليونان وجزر مارشال والغابون.

في بحر البلطيق مثلا، وهو إحدى ساحات التنافس الجيوسياسي بين روسيا وأوروبا، رُصدت أعداد متزايدة من السفن التي ترفع عَلَم ليبيريا، وقد تزايدت هذه الأعلام بصورة ملحوظة منذ عام 2022، ما يشير إلى زيادة عمليات سفن الأشباح. ويُعتقد مؤخرا أن الغابون أصبحت وجهة مفضلة للسفن الشبحية الروسية، حيث تضاعف عدد السفن المسجلة في الغابون خلال النصف الأول من عام 2023، ويُقدَّر أن السواد الأعظم من الناقلات تحت عَلَمها ليس لها مالك معلوم، ما يشير إلى روسيا بوصفها مستفيدا مُحتملا.

وفيما يبدو، فإن روسيا وجدت طريقها للتحرك في عالم البحار الواسعة، والالتفاف على العقوبات الغربية ولو جزئيا. لكن ما يُغفل عن ذكره عادة هو تأثير أساطير الأشباح تلك على صناعة الشحن العالمية، فالروس (وربما غيرهم من الدول الخاضعة للعقوبات) يستخدمون (ويُقبلون على شراء) السفن القديمة التي يمكن إخفاؤها بسهولة، ولذلك يرجح أن نسبة السفن التي يزيد عمرها على عشرين عاما ضمن أسطول الناقلات العالمي ارتفعت منذ بداية الحرب الروسية على أوكرانيا، ولا تزال مرشحة للمزيد من الارتفاع.

هناك الكثير من المخاطر المرتبطة بزيادة أعداد السفن القديمة التي تتمتع بتجهيزات تقنية متدنية، ومستوى صيانة دون المطلوب، ولا تحظى بتغطية تأمينية كافية، أوضحها زيادة فرص التعرض للحوادث في عرض البحر. ويشير معهد "أميركان إنتربرايز" إلى أن عام 2023 وحده شهد أكثر من 40 حادثا يمكن عزوها إلى سفن شبحية، تتراوح بين فشل المحرك إلى الحرائق إلى الانفجارات والاصطدامات.

 

وظائف الأشباح

رغم هذه المخاطر، تؤدي سفن الأشباح وظيفة لا يمكن استبدالها بالنسبة إلى الدول الخاضعة للعقوبات، خاصة إذا كانت تعتمد بشكل كبير على الصادرات. في حالة روسيا مثلا، تهدف العقوبات الغربية إلى خنق الأنشطة التجارية للبلاد وجعل الحياة اليومية مرهقة بالنسبة للمواطنين، بشكل يضطرهم في النهاية للتشكيك في سياسات النظام، يحدث ذلك بشكل رئيسي من خلال محاصرة واردات النفط والغاز الروسية، وتحديد سقف أسعارها، ومنع شركات الشحن في الغرب وسائر العالم من المشاركة في تصديرها، إلى غير ذلك من الوسائل.

لكن روسيا نجحت في التحايل على هذه العقوبات من خلال إيجاد عملاء جدد، مع الاستخدام المكثف لسفن الأشباح لإرسال النفط والغاز عبر سفن تبدو غير روسية، مع استخدام الموانئ الأوروبية نفسها أحيانا لتصدير النفط والغاز لأطراف ثالثة. وقد بدأت روسيا في توسيع هذا الأسطول مع العقوبات الاقتصادية التي فرضتها الدول الغربية عليها بعد ضم شبه جزيرة القرم في عام 2014، واستثمرت فيه بشكل أكبر بعد الحرب على أوكرانيا عام 2022.

(الجزيرة)

لكن كل ما سبق -على أهميته- ليس الهدف الوحيد من تلك السفن، وهذا تحديدا ما يُقلق الغرب حاليا، حيث يمكن استخدام تلك السفن جزءا من الحرب الهجينة التي تخوضها روسيا ضد الغرب حاليا. وتُعرف الحرب الهجينة بأنها إستراتيجية تمزج بين الحرب التقليدية والحرب غير النظامية، فتكون هناك قوات نظامية مسلحة تقليدية الطابع تستخدم تكتيكات ومعدات عسكرية قياسية، تمتزج مع تكتيكات الحرب غير النظامية، مثل عمليات تخريب بنى العدو التحتية، أو الهجمات السيبرانية.

قبل عدة أشهر، ادّعى فيلم وثائقي استقصائي عُرض في النرويج والدنمارك وفنلندا إلى جانب دول أخرى أن "سفن الأشباح" الروسية طافت حول موقع انفجارات خطَّيْ أنابيب نورد ستريم الذي ينقل الغاز من روسيا إلى ألمانيا وأوروبا الغربية عبر بحر البلطيق بالتزامن مع موعد الانفجارات في سبتمبر/أيلول 2022، واستخدم الصحفيون الذين أعدّوا الوثائقي البيانات مفتوحة المصدر للتدقيق في شأن سفينة الأبحاث البحرية الروسية "سيبيرياكوف"، وزورق القطر "إس بي 123″، وسفينة ثالثة من الأسطول البحري الروسي لم تُحدَّد هويتها، حيث أُوقِـف تشغيل نظام التعريف التلقائي الخاص بجميع هذه السفن، وتُعَد تلك علامة مميزة على نشاط سفن الأشباح.

أظهرت أبحاث الفريق الاستقصائية أن أول سفينة زارت المنطقة القريبة من موقع انفجار نورد ستريم بحلول يونيو/حزيران 2022، ثم دخلت سفينة أخرى إلى المنطقة في وقت لاحق وهي "سيبيرياكوف"، وهي سفينة أبحاث علمية يمكن لطاقمها تشغيل معدات تحت الماء ويمكنها إطلاق مركبات للعمل تحت المياه، كما أن زورق القطر البحري "إس بي 123" كان موجودا في المنطقة قبل خمسة أيام فقط من بدء الانفجارات.

(الجزيرة)

لا يُعَد ذلك دليلا قطعيا على تورط مباشر للروس في عملية نورد ستريم، لكن مجرد الإشارة إلى ذلك ولو من بعيد يزيد من المخاوف الغربية، خاصة مع سيل واسع من الهجمات الروسية السيبرانية على الحكومات الأوروبية، إلى جانب سعي الروس لتطوير أسلحة في نطاقات غير اعتيادية تتخطى عبرها قدرات الغرب أو على الأقل تضعهم في مأزق، مثل الصواريخ المضادة للأقمار الصناعية التي يمكن أن تُمثِّل ضررا كبيرا للبنية التحتية لتلك البلدان.

سفن الأشباح إذن ليست إلا واحدة من وسائل عدة استخدمها الروس لتحقيق درجة من التوازن والردع ضد أعدائهم الغربيين، خاصة بعدما طالت الحرب في أوكرانيا وبدا في مرحلة ما أنها لن تنتهي بنصر حاسم كما أراد الروس في البداية. تُعيد روسيا إذن تكييف إستراتيجيتها في أوكرانيا للتلاؤم مع ما يسمى بـ"الحرب الأبدية"، ويشير المصطلح عادة إلى حالة حرب مستمرة دون وجود شروط واضحة تؤدي إلى نهايتها، وتُعَد سفن الأشباح إحدى الوسائل الرئيسية للتكيف الروسي مع النمط الجديد للحرب وفي قلبها العقوبات المستمرة، التي لا يبدو أنها ستُرفع في أي وقت قريب.

المصدر: الجزيرة

كلمات دلالية: حراك الجامعات حريات أبعاد الاتحاد الأوروبی فی أوکرانیا هذه السفن تلک السفن فی الوقت من السفن إلى جانب من خلال

إقرأ أيضاً:

هل تؤثر دعوى ترامب ضد BBC على حرية الإعلام والصحافة في الغرب؟

أعلن الرئيس الأمريكي دونالد ترامب عزمه رفع دعوى قضائية ضد هيئة الإذاعة البريطانية (BBC)، مطالبا بتعويض مالي يصل إلى 5 مليارات دولار، بعد بث فيلم وثائقي قال محاموه إنه تضمّن تعديلات "كاذبة وتشهيرية وخبيثة ومهينة ومثيرة للجدل" على خطاب ألقاه ترامب قبل اقتحام مبنى الكابيتول في 6 يناير/كانون الثاني 2021.

ويتجاوز الخلاف البعد القانوني العادي بين ترامب ومؤسسة إعلامية، ليطرح تساؤلات أوسع تتعلق بطبيعة الصراع بين السياسيين والإعلام المستقل في الغرب.

وبدأت الأزمة عقب بث برنامج "بانوراما" الوثائقي على "بي بي سي"، الذي استعان بمقاطع من خطابات سياسية لترامب، ووفق رواية فريق ترامب القانوني، جرى تعديل هذه المقاطع بطريقة تسيء إليه عبر تغيير المعنى الأصلي، رغم أن "BBC" اعتذرت رسميا وأقرت بوجود أخطاء في عرض المحتوى، لكنها رفضت دفع تعويضات.




تصعيد ترامب ضد الشبكة
اعتبر ترامب اعتذار الشبكة "متأخرا جدا"، وأعلن أنه سيمضي قدما في مقاضاة الهيئة البريطانية، معتبرا ما حدث "هجوما منظما" على سمعته وليس مجرد خطأ تحريري.



وربط خلال مقابلة صحفية مع قناة GB News بين الدعوى و"رغبته في كشف ممارسات BBC" تجاه شخصيات عامة أخرى، قائلا: "سنكتشف خلال التقاضي عدد المرات التي فعلوها مع رئيس الوزراء أو مع نايجل أو مع آخرين"، وأضاف أن ما حدث معه "أسوأ" مما قامت به محطة CBS في واقعة مشابهة مع كامالا هاريس.

سوابق ترامب القانونية ضد الإعلام
هذه ليست أول مرة يخوض فيها ترامب مواجهة قضائية مع وسائل الإعلام، فخلال رئاسته وما بعدها رفع دعاوى عدة ضد وسائل إعلام أمريكية كبرى اتهمها بترويج أخبار كاذبة عنه.

وفي العام الماضي وافقت شبكة ABC على دفع 15 مليون دولار لتسوية دعوى تشهير رفعها ترامب ضد الشبكة ومذيعها جورج ستيفانوبولوس.

كما وافقت شركة باراماونت، الشركة الأم لشبكة CBS، على دفع 16 مليون دولار لتسوية دعوى مرتبطة بتحرير مقابلة مع كامالا هاريس. وكما في قضية BBC، استند ترامب إلى اتهامات تتعلق بالتحرير المتعمد.

وأكدت صحيفة "تلغراف" البريطانية أن ترامب يمتلك قدرة مؤثرة في ممارسة الضغط على وسائل الإعلام، مستشهدة بالتسويات القانونية التي حصل عليها سابقا بعد رفع دعاوى ضد شبكتي "إيه بي سي" و"سي بي إس"، إلى جانب القضايا التي قدمها بحق شركات مثل ميتا وغوغل، والتي تُقدّر قيمتها الإجمالية بأكثر من 80 مليون دولار.

وأضافت الصحيفة، التي نشرت على مدار أسبوع تفاصيل تقرير داخلي يكشف أخطاء مهنية داخل هيئة الإذاعة البريطانية ويتناول اتهامات بالتحيّز، أن ترامب بات يمتلك ما يشبه "دليلا إرشاديا" في تعامله مع BBC، مستندا إلى سلسلة الدعاوى الضخمة التي قدمها ضد مؤسسات إعلامية كبرى منذ توليه الرئاسة.

The US president has shown before that he knows how to take on media organisations and win

Read the full report here ⬇️https://t.co/ozw5oZeMXF pic.twitter.com/TNbTBFXV0O — The Telegraph (@Telegraph) November 12, 2025

معيار التشهير والسياق القانوني
يفرض القانون الأمريكي معايير صارمة لإدانة وسيلة إعلامية بنشر معلومات كاذبة، خاصة عندما يكون المدعي شخصية عامة، إذ يجب إثبات الخطأ و"سوء النية" أو "الاستهانة بالحقيقة"، حيث يُعرف ذلك بـ"معيار نيويورك تايمز ضد سوليفان"، ويهدف إلى حماية الصحافة من الملاحقات التعسفية.



أما في قضية BBC، فتزداد التحديات تعقيدا، لأن الهيئة تتمتع بحماية قانونية بريطانية، ولأن القوانين البريطانية تختلف عن الأمريكية في قضايا التشهير. ويضاف إلى ذلك أن BBC قدمت اعتذارا رسميا، ما يجعل إثبات سوء النية أكثر صعوبة.

عقبات قانونية أمام دعوى ترامب
وفق صحيفة "التلغراف"، يواجه ترامب عقبات جدية، خاصة أن رفع الدعوى داخل بريطانيا أصبح غير ممكن بسبب انقضاء مدة التقادم (12 شهرا)، إذ إن الوثائقي بُث قبل أكثر من عام.

كما أن الوثائقي لم يُعرض في الولايات المتحدة، ما يجعل إثبات الضرر أصعب لأن أي متابع أمريكي لم يشاهده، وفقا لخبير التشهير مارك ستيفنز. وحتى لو بُث داخل الولايات المتحدة، يبقى من غير المرجح إثبات حدوث "ضرر هائل" لسمعته، لأن نجاح مثل هذه الدعاوى يتطلب إثبات تمتعه بسمعة جيدة مسبقا.

رد الهيئة وحججها القانونية
وبحسب تقرير قناة ITV، قدمت BBC خمس حجج قانونية في ردها على محامي ترامب، من بينها أن الحلقة لم توزع في الولايات المتحدة وكانت مخصصة لمشاهدي iPlayer داخل بريطانيا فقط، وأن الوثائقي لم يُحدث أي ضرر انتخابي بعد بثه، وأن التعديلات لم تكن بدافع الحقد بل بهدف تقصير الخطاب الطويل، وأنه لا يمكن الحكم على المقاطع بمعزل عن البرنامج الكامل، إضافة إلى أن المحتوى السياسي محمي بقوة بموجب القانون الأمريكي.

الآثار المحتملة على الهيئة والصحافة
ورغم ضعف فرص نجاح الدعوى، فإن مجرد التهديد بدعوى مالية بقيمة مليارات الدولارات قد يترك أثرا على المؤسسات الإعلامية، ويدفع بعضها إلى توخي حذر أكبر في تغطياتها خشية التعرض لملاحقات مكلفة.

وتشير الأزمة الحالية عن مرحلة مهمة في العلاقة بين الإعلام والسياسة في الدول الغربية، إذ يثير لجوء بعض السياسيين إلى دعاوى قضائية كبيرة ضد المؤسسات الإعلامية نقاشا حول تأثير هذه الإجراءات على حرية الصحافة.

وقد يضع ذلك المؤسسات الإعلامية أمام معادلة معقدة بين مواصلة دورها الرقابي مع ما يحمله من تبعات قانونية محتملة، أو اتباع نهج أكثر تحفظا قد يحد من مساحة عملها المهني.

كما قال ترامب في المقابلة مع GB News حول نيته مقاضاة BBC: "لا أتطلع للدخول في دعاوى قضائية"، لكنه أضاف: "هذا كان فظيعاً جداً. إذا لم تفعل شيئاً، لن تمنع حدوث ذلك مرة أخرى".



وقال ترامب أيضا: "يخطط للاتصال برئيس الوزراء البريطاني كير ستارمر في الأيام القادمة للحديث عن النزاع مع BBC، وادعى أن رئيس الوزراء "محرج جداً" من الوضع".

وتعكس أزمة ترامب وBBC تداخلا واضحا بين الجوانب القانونية والسياسية والإعلامية، إذ يواصل ترامب المضي في دعواه رغم الاعتذار الرسمي الذي قدمته الهيئة البريطانية، وتتابع المؤسسات الإعلامية والخبراء القانونيون تطورات القضية لما قد تحمله من تأثيرات محتملة على شكل العلاقة المستقبلية بين المسؤولين السياسيين ووسائل الإعلام المستقلة.

مقالات مشابهة

  • لماذا منشآت النفط ؟.. عقلية الربح والخراب التي تدير الحرب بالوكالة
  • هل تؤثر دعوى ترامب ضد BBC على حرية الإعلام والصحافة في الغرب؟
  • أسعار النفط ترتفع مع تصاعد المخاطر الجيوسياسية في روسيا وإيران
  • مع امتناع روسيا والصين.. 13 دولة تصوت لتجديد العقوبات على «الحوثيين»
  • “أسطول الصمود”: من حقنا القانوني استرجاع السفن ومقاضاة إسرائيل
  • كييف تغيّر تكتيكها… مراسل يكشف تعمّد استهداف المصافي والموانئ النفطية داخل روسيا
  • تورك: ندعو لاتخاذ إجراءات ضد الأفراد والشركات التي تؤجج وتستفيد من الحرب بالسودان
  • مستشار سابق للرئيس الروسي: روسيا ترد على الانتهاكات الأوكرانية بخروقات لدول أوروبا
  • وول ستريت جورنال: الشركات الأميركية جنت مليارات الدولارات من الحرب على غزة
  • أسطول جوي كامل للرحلات الداخلية