في أعقاب تصاعد الاشتباكات بين حزب الله وإسرائيل وتهديد الحرس الثوري الإيراني بالانضمام إلى الصراع، أعلنت القيادة المركزية الأميركية (CENTCOM) نشر حاملة الطائرات "يو إس إس تيودور روزفلت" (CVN-71) في منطقة الأسطول الخامس الأميركي للعمليات في الشرق الأوسط.

ويهدف نشر حاملة الطائرات التي وصلت إلى المنطقة في 12 يوليو/تموز إلى سدّ الفراغ وضمان وجود القوة البحرية الأميركية في البحر الأحمر بعد رحيل حاملة الطائرات "يو إس إس دوايت دي أيزنهاور" (CVN-69).

وفضلا عن ذلك، نشر البنتاغون في البحر الأبيض المتوسط مجموعة "WASP" البرمائية، بمجموعتها الضاربة المكونة من السفن الهجومية "يو إس إس نيويورك" و"يو إس إس أوك هيل"، إلى جانب عناصر من وحدة المشاة البحرية رقم 24، ​​لردع حزب الله والاستجابة لحالات الطوارئ.

وتتزامن هذه التحركات البحرية مع غرق الفرقاطة الإيرانية "إيريس سهند" التي انقلبت أثناء إجراء إصلاحات في ميناء بندر عباس جنوبي إيران، وهذه الفرقاطة هي نسخة محدثة من تلك التي دمرتها القوات البحرية الأميركية في أكبر وأهم مواجهة بحرية إيرانية أميركية، والمعروفة باسم عملية "فرس النبي".

الفرقاطة الإيرانية "سهند" التابعة للأسطول الجنوبي للبحرية الإيرانية (أسوشيتد برس) ما قبل المعركة

وافقت الولايات المتحدة على مرافقة السفن الكويتية التجارية والحاملة للنفط في ما عُرف بعملية الإرادة الجادة التي بدأت في عام 1987، وهي أكبر عملية بحرية أميركية منذ الحرب العالمية الثانية.

وجاءت الموافقة الأميركية لضمان تدفق النفط عبر الخليج ورغبة الولايات المتحدة في الحد من نفوذ الاتحاد السوفياتي في منطقة الشرق الأوسط.

وفي 24 يوليو/تموز 1987، وخلال أول مرافقة أميركية لناقلة نفط كويتية ضمن عملية الإرادة الجادة، وعلى بعد حوالي 18 ميلا إلى الغرب من "جزيرة فارسي" الإيرانية، اصطدمت الناقلة "إم في بريدجتون" (MV Bridgeton) بلغم إيراني، فأدى ذلك إلى أضرار جسيمة لكنها تجنبت الكارثة بفضل هيكلها المزدوج.

سلط هذا الحادث الضوء على نوع جديد من المخاطر التي تواجهها القوات الأميركية وهي الألغام البحرية الإيرانية، وعُدّ الحادث انتصارا دعائيا لإيران، إذ وصفه رئيس الوزراء الإيراني في ذلك الوقت مير حسين موسوي بأنه "ضربة لا يمكن ترميمها للسمعة العسكرية والسياسية للولايات المتحدة".

وفي 21 سبتمبر/أيلول 1987، استولت القوات الأميركية على السفينة الإيرانية "إيران آجر" أثناء قيامها بزرع ألغام في المياه الدولية في الخليج، وكانت هذه العملية جزءًا من الجهود الأوسع في إطار العملية الأميركية "برايم شانس" (Prime Chance) التي كانت تهدف إلى مواجهة أنشطة زراعة الألغام من قبل الحرس الثوري الإيراني. وفي وقت لاحق، أغرقت القوات الأميركية السفينة لمنع إيران من استخدامها مرة أخرى.

سفينة زرع الألغام الإيرانية "إيران آجر" التي تم الاستيلاء عليها وبجانبها سفينة إنزال تابعة للبحرية الأميركية 1987 (غيتي)

 

عملية فرس النبي

وفي 14 أبريل/نيسان 1988، اصطدمت السفينة الأميركية "يو إس إس صامويل ب. روبرتس" (FFG-58)، أثناء قيامها بدوريات في مياه الخليج -ضمن عملية الإرادة الجادة- بلغم إيراني، مما تسبب في أضرار جسيمة لهيكل السفينة وكسر عارضتها. وعلى الرغم من الأضرار الجسيمة، تمكن الطاقم من منع السفينة من الغرق من خلال جهود سريعة وفعالة للسيطرة على الأضرار.

هذا الحادث تأكد أنه ناجم عن ألغام إيرانية بسبب تطابق الرقم التسلسلي مع الألغام التي تم الاستيلاء عليها سابقًا خلال عملية تدمير السفينة الإيرانية "إيران آجر"، وذلك ما أدى إلى تصاعد التوترات بين الولايات المتحدة وإيران.

وردًّا على هذا الهجوم، أطلقت الولايات المتحدة عملية "فرس النبي" في 18 أبريل/نيسان 1988، وكان هذا أكبر اشتباك بحري أميركي منذ الحرب العالمية الثانية، إذ تهدف إلى شلّ القدرات البحرية الإيرانية وردع مزيد من العدوان، ونُفّذت هذه العملية على مرحلتين رئيسيتين:

تدمير السفن البحرية الإيرانية والثانية. إخراج منصات النفط الإيرانية عن الخدمة.

تضمنت المرحلة الأولى هجمات منسقة شنتها مجموعات العمل السطحية التابعة للبحرية الأميركية وطائرات انطلقت من حاملة الطائرات "يو إس إس إنتربرايز"، وتم استهداف منصات النفط الإيرانية ساسان وسيري المستخدمة في العمليات العسكرية وجمع المعلومات الاستخبارية.

السفينة الحربية الأميركية "صامويل ب. روبرتس" (FFG-58) بعد اصطدامها بلغم في 14 أبريل 1988 (قيادة التاريخ والتراث البحري)

وعلى الرغم من التحذيرات بالإخلاء، قاومت القوات الإيرانية الموجودة على هذه المنصات، فأدى ذلك إلى الاشتباك المباشر وتدمير المنصات لاحقًا بنيران البحرية والضربات الصاروخية الأميركية.

وفي المعركة البحرية التي تلت ذلك، اشتبكت الفرقاطة الإيرانية "سهند" مع القوات الأميركية، لكنها تعرضت لأضرار بالغة وغرقت في نهاية المطاف بعد إصابتها بصواريخ هاربون والقنابل الموجهة بالليزر والقنابل العنقودية.

وحاول الزورق البحري الإيراني "جوشان" أيضًا المشاركة إلى جانب القوات الإيرانية، لكنه دُمر بالكامل إثر مشاركة المدمرة "يو إس إس وينرايت" الأميركية، وبعدئذ التحقت الفرقاطة الإيرانية "سبلان" بساحة المعركة، وقامت الطائرات الأميركية بضربها بقنبلة موجهة أدت إلى إخراج الفرقاطة عن الخدمة.

قتل في هذه العمليات 45 شخصا وأصيب 22 إيرانيا آخرين خلال غرق الفرقاطة الإيرانية سهند، كما قتل 11 شخصا من أعضاء فريق زورق جوشان. وعلى الرغم من النجاح، فإن العملية كان لها تكاليفها على الولايات المتحدة حيث قتل طياران أميركيان عندما تحطمت مروحيتهما أثناء الاشتباك.

وطوال العملية، أظهرت القوات الأميركية قدرات تكتيكية وتكنولوجية متفوقة، ولم تنجح العملية في تحييد التهديدات البحرية الإيرانية المباشرة فحسب، بل أسهمت في انتشار مستمر للقوات البحرية الأميركية في المنطقة إلى يومنا هذا.

الفرقاطة الإيرانية سهند تحترق عام 1988 بعد تعرضها للهجوم (البحرية الأميركية) العقيدة العسكرية الإيرانية

وعن المواجهة مع الجيش الأميركي، يقول القائد الثاني لفرقاطة سهند علي رضائي "بدأ الهجوم الأميركي ولم تتمكن سهند من المقاومة أكثر من دقائق معدودة. وبعد أن تعطلت دفة السفينة، أمر الكابتن "شاهرخ فر" جميع البحارة بمغادرة السفينة، وكان الأمر كما لو كانوا يرشون النار عليها، ثم ضربوا كعبها فانفجرت نصفين، ولم تدم المواجهة برمتها أكثر من 7-8 دقائق".

ويصف الرئيس الإيراني الأسبق هاشمي رفسنجاني في مذكراته حادثة غرق سهند فيقول "الأميركيون هاجموا فرقاطتنا الصاروخية وأغرقوها واستشهد عدد من أفراد طاقمها، ولم تلحق قواتنا أذى بالقوات الأميركية، ولكن مجرد مهاجمة القوات الأميركية يعد نقطة إيجابية بحد ذاته".

ومنذ ذلك الحين أصبح الإيرانيون أكثر حذرًا في التعامل مع القوات الأميركية في مياه الخليج، ويصف بعض المحللين العسكريين هذه المعركة بأنها السبب الرئيس للتحول في العقيدة العسكرية الإيرانية نحو "الحروب غير المتكافئة".

حطام طائرة الركاب الإيرانية التي أسقطتها البحرية الأميركية فوق المياه الخليجية (الصحافة الإيرانية) إسقاط طائرة ركاب إيرانية

وبعد نجاح عملية فرس النبي في أبريل/نيسان 1988، ظلت التوترات بين الولايات المتحدة وإيران مرتفعة، ففي 3 يوليو/تموز 1988 اتخذت هذه العلاقات المتوترة منعطفًا مأساويا عندما اصطدم الطراد الأميركي "يو إس إس فينسنس" بطائرة إيرباص A300 الإيرانية وأسقطها، ظنا منه أنها طائرة حربية هجومية فوق مضيق هرمز، وقد أسفر ذلك عن مقتل جميع ركاب الطائرة وطاقمها البالغ عددهم 290 شخصًا.

وعلى الرغم من أن الولايات المتحدة أعربت عن أسفها ودفعت لاحقًا 61.8 مليون دولار تعويضات لأسر الضحايا، فإنها لم تعتذر رسميا ولم تتقبل المسؤولية القانونية.

وتؤكد الرواية الإيرانية أن السفينة فينسنس كانت تعمل بعدوانية داخل المياه الإقليمية الإيرانية عندما أُسقطت الطائرة المدنية. وتشير إلى أن الطائرة كانت على مسار طيران تجاري قياسي من بندر عباس إلى دبي، وكانت ترسل إشارة الإرسال والاستقبال المدنية الصحيحة من الوضع الثالث. وعدّت إيران الحادث عملا من أعمال الإهمال والعدوان غير المبرر من قبل الولايات المتحدة.

صورة نشرتها إيران للتعبير عن حادث إسقاط البحرية الأميركية طائرة ركاب إيرانية (الصحافة الإيرانية) قضية أمام محكمة العدل الدولية

وبعد ذلك رفعت إيران دعوى ضد الولايات المتحدة في محكمة العدل الدولية في 2 نوفمبر/تشرين الثاني 1992، اتهمتها بتدمير منصاتها النفطية بشكل غير قانوني في عامي 1987 و1988، زاعمة أن هذه الإجراءات تنتهك معاهدة الصداقة الموقعة مع شاه إيران السابق محمد رضا بهلوي 1955.

وبحسب زعمها أيضا، فإن هذه الهجمات الأميركية تنتهك القانون الدولي، وخصوصا المادتين الأولى والرابعة من معاهدة الصداقة التي تهدف إلى تعزيز العلاقات الودية وضمان حرية التجارة والملاحة.

ومن جهتها، دافعت الولايات المتحدة عن هجماتها باعتبارها دفاعًا ضروريا عن النفس ضد الهجمات الإيرانية على سفنها خلال حقبة الثمانينيات.

وفي حكمها الشهير الصادر في 6 نوفمبر/تشرين الثاني 2003، خلصت محكمة العدل الدولية إلى أن العمليات العسكرية للولايات المتحدة لم تكن تفي بمعايير الدفاع المشروع عن النفس وفقًا للقانون الدولي، وأصدرت حكما بأن الأدلة لم تكن كافية لدعم المزاعم الأميركية بأن المنصات النفطية الإيرانية كانت تستخدم لشن هجمات على سفنها.

وعلى الرغم من اعترافها باستخدام القوة بشكل غير قانوني من قبل الولايات المتحدة، لم تمنح المحكمة تعويضات لإيران، وقررت المحكمة أن بنود معاهدة الصداقة المتعلقة بالتجارة والملاحة لم تغطّ الظروف الخاصة بالصراع العسكري، ومن ثم لم تشكل خرقًا بموجب الشروط المحددة للمعاهدة.

المصدر: الجزيرة

كلمات دلالية: حراك الجامعات حريات الفرقاطة الإیرانیة البحریة الإیرانیة البحریة الأمیرکیة الولایات المتحدة القوات الأمیرکیة حاملة الطائرات الأمیرکیة فی فرس النبی یو إس إس

إقرأ أيضاً:

سبب تزايد الحدث عن القرصنة الإيرانية لحملات انتخابات الرئاسية الأميركية

خلال الأسابيع الماضية، كثرت أصابع الاتهام الموجهة نحو إيران بشأن تنفيذها هجمات إلكترونية استهدفت حملتي المرشحين الرئاسيين الأميركيين كامالا هاريس ودونالد ترامب، واستهداف الأميركيين بحملات تأثير بغرض تأجيج الخلاف السياسي.

وحذرت ثلاث وكالات أميركية هي مكتب التحقيقات الاتحادي (أف.بي.آي) ومكتب مدير المخابرات الوطنية ووكالة الأمن الإلكتروني وأمن البنية التحتية التي تشرف على الدفاع عن أنظمة الكمبيوتر الحكومية، في بيان مشترك الاثنين من أن الجهات الفاعلة في الدولة الإيرانية كثفت جهودها للتدخل في انتخابات هذا العام من خلال عمليات التضليل والتأثير على الإنترنت بالإضافة إلى الهجمات الإلكترونية على الحملتين الرئاسيتين.

وقال البيان: "لاحظنا نشاطا إيرانيا عدوانيا بشكل متزايد خلال دورة الانتخابات هذه".

وأكد البيان الاتهامات التي وجهتها حملة المرشح الرئاسي الجمهوري دونالد ترامب هذا الشهر بأن إيران اخترقت أحد مواقعها الإلكترونية مما دفع (أف.بي.آي) إلى التحقيق.

وفي ذلك الوقت قال ترامب إن إيران "لم تتمكن سوى من الحصول على معلومات متاحة للجمهور".

وقال البيان الأميركي إن إيران استهدفت أيضا حملة نائبة الرئيس كاملا هاريس المرشحة لانتخابات الرئاسة عن الحزب الديمقراطي.

وترى القائدة السابقة لمركز عمليات الاستخبارات المشتركة في القيادة السيبرانية الأميركية كانديس فروست، أن "إيران، وخاصة بسبب الأحداث الماضية مع سليماني، لديها مصلحة واضحة في هذه الانتخابات"، بحسب ما نقلت مجلة "فورين بوليسي" الأربعاء.

وفي عهد ترامب، في الثالث من يناير 2020، قُتل قائد فيلق القدس في الحرس الثوري الإيراني ومهندس الاستراتيجية الإيرانية في الشرق الأوسط الجنرال قاسم سليماني بغارة شنّتها طائرة أميركية بدون طيار في بغداد.

وأعلن وزير العدل الأميركي ميريك غارلاند في وقت سابق الشهر الجاري، أن الولايات المتحدة أحبطت هجوماً دبّره باكستاني مرتبط بطهران لاغتيال مسؤولين حكوميين في الولايات المتّحدة انتقاماً لمقتل سليماني.  

وتقول فروست إن إيران حاولت أيضا أن يكون لها دور في الانتخابات الماضية "لكنني أعتقد أن هذه الانتخابات شخصية بالنسبة لهم".

والأسبوع الماضي، حذّرت وزارة الخارجية الأميركية إيران من عواقب التدخل في الانتخابات.

وقبل البيان المشترك للوكالات الأميركية الثلاثة، كانت شركة غوغل قد كشف الأسبوع الماضي أن قراصنة مدعومين من إيران يستهدفون الحملتين الانتخابيتين لهاريس وترامب.

وقال تقرير صادر عن غوغل بشأن التهديدات الالكترونية إن مجموعة قرصنة تعرف باسم APT42 ومرتبطة بالحرس الثوري الإيراني قامت بمحاولات اختراق لشخصيات ومنظمات رفيعة في إسرائيل والولايات المتحدة، بما في ذلك مسؤولين حكوميين وحملات انتخابية.

ويشير مدير برنامج التكنولوجيات الاستراتيجية والأمن السيبراني في معهد الشرق الأوسط بالعاصمة الأميركية واشنطن محمد سليمان إلى أن زيادة الجهود الإيرانية في الهجمات على المرشحين للانتخابات الأميركية قد يكون له علاقة بالحرب في غزة وصراع إسرائيل مع وكلاء الجمهورية الإسلامية.

وقال: "أعتقد أن الجداول الزمنية تقاطعت مع الانتخابات الأميركية والمواجهة الإقليمية بين إسرائيل وحلفاء إيران "هذا جعلهم أكثر استباقية في مهاجمة أهداف عالية القيمة"، بحسب ما تنقل عنه المجلة. 

مقالات مشابهة

  • مشاهد لإحراق البحرية اليمنية السفينة اليونانية
  • هيئة بحرية بريطانية: السفينة اليونانية التي استهدفتها القوات اليمنية تحرق وتنجرف
  • هيئة بحرية بريطانية : السفينة اليونانية المستهدفة تحرق وتنجرف
  • الحوثيون يكشفون مصير سفينة نفطية بعدما هاجموها وهيئة بحرية بريطانية تُعلق
  • هيئة بحرية: جنوح ناقلة بعد هجمات متكررة في البحر الأحمر
  • سبب تزايد الحديث عن القرصنة الإيرانية لحملات انتخابات الرئاسية الأميركية
  • سبب تزايد الحدث عن القرصنة الإيرانية لحملات انتخابات الرئاسية الأميركية
  • هيئة بحرية بريطانية: جنوح ناقلة بعد هجمات في البحر الأحمر
  • طهران: الولايات المتحدة الداعم الرئيسي للإرهاب في العالم
  • الخارجية الإيرانية: الولايات المتحدة الداعم الرئيسي للإرهاب في العالم