الجزيرة:
2024-08-24@07:58:09 GMT

الصراع الداخلي في إسرائيل ومستقبل الحرب في غزة

تاريخ النشر: 16th, July 2024 GMT

الصراع الداخلي في إسرائيل ومستقبل الحرب في غزة

لا يمكن فهم مآلات الحرب الحالية دون فهم عميق للتحولات في إسرائيل ذلك أن كثيرًا من التحليلات التي ترتبط بحرب الإبادة التي تجري حاليًا في قطاع غزة والاستنزاف الدامي في الضفة الغربية تنبثق أحيانًا من إسقاطات بها نوع من التسطيح، ولعل أكثرها تسطيحًا تنميط الإجابة بأن جزءًا من عدم اتخاذ إسرائيل قرارًا بإنهاء الحرب مرتبط بخوف رئيس وزرائها بنيامين نتنياهو من اعتقاله ومحاكمته بتهم الفساد، ولعل أكثرها فكاهة هي أن نتنياهو مكبل بوزيرَين متطرفين هما بن غفير وسموتريتش.

انقسام مزمن

لا يمكن بالطبع إنكار التباينات واختلاف المواقف داخل الحزب الواحد، وهو يحمل أيديولوجيا واحدة فكيف بائتلاف يتكون من أحزاب وبرامج متنوعة ولديه التزامات تجاه قواعده الانتخابية، لكن ما يشاهد في محاولات كتابة الفصل الأخير من هذه الحرب لا يمكن فصله عن الصراع الدائر بين "إسرائيل الأولى" و"إسرائيل الثانية" وهو انقسام مزمن تجاوز مرحلة الحل.

إذ لو افترضنا أنّ الحرب في غزة انتهت وسقطت حكومة نتنياهو الحالية وذهب المجتمع الإسرائيلي إلى انتخابات مبكّرة، فإن هذه الانتخابات لن تحلّ مشكلة هذا المجتمع، ولن تكون سوى امتداد لأربعة انتخابات سابقة جرت لحسم هذا الانقسام، ولكن نتائجها جميعًا عززت هذا الانقسام، وبالتالي فإن التوازنات السياسية الحالية قائمة لأجل غير مسمّى.

تمثل "إسرائيل الأولى" الدولة العميقة، وهي الجيش، والأمن، والمحكمة العليا، وبعض الأجهزة البيروقراطية، مثل النيابة، بينما تتكوّن "إسرائيل الثانية" من اليمين السياسي والديني بقيادة نتنياهو كفكرة، وتجسيدها الفيزيائي من قبل اليمين الأيديولوجي.

ترويض الدولة العميقة

يعتبر الوضع في إسرائيل غاية في التعقيد من حيث الصراع بين الطرفين، وبعد السابع من أكتوبر/تشرين الأول نجح تيار "إسرائيل الأولى" في السيطرة على الموقف وإضعاف جبهة اليمين السياسي، ولكن سرعان ما استعاد اليمين الأيديولوجي عافيته، ومع مرور الوقت بات يوجه اللكمات الصعبة لتيار "إسرائيل الأولى"، أو الدولة العميقة.

عمل نتنياهو والتيار الذي يمثله على إعادة هندسة المجتمع الإسرائيلي خلال العقدين الماضيين، واختراق مؤسسات الدولة العميقة والسيطرة عليها، وبرع نتنياهو في إضعاف مؤسسة الجيش في إسرائيل، وتغيير ولاءاتها، والتقليل من قوة تأثيرها في مجريات الحياة السياسية، وكذلك إضعاف الموالين للجيش داخل أجهزة الأمن الأخرى. يشار هنا إلى أن إسرائيل دولة قائمة على الجيش. ومن المؤكد أنه وبعد نهاية هذه الحرب سيكون ملف تعامل اليمين مع الجيش أحد ملفات السجال الصعبة في إسرائيل.

كما عمل التيار الديني الصهيوني الذي يعتبر مستوطنو الضفة والقدس خزّانه البشري على اختراق مؤسسة الجيش طيلة العقدين الماضيين، وبشكل تدريجي عمل ويعمل على تحييد القيادات التقليدية العلمانية للجيش. بدأ التحول داخل الجيش بعد عام 2000؛ فخلال انتفاضة الأقصى التي اندلعت عام 2000 كانت السيطرة في الجيش للنخبة القديمة، بدأ بعد ذلك التحول الجذري من "الكيبوتس" للقومية الدينية، فانتهت ثقافة "الكيبوتس" التي قامت عليها إسرائيل بعدما تم فقدان السيطرة على هذا التحول.

يكفي الإشارة في هذا المضمار إلى أن قائد المنطقة الوسطى في جيش الاحتلال حاليًا مستوطن من الضفة الغربية، ومن أصل ستّ فرق تقاتل حاليًا في قطاع غزة، فإن قادة خمسٍ منها ينحدرون من التيار الديني في مستوطنات الضفة الغربية، وجميعهم من خريجي مدرسة "عيلي" الدينية الاستيطانية التي تعتبر رمز التطرف في إسرائيل، ويطلق عليها مدرسة "السم" من شدة تطرفها.

يعني ذلك أنّ هؤلاء القادة بعد انتهاء الحرب على غزة ومع مرور الوقت وبالتراتبية العسكرية، سيكونون في هيئة الأركان على حساب القيادة التقليدية العلمانية للجيش.

لذلك، وفي سياق هذه التحولات داخل الجيش والمؤسسة الأمنية الإسرائيلية لصالح اليمين الأيديولوجي، يمكن فهم الهجوم والتسريبات الصحفية المستمرة من محيط نتنياهو، ومن نتنياهو شخصيًا بشكل غير مباشر، ومن قادة اليمين الديني بشكل أكثر فجاجة ضد الجيش والأمن، واتهامهم المستمر بالمسؤولية عن الإخفاق في السابع من أكتوبر/تشرين الأول، وكذلك تحميلهم مسؤولية الفشل في إدارة الحرب على غزة، وكأن معركة تصفية الحساب مع الجيش والأجهزة الأمنية واليمين مستمرة حتى في ذروة الحرب.

أداء مخيب للآمال

يمكن في إطار ذلك أيضًا فهم السجال الأخير مع الأجهزة الأمنية الأخرى، مثل: الشاباك (جهاز المخابرات الداخلي)، والموساد (الخارجي)، والشرطة، إذ إن اليمين الديني كان أكثر نجاحًا في اختراق جهاز الشرطة منه في اختراق جهازَي الشاباك والموساد اللذين بقيا متماسكَين في ولائهما للدولة العميقة في "إسرائيل الأولى" من باقي أجهزة الأمن.

سيعطي ذلك مادة لفهم الهجوم المستمر مثلًا من قبل بن غفير على الشاباك واتهامه بأنه يحاول إقصاءه، والخلاف في موضوع السجون، حتى وصل ببن غفير لاتّهام الشاباك بأنه يسعى لاغتياله سياسيًا، لا يقصد طبعًا الاغتيال الجسدي.

من المؤكد الإشارة إلى أن هذه الحرب الكلامية من بن غفير وما يقوم به أيضًا ضد رئيس أركان الجيش الإسرائيلي، تتم بإيعاز مباشر من بنيامين نتنياهو من تحت الطاولة، كما يفعل تمامًا مع توجيه ميري ريغيف في الهجوم المستمر على رئاسة الأركان في الجيش الإسرائيلي.

تجدر الإشارة هنا إلى أن صورة الجيش الإسرائيلي تهشّمت بشكل كبير بعد السابع من أكتوبر/تشرين الأول داخل المجتمع الإسرائيلي، وأيضًا نتيجة أدائه المخيب للآمال في الحرب على غزة وعدم قدرته على تحقيق انتصار واضح من وجهة نظر جمهوره، وبات لا يتلقى اللكمات فقط من جبهتي غزة ولبنان اللتين أظهرتاه بمظهر العاجز التائه وكشفتا عور قدراته التي كان يبالغ فيها لعقود مضت، ولكنه يتلقى اللكمات أيضًا داخليًا من قبل اليمين الديني.

يعتبر ذلك علامة فارقة في قراءة مستقبل إسرائيل كدولة قامت شرعيتها ونسجت بقاءها على صورة الجيش الذي لا يقهر. وهي صورة لم يعد بالإمكان ترميمها.

لقد دخل المجتمع الإسرائيلي في صراع لم تعد الانتخابات قادرة على حسمه، يترافق ذلك مع حقيقة أن الصهيونية الدينية باتت على وشْك قيادة الجيش في إسرائيل، كما أن هناك تيارًا تشكل داخل الصهيونية الدينية تغلغل وبات على علاقة وثيقة بالمتدينين التقليديين المعروفين باسم "الحرديم"، وأصبح يطلق على هذا التيار المستجد في إسرائيل "الحردليم".

تجدر الإشارة هنا إلى أن المتدينين التقليديين "الحرديم" يرفضون الانضمام إلى الجيش منذ قيام دولة إسرائيل، ويعتبرون أنفسهم "حراس التوراة" المتفرغين للعبادة، فيما تسعى الدولة العميقة لا سيما بعد الخسائر الجسيمة التي لحقت بها جراء استنزاف الحرب إلى فرض التجنيد على هذه الفئة التي كانت أقلية عند قيام إسرائيل، وباتت شريحة واسعة اليوم. بينما عيون تيار "الحردليم" المتنامي هي على السيطرة على الجيش، وتطهيره من القيادة العلمانية.

لا يعتبر بنيامين نتنياهو متصالحًا فقط مع هذا التيار اليميني الديني، لكنه جزء أصيل من قيادته، كما أنه متوافق مع توجهاتهم الإستراتيجية، بمعنى أن صناعة التطرف هي بضاعته قبل أنْ تكون مفروضة عليه بتحالفات معينة؛ لأن المسألة أعمق بكثير من مجرد تحالف حكومي.

يقول العارفون في إسرائيل إذا أردت أن تعرف بماذا يفكر بنيامين نتنياهو فعليك الاستماع لما يقوله مائير بن شبات رئيس معهد الإستراتيجية الصهيونية والأمن القومي ومستشار الأمن القومي والرئيس السابق لمجلس الأمن القومي في إسرائيل.

ولا يعتبر وزير المالية الإسرائيلي يتسلئيل سموتريتش رئيس الحزب الديني القومي "الصهيونية الدينية" في هذه المعادلة أكثر من قمة رأس الجليد لهذا التيار، وصبي صغير، مقارنة ببن شبات ومن يرسمون توجهات هذا التيار في معهد مسجاف ومنتدى كوهيليت والحاخامية الدينية التي تقف خلفه.

جهد جماعي منظم

لا يمكن أيضًا الفصل بين تنامي "إسرائيل الثانية"، ممثلة بهذا التيار وعلى سمع وبصر "إسرائيل الأولى" دون الربط المباشر بينهما وبين الامتدادات في الولايات المتحدة الأميركية، فهذه التيارات هي امتداد لتيارات مسيحية صهيونية داخل الولايات المتحدة، سواء داخل الديمقراطيين وهم الأقرب "لإسرائيل الأولى" والدولة العميقة وأخرى داخل الجمهوريين متحالفة مع اليمين الديني الذي يمثل "إسرائيل الثانية"، وبين هذا وذلك تيارات ولوبيات اقتصادية ودينية وسياسية متداخلة، وقوة أي طرف في المجتمع الأميركي تنعكس مباشرة على قوة الطرف المقابل له في إسرائيل.

إنه جهد جماعي منظم يمثله نتنياهو وله عقل إستراتيجي، ولفهم توجهاته لا سيما تجاه الفلسطينيين والمنطقة العربية لا بد من التمعن في قراءة منظريه ومنهم مائير بن شبات.

إن استمرار تغلغل اليمين الديني بكافة أذرعه داخل أجهزة الدولة في إسرائيل، وفي حال تصاعد هذه السيطرة قد يؤدي مع مرور الزمن إلى هجرة العقول ورأس المال في إسرائيل، حيث إن كثيرين منهم علمانيون "أشكناز" (يهود غربيون وغالبيتهم مزدوجو الجنسية) يقطنون منطقة تل أبيب والمركز.

بدأت هذه الهجرة المعاكسة تزداد بعد السابع من أكتوبر/تشرين الأول، وجمهورها الأكبر من العلمانيين. من المفارقات هنا أن مخططات هندسة المجتمع لدى الفلسطينيين من قبل الدوائر الصهيونية وفرض بعضها بالقوة بهدف التطويع، تتم حركات مشابهة لها في المجتمع الإسرائيلي، ولكن بدون أيادٍ خارجية عابثة.

يمكن أيضًا فهم بعض التوجهات الجزئية نحو القضايا المرتبطة بالحرب من هذا المنظور، فمثلًا عدم منح تيار اليمين الديني أهمية لمسألة الأسرى في قطاع غزة، نابعٌ من أنه من حيث المكانة الاجتماعية فإن غالبية الأسرى هم من سكان كيبوتسات وقرى الجنوب القريبة من قطاع غزة وهم ليسوا في غالبيتهم من أعضاء الدينية الصهيونية التي تتمركز في الضفة الغربية والقدس بشكل رئيسي، بمعنى أن الأسرى الإسرائيليين في غزة لو كانوا من مستوطني الضفة أو منطقة المركز لكان التعامل مختلفًا في رغبة هذا التيار في إنجاز الصفقة؛ نؤكد أن هذا عامل من عوامل عديدة وليس حاسمًا، لكن لا يمكن إغفاله.

الحسم المطلق للصراع

يعني ذلك أنه انتهى الزمن الذي يشعر فيه الإسرائيلي بأن إسرائيل لكل مواطنيها، وبات على فئات عديدة فيه التعايش مع تراتبيات وتركيبات اجتماعية مستجدة ومتنامية ممزوجة بأشكال مختلفة من التطرف الديني والعنصرية الداخلية قبل أنْ تكون عنصرية أكثر تجذرًا تجاه الآخر غير اليهودي.

أما من حيث العلاقة مع الفلسطينيين؛ وبعد كل هذا الشرح فإن تيار اليمين الديني الذي يقود الحكومة الحالية لم يعد من أولوياته السلام مع العرب أو حتى التطبيع الذي كان يروج له من خلال نجاحه قبل السابع من أكتوبر/تشرين الأول في تجاوز حقوق الفلسطينيين كشرط للتطبيع مع العرب، فقد باتت أولويته بعد السابع من أكتوبر/تشرين الأول فقط هي الانتصار والهيمنة العسكرية الكاملة طريقًا لتعزيز الردع، وهذا ما برز في مؤتمراتهم التي عقدوها مؤخرًا.

يؤمن هذا التيار بإعادة تشكيل إسرائيل ديمغرافيا، ويسعى لرسم خارطة هذا التغيير بالقوة، ويؤمن بحتمية تهجير الفلسطينيين بمكوناتهم الثلاثة: قطاعِ غزة، الضفة الغربية، فلسطينيي 1948، ويعبر عن ذلك بوضوح تام. ولكن دول العالم لا تريد أن تسمع ذلك وتتغاضى عنه؛ لكي لا تكون أمام استحقاقات تفرض عليها التزامات لا تريدها.

وبينما تعتبر أولوية الدولة العميقة في منع تحول إسرائيل لدولة ثنائية القومية، وتصنيف المجتمع الدولي لها مع مرور الزمن لدولة فصل عنصري والتورط في تبعات " الأبارتهايد؛ يعتبر التيار اليمين الديني أنّ الحل لذلك بسيط وهو تهجير الفلسطينيين من أراضيهم.

يرى تيار الدولة العميقة أن سلوك التيار اليميني الديني (إسرائيل الثانية) سيورط إسرائيل ويحولها لدولة فصل عنصري ما يجعل انهيار إسرائيل وإزالتها من الوجود أسرع، والوقوع في فخ حقوق متساوية للجميع مع مرور الزمن؛ لأن الولايات المتحدة الأميركية ومهما كان دعمها لإسرائيل فإن للتطرف حدودًا والإيغال به سيصعب مهمة حماية إسرائيل بالنسبة لها خاصة في مسائل الفصل العنصري.

يعتبر ذلك جزءًا مهمًا من رؤية الطرفين للصراع وإن كانا متفقين على عدم منح الفلسطينيين دولة. كما أن الأمور أصبحت أكثر تعقيدًا بعد السابع من أكتوبر/تشرين الأول وتداعيات الفشل في الحرب على غزة وتداعياتها على الكيان.

يتوافق تيار "إسرائيل الأولى" ممثل الدولة العميقة مع توجهات الإدارة الأميركية لفصل مصير غزة عن الضفة الغربية، وإعادة تشكيل الخارطة الديمغرافية الفلسطينية بجيوب معزولة، لكنها تحظى بإطار سياسي معترف بها عالميًا للخروج من مأزق الفصل العنصري، بينما يسعى التيار الثاني إلى الحسم المطلق للصراع عبر التهجير.

الآراء الواردة في المقال لا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لشبكة الجزيرة.

aj-logo

aj-logo

aj-logoمن نحناعرض المزيدمن نحنالأحكام والشروطسياسة الخصوصيةسياسة ملفات تعريف الارتباطتفضيلات ملفات تعريف الارتباطخريطة الموقعتواصل معنااعرض المزيدتواصل معنااحصل على المساعدةأعلن معناالنشرات البريديةرابط بديلترددات البثبيانات صحفيةشبكتنااعرض المزيدمركز الجزيرة للدراساتمعهد الجزيرة للإعلامتعلم العربيةمركز الجزيرة للحريات العامة وحقوق الإنسانقنواتنااعرض المزيدالجزيرة الإخباريةالجزيرة الإنجليزيالجزيرة مباشرالجزيرة الوثائقيةالجزيرة البلقانعربي AJ+

تابع الجزيرة نت على:

facebooktwitteryoutubeinstagram-colored-outlinersswhatsapptelegramtiktok-colored-outlineجميع الحقوق محفوظة © 2024 شبكة الجزيرة الاعلامية

المصدر: الجزيرة

كلمات دلالية: حراك الجامعات حريات المجتمع الإسرائیلی إسرائیل الثانیة بنیامین نتنیاهو الدولة العمیقة إسرائیل الأولى الضفة الغربیة الحرب على غزة تیار الیمین فی إسرائیل هذا التیار قطاع غزة مع مرور لا یمکن بن غفیر تیار ا إلى أن من قبل

إقرأ أيضاً:

لعبة المفاوضات.. وسيلة نتنياهو لإدارة الحرب في غزة لا إنهائها

لعبة نتنياهو الموقف الأميركي رد حماس الوساطة الأميركية

ترددت كثيرا عبارة "جولة جديدة من المفاوضات" على لسان ساسة الدول المعنية بوقف العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة المستمر منذ نحو 11 شهرا، وراح ضحيته كل سكان القطاع (نحو 2.5 مليون إنسان) بين شهيد ومصاب ونازح ومفقود تحت أطنان ركام المنازل المقصوفة.

ولم يختلف السيناريو في كل جولة، إذ "تعلن الولايات المتحدة أن حركة المقاومة الإسلامية (حماس) رفضت بنود الاتفاق الذي وافقت عليه إسرائيل". لكن ما حدث -وما زال مستمرا- يمكن أن يطلق عليه "لعبة المفاوضات" التي أراد بها رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو إدارة الحرب واستمرارها وليس إنهاءها.

وما يحدث في الجولة الحالية ليس استثناء من كل سابقاتها، فبعد موافقة المقاومة الفلسطينية على الرؤية التي قدمها الرئيس الأميركي جو بايدن نفسه مايو/أيار الماضي، وقرار مجلس الأمن يوم 11 يونيو/حزيران 2024، يدخل نتنياهو كل جولة من المفاوضات بشروط جديدة، وتتبناها الإدارة الأميركية وتطلب من حماس الموافقة عليها، وإلا تصبح هي "المتعنتة".

"لعبة نتنياهو"

وصرح نتنياهو أمس الثلاثاء بأن إسرائيل لن تقبل مقترحا يتضمن إنهاء الحرب، وشكك في إمكانية إنجاز صفقة تبادل الأسرى.

وقال -خلال اجتماع مع عائلات الأسرى الإسرائيليين المحتجزين في غزة ممن يرفضون إنجاز الصفقة- إن إسرائيل لن تنسحب من محوري نتساريم وفيلادلفيا بأي شكل، مؤكدا أن الموقعين يشكلان أهمية إستراتيجية عسكريا وسياسيا.

وبهذه العقلية تدخل إسرائيل المفاوضات، ولا تعطي مساحة حتى لفريق التفاوض الذي ترسله في كل جولة من "أجل التمثيل المشرف" ليس أكثر، ومن أجل ذلك نقلت هيئة البث الإسرائيلية عن مسؤولين في فريق التفاوض الإسرائيلي أن "نتنياهو يسعى إلى تفجير المفاوضات من خلال تصريحاته أمس".

الموقف الأميركي

وموقف نتنياهو سرعان ما تتبناه السياسة الأميركية ويصبح لسان حالها ناطقا بمطالبه الجديدة، فارضة ذلك على الوسطاء في كل جولة، حسب ما قاله الباحث السياسي الفلسطيني سعيد الحاج، إذ يرى أن واشنطن أصبحت جزءا من الحرب وتخلت عن صفة الوسيط النزيه، وتقدم لنتنياهو مزيدا من الوقت لتحقيق أهدافه في قطاع غزة.

وأضاف الحاج -في مقابلة مع الجزيرة نت- أن الولايات المتحدة تمنح حكومة الحرب في إسرائيل غطاء سياسيا، وتوهم المجتمع الدولي بأنها جادة في إيقاف المجازر في غزة، لكنها تقدم كل الدعم لإسرائيل من سلاح وعتاد وصفقات بمليارات الدولارات، والاختلاف فقط بينهما يكون في تفاصيل الأهداف.

رد حماس

حركة حماس -بدورها- قالت أمس الثلاثاء إن تصريحات الرئيس الأميركي ووزير خارجيته أنتوني بلينكن بشأن تراجع الحركة عن اتفاق وقف إطلاق النار "هي ادعاءات مضلّلة، ولا تعكس حقيقة موقف الحركة الحريص على الوصول إلى وقف العدوان".

وفي بيان صدر أمس -وأرسلت نسخة منه إلى الجزيرة نت- قال عضو المكتب السياسي للحركة باسم نعيم إن "حماس رحبت بإعلان بايدن وقرار مجلس الأمن، وأكدت استعدادها للتطبيق الفوري، وسلمت ردها بالموافقة على مقترح الوسطاء بتاريخ الثاني من يوليو/تموز".

ثم أوضح البيان موقف نتنياهو من هذه الموافقة بأنه "ردّ على كل هذه المشاريع والمقترحات بمزيد من المجازر والقتل… ووضع شروطا جديدة للتفاوض".

ولذلك، يذهب الكاتب والباحث السياسي عبد الله عقرباوي -في مقابلة مع الجزيرة- إلى أن الجولة الأخيرة من المفاوضات لم تشارك فيها حماس من الأساس، وما حدث كان مجرد عملية تفاوض داخلية ونقاش بين إدارة بايدن ونتنياهو على مقترحات سابقة للإدارة الأميركية التي سمحت له بأن يُدخل شروطا جديدة عليها، ثم تطلب هذه الإدارة من حماس أن توافق على نقاش لم تكن طرفا فيه.

الوساطة الأميركية

وبعد نحو 11 شهرا من العدوان على قطاع غزة، هل يمكن تقييم الدور الأميركي في الوساطة بين المقاومة الفلسطينية والحكومة الإسرائيلية، وبعد انعقاد كل جولات المفاوضات هذه؟

وفي مقابلة مع الجزيرة نت، يجيب عن هذا التساؤل مدير مركز القدس للدراسات عماد أبو عواد بأن "بلينكن يخرج من الولايات المتحدة وزيرا لخارجيتها، لكنه عندما يصل إلى إسرائيل يتحول إلى يهودي"، ومن ثم فإن اتهاماته المباشرة لحركة حماس تهدف إلى جملة من الأمور:

تبرئة ساحة إسرائيل من فشل كل جولات التفاوض. تقديم صورة عن إسرائيل تخدم مصالحها أميركا في الانتخابات المقبلة. الضغط على إيران وحزب الله حتى لا يكون هناك ردّ على اغتيال رئيس المكتب السياسي في حماس إسماعيل هنية، وإن وُجد فيكون في السياق الذي يمكن أن تتحمله إسرائيل. عدم الوصول إلى مرحلة التصعيد التي قد تؤدي إلى حرب إقليمية.

ويذهب سعيد الحاج إلى أن الوساطة الأميركية تتماهى مع الموقف الإسرائيلي وتتبناه، وأن الولايات المتحدة لو أرادت إيقاف الحرب، فإنها تستطيع ذلك بما تقدمه لإسرائيل من تمويل وتسليح، وبما تملكه من دعم سياسي في المؤسسات الدولية التي يمكن أن تشكل ضغطا حقيقيا على إسرائيل.

ويلخص عقرباوي المشهد قائلا إن وزير خارجية أميركا "يتجاهل أن هناك طرفا آخر يقاتل في الميدان، أو أن هناك شعبا آخر موجودا في غزة، أو أن هناك طموحا وطنيا أو قوميا للفلسطينيين ويتعامل كأن هناك حالة فراغ في الوضع الفلسطيني، وإذا كان بلينكن ونتنياهو قادرين على فرض هذا الاتفاق -الذي توافقا عليه- على المقاومة وعلى أهلنا في غزة، فعليهم أن يفرضوه في الميدان، وليس خلف الشاشات".

مقالات مشابهة

  • أولمرت يدعو قادة الجيش والأجهزة الأمنية في إسرائيل للاستقالة لمحاصرة نتنياهو
  • أستاذ عبري: فشل اتفافية أوسلو أدى لارتفاع نبرة اليمين الإسرائيلي
  • ليبرمان: لا قدرة لحكومة نتنياهو على التعامل مع حزب الله
  • إسرائيل ولعبة المفاوضات
  • محلل إسرائيلي: هدف نتنياهو ليس إعادة الأسرى بل احتلال غزة
  • إسرائيل ترد على مفاوضات وقف الحرب بالمجازر
  • المفاوضات.. هل هي خدعة من نتنياهو؟
  • لعبة المفاوضات.. وسيلة نتنياهو لإدارة الحرب في غزة لا إنهائها
  • انتقاد رد فعل نتنياهو على خفض تصنيف إسرائيل الائتماني
  • نحو عام على معركة الطوفان: غرنيكا غزة والتحديات الفكرية والفنية المستقبلية