تجري قوى إقليمية ودولية حراكا سياسيا لافتا لوقف القتال المستمر في السودان منذ أبريل/نيسان 2023 بين الجيش السوداني وقوات الدعم السريع.

وبدأ هذا الحراك -الذي تقوده 3 دول وهي مصر وإثيوبيا والسعودية فضلا عن كيانات دولية وإقليمية- من اجتماع العاصمة القاهرة للقوى السياسية والمدنية السودانية الأسبوع الماضي، مرورا بزيارة رئيس الوزراء الإثيوبي آبي أحمد إلى مدينة بورتسودان (شرق السودان) ولقائه رئيس مجلس السيادة عبد الفتاح البرهان.

وقبل ذلك، أجرى وليد الخريجي نائب وزير الخارجية السعودي زيارة لبورتسودان، حيث بحث استئناف "مفاوضات جدة" مع البرهان.

وبالتزامن مع هذا الحراك الدبلوماسي، شهدت العاصمة الإثيوبية، أمس الاثنين، ختام اجتماعات برعاية الاتحاد الأفريقي، بمشاركة 14 كيانا وحزبا سودانيا، أبرزها "الحرية والتغييرـ الكتلة الديمقراطية" (أحزاب سياسية وحركات مسلحة) حيث دعت إلى "وقف الحرب وتسهيل وصول المساعدات الإنسانية وتشكيل حكومة تصريف أعمال مؤقتة وغير حزبية".

كما تعقد في مدينة جنيف السويسرية مباحثات غير مباشرة بين الجيش السوداني وقوات الدعم السريع، بشأن إيصال المساعدات الإنسانية والتي لا تزال مستمرة، برعاية الأمم المتحدة.

وتهدف كل هذه التحركات إلى إرساء وقف لإطلاق النار في السودان، والتوصل إلى اتفاق يجنب البلاد مزيدا من الانهيار عقب تحذيرات أممية ودولية من الانزلاق نحو كارثة إنسانية تصل إلى موت آلاف جراء المجاعة ونقص الغذاء.

وتزايدت دعوات أممية ودولية لتجنيب السودان كارثة إنسانية قد تدفع ملايين إلى المجاعة والموت، جراء نقص الغذاء بسبب القتال.

قمة القاهرة جمعت عددا من زعماء دول جوار السودان (الأناضول) حراك متناغم ومحموم

ولا تزال الاجتماعات في جنيف متواصلة لبحث سبل حل الأزمة السودانية، وذلك بعد لقاءين منفصلين عقدهما البرهان في بورتسودان مع رئيس الوزراء الإثيوبي ونائب وزير الخارجية السعودية.

ومن سويسرا، قالت الأمم المتحدة "إن طرفي الحرب في السودان وصلا إلى جنيف للمشاركة في محادثات تقودها المنظمة الدولية تستهدف التوسط في وقف إطلاق نار محتمل لتسهيل وصول المساعدات الإنسانية وتوزيعها وحماية المدنيين".

وأكد المتحدث باسم المنظمة الدولية ستيفان دوجاريك، في مؤتمر صحفي عقده بمدينة نيويورك الأميركية مساء الجمعة، أن المناقشات "ستستمر خلال عطلة نهاية الأسبوع بصيغ مختلفة وفي أماكن مختلفة، وتتم عبر المبعوث الشخصي للأمين العام إلى السودان رمطان لعمامرة وليس وجها لوجه بين طرفي النزاع".

وقبيل هذه المباحثات، التقى البرهان رئيس الوزراء الإثيوبي، في بورتسودان، وأطلعه على تطورات الحرب الدائرة في بلاده منذ أكثر من عام.

وخلال اللقاء أكد آبي أحمد "أهمية السلام باعتباره أساس التنمية" وضرورة أن تحل مشكلات الدول "داخليا دون تدخل خارجي".

والأسبوع الماضي، بحث البرهان مع نائب وزير الخارجية السعودي، في بورتسودان، استئناف "مفاوضات جدة" لوقف الحرب بين الجيش والدعم السريع.

وترعى السعودية والولايات المتحدة منذ 6 مايو/أيار 2023 محادثات بين الجيش والدعم السريع، أسفرت في 11 من الشهر ذاته عن أول اتفاق في جدة بين الجانبين للالتزام بحماية المدنيين، وإعلان أكثر من هدنة وقعت خلالها خروقات وتبادل للاتهامات بين الطرفين، مما دفع الوسيطين لتعليق المفاوضات.

رئيس مجلس السيادة السوداني البرهان خلال مباحثاته مع الخريجي نائب وزير الخارجية السعودي (واس)

وسبق لقاءات البرهان في بورتسودان، احتضان القاهرة مؤتمر القوى السياسية السودانية بعنوان "معا لوقف الحرب في السودان" بمشاركة ممثلين لتلك القوى، والأمم المتحدة، والاتحاد الإفريقي، وجامعة الدول العربية، والاتحاد الأوروبي، وعدد من الدول الفاعلة وذات الاهتمام بملف السودان.

وأكد البيان الختامي لهذا المؤتمر -الذي عقد بمشاركة وزير الخارجية والهجرة المصري بدر عبد العاطي- ضرورة "الوقف الفوري" للحرب، دون الكشف عن إجراءات في سبيل تحقيق هذا المسار.

حراك على 3 مستويات

وفي هذا الشأن، أرجع الكاتب والمحلل السياسي السوداني أمير بابكر الحراك الإقليمي والدولي الأخير إلى أن "الأزمة السودانية وصلت طورا يمكن معه انفراط عقد الأمن بصورة يصعب السيطرة على تداعياته في الإقليم والعالم الذي يعاني من أزمات متعددة".

وقال إن "دول الجوار هي أكثر من استشعر الخطر الذي ستواجهه جراء هذا الوضع" مشيرا إلى انسداد الأفق في مسألة التوصل إلى تفاهمات بين أطراف الصراع التي نشطت منذ اندلاع الحرب.

وأضاف أنه "من الواضح أن الحراك الحالي يعمل على 3 مستويات، الأول الذي تقوده السعودية، ويهتم بالتوصل إلى وقف لإطلاق النار بين الطرفين".

أما المستوى الثاني بحسب بابكر، فيأتي خطوة مرتبطة بالأولى وهو المعني بـ"تسهيل وصول الإغاثة إلى مستحقيها في المناطق الواقعة تحت تأثير الحرب والنازحين واللاجئين".

ولفت إلى أن المستوى الثالث من الحراك الدبلوماسي القائم يتعلق بـ"العملية السياسية كمستوى مكمل لما بعد وقف إطلاق النار".

حرب السودان خلفت 15 ألف قتيل وحوالي 10 ملايين نازح ولاجئ وفق الأمم المتحدة (رويترز) تحركات تحمل تفاهمات

وفي سياق متصل، شدد بابكر على أن التوصل إلى تفاهمات متعلقة بالعملية السياسية لمرحلة ما بعد الحرب "مسألة من المهم رسم ملامحها منذ وقت مبكر" مبينا أن مصر "حاولت لعب دور" في إرساء هذه التفاهمات.

وتابع أن مصر "نجحت في جمع قوى مؤثرة وأكدت مخرجات اجتماع القاهرة أهمية المستويات الثلاثة بدءا من منبر جدة (في إشارة للحراك السعودي من أجل حل الأمة في السودان) المعني بوقف إطلاق النار".

وفيما يتعلق بزيارة آبي أحمد للبرهان، اعتبرها بابكر تحمل مؤشرات مهمة أولها أن هناك تفاهمات بينه وبين طرفي الحرب استدعت زيارته للعاصمة المؤقتة بورتسودان.

وقال المحلل السوداني "لم يأت آبي أحمد للبحث عن حلول للأزمة من نقطة الصفر، ولا كوسيط بمعزل عما يجري من حراك دولي وإقليمي، بل جاء وفي حقيبته ما يشير إلى أهمية تأكيد تفاهمات قد تمت بالفعل".

ووصف بابكر الحراك الدبلوماسي بشأن السودان في الوقت الحالي بأنه "متناغم رغم تعدد خيوطه".

تراجع عن الرهانات الخاسرة

من جهته، رأى المحلل السياسي السوداني يوسف حمد أن "الحراك الراهن يمثل بدء عمليات التراجع عن الرهانات الخاسرة، والقراءات الخاطئة بشأن السودان".

وأوضح "بطريقة ما، نحن إزاء بداية جديدة لطبيعة جديدة حيال السودان، عنوانها الأبرز هو وقف الحرب والدخول في عمليات سلام، ولا نستطيع أن نخمن طبيعة هذا السلام وحدوده".

ولفت حمد إلى أن أي محاولة لفهم التحركات المصرية أو الإثيوبية تجاه الأزمة في السودان "يجب أن تأخذ في الحسبان التباين الطبيعي بين القاهرة وأديس أبابا، بسبب صراع المياه وسد النهضة".

وقال إنه بشكل عام كل بلد، سواء مصر أو إثيوبيا "يسعى لضمان حصوله على تأثير ما على الأوضاع المستقبلية في السودان".

ومنذ منتصف أبريل/نيسان 2023 يخوض الجيش السوداني بقيادة عبد الفتاح البرهان وقوات الدعم السريع بقيادة محمد حمدان دقلو (حميدتي) حربا خلّفت نحو 15 ألف قتيل وحوالي 10 ملايين نازح ولاجئ، وفق الأمم المتحدة.

المصدر: الجزيرة

كلمات دلالية: حراك الجامعات حريات وزیر الخارجیة السعودی الأمم المتحدة فی بورتسودان فی السودان بین الجیش وقف الحرب آبی أحمد

إقرأ أيضاً:

حصاد محدود لمفاوضات جنيف.. هل يُصعّد حرب السودان؟

الخرطوم- بعد 10 أيام، وفي غياب الحكومة والجيش السوداني، اختتمت في جنيف السويسرية مفاوضات رعتها الولايات المتحدة لوقف الحرب المستعرة في السودان منذ حوالي 16 شهرا، حيث يتوقع مراقبون ومحللون أن يتجه المجتمع الدولي لسياسة أشد حزما، وأن تتصاعد المواجهات العسكرية بين طرفي الصراع، مما يضاعف معاناة السودانيين.

وأكد البيان الختامي لمحادثات جنيف أنه تم الحصول على ضمانات من الجيش السوداني وقوات الدعم السريع لتوفير ممر إنساني آمن، في محاولة للتخفيف من تداعيات الحرب الدائرة بين الطرفين، موضحا أن الممر سيكون "آمنا ودون عراقيل عبر شريانين رئيسيين، هما الحدود الغربية عبر معبر أدري في إقليم دارفور، وطريق الدبة التي تتيح الوصول إلى الشمال والغرب من بورتسودان".

وشددت دول الوساطة في بيانها، على ضرورة عدم استخدام الغذاء والمجاعة سلاحا في الحرب، مؤكدين على مواصلة "تحقيق تقدم" بغرض فتح ممر آمن ثالث للمساعدات عبر سنّار في جنوب شرق البلاد.

من جانبه قال المبعوث الأميركي للسودان توم بيرييلو، خلال مؤتمر صحفي عقب نهاية المفاوضات "إننا نحاول تطبيق حظر التسليح على أطراف الصراع السوداني، والنزاع سيبقى مستمرا ما لم تكن هناك رغبة من الأطراف بإيقافه"، متهما طرفي النزاع بعدم الالتزام الكافي بتطبيق اتفاق جدة.

وقال المبعوث إنه كان من الممكن التقدم بالمحادثات لو حضر جميع أطراف النزاع السوداني، موضحا أنهم يحاولون تجسير الخلافات بينها، وأنهم ظلوا يتشاورون مع الجيش والدعم السريع منذ أشهر لوقف الحرب.

رسائل أميركية

وفي تطور جديد، اجتمع رئيس مجلس السيادة عبد الفتاح البرهان، اليوم الجمعة، مع وزير المخابرات العامة المصرية عباس كامل بعد أن وصل إلى بورتسودان، بحضور المدير العام لجهاز المخابرات السوداني أحمد إبراهيم مفضل، حيث أكد كامل على اهتمام بلاده بأمن واستقرار السودان، معربا عن أمله في إنهاء الحرب سريعا لوقف معاناة الشعب السوداني.

وقالت مصادر قريبة من مجلس السيادة للجزيرة نت، إن مدير المخابرات المصرية طرح أفكارا ومقترحات من القيادة المصرية لتحقيق تفاهم حول حوار سوداني أميركي بشأن تنفيذ "إعلان جدة"، بما يتيح وقف العدائيات ومناقشة الترتيبات الأمنية والعسكرية.

وأوضحت المصادر السيادية -التي طلبت عدم الإفصاح عن هويتها– أن كامل نقل نتائج اتصال الرئيس الأميركي جو بايدن مع الرئيس عبد الفتاح السيسي مؤخرا، ثم مباحثات الأخير مع وزير الخارجية الأميركي في العلمين المصرية قبل 3 أيام. وكشفت أن البرهان أبدى رغبته في تحقيق السلام وانفتاحه للتعاون في هذا الشأن، مع تمسك حكومته بعدم تجاوز تنفيذ "إعلان جدة" قبل الانتقال لمناقشة بقية الملفات.

حصاد محدود

ترى مديرة البرنامج الأفريقي بمركز "الأهرام للدراسات الإستراتيجية" أماني الطويل، أن مفاوضات جنيف "لم تحقق اختراقا نحو وقف الحرب، وحصادها كان محدودا"، حيث انحصر في موافقة الحكومة السودانية على فتح معبر أدري مع تشاد لتمرير الإغاثة إلى إقليم دارفور.

وتعتقد الباحثة المهتمة بشأن السودان في تصريح للجزيرة نت، أن موقف الجيش المتعلق بتنفيذ "إعلان جدة" كان صحيحا، لكن آلياته والوصول إلى ذلك كان غير صحيح، ودعت البرهان إلى التخلص من ضغوط القوى السياسية وحالة تقييم بعض هذه القوى، وأن يقف على مسافة واحدة من كافة التنظيمات.

وتوقعت الباحثة أن تشهد المرحلة المقبلة تصعيدا عسكريا وسياسيا في السودان، وأن يستدعي طرفا الحرب حلفاءهما لتعزيز مواقفهما، بالإضافة إلى تغير في طريقة تعامل المجتمع الدولي بدلا من المرونة التي أبداها بشأن مفاوضات جنيف.

أما الباحث والمحلل السياسي خالد سعد، فيقول إن الوساطة كانت عاجزة عن ممارسة ضغوط كافية على أطراف النزاع والدول المرتبطة بها، وبدت الولايات المتحدة الأميركية على غير عادتها مستعجلة لتسوية سياسية، لأن جزءا من هذا الأمر متعلق بتنافس سياسي في الانتخابات الرئاسية المرتقبة.

كما عجزت الدول عن تصميم وساطة شاملة، واكتفت بحصر المحادثات في أطر وقف إطلاق النار وتوصيل المساعدات الإنسانية، دون أن يشمل ذلك مقترحات عملية ومقبولة سياسيا لآليات تطبيق هذه الأطر، فضلا عن تجاهلها للبيئة السياسية المنقسمة، وعدم الاستجابة لتطلعات أصحاب المصلحة، الذين يربطون إنهاء الحرب باحتياجات العودة الآمنة وإعادة الإعمار، وفقا للمحلل.

وتوقع أيضا أن تعمل الوساطة في معالجة هذه القضايا بشمولية أكبر، وربما يسمح ذلك باستعادة منبر جنيف، خصوصا إذا تهيأت الظروف المناسبة لقيادة الجيش لخوض المحادثات حتى نهايتها، وحصلت على تطمينات واضحة بشأن شواغلها الداخلية.

رحلة متعثرة

كانت الإدارة الأميركية قد دعت في نهاية يوليو/تموز الماضي كلا من الجيش السوداني وقوات الدعم السريع إلى جولة جديدة من المفاوضات في جنيف لوضع حد للحرب المستمرة منذ 15 أبريل/نيسان 2023، بعد تعليق آخر جولة في ديسمبر/كانون الأول الماضي.

وانطلقت محادثات جنيف بين شركاء إقليميين ودوليين في 14 أغسطس/آب الجاري، بهدف "التوصل إلى اتفاق لوقف العنف في السودان، وتمكين وصول المساعدات الإنسانية إلى المتضررين"، وفي حين حضر وفد الدعم السريع غابت الحكومة السودانية، ورهنت مشاركتها بتنفيذ "إعلان جدة".

وتدخل وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن مرتين، مهاتفا رئيس مجلس السيادة وقائد الجيش عبد الفتاح البرهان، وجرت مشاورات في جدة بين الحكومة والوساطة الأميركية السعودية بشأن تنفيذ "إعلان جدة"، وتوسيع الجهات والدول المراقبة للمفاوضات، غير أنها أخفقت.

وبعد جهود مصرية، وافق البرهان على مشاورات جديدة مع الإدارة الأميركية في القاهرة الأربعاء الماضي، لكن تم إلغاؤها في اللحظات الأخيرة، وتبادل مجلس السيادة والمبعوث الأميركي توم بيرييلو الانتقادات.

وقال المبعوث الأميركي إن تأجيل المشاورات السودانية الأميركية "كان بسبب خرق الوفد السوداني للبروتوكول" من دون ذكر تفاصيل، بينما ذكر مجلس السيادة "أن الاجتماع لم ينعقد لظروف تتعلق بالوفد الأميركي".

مقالات مشابهة

  • مفاوضات جنيف تعلن توفير ممرين للمساعدات في السودان
  • حصاد محدود لمفاوضات جنيف.. هل يُصعّد حرب السودان؟
  • «البرهان» يلتقي رئيس المخابرات المصرية
  • جنيف- القاهرة.. السودان والفرصة الأخيرة لوقف الحرب
  • الولايات المتحدة: ندعم جهود مصر وقطر في التوصل لوقف إطلاق النار بغزة
  • مندوبة الولايات المتحدة بمجلس الأمن: ندعم جهود مصر وقطر في التوصل لوقف إطلاق النار بغزة
  • عاوز اقول حاجة عن فشل قمة بلينكن – أبو نمو ..
  • عاجل| جوتيريش يثمن جهود مصر الدؤوبة للتوصل لوقف إطلاق النار في غزة
  • السودان.. مراقبون يحددون شروط إنجاح جهود حل الأزمة
  • مجلس السيادة السوداني يضم عضوا جديدا إليه تزامنا مع تواصل القتال