إخضاع الدبلوماسيين المصريين لبرامج في الجيش.. هل يسعى النظام لعسكرة البلاد؟
تاريخ النشر: 16th, July 2024 GMT
حالة من الغضب انتابت سياسيين ودبلوماسيين مصريين بعد الإعلان عن تخرج دفعة من الدبلوماسيين في الأكاديمية العسكرية المصرية، وظهور مقاطع مصورة لتسليمهم شهادات تخرج من مؤسسة الجيش، وسط اتهامات البعض لها بالسعي لعسكرة البلاد وتغيير عقيدة المصريين وإخضاع مؤسسات الدولة لسيطرتها.
ونظمت الأكاديمية العسكرية المصرية مراسم تخريج الدورة رقم (56) للملحقين الدبلوماسيين بوزارة الخارجية والهجرة، الأحد الماضي، وذلك بعد إتمام دورتهم التدريبية بالكلية الحربية بالتعاون مع الجهات المعنية بالقوات المسلحة.
مساعد وزير الخارجية السفير علاء حجازي، أعرب عن تقديره لدور الأكاديمية العسكرية المصرية فى تأهيل العاملين بالوزارة، لاستكمال مسيرة الدفاع عن مصالح مصر بالخارج.
وأكد مدير الأكاديمية العسكرية المصرية الفريق أشرف سالم زاهر، على أهمية تلك الدورات التدريبية لبناء كوادر من العاملين بمؤسسات الدولة مسلحين بالخبرات العلمية والعملية وفقا لأحدث نظم التدريب والتأهيل الحديثة.
"ظهور صادم"
وكان إعلان الأكاديمية العسكرية عن تخرج دفعة من المعلمين، والدعاة، والقضاة، والموظفين الحكوميين الجدد في وزارة النقل وغيرها، منذ العام الماضي بدعم وتوجيه وحضور رئيس النظام عبدالفتاح السيسي، وتصدره المشهد في بعض المرات، قد أثار حالة من الجدل، حول سبب خضوع الموظفين المدنيين لمثل تلك البرامج العسكرية.
لكنه يظل صادما لدى البعض إلزام الدبلوماسية المصرية بالخضوع لبرامج ودورات عسكرية رغم ما لوزارة الخارجية من مؤسسات تعليمية وخبرات كبيرة عبر كبار دبلوماسييها وسفرائها، وبينها "المعهد الدبلوماسي" بالقاهرة والذي يستقبل دبلوماسيين للتدريب من كافة الدول العربية والإفريقية، إلى جانب المصريين.
كذلك يتخوف البعض من سيطرة وزارة الدفاع على وزارات والخارجية والعدل رغم أنهما إلى جانب وزارة الداخلية من الوزارات السيادية الأربعة في البلاد، تماما كوزارة الدفاع، ولهما خصوصية وسياسات وتوجهات وتعاملات مع الخارج والداخل.
ما جعل بعض المراقبين يرون في تدخل وزارة الدفاع كوزارة سيادية في تدريب الموظفين الجدد بوزارتي الخارجية والعدل السياديتين أيضا، ليس له منطق مبرر غير عسكرة عقول العاملين فيهما والسيطرة على مؤسسة القضاء والتحكم في العلاقات الخارجية بل والتغول على الصلاحيات والمهام.
كما لفت مراقبون إلى أن تدريب الدبلوماسيين المصريين بطرق عسكرية غير مناسب، ويتزامن مع ما تمر به مصر، والمنطقة العربية، وإقليم الشرق الأوسط، من أزمات، حيث تشتعل حدود مصر الشرقية بعدوان الاحتلال على قطاع غزة، وتواجه الحدود الجنوبية أزمة الحرب الداخلية بالسودان.
ولاقى ظهور شباب الدبلوماسية المصرية وصناع علاقات مصر الخارجية بالمستقبل داخل الأكاديمية العسكرية انتقادات حادة، من المعارضة المصرية، وعبر فضائياتها.
نشاط إجتماعى .... الأكاديمية العسكرية تعلن تخرج دفعة جديدة من الدبلوماسيين !!! pic.twitter.com/m9nxehwSdR — قناة الشرق (@ElsharqTV) July 14, 2024
"عسكرة التعليم والأوقاف والنقل"
ومنذ العام الماضي، ويثار الجدل حول تدريب المعينين الجدد بمختلف قطاعات الدولة في الأكاديمية العسكرية، مدة 6 أشهر، يتم فيها إعداد الطالب بأساسيات الحياة العسكرية والانضباط العسكري ورفع الكفاءة البدنية، والتركيز على المهارات الأساسية لوظيفته المقبلة ورفع قدرته على التحمل، بحسب بيانات المتحدث العسكري المصري.
وأثيرت العديد من الأزمات بعد رفض الأكاديمية العسكرية عدد من المتقدمين لوظائف المعلمين والأئمة والعاملين بقطاع النقل وحتى الجهات القضائية والنيابية بدعوى الوزن الزائد وعدم اللياقة البدنية والصحية.
وفي تشرين الأول/ أكتوبر الماضي، قامت الأكاديمية العسكرية المصرية بتخريج الدورة الأولى للمعلمين المرشحين لشغل وظيفة مديري مدارس بمسابقة الـ"30 ألف معلم"، بعد إتمام دورتهم التدريبية بالكلية الحربية، ما أثار جدلا حول علاقة المعلم ومديري المدارس بالتدريبات والبرامج والعلوم العسكرية.
حينها جرى استبعاد مئات المعلمين والمعلمات بسبب عدم اللياقة البدنية وزيادة الوزن، ما دفع مئات المستبعدين للتظاهر أمام مجلس الوزراء بالعاصمة الإدارية الجديدة، والذين طاردتهم قوات الأمن في موقف مهين للمعلم المصري.
#المتحدث_العسكرى : تخريج الدورة الأولى للمعلمين المرشحين لشغل وظيفة مديرى مدارس من الأكاديمية العسكرية المصرية بعد إتمام دورتهم التدريبية بالكلية الحربية ...
إنستجرام :https://t.co/IuW9VBiCH0
ثريدز :https://t.co/nQnX4C54Wb pic.twitter.com/cChjHoiUsI — المتحدث العسكري (@EgyArmySpox) October 28, 2023
وفي تشرين الثاني/ نوفمبر الماضي، أعلن المتحدث باسم الجيش المصري تخرج أول دفعة من الأئمة المرشحين للعمل بوزارة الأوقاف، بعد إتمامهم دورة تدريبية بكلية الضباط الاحتياط، بمدينة الإسماعيلية شرق القاهرة، ما لاقى انتقادات واسعة حينها، ومخاوف من تغيير في توجهات وأفكار وعقيدة أئمة المساجد في مصر.
بعد إتمام دورتهم التدريبية بكلية #الضباط الإحتياط.. #الجيش يشهد تخرج الدفعة الأولى من #الأئمة المرشحين للعمل بـ #وزارة_الأوقاف #مزيد pic.twitter.com/a1bwrSzBMy — مزيد - Mazid (@MazidNews) September 17, 2023
وفي شباط/ فبراير الماضي، جرى تخريج دفعة من المتقدمين الجدد للالتحاق بوظائف وأعمال الهيئات التابعة لوزارة النقل، من الأكاديمية العسكرية المصرية، وهو الأمر الذي تم بحضور السيسي، الذي شارك بنفسه في حفل التخرج.
وفي نيسان/ أبريل الماضي، وحرصا منه على استمرار ذلك المسلك وتعزيز ذلك التوجه حضر السيسي، اختبارات المعلمين المتقدمين للالتحاق بوظائف وزارة التعليم.
"إلزام السيسي.. ورفض القضاة"
وكان لافتا أيضا، إعلان المتحدث العسكري المصري بـ"فيسبوك"، تخريج الأكاديمية العسكرية المصرية دفعة من المعينين بالجهات القضائية -الدفعة الأولى (ب)- بعد إتمام دورتهم التدريبية في الكلية الحربية، 13 حزيران/ يونيو الماضي، حيث شملت المتقدمين لوظائف معاون نيابة عامة، دفعة 2021، ومندوب مساعد بمجلس الدولة، دفعة 2020.
وهو ما مثل صدمة كبيرة بين بعض القضاة، وسط تساؤلات حول علاقة القضاء بالمؤسسة العسكرية، ومخاوف من سلب استقلالية القضاء المصري وإخضاعه للمؤسسة العسكرية، خاصة مع رفض رئيس نادي القضاة ذلك التوجه.
وفي نيسان/ أبريل 2023، صدر توجيه رئاسي يلزم الراغبين في التعيين بالحكومة بالحصول على دورة تأهيل بالكلية الحربية لمدة 6 أشهر كشرط أساسي للتعيين، وهو ما رد عليه نادي القضاة عبر خطاب لمجلس القضاء الأعلى، في أيار/ مايو 2023، مؤكدا أنه "أمر غير متصور بالنسبة للمرشحين للعمل في القضاء".
وأكد أنه "يجب ألا يشارك مجلس القضاء الأعلى أو ينازعه أحد في هذا الاختصاص"، منعا لـ"الماس باستقلال القضاء"، فيما دشن معارضون وبينهم "الاشتراكيين الثوريين"، حملة ضد "عسكرة القضاء والوظائف المدنية".
ويتعدى هذا الإجراء بكثير ما كانت قد فرضته حكومة السيسي، على المعينين بالوظائف الحكومية منذ تموز/ يوليو 2017، من اجتياز التحريات الأمنية التي يجريها الأمن الوطني، لقياس درجة الولاء، والميول السياسية والدينية والجنسية للمتقدمين.
وكانت حركة الاشتراكيين الثوريين قد أكدت "على ضرورة مواجهة عسكرة الوظائف المدنية، التي طالت من قبل المعلمين وأئمة الأوقاف والدبلوماسيين، بإطلاق حملة منسقة تشترك فيها القوى السياسية والحقوقية والنقابية تحت شعار لا للعسكرة".
"عسكرة وتغيير جينات"
وفي قراءته لدلالات إخضاع الدبلوماسيين الجدد لبرامج تعليم وتدريب بالمؤسسة العسكرية، قال مساعد وزير الخارجية المصري الأسبق السفير الدكتور عبدالله الأشعل: "إذا كان الهدف هو عسكرة مصر فإن مصر لن تتعسكر أبدا، وإذا كان الهدف هو تدمير مصر وتدمير السلك الدبلوماسي، فالداخلين الجدد إلى وزارة الخارجية منتبهون جيدا لهذا الأمر".
وبشأن خطورة ذلك على تعامل الدبلوماسيين المصريين في الخارج وفقا للقواعد الدبلوماسية، أضاف الأشعل لـ"عربي21": "نحن في وزارة الخارجية من كان يدرب العسكريين، وأبدا لم يكن يدرب العسكريون الدبلوماسيين، بل نحن من كان يحضر العسكريين لمهامهم".
ولفت إلى أن "أكاديمة ناصر العسكرية أنشأت قسما للماجستير والدكتوراه والعلوم العسكرية، لأجل أن يقال إن العسكري دارس للعلوم السياسية، لكن الأمر لا يستوي بهذه الطريقة نظرا لكبر سن أغلب العسكريين الدارسين".
ومضى يقول: "لاحظت من خلال عملي في وزارة الخارجية أن القادمين للوزارة من خلفيات شرطية وعسكرية حتى ولو كان عمره 25 سنة، من الصعب أن يكون دبلوماسي كما يجب أن يكون، لأن الدبلوماسي ينشأ داخل الوزارة ويدرس موادا وعلوما مدنية متخصصة من سن 21 سنة".
واستدرك :"لكن الآخر؛ تم تكوينه في سنوات التكوين كضابط شرطة أو ضابط جيش، حتى الذي يعمل في سلك القضاء يصعب أن يكون دبلوماسيا ،حيث واجهت هذا الموضوع، أثناء عملي كمدير للمعهد الدبلوماسي التابع للخارجية المصرية".
وعن هدف إخضاع الدبلوماسيين المصريين الجدد لبرامج تعليم وتدريب بالمؤسسة العسكرية المصرية، وهل هو تغيير العقيدة الدبلوماسية كما تغيرت العقيدة العسكرية للجيش المصري في عهد السيسي؟، أشار إلى أن "العسكرة قائمة في الدولة، ومنها عسكرة المحافظين والوزراء".
وبين أن "هذا ليس معقولا"، موضحا أن "الهدف من العسكرة هو تغيير عقيدة المصريين، أساسا".
ولفت إلى أن "السفير الإسرائيلي، قال في حديث مطول مع صحيفة (المصري اليوم)، المحلية، إن علاقتنا ممتازة بالسلطة السياسية، ولكن مهمتي هي تطويع الشعب المصري نحو قبول إسرائيل".
وقال في نهاية حديثه، إن "النظام الحالي يحاول تغيير جينات المصريين، وهذا لا يصح"، محملا "المسؤولين المصريين تبعات تلك الحالة".
"على النمط العسكري"
من جانبه قال السياسي المصري الدكتور عمرو عادل، إن "طريقة نمط تفكير العسكريين المختلفة عن المجتمع المدني بأكمله نظرا لطبيعة المنظومة العسكرية، تجعل من الصعب جدا التعامل بينهم".
رئيس المكتب السياسي للمجلس الثوري المصري المعارض، أضاف لـ"عربي21": "ويصبح من الضروري إخضاع أحدهما للآخر"، مشيرا إلى أن "الطبيعي أن تكون المؤسسة العسكرية تحت تصرف القيادة السياسية".
ولفت إلى أنه "عندما يحدث العكس؛ وتصبح المؤسسة العسكرية صاحبة السلطة ولها السيطرة على كافة مؤسسات المجتمع المدني، تحاول تنميط المؤسسات المدنية علي النمط العسكري في التفكير والإدارة".
ضابط الجيش المصري السابق، أكد أنه "كلما زادت سيطرة المؤسسة العسكرية تزداد رغبتها في التنميط"، مضيفا: "ورأينا قبل الدبلوماسيين الكثير من القطاعات يحدث معها ذلك".
وأوضح أنه "كانت الوسيلة سابقا هي تجنيد الأفراد كجنود أو ضباط احتياط؛ ولكن لم تعد كافية من رغبتهم في التنميط التام، فدخلوا مرحلة جديدة الآن من العسكرة".
ويعتقد عادل، أن "القضية ليست الدبلوماسيين، القضية في عدم قدرة العسكر على تحمل أي اختلاف في أنماط التفكير".
ومضى في نهاية حديثه للقول: "الخطورة أن الدبلوماسية هي أحد أهم الأدوات السياسية بالمجتمع، والتعامل معها بهذه الطريقة يدمر واحدة من أهم مؤسسات المجتمع".
المصدر: عربي21
كلمات دلالية: سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة مقابلات سياسة دولية مصريين الدبلوماسيين تخريج مصر دبلوماسيين تخريج المزيد في سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة اقتصاد رياضة صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة الأکادیمیة العسکریة المصریة بالکلیة الحربیة وزارة الخارجیة دفعة من إلى أن
إقرأ أيضاً:
خلال مئة عام.. تعرف على رحلة الدساتير في سوريا بعد سقوط النظام
تعتبر الدساتير مرآة للتطورات السياسية والاجتماعية التي مرت بها سوريا منذ إعلانها مملكة عام 1920 إبان خروجها عن سلطة الدولة العثمانية وحتى انتصار الثورة السورية في كانون الأول /ديسمبر عام 2024، إثر إنهاء حكم عائلة الأسد الذي دام إلى ما يزيد عن 50 عاما.
وبعد سقوط النظام، قررت السلطات الجديدة تجميد الدستور والبرلمان خلال فترة عمل حكومة تصريف الأعمال التي من شأنها أن تصل إلى نهايتها مطلع آذار /مارس المقبل.
وكان قائد الإدارة الجديدة في سوريا، أحمد الشرع، قال في مقابلة صحفية قبل أسابيع، إن عداد وكتابة دستور جديد في البلاد قد يستغرق نحو ثلاث سنوات، بينما قد تحتاج الانتخابات العامة إلى أربع سنوات.
ولا يزال المشهد السياسي في سوريا ضبابيا منذ سقوط النظام المخلوع، فبينما تتعالى أصوات مطالبة بإقرار العمل بشكل مؤقت بدستور عام 1950 لمنع أي تداعيات سلبية للفراغ الحاصل، تتحدث السلطة الجديدة عن التحضير لمؤتمر وطني جامع قد يسفر عن قرارات تعالج مسألة الدستور الذي من شأنه أن يرسم ملامح سوريا الجديدة.
وفي هذه المادة، نستعرض الدساتير التي مرت على سوريا خلال المئة عام الأخيرة:
◼ دستور 1920 - المملكة السورية العربية
في تموز /يوليو 1920، وبعد إعلان استقلال سوريا تحت قيادة الأمير فيصل بن الحسين، وُضع أول دستور للبلاد. هذا الدستور كان نتاج رؤية وطنية تهدف إلى إنشاء دولة دستورية حديثة.
حدد الدستور النظام السياسي على أنه ملكية دستورية تُحكم وفق قوانين ديمقراطية، مع وجود برلمان منتخب، بالإضافة إلى التأكيد على اللغة العربية كلغة رسمية للبلاد. لكن هذا الدستور لم يستمر طويلا؛ إذ انهار مع دخول القوات الفرنسية وفرضها الانتداب على سوريا بعد معركة ميسلون.
◼ دستور 1930 - الانتداب الفرنسي
مع تثبيت الانتداب الفرنسي في سوريا بعد انهيار الحكم الملكي، أُقر دستور جديد في البلاد في أيار /مايو عام 1930، نص على أن سوريا دولة مستقلة ذات سيادة، وأن نظام الحكم جمهوري نيابي.
حاول هذا الدستور تقديم مظهر من السيادة السورية، لكنه في الواقع رسخ سيطرة فرنسا على القرارات السياسية للبلاد. ورغم أن الدستور تضمن نصوصًا حول حقوق المواطنين وحرية الصحافة ضمن حدود القانون، إلا أن السلطة الحقيقية بقيت بيد المفوض السامي الفرنسي.
وجاءت إضافة المادة 116 على الدستور من قبل المفوض السامي لتفرغ الدستور من مضمونه، حيث نصت على أن حكم من أحكام الدستور لا يجب أن يتعارض مع الإرادة الفرنسية.
◼ دستور 1950 - الجمهورية السورية الأولى
بعد الاستقلال عن فرنسا عام 1946، بدأت سوريا مرحلة جديدة من تاريخها السياسي. في 5 أيلول /سبتمبر عام 1950، أُقر دستور جديد كان يُعتبر من أكثر الدساتير ديمقراطية في تاريخ البلاد.
ركز على تعزيز الحريات العامة وحقوق الإنسان، كما أسس لنظام جمهوري برلماني ديمقراطي مع توازن بين السلطات. ونص على تحديد الإسلام كدين لرئيس الدولة مع احترام باقي الأديان.
ونص الدستور كذلك على حرية تشكيل الأحزاب السياسية، وحرية السوريين في الاجتماع والتظاهر بصور سلمية. وعكست هذه المرحلة طموحات السوريين في بناء دولة مدنية حديثة، حيث شهدت البلاد ازدهارا سياسيا خلال هذه الفترة.
◼ دستور 1973 - عهد حافظ الأسد
مع استيلاء حافظ الأسد على السلطة في عام 1970، بدأ العمل على دستور جديد صدر في 13 آذار مارس عام 1973. هذا الدستور عزز هيمنة حزب البعث، حيث نصت المادة الثامنة على أنه "القائد للدولة والمجتمع".
كما جرى منح الرئيس صلاحيات واسعة شملت التحكم في جميع مفاصل الدولة. عُرف هذا الدستور بأنه أداة لترسيخ حكم الأسد، واستمر العمل به طوال فترة حكمه وحتى وفاته عام 2000، حيث تعرض الدستور لتعديل إحدى مواده المتعلقة بسن رئيس الجمهورية.
وفي تصويت شكلي، وافق البرلمان على التعديل ما سمح لبشار الأسد بخلافة والده على حكم البلاد.
◼ دستور 2012 - عهد بشار الأسد
في ظل الاحتجاجات الشعبية التي اندلعت عقب انطلاق الثورة السورية عام 2011 ضد نظام بشار الأسد، أقر الأخير دستورا جديدا في 26 شباط /فبراير عام 2012 كاستجابة لضغوط الشعبية.
جاء هذا الدستور بتعديلات شكلية طفيفة، مثل إلغاء النص الذي يمنح حزب البعث قيادة الدولة والمجتمع، والسماح بتشكيل أحزاب سياسية.
ومع ذلك، حافظ على سلطات مطلقة للرئيس، وظل النظام قمعيا في جوهره، ما جعله محاولة فاشلة لاحتواء الغضب الشعبي.
مرحلة انتصار الثورة
تاريخ الدساتير السورية يعكس مسيرة طويلة من النضال السياسي والاجتماعي، مع محطات من التقدم والديمقراطية وأخرى من الاستبداد الذي ألقى بظلاله على البلاد لعقود خلال حكم عائلة الأسد.
مع انتصار الثورة في الثامن من كانون الأول /ديسمبر عام 2024، تواجه سوريا فرصة تاريخية لصياغة دستور يحقق طموحات شعبها ويؤسس لدولة العدل والقانون.