الجزيرة:
2025-02-24@05:16:36 GMT

العنصرية سلاح خفي ينهش أرواح الأتراك والعرب

تاريخ النشر: 16th, July 2024 GMT

العنصرية سلاح خفي ينهش أرواح الأتراك والعرب

إسماعيل، شابّ سوريّ طموح، ولد في الكويت حيث أكمل تعليمه الأساسي، ثم انتقل إلى تركيا للدراسة في جامعة سكاريا، بقسم علم الاجتماع، ليعود إلى الكويت مجددًا بعد إنهاء الجامعة. أتقن إسماعيل التركية خلال سنوات دراسته الجامعية، وأصبح من عشّاقها. وبعد عودته إلى الكويت، سعى لتحديد مسار حياته المهنية بطريقة تتيح له خدمة تركيا أيضًا.

توصل إلى أن أفضل ما يمكن فعله هو بناء جسور تواصل قوية بين العرب والأتراك. ولتحقيق ذلك قرر افتتاح معهد لتعليم اللغة التركية في العالم العربي؛ إيمانًا بالحاجة الملحة إلى مثل هذه المبادرة حاليًا.

في الواقع، يعمل معهد يونس إمرة التركي في الكويت بالفعل على تلبية هذه الحاجة، ويهدف المعهد إلى توسيع نطاق هذا الطلب وتلبية احتياجاته بشكل أكبر. لكن إسماعيل أراد القيام بذلك كمشروع خاص، باستخدام طرق تعليمية حديثة، فبدأ بعدد محدود من الطلاب، لكن سرعان ما أجبرته كثرة الراغبين في تعلم اللغة التركية على توسيع نطاق عمله خلال وقت قصير، ليصبح اليوم مؤسَّسة تعليمية قوية تقدم دورات حضورية وعن بُعد، ليس فقط للكويت بل لجميع دول الخليج. وخلال بضع سنوات، استفاد ما يقارب 5000 طالب من هذه الدورات.

لا شك أن هذه المؤسسة، التي يديرها ويقوم بالتدريس فيها شباب سوريون من مواليد الكويت، هي مثال واحد فقط على مساهمة السوريين في اقتصاد تركيا وثقافتها ونشاطها في العالم العربي، بدرجات متفاوتة.

هناك أمثلة عديدة لسوريين يقدمون خدمة جليلة لتركيا من خلال التواصل مع الجمهور العربي. في إحدى مراحل الدراسة، يجمع إسماعيل طلابه في جلسات للتحدث باللغة التركية، ويدعو شخصيات من تركيا للمشاركة فيها، وكان آخرهم السفيرة التركية توبا نور سونماز التي قدمت جلسة تفاعلية مميزة مع الطلاب.

تكسر هذه الجلسات الأجواء الروتينية للدراسة، وتتجاوز فائدتها التدرب على قواعد اللغة التركية، إذ تتيح للطلاب تجربة حقيقية للتواصل باللغة التركية مع شخصيات يتعرفون منها على الثقافة التركية.

لقد كانت تجربة رائعة أن أشارك مع زوجتي، والدكتور أيدن أقطاي من جامعة سكاريا وزوجته، في واحدة من هذه الدورات التي حضرها طلاب من مختلف الفئات العمرية والمهنية، يظهرون حماسًا كبيرًا لتعلم اللغة.

كانت هذه المحادثات حول تركيا واللغة التركية وموضوعات أخرى، مميزة جدًا. رواد الدورة نخبة من الأشخاص المميزين، لديهم استثمارات في تركيا، ويسعون إلى تعزيز علاقاتهم معها. ويبدي كثير منهم اهتمامًا كبيرًا بالمسلسلات التركية، لدرجة سرد جميع الأعمال الدرامية والتاريخية بسهولة. والمسلسلات الدرامية التركية أكثر جاذبية لهم من الدراما الغربية، كما أن المسلسلات التاريخية التركية أثارت لديهم اهتمامًا كبيرًا بالتاريخ التركي الإسلامي، بل عززت الشعور بالاعتزاز بالحقبتين: العثمانية والسلجوقية.

أدى هذا الاهتمام المتزايد بالتاريخ العثماني التركي إلى زيادة الاهتمام بالدراسات الأكاديمية كذلك. فقد شهدت المحاضرات الصيفية التي قدمها أستاذ التاريخ في جامعة الكويت، البروفيسور فيصل الكندري، حول التاريخ العثماني، إقبالًا كبيرًا من الطلاب. وبدعوة منه، أتيحت لي الفرصة لإلقاء محاضرة أمام طلابه حول التاريخ العثماني.

على مدار العشرين عامًا الماضية، رسخت تركيا صورة قوية في جميع أنحاء الدول العربية، تحولت إلى مشاعر حب واحترام وتعاطف، بل وصلت إلى حد الشعور بالهوية المشتركة. وهذا أمر لا يمكن لأي دولة أو شعب أن يحققه بسهولة، ولا ينبغي لأحد أن يظن أن الأمر كان على هذا النحو منذ القدم. فقبل عقدين من الزمن، لم تكن هذه هي صورة تركيا لدى الدول العربية، بل على العكس، كانت ذاكرة الأحداث السلبية في التاريخ حاضرة بقوة، وكان السائد أن تركيا ابتعدت عن العالم الإسلامي وازدادت تقاربًا مع الغرب.

ولكن بفضل القيادة التي أظهرها أردوغان خلال 20 عامًا والنمو الاقتصادي والاجتماعي للبلاد، وتأكيدها النبيل على هويتها في علاقتها مع الغرب، وخاصة موقف أردوغان في منتدى دافوس، ثم موقفه الداعم للقضية الفلسطينية وتحديه لإسرائيل والولايات المتحدة أحيانًا، ووقوف تركيا إلى جانب الشعوب خلال ثورات الربيع العربي، ونهجها الرحيم تجاه الفارّين للنجاة بأرواحهم من سوريا، واليمن، والعراق، وليبيا، كل هذه العوامل ساهمت في اكتساب تركيا روابط قوية ومصداقية لدى الشعوب العربية.

لا يرى الجهلاء من الصورة إلا أن السوريين وغيرهم من اللاجئين جاؤوا إلى تركيا يحملون مشاكلهم ومعاناتهم وأعباءهم فقط. ويخفى عليهم أن هؤلاء جلبوا أيضًا التقدير والدعم والمشاعر الإيجابية من قِبل جميع الشعوب العربية، بل وحتى من بعض الحكومات، وذلك بفضل الموقف الإنساني الذي أظهرته تركيا تجاههم. بذلك أصبحت تركيا في نظر جميع الشعوب العربية الدولة الأكثر استحقاقًا للدعم في جميع الظروف، وأصبحت الوجهة المفضلة للتجارة والاستثمار والسياحة.

العنصريون في تركيا عاجزون عن إدراك هذه الحقيقة الساطعة، وأدرك أنه لا جدوى من محاولة إقناعهم، فهؤلاء يكنون الكراهية للعرب بشكل عام في كل الأحوال، لأنهم في الأصل يكرهون الإسلام. وربما يرون أن المال والسياحة وكل الفوائد القادمة من العرب غير ضرورية. ولكن هل يجب على جميع الأتراك أن يروا ما يراه العنصريون من عدم ضرورة تلك الفوائد القادمة من العالم العربي؟ هل يجب على الشعب بأكمله أن يدفع ثمن مواقفهم المستبدة والوحشية؟

واقع الأمر أن ما يقوم به هؤلاء ليس عنصرية حقيقية. بل هو بالأحرى ضربة قاسية للاستثمارات الضخمة التي بذلتها تركيا على مدار عشرين عامًا، والتي لا يمكن تعويضها بمليارات الدولارات. فظهور صور السكين التي لوحت بها يد أحد الحمقى في وسائل الإعلام العربية، غدت فرصة يستغلها البعض لهدم كل ما حققته الدبلوماسية التركية على مدار سنوات من العمل الجاد والمثمر.

وبقدر ما يوجد عداء للعرب في الجانب التركي، هناك أيضًا أوساط عربية تنتظر الفرصة لمعاداة تركيا. ولذلك فإن العنصريين العرب والعنصريين الأتراك يخدمون نفس الهدف، وحتى لو كانوا صادقين في عنصريتهم، فإن أفعالهم التي تستهدف النيل من بعضهم البعض، تجعلهم في النهاية يعملون لتحقيق أهداف واحدة، وكأنهم في حالة من التضامن. أهداف لن تصب في خدمة مصالح أي من العرقين، بل في مصالح سيدهم المشترك، إسرائيل.

وكما أنّ العنصرية العربية هي سمّ العرب، فإنّ العنصرية التركية هي سمّ الأتراك أيضًا.

الآراء الواردة في المقال لا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لشبكة الجزيرة.

aj-logo

aj-logo

aj-logoمن نحناعرض المزيدمن نحنالأحكام والشروطسياسة الخصوصيةسياسة ملفات تعريف الارتباطتفضيلات ملفات تعريف الارتباطخريطة الموقعتواصل معنااعرض المزيدتواصل معنااحصل على المساعدةأعلن معناالنشرات البريديةرابط بديلترددات البثبيانات صحفيةشبكتنااعرض المزيدمركز الجزيرة للدراساتمعهد الجزيرة للإعلامتعلم العربيةمركز الجزيرة للحريات العامة وحقوق الإنسانقنواتنااعرض المزيدالجزيرة الإخباريةالجزيرة الإنجليزيالجزيرة مباشرالجزيرة الوثائقيةالجزيرة البلقانعربي AJ+

تابع الجزيرة نت على:

facebooktwitteryoutubeinstagram-colored-outlinersswhatsapptelegramtiktok-colored-outlineجميع الحقوق محفوظة © 2024 شبكة الجزيرة الاعلامية

المصدر: الجزيرة

كلمات دلالية: حراك الجامعات حريات اللغة الترکیة ا کبیر ا

إقرأ أيضاً:

الموت بأرخص سعر.. لماذا تهدد "حبة الغلة" أرواح المصريين؟

في السنوات الأخيرة، تحولت "حبة الغلة" من مجرد مبيد حشري يُستخدم لحماية المحاصيل من الحشرات والقوارض، إلى وسيلة انتحار قاتلة تنتشر بشكل واسع في مصر، خاصة بين الشباب.

ورغم التحذيرات المستمرة من خطورتها، إلا أن سهولة الحصول عليها، ورخص ثمنها، وفعاليتها السريعة، جعلتها الخيار الأول لمن يفكر في إنهاء حياته. لذلك تصاعدت الأصوات المنادية بضرورة فرض رقابة صارمة على بيعها، لكن حتى الآن، لا تزال تودي بحياة العشرات سنوياً. مأساة خلال 24 ساعة

شهدت مصر خلال 24 ساعة فقط حادثتي انتحار صادمتين، بطلتهما "حبة الغلة" القاتلة. ورغم اختلاف الدوافع والظروف، إلا أن النتيجة كانت واحدة: فقدان شابين لحياتهما وسط حالة من الصدمة بين عائلتيهما وأصدقائهما.
في الحادثة الأولى، أقدم شاب عشريني من محافظة الدقهلية على إنهاء حياته عبر بث مباشر على "فيس بوك"، حيث ظهر في الفيديو وهو يعلن قراره الصادم، ويؤكد أنه تناول قرصين من حبوب الغلة. وبعد وفاته، كشف أصدقاؤه أنه كان يعاني من ضغوط نفسية وديون متراكمة دفعته إلى هذا القرار المأساوي.

فيديو.. انتحار شاب مصري في بث مباشر - موقع 24اهتزت منصات التواصل الاجتماعي في مصر، عقب حادثة مؤسفة شهدتها إحدى قرى محافظة الدقهلية، بعد انتحار شاب عشريني عبر خاصية البث المباشر في "فيس بوك".

أما الحادثة الثانية فكانت في محافظة الغربية، حيث أقدم شاب عمره 37 عاماً على الانتحار بنفس الطريقة، لكن الأمر لم يقتصر على ذلك، إذ حاول أيضاً إنهاء حياة طفلتيه بإعطائهما الحبة السامة، وذلك حزناً على فراق زوجته التي أنهت حياتها بنفس الطريقة قبل شهرين.
تم نقل الأب وطفلتيه إلى المستشفى في حالة خطيرة، إلا أن الأب لم ينجُ وفارق الحياة فور وصوله، بينما تمكن الأطباء من إنقاذ الطفلتين بعد إجراء غسيل معوي لهما. وكشفت التحريات أن الأب كان يمر بحالة نفسية سيئة للغاية بعد وفاة زوجته، ما جعله يقدم على هذا الفعل الصادم.

ما هي "حبة الغلة"؟ وما خطورتها؟ "حبة الغلة" هي عبارة عن قرص يحتوي على فوسفيد الألومنيوم، وهو مادة كيميائية شديدة السمية تُستخدم كمبيد حشري لحماية الحبوب المخزنة من الحشرات والقوارض. عند تعرض هذا القرص للرطوبة أو الماء، يطلق غاز الفوسفين، وهو غاز قاتل يؤدي إلى شلل في وظائف الجسم وتوقف الأجهزة الحيوية تدريجيًا، مما يؤدي إلى الموت خلال ساعات.
تكمن خطورة هذه الحبة في أنها رخيصة الثمن، حيث لا يتجاوز سعر القرص 1 جنيه مصري، كما أنها متاحة بسهولة في محلات المبيدات الزراعية، مما يجعلها وسيلة انتحار شائعة، خاصة في المناطق الريفية حيث تُباع بكميات كبيرة دون رقابة مشددة. تحذيرات علمية وطبية

حذّر أطباء من أن خطورة "حبة الغلة" لا تكمن فقط في تناولها، بل أيضاً في مجرد استنشاق غاز الفوسفين المتبخر منها، والذي يمكن أن يؤدي إلى التسمم والموت خلال أيام. كما يؤكد الأطباء أنه لا يوجد مصل مضاد لهذه المادة، مما يجعل فرص النجاة ضئيلة حتى مع التدخل الطبي السريع.
فعند تناول "حبة الغلة"، يبدأ تأثيرها فوراً حيث تتفاعل مع عصارة المعدة، مما يؤدي إلى إطلاق غاز سام يشبه القنبلة الكيميائية، ويسبّب توقف القلب والرئتين والكبد والكلى تباعاً، وتظهر الأعراض خلال دقائق، وتشمل: هبوط حاد في القلب، فشل تنفسي يؤدي إلى الاختناق، توقف الأجهزة الحيوية تباعاً، مما يؤدي إلى الموت،

وفي حالة الاشتباه في تناول شخص لهذه الحبة، يجب نقله فوراً إلى المستشفى. ولكن حتى الوصول، يمكن القيام ببعض الإسعافات الأولية لمحاولة تأخير امتصاص السم، مثل: إعطائه فنجان زيت كل 15 دقيقة، حيث يعمل الزيت على تغليف الحبة ومنع تفاعلها مع عصارة المعدة، وتجنب شرب الماء لأنه يُسرّع من تفاعل المادة السامة.

تحركات حكومية في مصر

مع تزايد حالات الانتحار بسبب "حبة الغلة"، بدأت السلطات المصرية اتخاذ بعض الإجراءات للحد من انتشارها. فقد أصدرت وزارة الزراعة قرارات بحظر بيعها في محلات المستلزمات الزراعية الصغيرة، واقتصار تداولها على الشركات الكبرى، كما تم تقليل كميات استيرادها لحين إيجاد بديل أكثر أماناً.
بالإضافة إلى ذلك، شددت الجهات الرقابية حملاتها على محلات بيع المبيدات الزراعية، وفرضت عقوبات تصل إلى الإغلاق أو السجن على المحلات التي تبيع هذه الأقراص بشكل غير قانوني. كما أوصى البرلمان المصري وزارة الأوقاف بإثارة قضية الانتحار باستخدام "حبة الغلة" عبر منابر المساجد، لزيادة الوعي بمخاطرها.

رفض الفلاحين لمطالب الحظر

في سياق الجدل المستمر حول خطورة "حبة الغلة" ودورها في تزايد حالات الانتحار، أكد حسين أبو صدام، نقيب الفلاحين المصريين في تصريحات تلفزيونية، أن فوسفيد الألمنيوم، المادة الفعالة في هذه الحبة، يعد مبيداً حشرياً مثالياً لحماية الغلال من الآفات والتسوس، نظراً لفعاليته العالية وسعره الرخيص.
وأوضح أبو صدام أن "حبة الغلة" تُستخدم على نطاق واسع في تبخير الحبوب والصوامع والبواخر وأماكن تخزين الغلال، حيث تطلق غاز الفوسفين السام عند تعرضها للرطوبة، ما يساعد في القضاء على الآفات الزراعية، مثل القوارض وسوسة النخيل، دون أن تترك أي آثار سلبية على المنتجات الزراعية.
وأضاف أن هذا المبيد مسجل رسمياً في وزارة الزراعة، ويُعد من أكثر الوسائل أماناً وفعالية في حفظ الغلال، مؤكداً أن منع استخدامه سيكون أمراً غير منطقي، نظراً لعدم وجود بديل مماثل من حيث الكفاءة والتكلفة.
وشدد نقيب الفلاحين على أن الحل ليس في حظر "حبة الغلة"، وإنما في معالجة الأسباب النفسية والاجتماعية التي تدفع البعض لاستخدامها في الانتحار. وأشار إلى أن من يريد إنهاء حياته سيبحث عن وسيلة أخرى، حتى لو تم حظر هذه الحبة، مطالباً بزيادة التوعية لمواجهة أزمة الانتحار بدلاً من التركيز على الوسيلة المستخدمة فيه.

مقالات مشابهة

  • مكتبة الملك عبدالعزيز تطلق معرض قلب الجزيرة العربية
  • حركة المستقبل: عدونا تحركه أساطيره ونظرته الحداثية للوجود وتصوراته الأوروأمريكية العنصرية
  • صور ووثائق تاريخية.. إطلاق معرض "قلب الجزيرة العربية" غدًا
  • ولي عهد الكويت يشيد بالدور المصري الداعم لمختلف قضايا الأمة العربية
  • مدبولي يسلّم دعوة الرئيس السيسي لأمير الكويت لحضور القمة العربية
  • مدبولي يسلم أمير الكويت دعوة السيسي لحضور القمة العربية
  • مدبولي يسلم دعوة السيسي إلى أمير الكويت لحضور القمة العربية في القاهرة
  • رئيس الجمهورية “هذه هي الجزائر التي نحبها ويحبها جميع الجزائريين.. جزائر رفع التحديات”
  • بن صالح: للكورغلية والبدو والعرب والتبو الحق في أعلام خاصة
  • الموت بأرخص سعر.. لماذا تهدد "حبة الغلة" أرواح المصريين؟