أجبرت حرب السودان، ملايين المدنيين على النزوح أكثر من مرة من ولاية إلى أخرى هرباً من القتال ليعيشوا أقسى أشكال المعاناة.

التغيير: محمد عبد الرحمن

بعد 15 شهراً من اندلاع حرب السودان بين الجيش وقوات الدعم السريع، نزح ملايين المدنيين من العاصمة الخرطوم إلى الولايات الآمنة وخارج السودان، لكن القتال أبى إلا أن يلاحق من نزحوا إلى الجزيرة وسنار، ليبدأوا رحلة نزوح جديدة وسط معاناة النساء والأطفال وكبار السن، قطعوا خلالها مئات الكيلو مترات سيراً على الأقدام، بلا ماء أو طعام لتتحول حياتهم إلى جحيم، فقد خلاله الآلاف جراء انقطاع الاتصالات وعدم توفر وسائل النقل، وتوفي البعض غرقاً لاضطراهم لعبور النيل ومجاري المياه عبر المراكب.

الهروب من الحرب معاناة سنار

اليوم مر نحو  اسبوعين على دخول قوات الدعم السريع إلى ولاية سنار وعاصمتها سنجة ومناطق الدندر وقرى أخرى ما خلف واحدة من أكبر موجات النزوح الجماعي فراراً من نيران الحرب والانتهاكات، وقد أكد مسؤول حكومي، إن عدد الذين فروا إلى ولاية القضارف بلغ (135) ألفاً، وناشد المجتمع الدولي بالتدخل لمجابهة الظروف التي يعيشونها، خاصة مع بدء موسم الأمطار والكثيرين في الخيام وفي العراء.

وسارع أهالي القضارف ومنسوبي غرف الطوارئ إلى تقديم مبادرات بلغت حوالي (20) مبادرة لاستقبال النازحين وتجهيز الوجبات وعمل العيادات في أكثر من 12 مركز استقبال، مع غرفة طوارئ نسائية.

ومن بقي من الأسر في مناطق سنار يعانون أشد المعاناة من انقطاع المياه والتيار الكهربائي وشبكات الاتصالات وعدم توفر الخدمات الطبية وشح وارتفاع أسعار السلع الاستهلاكية وانعدام الأدوية، وحتى سنار المدينة التي لم تدخلها قوات الدعم السريع تشهد معاناة كبيرة للمدنيين فالمدينة بلا كهرباء ولا مياه ويعاني فيها أصحاب الأمراض المزمنة بسبب توقف كثير من الصيدليات وشح الأدوية والمستشفيات تفتح أبوابها للطوارىء وللجراحة فقط.

وشهدت المدينة ارتفاعاً كبيراً في أسعار السلع ووصل سعر الخبز إلى 200 جنيه مع توقف الكثير من المخابز ما دفع نازحي قرى مصنع سكر سنار إلى العودة لمناطقهم.

وهناك أيضا نازحو منطقة الدالي الذين خرجوا من ديارهم واستقروا في العراء بقرابة الـ150 أسرة (6 آلاف نازح) ويناشدون بتقديم المساعدات والخدمات الإعاشية والطبية وتوفير الخيام والمشمعات خاصة وأنهم يعانون جراء هطول الأمطار.

معاناة النازحين عودة للخرطوم

الذين نزحوا من الخرطوم للولايات عاد الكثير منهم بعد دخول الدعم السريع إلى الجزيرة وسنار اضطرارياً، بالرغم من عدم توفر خدمات الاتصالات والماء وعدم استقرار التيار الكهربائي ونقص السلع الاستهلاكية وشح الأدوية وارتفاع أسعار الخبز إلى 200 جنيه سوداني.

ويعاني مواطنو مدينة بحري في أحياء “الشعبية جنوب، الدناقلة شمال، جنوب الديوم، الميرغنية، الصبابي، حلة حمد، حلة خوجلي، الختمية والأملاك”، من انعدام الكھرباء والمياه والاتصالات لتبقى أعداد قليلة منهم بالمنطقة، ويشيرون إلى أن المياه المستخدمة هي مياه آبار ولا تصلح للشرب، ويشتري المواطنون مياه الشرب بسعر 8 آلاف جنيه للبرميل، فيما يجلب البعض المياه من شركتي (ويتا) و(سيقا) على “درداقة” وهو مشوار بعيد وشاق، وهناك برامج سقيا للأحياء تمدها بمياه الشرب حيث تأتي عربة “دفار” مرة كل اسبوع.

كما تعاني أحياء بحري المأهولة بالسكان من نقص الرعاية الصحية إذ لا يوجد أي مستشفى يعمل في الوقت الراهن، وهناك فقط مركز الشعبية الصحي يتلقى فيه كل مواطني بحري العلاج والرعاية الصحية، وهناك مركز صحي في منطقتي العزبة والحاج يوسف بشرق النيل، وشكا مواطنون من شح الأدوية وتفشي حمى الضنك.

مطابخ تقدم وجبات في الخرطوم- إرشيفية التكايا والمطابخ

ويحصل معظم سكان بحري على الطعام من التكايا والمطابخ الخيرية والمركزية التي تدعم بجهود شعبية وبمساعدة غرف الطوارئ والتي تمنحهم المواطنين وجبة واحدة فقط خلال اليوم، وبقية الوجبات يشتريها المقتدرون من السوق، حيث يعمل السوق المركزي وأسواق داخل شمبات الحلة والشعبية وميدان عقرب وسوق العزبة، لكن الأسعار فوق طاقة المواطنين المتأثرين بالحرب وأيضاً الحركة من مكان لآخر صعبة وغير آمنة.

وفي ام درمان فإن الوضع قريب من منطقة بحري من ناحية الحصول على الطعام والدواء والعلاج، وهناك تهديد مستمر بسبب التدوين العشوائي من الدعم السريع على المناطق المكتظة بالسكان مثل كرري، وهناك اشتباكات مستمرة في العديد من أحياء أم درمان ما يجعل حياة المواطنين صعبة ومهددة في كل الأوقات ويحصلون على الطعام من المطابخ المركزية والتكايا.

وفي الخرطوم تقوم غرف الطوارئ بمساعدة المواطنين في الحصول على وجبة في اليوم من مطابخها المركزية التي تعتمد على التبرعات واحيانا كثيرة لا تستطيع تقديمها نتيجة عدم توفر المال الكافي.

الوسومأم درمان الاتصالات الجزيرة الجيش الخرطوم الدعم السريع السودان الكهرباء المياه بحري سنار

المصدر: صحيفة التغيير السودانية

كلمات دلالية: أم درمان الاتصالات الجزيرة الجيش الخرطوم الدعم السريع السودان الكهرباء المياه بحري سنار الدعم السریع

إقرأ أيضاً:

كيف تقضي على (حواضن) الدعم السريع ؟!

مناظير الخميس 29 اغسطس، 2024
زهير السراج
manazzeer@yahoo.com

* يتحدث البعض وعلى رأسهم قادة الجيش عن هزيمة (المليشيا المتمردة) ودحرها وتحرير الوطن منها، وعلى رأس الذين يُصرِّحون بذلك القائد العام للجيش الذي ظل يكرر القول بأنه "لا مفاوضات ولا سلام ولا وقف لاطلاق النار إلا بعد دحر المتمردين وتحرير الوطن منهم"، كما قال قبل بضعة اسابيع أمام حشد عسكري بولاية نهر النيل، وكأنهم يتحدثون عن قوات أجنبية أو عدو خارجي، ناسين أو متناسين أو (متغابين) أن من يتحدثون عن دحرهم وتحرير الوطن منهم هم أحد مكونات النسيج الاجتماعي لهذا الوطن، بل أكبر مكوناته على الاطلاق إذا يبلغ تعداد هذا المكون الاجتماعي الكبير والعريق أكثر من ستة مليون نسمة، وفي تقدير البعض أكثر من ثمانية مليون نسمة، وإذا أضفنا إليهم أبناء عمومتهم من المكونات الأخرى لوصل تعدادهم الى ما يزيد عن إحدى عشر مليون نسمة، وهم من أكبر وأعرق مكونات السودان الاجتماعية التي تتمدد وتنتشر في معظم بقاع السودان وتكاد تحتل اقليم غرب السودان بكامله من اقصى الشمال الى اقصى الجنوب، فضلا عن مثقفيهم ومتعلميهم وافرادهم الذين ينتشرون في كل انحاء السودان واختلطوا بغيرهم من المكونات الاجتماعية الاخرى ولهم اسهامات كبيرة في تاريخ السودان وفي كل المجالات الاخرى لا يمكن لاحد ان يجادل او يحاجج فيها، كما انهم يمثلون عددا كبيرا من السودانيين في الخارج، ودعوني هنا أتخلى عن الدبلوماسية والحرج واُسمي الاشياء بأسمائها الحقيقية، مستخدما كلمة (قبيلة) بدلا عن تعبير (مكون إجتماعي) أو (حاضنة إجتماعية) كما درجنا ودرج البعض عند الحديث عن القبائل حتى ينأى بنفسه عن العنصرية والقبلية!

* الكل يعرف أن العمود الفقري لقوات الدعم السريع هى قبيلة (الرزيقات) وابناء عمومتها من القبائل الاخرى مثل المسيرية، ولا يستطيع أحد أن ينكر أو يجادل في ذلك، وهما من اضخم وأعرق القبائل السودانية ولهما الكثير من الاسهامات الضخمة في كل المجالات في السودان، كما أسلفت، ويكفي ان تحرير السودان والخرطوم من الحكم التركي في القرن التاسع عشر بقيادة الامام (محمد احمد المهدي) لم يكن ليحدث لولا استعانته بهذه القبائل التي عرفت بالشراسة والبأس والشدة والشجاعة في القتال!
* وأتساءل هنا بعيدا عن الكلام المغلف: " هل يمكن دحر قبيلة الرزيقات وأبناء عمومتها من القبائل الأخرى وتحرير السودان منها، وهى قبائل سودانية ضخمة وأصيلة وقحة لها في السودان مثلما لبقية القبائل والمكونات الإجتماعية الأخرى، وهل يجوز طرد وتحرير السودان من قبائل سودانية ومواطنين سودانيين، إلا إذا كان الذين يرددون هذا الحديث الفج البعيد عن العقل يتحدثون عن حرب ابادة عنصرية قذرة (مثل الحرب الأهلية في رواندا) تتم فيها ابادة قبيلة الرزيقات وأبناء عمومتها لدحر قوات الدعم السريع، ولا بد ان اذكر هنا المحاولات الحثيثة للكيزان منذ اندلاع الحرب لتجييش المواطنين تحت مسمى المقاومة الشعبية بغرض توسيع دائرة الحرب والانتقال بها الى مرحلة الحرب الاهلية (قبائل الوسط والشمال ضد قبائل الغرب)، واللغة العنصرية التحريضية القبيحة للابواق الاعلامية الكيزانية، فضلا عن الانتهاكات والاعتقالات التي يتعرض لها مواطنو الغرب في مناطق الجيش بتهمة التعاون مع قوات الدعم السريع، وأغلبها اتهامات زائفة، ولقد افتى قبل بضعة ايام المدعو (عبد الحى يوسف) بجواز القصف الجوي للحواضن الاجتماعية لقوات الدعم السريع، وهو يقصد بذلك قبيلة الرزيقات وأبناء عمومتها من القبائل الأخرى!

* ولكن إذا كان الجيش الذي فشل وهو في أوج قوته في القضاء على التمرد في الجنوب (1955ـ 1971 و1983ــ 2005 )، وعلى التمرد في دارفور (2003 و2004 ــ وحتى اليوم) رغم هشاشته (حركة العدل والمساوة وحركة تحرير السودان) واضطراره للاستعانة (بالجنجويد ــ الدعم السريع حاليا) للقتال نيابة عنه، وعلى التمرد في جنوب كردفان وجبال النوبة (2011 حتى اليوم)، لأسباب من أهمها وجود حواضن إجتماعية تغذي التمرد، فهل يستطيع الجيش الضعيف المفكك الآن وحلفاؤه في الحركات العسكرية الانتهازية التي تحارب من اجل المال والمصالح الشخصية، بالاضافة الى فشل مشروع المقاومة الشعبية الذي لم يتمخض إلا عن مجموعات إرهابية هزيلة ليس لها ثقل عسكري يذكر، هل يستطيع دحر التمرد الذي يبلغ تعداد حواضنه الاجتماعية أكثر من 8 مليون نسمة وتحرير السودان منهم، وهى التي اشتهرت بالشراسة والبأس الشديد في القتال؟!
* وحتى لو كان الجيش قويا جدا واسطوريا يستطيع دحر التمرد وتحرير السودان منه، كما ظل يردد ويكرر القادة المهزمون، فهل سيسمح العالم بحرب ابادة جماعية ومأساة انسانية مرة اخرى في افريقيا؟!

* أما بالنسبة لما يفكر فيه الفلول بفصل وتقسيم السودان كما فعلوا من قبل بفصل الجنوب ليكون لهم الحكم في ما يسمى (بمثلث حمدي) أو (دولة النهر والبحر)، فلا الوضع الاقتصادي المتردي ولا الوضع الجيوي سياسي ولا الاقليمي ولا الرفض الشديد الذي يجدونه في الداخل والخارج ولا التكوين الاجتماعي في السودان، يسمح بذلك ..!

* الخيار الوحيد أمامهم .. هو الخضوع للتفاوض أو دحرهم والقضاء عليهم للأبد!

   

مقالات مشابهة

  • 64 مفقودا جراء انهيار سد أربعات في السودان
  • السودان الحبيب
  • شبكة أطباء السودان تتهم الدعم السريع بنهب أجهزة ومعدات مستشفيات سنجة
  • المبعوث الأمريكي يحذر من هجوم للدعم السريع على الفاشر
  • لجان مقاومة: مقتل 12 شخصاً بمسيرات الجيش شمالي الخرطوم
  • كيف تقضي على (حواضن) الدعم السريع ؟!
  • خروج 30 ألف فدان من الإنتاج الزراعي بالعاصمة السودانية
  • البرهان البرئ الطاهر !
  • مصادر عسكرية: الجيش السوداني يستعيد جلقني بولاية سنار
  • تجدد الاشتباكات .. الجيش السوداني يقصف تجمعات للدعم السريع بالعاصمة الحرطوم