ليس من المبالغة في شيء القول بأن قارة إفريقيا التي لا تنقصها المشكلات السياسية والأمنية والاقتصادية تقف في هذه الفترة في ظروف حرجة، بل في مفترق طرق يعيد إلى الأذهان فترات القلق والاضطراب واحتدام المنافسة بين القوى الغربية الكبرى لاستعادة النفوذ الاستعماري السابق بعد أن تقلص خلال مرحلة التحرر الوطني في ستينيات القرن الماضي وبعدها والذي كان للانقلابات العسكرية دور كبير ومؤثر فيه.

وإذا كانت السنوات السبع الأخيرة قد شهدت سبعة انقلابات في إفريقيا، آخرها الانقلاب الذي حدث يوم 26 يوليو الماضي في النيجر التي تشغل موقعا حيويا في منطقة الساحل والصحراء في غرب إفريقيا وتقوم بدور مؤثر في مكافحة التنظيمات الإرهابية في «مثلث الموت» الذي يمتد في المنطقة الفاصلة بين النيجر ومالي وبوركينا فاسو والذي يمرح فيه «تنظيم داعش»، من ناحية وتنظيم القاعدة والتنظيمات الفرعية التابعة لهما، من ناحية ثانية، حيث يتنافس التنظيمان اللدودان على مد السيطرة والنفوذ في صحراء شاسعة تحولت بفعل الاتساع والبعد في عمق الصحراء إلى نوع من الحماية للأنشطة الإرهابية لداعش والقاعدة اللذين يركزان خلال السنوات الأخيرة على الاستفادة من خصائص تلك المنطقة الجغرافية والاجتماعية والتنوع العرقي والقبلي لشعوبها، خاصة في عمليات تجنيد عناصر للعمل معها واستغلال صعوبة المتابعة لأنشطتهما في التدريب والتخطيط لعملياتهما بعيدا بقدر الإمكان عن أعين أجهزة المخابرات الغربية والروسية، خاصة بعد مطاردة التنظيمين في العراق وسوريا وليبيا واليمن وغيرهما من ناحية وسهولة عمليات الانتقال من وسط وغرب وجنوب أفريقيا إلى الشريط الساحلي واستخدام قوافل الهجرة غير الشرعية للتسلل إلى أوروبا بشكل أو بآخر لخدمة مخططاتهما وأهدافهما وخلق روابط مع تنظيمات إرهابية أخرى داخل أفريقيا وخارجها. تجدر الإشارة إلى أن الانقلاب العسكري الذي جرى في النيجر في 26 يوليو الماضي على يد مجموعة صغيرة من قوات الحرس الرئاسي واحتجازهم الرئيس محمد بازوم داخل القصر الرئاسي حتى ترتيب تشكيل المجلس العسكري لقيادة الانقلاب برئاسة الجنرال عبدالرحمن تشياني وهو قائد عسكري معروف داخل النيجر وكذلك وجود عناصر تنظيم فاجنر في أكثر من دولة أفريقية في هذه الظروف فتح المجال أمام كثير من التكهنات حول مستقبل الأوضاع في النيجر ومصير الانقلاب والرئيس بازوم؛ إذ إن كل الأطراف تعد في موقف اختبار ستكون لنتائجه تأثيرات حقيقية على دول وشعوب منطقة الساحل والصحراء ومدى قدرتها على تأكيد قدراتها ومصداقية مواقفها. وفي هذا الإطار فإنه يمكن الإشارة إلى عدد من الجوانب لعل من أهمها ما يلي:

أولا: أنه في الوقت الذي اجتذبت فيه منطقة الساحل والصحراء في غرب أفريقيا جماعات إرهابية مختلفة، فإن هذه المنطقة تشهد صراعا وتنافسا بين فرنسا بشكل أساسي وألمانيا ومن ورائهما الولايات المتحدة وبين روسيا التي تستخدم جماعة فاجنر رأس جسر للعمل لخدمة المصالح الروسية في أفريقيا، وليس مصادفة أن يظهر قائد جماعة فاجنر السابق بريفوجين -الذي تمرّد ضد بوتين أواخر يونيو الماضي- في القمة الروسية الإفريقية التي عُقدت في سان بطرسبورج الشهر الماضي بحضور بوتين نفسه وهو ما كان يمكن أن يحدث لولا أنه يخدم المصالح الروسية. من جانب آخر فإنه تردد من جانب مصادر مطلعة أن الجنرال ساليفومووي -أحد قادة الانقلاب- التقى في مالي مع أحد قادة فاجنر لبحث إمكانية الاستعانة بها في حماية الانقلاب حسبما ذكرت وكالة الأسوشيتد برس على لسان وسيم نصر وهو صحفي وكبير الباحثين في مركز صوفان للدراسات. وقد اتّخذ قادة الانقلاب هذا القرار الذي يتم بحثه من جانب فاجنر ردا على تهديد مجموعة دول الرابطة الاقتصادية لدول غرب إفريقيا «إيكواس» بإمكانية التدخل العسكري في النيجر لإعادة الرئيس محمد بازوم إلى منصبه باعتباره صاحب السلطة الشرعية في النيجر.

ثانيا: بالرغم من أن الاتحاد الإفريقي نشأ في صيغته الأولى عام 1963 أي بعد 18 عاما من إنشاء جامعة الدول العربية، فإن الاتحاد الإفريقي كان أكثر تقدما عن الجامعة العربية فيما يتعلق بمحاولة ضبط السلوك السياسي للدول الأعضاء؛ فقد قرر مجلس السلم والأمن الإفريقي رفض الاعتراف بالانقلابات العسكرية وتجميد عضوية الدولة التي يقع فيها انقلاب عسكري حتى تعود إلى نظامها السياسي الطبيعي، ومن جانب آخر، قرّر الاتحاد الاعتراف بالحدود التي استقلت عليها الدول الأعضاء ليغلق الطريق أمام كثير من المشكلات التي قد تنشأ بين الدول الأعضاء، كما وضع آليات للتدخل في المشكلات وحالات الصراع بين الدول الأعضاء ومنها الوساطة والمساعي الحميدة وقوات حفظ السلام وصولا إلى استخدام القوة المسلحة في حالة الضرورة وبالطبع تتحدد هذه الأساليب في كل حالة على حدة وفي ظل مدى التوافق بين الدول الأعضاء والقوة المتوفرة التي يمكن للاتحاد استخدامها وهي بوجه عام ضعيفة بسبب حالات الدول الأفريقية وضعف إمكاناتها. وبالطبع تفاوت نجاح الاتحاد وهناك حالات لم يحقق فيها نجاحا ملموسا كحالة التدخل في الصومال.

وفي حين قرّرت الرابطة الاقتصادية لدول غرب أفريقيا القيام بمساع حميدة للوساطة ولوحت في اجتماع طارئ في نيجيريا في 30 يوليو الماضي بإمكانية التدخل العسكري، كما اتّفق قادة الأركان في أبوجا يوم 4 أغسطس الجاري على خطة التدخل وعناصره والإعداد له عبر الدول الأعضاء لاستعادة السلطة الشرعية إلا أن تحقيق ذلك عمليا تكتنفه في الواقع صعوبات كثيرة على الأرض. صحيح أن الإيكواس تضم 15 دولة في غرب إفريقيا هي النيجر ومالي وبوركينا فاسو ونيجيريا والسنغال وغانا وساحل العاج وتوجو وجامبيا وغينيا وغينيا بيساو وليبيريا وسيراليون وبنين والرأس الأخضر، فإنها جميعها تقريبا، باستثناء نيجيريا والسنغال دول ضعيفة عسكريا واقتصاديا وهو ما يقلل من الحماس للتدخل العسكري الذي سيسبب بالضرورة خسائر لا تقوى عليها هذه الدول بإمكانياتها المتواضعة، فضلا عن أن تعقد الأوضاع في تلك المنطقة يمكن أن يحوِّل أي تدخل عسكري في النيجر إلى مواجهات مسلحة تعزز منظمات الإرهاب وتستنزف الدول الأفريقية والنماذج في هذا المجال عديدة وقائمة على الأرض. من جانب آخر فإن من أكثر المعوقات أمام التدخل العسكري في النيجر هو أنه لا يوجد توافق بين دول الإيكواس حول التدخل حتى الآن على الأقل وإذا كانت نيجيريا والسنغال متحمستين للتدخل العسكري وتحاولان كسب تأييد دول إفريقية أخرى، إلا أن هناك دولا في الإيكواس تعارض التدخل العسكري مثل مالي وبوركينا فاسو اللتين اعتبرتا التدخل العسكري «إعلانا للحرب ضدهما»، كما رفضت غينيا «العقوبات ضد النيجر». وهو ما يقلل في الواقع من فرص التدخل والحرب ضد النيجر.

ثالثا: أنه مع إدراك أن فرنسا هي الخاسر الأكبر إذ اضطرت إلى إجلاء معظم قواتها من النيجر، ومن ثم خسرت علاقة قوية اعتمدت عليها فرنسا في مكافحة الإرهاب في منطقة الساحل والصحراء لسنوات طويلة كما استغلت موارد النيجر من اليورانيوم، فإن المظاهرات ضد فرنسا ومهاجمة سفارتها في نيامي وإنزال علمها وترديد شعارات ضدها ومؤيدة لروسيا تعكس جانبا من تنافس المصالح بين فرنسا وروسيا في إفريقيا، هو تنافس يزداد قوة واتساعا، وإذا كانت باريس قد أيّدت بوضوح أي خطوات تتخذها الإيكواس ضد الانقلاب ولاستعادة الشرعية، فإن موقف روسيا معارض لذلك من جانب آخر، وكذلك موقف واشنطن وطبيعة الموقف الإقليمي من جانب ثالث وضعف النيجر يحد في الواقع من احتمالات التدخل العسكري خاصة أن الجميع يدرك أن الحرب والتدخل ليس نزهة ولكنه دعوة للدمار وما يحدث في السودان والصومال نموذج بالغ الدلالة ومع التأكيد على أن ذلك لا يعني بأي حال تأييد الانقلابات فإنه من المرجح أن تؤدي المفاوضات بين قادة الانقلاب والرئيس بازوم إلى حل وسط ما يستوعب قادة الانقلاب ضمن صيغة توافقية تحقق مصالح النيجر وتجنّبه الوقوع في دائرة الخراب والخسارات خاصة أنه يعتمد على المساعدات في سد الجانب الأكبر من احتياجاته الغذائية، لذا فإنه من المرجح تمديد المهلة التي انتهت السبت الماضي لإعطاء فرصة للتوافق بين المجلس العسكري والرئيس الشرعي لصالح النيجر ولصالح الاستقرار في أفريقيا كذلك.

المصدر: لجريدة عمان

كلمات دلالية: التدخل العسکری قادة الانقلاب الدول الأعضاء فی النیجر

إقرأ أيضاً:

“موسم جدة 2024” يطلق أغنية “والله وحشانا يا جدة” بصوت راشد الماجد

جدة – عائشة العامودي
أطلق موسم جدة 2024 أغنية “والله وحشانا يا جدة”، وهي من أداء الفنان راشد الماجد، وكلمات الشاعر أحمد علوي، وألحان نواف عبدالله، وتعبر عن الاشتياق لفعاليات وأماكن جدة الترفيهية، وتاريخ هذه المدينة التي تتميز بمقوماتها السياحية والتراثية؛ إذ تجمع بين أصالة الماضي والحاضر.
وتناقل عدد من عشاق موسم جدة فيديوهات أغنية الموسم عبر وسائل التواصل الاجتماعي المختلفة، التي أبهرت الجميع بالكلمات الجميلة والمعبرة عن الاشتياق لفعاليات وبرامج مدينة جدة الترفيهية.
وتعتبر مدينة جدة وجهة سياحية للعديد من الزوار في صيف هذا العام؛ لوجود عدد من الفعاليات الترفيهية في موسم جدة 2024 بنسخته الجديدة، التي تحمل العديد من المفاجآت للزور وعشاق الترفيه.
ويشهد “موسم جدة 2024” العديد من الأنشطة والفعاليات الترفيهية والسياحية والثقافية والرياضية المميزة، منها: منطقة “سيتي ووك” التي تضم مزيجًا من التجارب التفاعلية، والألعاب الحركية والمهارية، إلى جانب المسرحيات العربية والمطاعم والمقاهي ومتاجر التسوق، فيما ستقدم منطقة “Warner Bros. Discovery: Celebrate Every Story” التي تقام لأول مرة في السعودية للزوار والسياح مزيجًا من الألعاب والعروض الترفيهية، التي تعد مرفقًا عائليًا بامتياز، وتجمع أكثر القصص والشخصيات شهرة في العام تحت سقف واحد.
كما يشهد موسم جدة 2024 العديد من الفعاليات التي ستقام في “Imagine Monet”، فضلاً عن الحفلات العالمية، إلى جانب فعاليات أخرى تقام بالشراكة مع القطاع الخاص لتقدم المتعة والترفيه للزوار.
ويعيش زوار “موسم جدة 2024” فعاليات استثنائية من أجواء الفرح والترفيه؛ لعيشوا تجربة ترفيهية مميزة.

مقالات مشابهة

  • قبل انتهاء المهلة .. السعودية تعلن استعداها لتنفيذ خارطة السلام في اليمن
  • جيش النيجر: مقتل أكثر من 100 إرهابي
  • حكومة النيجر تقبل إجراء محادثات لإصلاح العلاقات مع بنين
  • السيسي يطيح بشركاء الانقلاب.. من تبقى من أعضاء المجلس العسكري؟
  • غرق رجل وابنته أثناء نزهة عائلية في بحيرة قرب زمار
  • كي لا ننسى "الباحثين عن عمل"
  • لماذا يحاول الرئيس بوتين التدخل في الانتخابات البريطانية؟
  • جيش تشاد يعلن تصفية 70 إرهابيا ينتمون لجماعة "بوكو حرام"
  • “موسم جدة 2024” يطلق أغنية “والله وحشانا يا جدة” بصوت راشد الماجد
  • حكومة بوليفيا تبحث عن أثر أجنبي في الانقلاب الفاشل