تتشابك سحب الدخان مع الأحلام المبعثرة، تتراقص أعمدة الغبار كأنها أشباح الموتى، وتنبثق من الأرض التي ترويها دماء الشهداء رائحة الشجاعة والتحدي. في كل زاوية من شوارعها، وفي كل بيت من بيوتها، تلمس نبضات الحياة التي ترفض أن تخبو، رغم الظلام الذي يلتهم الأفق.
غزة، تلك الجوهرة المحاصرة بين البحر والعدوان، تعيش في قلب العاصفة.
تُسطر على جدرانها الحكايات المروعة، حكايات البيوت التي انهارت فوق رؤوس سكانها، المدارس التي تحولت إلى مقابر، والمستشفيات التي تعج بالجرحى. في كل مكان، تجد وجوهًا تحمل قصصًا لا تُروى، قصصًا مليئة بالدموع والصمود.
أهل غزة، رجالًا ونساءً، شيوخًا وأطفالًا، يُظهرون للعالم قوة لا تُقاس. يقفون بكل ما لديهم من إيمان أمام الجرافات والطائرات، يحفرون بأيديهم في الركام للبحث عن أحبائهم، ويزرعون بصبرهم وجلدهم بذور النصر. هم الأبطال الذين يرسمون بدمائهم مستقبلًا لا يقبل إلا بالحرية والكرامة. في كل خطوة تخطوها غزة، تكتمل حكاية جديدة للمقاومة، حيث يتجسد فيها الإصرار على الحياة رغم كل المعوقات.
في غزة، للموت معنى مختلف؛ فهو ليس نهاية بل بداية جديدة للمقاومة
في غزة، للموت معنى مختلف؛ فهو ليس نهاية بل بداية جديدة للمقاومة والتحدي، حيث تصبح كل روح شهيد شعلة تضيء درب الحرية.
في شوارع غزة، تُمزّق القلوب مناظر أشلاء الجثث التي تملأ الأفق، وخصوصًا أشلاء الأطفال، التي تختلط بتفاصيل الأرض، لتصبح جزءًا من ترابها الحزين. تذوب الطفولة بين الأنقاض، تتلاشى الضحكات في الهواء، وتظل العيون الصغيرة تفتح على عالمٍ لم يمنحها فرصة للحياة. في لحظات الغروب، عندما تهدأ أصوات المدافع قليلًا، تُسمع الأناشيد الحزينة، تتردد في أرجاء غزة، تصف الأمل الذي يظل يحيا رغم كل شيء. في هذه الأوقات، يمكن للمرء أن يشعر بالروح الجماعية التي تجمع هؤلاء الناس، وتجعلهم يرفضون الاستسلام. تلك الروح هي سر المقاومة التي لا تنكسر، التي تغذيها دماء الشهداء وترويها قصص الصمود.
غزة ليست مجرد بقعة تعاني، بل هي رمز للشجاعة والإرادة التي لا تُقهر. هي قصة مقاومة تُكتب بدماء أبنائها، وترويها أرواح الشهداء الذين رحلوا ولكنهم باقون في ذاكرة الأمة. في غزة، يتجسد الصمود في كل خطوة تُخطى، في كل كلمة تُنطق، وفي كل نظرة تحدٍّ تُرمى نحو السماء.
لن تكون الكلمات كافية لوصف ما يعانيه أهلنا في غزة، لكننا نعلم أن أصواتهم ستظل تصدح بالحقيقة والكرامة، وأننا معهم قلبًا وقالبًا. سنظل نكتب، نصرخ، ونناضل حتى تُشرق شمس الحرية على هذه الأرض المقدسة.
غزة، يا جرح الأمة النابض، يا ملحمة الصمود والعزة، ستظل شمسك مشرقة رغم كل الظلمات. سيأتي اليوم الذي ترتفع فيه رايات النصر، ستنتهي فيه كل جراحك وتتعافى، سيشهد العالم على قوة عزيمتك وصمودك، وسنروي لأجيالنا القادمة كيف كنتِ وما زلتِ رمزًا للإباء والشموخ. ستعود الأرض لأصحابها، وستُبنى البيوت من جديد، وسنحتفل معك بيوم الحرية الذي لا بد أن يأتي.
الدستور الأردنية
المصدر: عربي21
كلمات دلالية: سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي مقالات كاريكاتير بورتريه غزة غزة الاحتلال مجازر المقاولة المواصي مقالات مقالات مقالات مقالات سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة مقالات سياسة سياسة سياسة اقتصاد رياضة صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة فی غزة
إقرأ أيضاً:
اعتقال خليل يفضح زيف حالة الحرية الأكاديمية المزعومة في الولايات المتحدة
يمانيون../
تقدم الولايات المتحدة كل يوم دليلًا إضافيًا على أنها بلد التناقضات؛ ففي الوقت التي تبرز كبلد حام لحرية التعبير وفق ادعاء تاريخي، تثبت واقعة اعتقال الناشط الفلسطيني الطلاب محمد خليل، أن الولايات المتحدة ليست سوى فقاعة من هذه القيم.
ترسم قضية اعتقال السلطات الأمريكية أحد قادة الاحتجاجات الطلابية المؤيدة لفلسطين في جامعة كولومبيا، صورة واضحة لحالة الحرية الأكاديمية المزعومة في الولايات المتحدة.
ففي سياق سياسة الترهيب، اعتقلت الشرطة الأميركية الطالب الفلسطيني محمود خليل، وألغت بطاقة إقامته الخضراء للدراسة، وقررت ترحيله، بزعم أنه أحد أبرز نشطاء الاحتجاجات في جامعة كولومبيا على المجازر الصهيونية في غزة.
ووفقاً لعائلته، فقد داهم ضباط من وزارة الأمن الداخلي الأمريكية المبنى السكني الذي يقطن فيه محمود خليل برفقة زوجته، قبل أن يعتقلوه أثناء دخوله إلى المبنى.
وأوضحت محامية الشاب محمود، إيمي جرير، أن عملية الاعتقال نُفّذت من قبل عناصر هيئة الهجرة والجمارك، الذين أبلغوها بأن الأمر صادر بإلغاء تأشيرته الدراسية، رغم أنه يحمل البطاقة الخضراء التي تمنحه الإقامة الدائمة.
وأضافت أن السلطات أبلغتها بعزمها إلغاء إقامته القانونية أيضاً. وتم نقل خليل إلى منشأة احتجاز المهاجرين في “إليزابيث” بولاية نيوجيرسي.
لا تفسير
ولم تقدم السلطات أي تفسير رسمي لزوجته حول أسباب اعتقاله. يأتي ذلك في أعقاب إصدار الرئيس دونالد ترامب أمرًا تنفيذيًا بترحيل الطلاب والناشطين الذين يقودون الاحتجاجات المناهضة للحرب على غزة، وهو القرار الذي أثار مخاوف كبيرة في الأوساط السياسية والحقوقية والأكاديمية، من استهداف ممنهج للطلاب على خلفية مواقفهم السياسية.
وفي هذا السياق، شهدت مدينة نيويورك، مظاهرات حاشدة شارك فيها آلاف المتظاهرين من مختلف الفئات، متحدين تهديدات الرئيس ترامب، للمطالبة بوقف ترحيل الناشط الفلسطيني محمود خليل وإطلاق سراحه.
ورفع المحتجون شعارات منددة بما وصفوه بـ “الملاحقات غير الدستورية”، مطالبين بتحقيق العدالة ووقف السياسات التعسفية التي تستهدف المدافعين عن حقوق الإنسان.
وشهدت الاحتجاجات مواجهات بين المتظاهرين وقوات الشرطة، حيث وثقت مقاطع فيديو اعتداءات واعتقالات طالت مشاركين في المسيرة، التي جاءت رفضًا لاحتجازه بسبب نشاطه في الحراك الطلابي المناصر لفلسطين.
حملة تضامن
وتزامنت المظاهرات مع انطلاق حملة تضامن واسعة جمعت توقيعات أكثر من مليون شخص، بينهم أكاديميون من كبرى المؤسسات التعليمية، ومحامون، ونشطاء حقوقيون، طالبوا السلطات الأميركية بوقف ما أسموه “التنكيل” بالناشط الفلسطيني.
وأكد الموقعون على العريضة أن محمود خليل يتعرض لاستهداف سياسي بسبب مواقفه المناهضة للاحتلال الصهيوني ودعمه للقضية الفلسطينية.
وأدان المتظاهرون موقف البيت الأبيض، الذي وصفوه بأنه منحاز بالكامل للضغوط الصهيونية، مؤكدين أن “شالوم” البيت الأبيض، في إشارة إلى اللوبي الداعم لـ “العدو الإسرائيلي” داخل الإدارة الأميركية، يسعى لإسكات الأصوات المدافعة عن الحقوق الفلسطينية عبر إجراءات تعسفية وغير قانونية.
من جهتها قالت المقررة الأممية لحقوق الإنسان بالأراضي الفلسطينية، أمس الثلاثاء، إن “الدفاع عن الطالب محمود خليل واجب مدني عالمي، واضطهاد معارضي الفصل العنصري هو فصل عنصري”.
من جانبها، وصفت المديرة التنفيذية لاتحاد الحريات المدنية في نيويورك، دونا ليبرمان، هذه الخطوة بأنها “محاولة غير دستورية من قبل الحكومة لإجبار الكليات والجامعات على فرض رقابة على الخطاب والنشاط الطلابي”.
انتهاك للحرية
وانتقد تقرير لموقع “إنترسبت” الإخباري في وقت سابق، سياسات القمع والتمييز التي تُمارس ضد الاحتجاجات الطلابية المناهضة للحرب الصهيونية على غزة، مشيرًا إلى اعتقال عدد من الطلبة سابقا، بتهم جنائية تتعلق باحتجاجهم على الدعم الأمريكي للاحتلال الصهيوني في حربه على غزة، وتم احتجازهم في ظروف غير إنسانية وسوء معاملة.
في هذه الأثناء، ومع إعلان اعتقال خليل اعتبر نواب في البرلمان الأمريكي ومنظمات مدنية ، هذا الاعتقال بأنه “انتهاك لحرية التعبير المكفولة في الدستور”.
ووصفت النائبة الديمقراطية رشيدة طليب، في بيان، اعتقال خليل بأنه “هجوم على حرية التعبير”، مطالبة بالإفراج عنه فورًا، مؤكدة أن اعتقاله يعد “انتهاكا” للمواد التي تنص على حرية التعبير في الدستور.
من جانبها، حذرت النائبة الديمقراطية ألكساندريا أوكاسيو-كورتيز، في بيان، من أن هذا الاعتقال قد يشكل سابقة خطيرة. وهو ما وصفته صحيفة ” نيويورك تايمز ” ، بالتهديد الخطير لحرية التعبير.
وأكدت الصحيفة في مقال لها أن أمر الاعتقال جاء في إطار حملة يعتزم الرئيس الأميركي دونالد ترامب شنها على طلبة الجامعة الذين شاركوا في الاحتجاجات الجامعية المناصرة لغزة.
وأوضحت أنه لم توجه أي تهمة لخليل، وأن أحد أسس اعتقاله كان ملفا أعدته منظمة “كاناري ميشن”، وهي مجموعة يمينية تراقب النشطاء المناهضين للصهيونية في الجامعات الأميركية، احتوى تفاصيل مواقفه الداعية إلى مقاطعة “اسرائيل” وسحب الاستثمارات منها.
وأوردت الصحيفة وصف المحامي بريان هاوس -من الاتحاد الأميركي للحريات المدنية- ما حدث بأنه أحد أكبر التهديدات للتعديل الأول من الدستور منذ عقود.
وشدد مقال الصحيفة على أن تجاهل إدارة ترامب المتعمد للدستور خطر لا يشمل الطلاب والأساتذة الأجانب فقط، بل المجتمع الأميركي بأكمله.
معاداة السامية
وتعقيباً على ذلك، انتقد الكاتب والصحفي البريطاني أوين جونز في أحدث مقالاته حملة القمع غير المسبوقة التي تشنها إدارة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب ضد حرية التعبير في الولايات المتحدة، مستخدمة شعار “مكافحة معاداة السامية” كذريعة لإسكات أي انتقاد لسياسات “إسرائيل”.
وفي رأي أوين جونز فإن ترامب، الذي يزعم أنه أعاد حرية التعبير إلى أمريكا، في الواقع يقود أكبر عملية تكميم للأفواه، مستهدفًا الطلاب والأكاديميين الذين يعارضون الحرب الصهيونية على غزة، ويطالبون بوقف الدعم الأمريكي للاحتلال.
وبحسب جونز، فإن المستهدف الحقيقي بهذه السياسة ليس سوى الحراك الطلابي الداعم للقضية الفلسطينية، حيث وصف ترامب المتظاهرين بأنهم “محرضون يجب سجنهم أو ترحيلهم”، متوعدًا بأن “الطلاب الأمريكيين سيتم طردهم أو اعتقالهم وفقًا للجريمة”.
وفي مقاله أردف جونز أن هذه السياسات تثبت أن إدارة ترامب لا تحمي حرية التعبير، بل تدمرها بالكامل، خاصة عندما يتعلق الأمر بفلسطين. فعندما يتعلق الأمر بهذه القضية، تختفي جميع الشعارات الأمريكية عن الديمقراطية وحقوق الإنسان. وهنا يشير الكاتب إلى نائب الرئيس جي دي فانس، الذي صرح قبل أيام فقط بأنه “يجب الدفاع عن حرية التعبير، حتى لو لم نتفق مع ما يُقال”، لكن إدارته هي التي تقود الآن أكبر حملة قمع لحرية التعبير في التاريخ الحديث.
وفي ختام مقاله حذر جونز من أن “القمع الذي نشهده اليوم لن يتوقف عند استهداف المتضامنين مع فلسطين، بل قد يمتد إلى أي شخص يعارض إدارة ترامب. فالسوابق التي يتم وضعها اليوم يمكن أن تتكرر في المستقبل ضد أي صوت معارض”.
ما يتعرض له الناشط الطلابي الفلسطيني محمود خليل يؤكد بجلاء حقيقة الموقف الأمريكي المناهض للقضية الفلسطينية ، والشاهد هنا أن واشنطن تقف بشراسة وراء كل معارك وأد الحق الفلسطيني وكل محاولات تصفية القضية المركزية للأمة العربية والاسلامية.