الحرب كمدعاة لصيانة وانتصار سلطة العقل والأخلاق الوطنية

وجدي كامل

أياً كان غياب الوحدة الوطنية كحقيقة ماثلة، متفق عليها من قبل الجميع فيما مضى، وإبان المرحلة التاريخية التي تلت الاستقلال وتستمر الى اللحظة فان هذه الحرب وبكل المعاني المباشرة والمستترة تعد دعوة لتحقيق تلك الوحدة الوطنية الغائبة. فالآن، وبعد أن حلت الكارثة الضخمة، الكبيرة بوطننا، علينا أن نقف على أقدامنا وننهض سويا كضحايا لها، ونبدأ في صناعة التفاهم والتفاكر لأجل توحيد الصفوف، وتنقية ثقافاتنا الاجتماعية والسياسية والاقتصادية من سائر العيوب، وفي مقدمة ذلك استبعاد العنف كلغة للحوار واستبداله بلغة العقل وتطويرها حتى تصبح سلطة.

ذلك لن يتحقق بالأمنيات بقدر ما يتحقق بقبول النقد والتغيير بحيث لا يقوم حل سواهما، وهو ما يعني تغيير المعادلات وخارطة العلاقات والمؤثرات المكونة للسلطة في شتى تمثيلها وتماهياتها في الحياة. هنالك أهداف لا مناص من إصابتها، وفي أولها الضبط قدر الإمكان، والتفعيل، للعدالة الاقتصادية والاجتماعية، وصيانة الحقوق الأساسية للمواطن والدفاع عنها ليس بواسطة سلطة سياسية فوقية مؤقتة، ولكن بمشاركة الجميع، وبحيث لا يصبح ثمة مجال لتسرب الانتهاكات مرة أخرى وللأبد في السلوك والممارسة. الشراكة في الوطن مفهوم أساسي هنا يجب اعتماده.

أما المجال الجوهري الذي يغدو مرشحاً للاختراق والتعديل فهو المجال أو الفضاء الثقافي عبر تصميم المفاهيم والتصورات والسلوك العقلي الجديد لأجل التخطيط لهياكل ومخرجات التعليم والإعلام. ولا شك أنه، ومن خلال التجربة التاريخية الوطنية للممارسة السياسة فإن ذلك الهدف الاستراتيجي العزيز سوف يكون بعيد المنال إذا ما بقيت ممسكات الدفاع والأمن للدولة والمجتمعات السودانية خارج السيطرة، وهو ما يعزز لمطلب إحكام السيطرة المدنية عليهما عبر الاحتكام لنظام ديمقراطي بالغ النزاهة والشفافية.

إن معضلة تحقيق ذلك تتضح يوماً بعد يوم بسبب ضعف فعالية الخطابات الثقافية السياسية الموجهة للمجتمعات السودانية في افتقادها لمحتويات التنوير، والانحياز لقضايا التقدم الاجتماعي والاقتصادي.

أمامنا كسودانيين درس مبذول حالياً وبتكلفة عالية ممثلاً في هذه الحرب الضارية، ما يعني أن علينا الأخذ بأسبابها مجتمعة والتحلي بالقدر الواجب من الشجاعة والقدرة على النقد وتسمية الأخطاء بمسمياتها، والعمل على القضاء والتنحية لمجمل الظواهر السياسية (وربما المجتمع السياسي بممثليه وشخوصه) على أساس الكشف عن الأخطاء المتكررة المرتكبة تجاه حقوق الشعوب السودانية، وهذا ما يجيز اعتماد مفهوم الموت السياسي وليس إعادة الحياة لمن تسبب في إنتاج الخراب الذي حل ليس فقط بإطلاق كتيبة المؤتمر الوطني الرصاصة الأولى ولكن بفعل تراث وميراث من الأخطاء التاريخية العضوية في الممارسة السياسية التي تدين الأطراف العسكرية بقدر الإدانة للطرف المدني بما ساهم به بمناسيب وبمقادير متنوعة ومتعددة في إشعال الحرب.

أن نقف على أقدامنا تعني أن نتخلص، ونساعد بعضنا البعض في التخلص أيضاً من ميراث المحاباة والفساد والتردد والتخفي إزاء اتخاذ كل ما يستوجب اتخاذه من أنشطة وأعمال لصالح صناعة واقع آخر- واقع يضع نصب أعينه مصلحة الأجيال القادمة وحقها في أن تصنع حياة مبرأة من صور الانتكاس والخذلان وتلك هي روح الثورة المطلوبة للسيطرة على الواقع بواسطة إحكام سيطرة العقول والشخصيات ذات الصحة النفسية والأخلاقية السياسية الصحيحة عبر ديمقراطية حقيقية تتيح القدر الأكبر من التفاعل الشعبي لانتخابها، لا عن طريق صناديق الانتخابات ولكن عبر نتائج ومنتجات المختبرات اليومية لمقاومة واقع التخلف السياسي والاقتصادي والاجتماعي الماثل.

هذه الحرب وبكل ما أنتجته من دمار تبقى وفي الخلاصات دعوة للنهضة بالبحث عن وصفتها الذكية وشفرتها الخاصة.

الوسومالأطراف العسكرية الاستقلال الحرب الرصاصة الأولى السودان المؤتمر الوطني الموت السياسي وجدي كامل

المصدر: صحيفة التغيير السودانية

كلمات دلالية: الأطراف العسكرية الاستقلال الحرب الرصاصة الأولى السودان المؤتمر الوطني الموت السياسي

إقرأ أيضاً:

“الوطنية لحقوق الإنسان” تُشارك في الملتقى الأول للأحزاب السياسية ومؤسسات المجتمع المدني

شارك ممثلون عن المُؤسسَّةِ الوطنيّة لحُقوق الإنسَّان بليبيـا، وهم مدير مكتب البرامج والتدريب المُؤسسَّةِ طارق حمودة، وعبد الباسط بن ناجم عضو المُؤسسَّةِ، في فعاليات الملتقى الوطني الأول للأحزاب السياسية ومؤسسات المجتمع المدني، والمنعقد تحت شعار “حوار مفتوح و شاركة فاعلة”.

وعقد الملتقى صباح اليوم السبت بمدينة طرابلس، برعاية المؤسسة الليبية للديمقراطية الأجتماعية، والتحالف الليبي لأحزاب التوافق الوطني.

وحضر المؤتمر عدداً من أعضاء مجلسي النواب والأعلى للدولة، وهيئة صياغة مشروع الدستور، ورؤساء الأحزاب والتكتلات السياسية، ومنظمات ومؤسسات المجتمع المدني، والشخصيات السياسية المستقلة.

وقدمت العديد من الورقات السياسية في هذا الشأن من المشاركين، وأُختتمت أعمال الملتقي بصدور البيان الختامي والذي تضمن في أبرز مخرجاته الأعلان عن تشكيل مجلس التعاون بين الأحزاب السياسية والمجتمع المدني لترسيخ القيم الديمقراطية وتقديم المقترحات الإستراتيجية لتعزيز الحوار والشراكة.

الوسومالوطنية لحقوق الإنسان

مقالات مشابهة

  • المقاومة .. صمود وانتصار.. شوارع غزة تعجُّ بالحياة مجددًا ..
  • الحرب السودانية وتداعياتها الإنسانية
  • الحرب السودانية وتداعياتها الإنسانية !
  • “هذا جنون لا يستوعبه العقل”… القساميون النُّخبة في ساحة السَّرايا بغزَّة يستفزُّون اعلام العدو
  • الشهادة السودانية كرقصة التانغو (1-2)
  • لماذا غاب العقل عن القوى السياسية؟
  • «أبو شقة» ناعيًا جلال الهريدي: أثرى الحياة السياسية والبرلمانية بمواقفه الوطنية المشهودة
  • “الوطنية لحقوق الإنسان” تُشارك في الملتقى الأول للأحزاب السياسية ومؤسسات المجتمع المدني
  • الحصادي: تشكيل سلطة تنفيذية جديدة هو المفتاح لكسر الجمود السياسي في ليبيا
  • ساقية الدم السودانية