شرح الدكتور على أحمد رأفت، أحد علماء الأزهر الشريف، البطاقة التعريفية لسيرة ومسيرة السيدة نفيسة رضى الله عنها، قائلاً: إن السيدة نفيسة العالية القدر هى بنت الحسن الأنور ابن زيد الأبلج ابن الحسن ابن سيدنا علىّ والسيدة فاطمة، وهى سليلة بيت النبوة، وولدت عام 145هـ، وهى أكبر من الشافعى بـ5 سنوات، وولدت فى المدينة المنورة، وكان والدها أمير المدينة، فكانت تذهب إلى المسجد النبوى وتستمع إلى شيوخه وتتلقى الحديث والفقه من علمائه حتى لقَّبها الناس بلقب «نفيسة العلم».

وأضاف «رأفت» لـ«الوطن»: «السيدة نفيسة كان لها أخ دُفن فى مصر اسمه يحيى المتوج، لأن وجهه كله نور، والأرجح أنّ قبره عند سيدى الليث بن سعد بعد الشافعى، ومن المعروف عنها أنها حجت 30 حجة أدت معظمها سيراً على الأقدام، وكانت فيها تتعلق بأستار الكعبة وتقول: «إلهى وسيدى ومولاى متعنى وفرحنى برضاك عنى، ولا تسبب لى سبباً يحجبك عنى».

وأضاف: «جاءت إلى مصر مع زوجها وأبيها وابنها وبنتها، وكان عمر السيدة نفيسة 48 سنة وكان قدومها يوم السبت الموافق 26 من رمضان عام 193 هجرية لزيارة من كان بمصر من آل البيت، بعد أن زارت بيت المقدس وقبر الخليل، ولما علم الناس فى مصر بنبأ قدومها خرجوا لاستقبالها فى مدينة العريش أعظم استقبال ثم صحبوها إلى القاهرة».

وتابع: «أحبها أهل مصر حباً جماً، وكانوا يعتقدون فى كرامتها، فإذا نزل بهم أمر جاءوا إليها يسألونها الدعاء، فتدعو لهم، وأجرى الله على يديها شفاء المرضى والعجزة فسميت بأم العواجز، وأقبلوا عليها يلتمسون منها العلم حتى كادوا يشغلونها عما اعتادت عليه من عبادات، ففكر زوجها أن يرحلا إلى الحجاز.

أراد زوجها دفنها بـ«البقيع» بعد وفاتها فاجتمع أهالى مصر واستجاروا بالوالى ووافق بعد رؤية الرسول فى المنام

ولكنها قالت له: لا أستطيع ذلك، لأنى رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم فى المنام وقال لى لا ترحلى من مصر، فإن الله تبارك وتعالى متوفيك بها، ووهبها والى مصر عبدالله بن السرى بن الحكم داره الكبرى بدرب السباع، وحدد لزيارتها يومى السبت والأربعاء من كل أسبوع».

تردد عليها أئمة الفقه الإسلامى.. وزارها الإمام الشافعى بصحبة والى مصر وطلب منها الدعاء

وواصل: «كان يتردد على السيدة نفيسة أئمة الفقه الإسلامى وكبار العلماء، فقد زارها الإمام الشافعى وبصحبته والى مصر، وقال لها من وراء حجاب: ادعى لى فدعت له، وأوصى أن تصلى عليه، ولما توفى أدخلت جنازته إليها، وصلَّت عليه فى دارها، وقالت: رحم الله الشافعى فقد كان يحسن الوضوء».

واستكمل: «لما أحست السيدة نفيسة بدنو أجلها وقرب فراقها لدنياها قامت بحفر قبرها بنفسها، وكان القبر فى دارها وكانت تنزل فيه وتصلى كثيراً وقرأت فيه مائة وتسعين ختمة، وكانت إذا عجزت عن القيام لضعفها تصلى قاعدة وتقرأ كثيراً وتبكى كثيراً، ولما حانت الساعة وكان ذلك أول جمعة من شهر رمضان عام 208 هـجرية قرأت سورة الأنعام، فلما وصلت إلى قوله تعالى: «لَهُمْ دَارُ السَّلامِ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَهُوَ وَلِيُّهُمْ بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ» غشى عليها، فضمتها زينب ابنة أخيها فشهدت شهادة الحق وقبضت رحمة الله عليها».

وأوضح أن زوجها -رضوان الله عليهما- أراد أن يحملها إلى المدينة المنورة لكى يدفنها بالبقيع، فاجتمع أهل مصر إلى الوالى عبدالله بن السرى، واستجاروا به عند زوجها ليرده عما أراد، فأبى، فجمعوا له المال وترجوه لكنه رفض، فباتوا منه فى ألم عظيم حتى جاء الصباح ووجدوه وافق واستجاب لرغبتهم، وسألوه عن سبب هذا التحول فقال: رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يقول لى: رد على الناس أموالهم وادفنها عندهم، ودفنت السيدة نفيسة بدارها بدرب السباع بين القطائع والعسكر التى عرفت فيما بعد بكوم الجارحى، وكان يوم دفنها يوماً عظيماً مشهوداً، وإلى جانب ضريحها أقيم مسجدها الحالى، وهو المسجد الذى كان يوضع فى المحراب المتنقل قبل أن ينقل إلى المتحف الإسلامى باعتباره تحفة فنية جميلة».

وعن صفات السيدة نفيسة، قال إنها عرفت بنصرتها للمظلوم وشدة تمسكها بالعدل، واستغاث بها الناس فى مصر من ظلم ابن طولون، فاعترضت موكبه فلما رآها ترجل عن فرسه، فقالت إليه: ملكتم فأسرتم وقدرتم فقهرتم وردت إليكم الأرزاق فقطعتم فمحال أن يموت المظلوم ويبقى الظالم، اعملوا ما شئتم فإنا صابرون وجوروا فإنا بالله مستجيرون. فعدل ابن طولون فى وقته، ومن كرامات السيدة نفيسة أنه عندما توقف النيل عن الزيادة فى زمنها حضر إليها الناس طلباً للدعاء، فدفعت بوشاحها إليهم، وقالت ألقوه فى النيل، فلما ألقوه زاد منسوبه حتى بلغ الله به المنافع، وكان الإمام الشافعى إذا مرض يرسل لها رسولاً من عنده يسألها الدعاء فتدعو له فلا يرجع إليه رسوله إلا وقد عوفى، فلما مرض الشافعى مرضه الأخير أرسل لها رسوله فقالت: «متعه الله بالنظر لوجهه الكريم»، ورحل الإمام الشافعى بعدها.

وأوضح أن من كراماتها حينما قدمت إلى مصر ونزلت بدار يجاورها فيها يهود، كان من بينهم امرأة لها ابنة قعيدة لا تقدر على الحركة، واشتهت الفتاة أن تبقى عند الجارة الشريفة، فاستأذنت الأم من السيدة نفيسة فأذنت لها، فحملتها ووضعتها فى زاوية البيت، وذهبت فقامت السيدة نفيسة وتوضأت فجرى ماء وضوئها إلى البنت اليهودية، فألهمها الله أن أخذت بماء الوضوء ومسحت به على قدميها فشفيت بإذن الله، وحين أخبرت البنت أمها بما حدث معها.

وقالت: «هذا والله صحيح الدين، فإذا كانت هذه بركة وضوء السيدة نفيسة فكيف بوضوء الرسول الأعظم!»، فدخلت على السيدة نفيسة بصحبة زوجها وأشهرا إسلامهما، ثم شاع خبر البنت وإسلام والديها، فأسلم جماعة اليهود الذين كانوا يعيشون معهم، وقيل إنهم كانوا 70 ألف يهودى. ويحكى أنه كان فى حياتها أمير ظالم فطلب رجلاً ليعاقبه، وكان الرجل مظلوماً، فمر بالسيدة نفيسة واستجار بها، وطلب منها الدعاء، فقالت: «امض، حجب الله عنك أبصار الظالمين».

فمضى الرجل مع الجنود إلى الأمير الظالم إلى أن وقفوا بين يديه، فسألهم: «أين الغلام؟»، فعجبوا وقالوا: «إنه واقف بين يديك»، فقال: «والله ما أراه»، فقصوا عليه ما دعت له به السيدة نفيسة، فقال الأمير: «وبلغ من ظلمى هذا كله أن يحجب عنى المظلوم، يا رب إنى تائب إليك».

المصدر: الوطن

كلمات دلالية: السيدة نفيسة السیدة نفیسة الله علیه

إقرأ أيضاً:

خطيب الجامع الأزهر: أكرم الله أمة العرب وجعل معجزة النبي بلسانها

ألقى خطبة الجمعة اليوم بالجامع الأزهر، الدكتور عبد الفتاح العواري، عضو مجمع البحوث الإسلامية، والتي دار موضوعها حول "اللغة العربية وهوية الأمة الإسلامية".

وقال العواري، لقد شرفت اللغة العربية بنزول القرآن بها، فنالت العربية شرف المُنزَل بها، وأكرم الله أمة العرب بأن جعل معجزة النبي الخاتم بلسانها وهو شرف ما بعده شرف، وتكريم ما بعده تكريم، لذلك فاللغة العربية هوية الأمة، فلقد بيَّن ذلك النبي للأمة داعياً إياها إلى التمسك بكتاب ربها الذي أنزله بلسانها، فقوة الأمة في التمسك بهذا الكتاب والحفاظ على لغتها وعدم التهاون فيها تعليماً وتعلماً، ومذاكرةً ومدارسةً ونشراً لها، فلغة القرآن ثرية بمفرداتها ومعانيها، فعلينا التمسك بهذا الشرف وإلا فالعواقب وخيمة.

وأكد عضو مجمع البحوث الإسلامية، أهمية الحفاظ على اللغة والقرآن الكريم، لأنه تمسك بحبل الله المتين، الذي يحقق استقرارا للمجتمعات، وسلامة في الهوية وبقاءً للأوطان، لأن الأعداء يعملون جاهدين على محو هذه الثوابت وطمس ملامح هذه الهوية حتى تصبح الأمة لقمة مستساغة ينقض عليها الأعداء، فيستولوا على أوطانها ومقدراتها، وعندها لا ينفع الندم، مبينًا أن تعلم اللغات الأخرى على حساب هويتنا المتمثلة في اللغة العربية، يعد تغريبًا للأجيال وطمس لهويتنا الراسخة، لأنه بضياع اللغة العربية سيضيع معها كل شيء.

وأوضح خطيب الجامع الأزهر، أن هذا الشرف العظيم الذي منحها الحق سبحانه وتعالى إياه، يحفظ على الأمة كرامتها وسيادتها وعزتها، الشرف الذي رقى بها، فصارت بالقرآن الذي نزل بلُغتها قائدة للأمم وأهلا للحضارة، أفلم يعوا ما ذكرهم به ربهم في القرآن حيث يقول: ﴿لَقَدْ أَنزَلْنَا إِلَيْكُمْ كِتَابًا فِيهِ ذِكْرُكُمْ ۖ أَفَلَا تَعْقِلُونَ﴾، تعبير بالعظمة، فالمنزل عظيم، والقرآن الذي نزل عظيم، فنالت العربية هذا الشرف ونالته الأمة أيضاً، كتاب فيه شرفكم وعزكم، وسيادتكم وتقدمكم، وعوامل بقائكم، أفلا تعقلون؟. 

وأضاف خطيب الجامع الأزهر، أن اللغة العربية هي لسان وليست عرقا أو جنسا، بها فتحت آفاق رحبة وأبواب فسيحة لكل الأعراق والأجناس ممن طبقوا الإسلام ديناً، فأصبحت العربية لسان من يتكلم بها. فكل من يتقن لسانها فهو عربي، فنجد العباقرة من العلماء مثل سيبويه والجرجاني والزمخشري وغيرهم من العجم الذين صاروا بإتقان اللسان عرباً، فلغة القرآن لغة الأمة وليست بلغة جنس فقط، أكرمها الله بكتاب انصهرت فيه جميع الأجناس والأعراق، وصارت أمة الإسلام بهذا اللسان وهذا الكتاب، أمة واحدة يقول تعالى: ﴿إِنَّ هَٰذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَأَنَا رَبُّكُمْ فَاعْبُدُونِ﴾.

وفي ختام الخطبة دعا عضو مجمع البحوث الإسلامية الأمة العربية إلى أن تفيق من غفلتها وأن تتمسك بهويتها المتمثلة في القرآن الكريم ولغتها العربية، وأن تعي ما فيه من الدروس والعبر، يقول تعالى: ﴿إِنَّا أَنزَلْنَاهُ قُرْآنًا عَرَبِيًّا لَّعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ﴾، حتى تتمكن من مواجهة التحديات التي تواجهها من كل جانب، محذرًا من تراجع وظيفة القرآن في مجتمعاتنا وإهمال منزلته، والتشبث بالقشور وعدم ترك مساحة للعقل ليمعن النظر والتأمل الصادق، حتى يحقق للأمة الخيرية التي أرادها الله لها، خير أمة أخرجت للناس.

مقالات مشابهة

  • أحفاد الرسول الثمانية.. تعرف على جانب من مواقف النبي معهم
  • من هو النبي الذي قتل جالوت؟.. تعرف على القصة كاملة
  • دعاء النبي في صلاة الوتر .. 22 كلمة داوم عليها كل ليلة بعد العشاء
  • وصايا النبي.. قوة ( قول هو الله أحد) وأثرها في وقت الشدائد
  • أذكار بعد العشاء يوم الجمعة.. 13 دعاء أوصى به النبي ردده الآن
  • فضل الصلاة على النبي .. وأفضل صيغة لقضاء الحوائج في دقائق.. الشعراوي يحددها
  • 6 مواقف بكى فيها النبي محمد .. وسبب بكائه على أُمَّتِهِ
  • خطيب الجامع الأزهر: أكرم الله أمة العرب وجعل معجزة النبي بلسانها
  • إمام الحرم: حرص النبي على أمته بلغ الغاية في بيان الشريعة
  • داعية إسلامي: الصلاة على سيدنا النبي سر فلاح المسلم وطريق النجاه والأمان