التوجه العام لتبني نهج المقاومة قد يكون الخيار الوحيد: هل يفلح الكيان الإسرائيلي في مخططه لتهويد الضفة الغربية؟
تاريخ النشر: 16th, July 2024 GMT
مع إمعان جيش الاحتلال الإسرائيلي في ارتكاب الجرائم الوحشية ضد المدنيين في قطاع غزة تتجه أذرع حكومة الكيان إلى الضفة الغربية حيث مقر السلطة الوطنية الفلسطينية بمخطط يتجاوز الهجمات العسكرية والاقتحامات اليومية وهدم المنازل وجرائم الاغتيال والاعتقالات إلى مشروع أكبر يسعى لتهويد الضفة الغربية من خلال التوسع في سرطان المستوطنات وإضعاف السلطة الوطنية الفلسطينية بل وإضعاف الوجود الفلسطيني في الأراضي المحتلة بصورة عامة.
الثورة / أبو بكر عبدالله
في أعقاب إعلان النرويج وإيرلندا وإسبانيا وسلوفينيا اعترافها رسميا بفلسطين دولة مستقلة، أعلنت حكومة الاحتلال رفع الحظر على قانون فك الارتباط بالضفة الغربية، والسماح للمستوطنين بالعودة إلى 3 مستوطنات سابقة كان يحظر عليهم دخولها، كما شنت حربا اقتصادية واسعة النطاق تسعى إلى إضعاف السلطة الوطنية الفلسطينية وانهيارها تمهيدا لمخططها الكبير في تهويد الضفة الغربية.
والإجراءات العقابية الإسرائيلية التي أصدرها وزير المالية الصهيوني بتسلئيل سموتريتش بحق السلطة الفلسطينية، شملت منع تحويل أموال المقاصة إلى للسلطة الفلسطينية حتى إشعار آخر وهدم البناء الفلسطيني في المناطق المفتوحة، في انتهاك صارخ لجميع الالتزامات السياسية والاقتصادية الموقعة عليها من قبل سلطة الاحتلال والتزاماتها المتسقة مع القانون الدولي واتفاقية جنيف الرابعة وكذلك الاتفاقات الموقعة مع السلطة الفلسطينية في أوسلو قبل 30 عاما.
والتوجهات الإسرائيلية اتخذت منحى آخر بعد تصريحات لسموتريتش كُشفت ضمن تسجيل صوتي مسرب قال فيها إن حكومة الاحتلال منخرطة في جهود سرية لتغيير الطريقة التي تحكم بها إسرائيل الضفة الغربية لمنع الضفة الغربية من أن تصبح جزءاً من الدولة الفلسطينية وبالتالي منع إقامة دولة فلسطينية.
التسجيل المسرب كشف عن خطة صهيونية رسمية لفرض السيطرة المدنية على الضفة الغربية، في ظل تحذيرات دولية وعربية وحتى إسرائيلية، من أن إجراءات الحرب والحصار الإسرائيلية على مدن الضفة الغربية قد تقود إلى انهيار وشيك للسلطة الوطنية الفلسطينية خصوصا مع شروع حكومة الكيان في القيام بخطوات لإخضاع مدن الضفة لحكم تسيطر عليه أجهزة دولة الاحتلال.
وبحسب مصادر فلسطينية، فإن أبرز معالم الخطة تمثلت في إضعاف الحضور والنفوذ السياسي للسلطة في الضفة الغربية من خلال الاجتياحات والعمليات العسكرية لغرض زعزعة ثقة الفلسطيني فيها وتعمد كسر هيبتها عبر الاغتيالات والاقتحامات وتقطيع الأوصال من خلال ربط الاحتلال للتجمعات بشبكة طرق التفافية تعمل على ربطها بشكل كامل جغرافيا وديموغرافيا، وتحويل الوجود الفلسطيني إلى معازل وخلق صعوبات في تنقل المواطنين من خلال الحواجز وسلسلة التضييقيات الاقتصادية على السلطة.
وكان قرار حكومة الكيان برفع الحظر على قانون فك الارتباط بالضفة تتويجا لهذه الخطة من خلال السماح المستوطنين العودة إلى المستوطنات المخلاة وتسليم مهام الجيش للمستوطنين وإقامة المجموعات الأمنية لحماية المستوطنات وتسليح نحو 120 ألف مستوطن وإطلاق العنان لهم لاستهداف المدنيين الفلسطينيين.
ولا يبدو أن الخطة ستقف عند هذا الحد، فالتقديرات تشير إلى أن الاحتلال يعتزم تصعيدها أكثر بتهجير للفلسطينيين وخصوصا في التجمعات البدوية كجزء من عملية إضعاف الوجود الفلسطيني وإفساح المجال لمساحات جغرافية للاستيطان بالتوازي مع إنشاء كيان جديد للحكم في قطاع غزة يخدم إسرائيل ومصالحها.
حرب اقتصادية
الحرب الاقتصادية كانت عنوانا مهما في الخطة الإسرائيلية الجديدة لتهويد الضفة، فمنذ عامين تقتطع حكومة الكيان نحو 50 مليون دولار من العوائد الضريبية التي كانت تدفعها السلطة الفلسطينية لعائلات شهداء قضوا في مواجهات سابقة أو أسرى في السجون الإسرائيلية، إضافة إلى تلبية فواتير الكهرباء والخدمات الطبية، ما تسبب في تراكم الديون عليها في حين خصم سموتريتش مؤخرا 35 مليون دولار من أموال الضرائب الخاصة بالسلطة.
هذه الإجراءات أرغمت السلطة الفلسطينية على دفع رواتب منقوصة للموظفين في القطاعين المدني والعسكري، وأشاعت مخاوف من وقوع كارثة اقتصادية في حال استمرار حكومة الكيان في حربها الاقتصادية على الضفة الغربية، حيث يمر نحو 8 مليارات دولار من التجارة بين دولة الكيان والضفة الغربية عبر البنوك الإسرائيلية، تشمل 2.3 مليار دولار من المدفوعات للغذاء، ونحو 685 مليون دولار للكهرباء وخدمات المياه والصرف الصحي، في حين تتوقع الأمم المتحدة انكماش الاقتصاد الفلسطيني بنسبة 26.9 %.
سرطان المستوطنات
منذ توقيع السلطة الوطنية الفلسطينية على اتفاق أوسلو في العام 1993م مع الكيان الإسرائيلي الذي أفضى إلى اعتراف السلطة الوطنية الفلسطينية بإسرائيل، إلا أنه لم يتم إحراز أي تقدم في مسار إعلان الدولة الفلسطينية المعترف بها من إسرائيل، بل إن التوسع في المستوطنات الإسرائيلية استمر وشكل عقبة رئيسية أمام تنفيذ استحقاقات هذا الاتفاق.
هذا الملف تفاقم في الآونة الأخيرة بعد أكبر عملية مصادرة قامت بها حكومة الاحتلال لأراض في الضفة الغربية ترجمة للقرار الذي أصدره وزير المالية الصهيوني سموتريتش باعتبار 800 هكتار في الضفة الغربية “أراضي خاصة بدولة إسرائيل”.
والمعروف أن اتفاق أوسلو أوجد حكما فلسطينيا ذاتيا محدودا تحت مسمى “السلطة الفلسطينية” على طريق تحقيق الهدف النهائي بإقامة دولة فلسطينية معترف بها وكاملة السيادة، غير أن المجلس الوزاري الأمني الإسرائيلي نسف هذه التوجهات تماما بفرضه المزيد من التضييق على السلطة الوطنية الفلسطينية في الضفة وتوسيع الاستيطان وتشريع إقامة مستوطنات جديدة في تحد صارخ لقرار مجلس الأمن رقم 2334 الذي حض حكومة الكيان على تجميد أية أنشطة استيطانية.
والتوجهات الإسرائيلية هذه تُرجمت عمليا بتخصيص وزير المالية الإسرائيلي نحو ملياري دولار لتطوير الطرق المؤدية إلى المستوطنات في الضفة خلال الأعوام الخمسة المقبلة، بهدف جلب أكثر من مليون إسرائيلي إلى المستوطنات وتسريع ربط مستوطنات الضفة بالمدن الإسرائيلية في مقابل تسريع عمليات هدم منازل الفلسطينيين وبخاصة في منطقة (ج) التي تشكل ثلثي مساحة الضفة الغربية.
وقد خصص وزير المالية الإسرائيلي نحو ملياري دولار لتطوير الطرق المؤدية إلى المستوطنات في الضفة والرابطة بداخل إسرائيل خلال الأعوام الخمسة المقبلة، والذي يهدف إلى جلب أكثر من مليون إسرائيلي إلى المستوطنات وتسريع ربط مستوطنات الضفة بالمدن الإسرائيلية في مقابل تسريع عمليات هدم منازل الفلسطينيين وبخاصة في منطقة (ج) التي تقع على مساحة 60 من الضفة الغربية.
إضعاف الوجود الفلسطيني
منذ عملية “طوفان الأقصى” زادت حكومة الكيان من وتيرة الحصار والعقوبات على السلطة الوطنية الفلسطينية بالتوازي مع إطلاق جيش الاحتلال عمليات عسكرية ومداهمات واسعة في مدن الضفة بذريعة وجود تنظيمات مسلحة وهي الخطوات التي سجلت منذ العام الماضي ارتفاعا غير مسبوق بالتوازي مع دعم مباشر لعمليات الاستيطان في أراضي الضفة الغربية.
ومنذ عملية “طوفان الأقصى” تشهد مختلف مناطق الضفة الغربية تصاعدا في أعمال العنف، حيث اسنشهد 492 فلسطينيا على الأقل بنيران جيش الاحتلال والمستوطنين الإسرائيليين.
كل هذا الإرهاب الهستيري، استهدف بالمقام الأول إضعاف الوجود السياسي للسلطة الوطنية الفلسطينية وافقاد الشارع الفلسطيني ثقته بالسلطة الوطنية على طريق إلغاء الاعتراف بالسلطة كمظلة سياسية وتحويل الوجود الفلسطيني إلى إدارات ذاتية في تجمعات إدارية مجزئة.
والإمعان الإسرائيلي بهذه التوجهات، أثار موجة انتقادات واسعة عبَّر عنها مؤخرا الاتحاد الأوروبي الذي دعا إلى وقف أي إجراءات تتخذها إسرائيل بهدف إضعاف السلطة الوطنية الفلسطينية، خشية أن تقود في النهاية إلى انهيار للسلطة الوطنية سيما في ظل الحرب الاقتصادية الوحشية التي تقودها إسرائيل على الضفة الغربية.
هذا الأمر أكدته كذلك تقارير حديثة للبنك الدولي حذر فيها من أن السلطة الفلسطينية تواجه مخاطر انهيار في المالية العامة بعد أن سجلت تدهورا كبيرا في الأشهر الثلاثة المالية مع نضوب تدفقات الإيرادات والانخفاض الكبير في النشاط على خلفية العدوان على قطاع غزة.
ورغم الانتقادات الدولية الواسعة للإجراءات الإسرائيلية المتخذة ضد السلطة الوطنية الفلسطينية على المستويين الفلسطيني والدولي، فإن مظاهر القلق بدت أيضا من داخل إسرائيل بعد التقارير التي أصدرتها منظمة “السلام الآن” الإسرائيلية التي اعتبرت أن سموتريتش “يقول بصوت عال ما يحاول نتنياهو إخفاءه” بالسعي إلى ضم الضفة الغربية بصورة غير قانونية ننتهك القانون الدولي.
يضاف إلى ذلك التحذير الذي أصدره مؤخرا جهاز الشاباك الإسرائيلي والذي أكد أن الخطوات التي اتخذتها حكومة الكيان في السنوات الأخيرة تجاه السلطة الفلسطينية في الضفة، قد تؤدي فعلاً إلى انهيارها وأن وقف تحويل الإيرادات الضريبية إلى جانب اتخاذ تدابير أخرى، سيضع السلطة الفلسطينية على حافة الإفلاس المالي، وقد يؤدي ذلك إلى عدم قدرتها على سداد ديونها، بما في ذلك رواتب موظفيها والخدمات المقدمة لمواطنيها.
مفترق طرق
على أن التقديرات تشير إلى احتمال استمرار حكومة الكيان في مشروعها لإضعاف السلطة الوطنية الفلسطينية وتهويد مدن الغربية خلال الفترة القادمة، إلا أن التفاعلات على الأرض تؤكد أن الشعب الفلسطيني لن يقف مكتوب الأيدي أمام هذا التغول، في ظل حالة الغليان التي تعيشها مدن الضفة والتوجه المتزايد لدى الشارع الفلسطيني بتبني نهج المقاومة.
ذلك أن الشعب الفلسطيني لديه اليوم ما يكفي لتحريك مشاعر المقاومة المسلحة للاحتلال والتصدي لجرائمه خصوصا بعد أن أفشلت حكومة الكيان جميع البدائل الأخرى لنيل الشعب الفلسطيني حقوقه التاريخية في قيام دولة مستقلة ذات سيادة تحكم التراب الفلسطيني، وتدميرها كل مسارات الكفاح السلمي والتفاوض السياسي خلال السنوات الماضية.
ولم يعد خافيا أن دولة الكيان وحكوماته مستمرة في مشروعها الاحتلالي الاستيطاني في ظل إمعان الكيان في تسويق الأكاذيب والمبالغات بشأن ما يجري في الضفة الغربية بما في ذلك الأكاذيب التي سوقتها مؤخرا بوجود الصواريخ التابعة لحركتي حماس” و”الجهاد” بداخل الضفة لتبرير شن حرب وحشية على الضفة الغربية.
هذا الأمر تزايد بصورة كبيرة في الأشهر الماضية نتيجة الزخم الدولي المؤيد لحق الشعب الفلسطيني في إعلان دولته المستقلة على أساس حل الدولتين، حيث لم تكف ماكنة الإرهاب الإسرائيلي عن اختراع الذرائع والأكاذيب الهادفة إلى توسيع رقعة الصراع من غزة إلى مدن الضفة الغربية.
لكن المؤكد أن الخطوات المتخذة حتى الآن من قبل الكيان الإسرائيلي بحق السلطة الوطنية الفلسطينية، لن تكون كل شيء، فالتقديرات تشير إلى أن هناك نيات لدى حكومة الكيان لاتخاذ المزيد من الخطوات التصعيدية في الفترة القادمة.
ما يدلل على ذلك هو المساعي المحمومة لحكومة الكيان لفرض واقع عسكري جديد على الأرض سواء من خلال تصعيد أعمال العنف والإرهاب والتدمير الشامل في مدن القطاع وتهجير سكانها أو تكريس الحصار الاقتصادي على مدن الضفة التي تشهد بالتوازي توسيع عمليات الاستيطان وإنشاء البؤر الاستيطانية الجديدة، ناهيك عن الإجراءات الهادفة إلى إضعاف السلطة الوطنية الفلسطينية.
المصدر: الثورة نت
إقرأ أيضاً:
حكم بسجن نائب أردني 10 سنوات لنقله الأسلحة إلى الضفة الغربية
أصدرت محكمة أمن الدولة الأردنية التي انعقدت الأربعاء، حكمها في القضية التي شملت النائب الأردني السابق عماد العدوان و13 متهما آخرين، بينهم شخص "هارب"، بتهم تتعلق بتصدير أسلحة نارية بشكل غير قانوني.
وقد قضت المحكمة بتوقيع عقوبة الأشغال المؤقتة لمدة 10 سنوات على النائب عماد العدوان، بعد ثبوت تصديره أسلحة نارية خارج الأراضي الأردنية بقصد استخدامها في أغراض غير مشروعة بحسب المحكمة.
وأصدرت المحكمة حكمًا مماثلًا بحق 3 متهمين آخرين، الذين ثبت تورطهم في التصدير غير المشروع للأسلحة، ليحكم عليهم بالحبس 10 سنوات لكل منهم.
وتجدر الإشارة إلى أن المحكمة أصدرت حكمًا غيابيا بحق متهم آخر، وهو شخص هارب، وقضت بحبسه 15 عامًا في حالة القبض عليه.
أما فيما يخص بعض المتهمين، فقد قررت المحكمة إسقاط التهم الموجهة إليهم بموجب قانون العفو العام، ليشمل القرار 8 من المتهمين الذين تم إخلاء سبيلهم بعد انقضاء فترة العفو.
وقد تضمنت التهم الموجهة للمتهمين "تصدير أسلحة نارية بطريقة غير قانونية، وبيع الأسلحة بقصد استخدامها في أغراض غير مشروعة، وهي تهم تقع ضمن نطاق قانون منع الإرهاب رقم 55 لسنة 2006. كما تم توجيه تهم أخرى تتعلق بمحاولة تصدير الأسلحة بشكل غير قانوني، إضافة إلى أعمال من شأنها الإضرار بالأمن العام والإخلال بالنظام الاجتماعي في البلاد".
كان قد تم توقيف النائب عماد العدوان في 23 نيسان/ أبريل من العام الجاري من قبل سلطات الاحتلال الإسرائيلي، إثر محاولته تهريب أسلحة وكميات من الذهب عبر معبر الكرامة الحدودي، حيث تم تسليمه لاحقًا إلى السلطات الأردنية.
وفي السابع من أيار/ مايو، تم الإعلان رسميًا عن تسلم الأردن للعدوان من قبل الاحتلال، ليتولى القضاء الأردني متابعة القضية وإصدار الحكم الأخير.