ينظر قادة جيش الاحتلال بقلق وخوف من تبادل التهديدات بين "إسرائيل" وحزب الله، وسط حالة التعب التي أصابت الجيش ونقص الموارد، جراء  حرب الإبادة المستمرة ضد قطاع غزة لنحو عشرة أشهر، بحسب ما ذكرت صحيفة "واشنطن بوست".

وأشارت الصحيفة بداية إلى تصريحات المسؤولين الإسرائيليين وأنهم لا يريدون حربا مع لبنان، لكنهم جاهزون لها، وقال رئيس وزراء الاحتلال، بنيامين نتنياهو: "نحن جاهزون لكل عملية مكثفة"، فيما هدد وزير حربه يواف غالانت بإعادة لبنان "إلى العصر الحجري".

 

وبين التصريحات المتبجحة هذه هناك مخاوف بين الجنود الإسرائيليين أن الجيش مستنزف ونضبت مصادره بعد أطول حرب تخوضها "إسرائيل" ومنذ عقود. 

وبعد تسعة أشهر من الحرب العقابية ضد غزة، لم تؤد إلى تدمير حماس ولم يقدم بعد نتنياهو المحاصر سياسيا أي استراتيجية للخروج من هناك. 

وفي لبنان "ستواجه إسرائيل عدوا أكبر ومجهزا بأسلحة أقوى، مما دفع الخبراء للتحذير من مستنقع عسكري أعمق"، بحسب الصحيفة.


 وتخوض "إسرائيل" منذ  8 تشرين الأول/ أكتوبر حربا على جبهتين، فبعد ساعات من هجمات حماس في 7 تشرين الأول/أكتوبر 2023 بدأ مقاتلو حزب الله الذي تدعمه إيران في لبنان بإطلاق الصواريخ على شمال إسرائيل، وكانت بداية ضربات متبادلة تسارعت وتعمقت أكثر على جانبي الحدود، بحسب ما ذكرت الصحيفة.

 وتقول "إسرائيل" إنها انتقلت إلى مرحلة أقل شدة في المواجهات بغزة وبدأت التفاوض على صفقة وقف إطلاق النار مع حماس والإفراج عن الأسرى لدى الحركة، إلا أن حزب الله مصّر على عدم  وضع أسلحته أو التراجع عن الحدود مع "إسرائيل" إلا في حالة اتفاقية وقف إطلاق للنار بغزة. 

ويقول حزب الله و"إسرائيل" إنهما يفضلان الحل الدبلوماسي، لكن أي منهما ليس مستعدا لتقديم تنازلات يتطلبها الحل، والنتيجة هي ركود متوتر وتصاعد في عدد القتلى والمدن الحدودية مهجورة، ومزارعها  الحيوانية بدون رعاية وثمار أشجارها بدون قطاف، وضغوط مستمرة من النازحين الإسرائيليين على الحكومة للتحرك. 

ويرسم المخططون العسكريون الإسرائيليون خططا للهجوم على لبنان ومنذ عدة أشهر، الأربعاء الماضي، وبعد مقتل إسرائيليين في غارات من حزب الله، قال بيني غانتس، الوزير السابق في حكومة الحرب إنه والأخرون دعوا في آذار/ مارس إلى توغل في لبنان إلا أن نتنياهو "تردد" ورفض الإلتزام بعودة النازحين إلى بلدات الشمال بحلول الأول من أيلول/ سبتمبر وهو بداية السنة الدراسية الجديدة.

 وقال غانتس "لا تستطيع إسرائيل تحمل إسرائيل استمرار الوضع كما هو، وخسارة عام آخر" و "حان الوقت لثمن يجب دفعه في الأهداف العسكرية والبنى التحتية المرتبطة بحزب الله". 

وترى غايل تيلشير، الباحثة السياسية في الجامعة العبرية بتل أبيب إن "نتنياهو الذي تفاخر مرة بقدرته على منع الحروب يعرف بأن الإسرائيليين ليسوا جاهزين لألاف الصواريخ على تل أبيب"، قائلة إنه "يعزل" نفسه بدلا من التفكير جديا واتخاذ القرارات المهمة، في محاولة منه لشراء الوقت ويحيط نفسه بالموالين الذين لا خبرة عسكرية لديهم.

 ويقول المحللون إن نتنياهو أبعد نفسه أكثر بعد حله حكومة الحرب في أعقاب رحيل غانتس، عن القيادات العسكرية، بمن فيهم غالانت الذي دفع باتجاه وقف إطلاق النار وتبادل الأسرى في غزة والسماح للجيش كي يركز على لبنان. 

وقال غالانت يوم الأحد "هذه أيام حرجة فيما يتعلق بممارسة قوتنا ضد [حزب الله] والذي لا يرد إلا من خلال القوة".

 وكان يتحدث مع استمرار سقوط الصواريخ على "إسرائيل" بما فيها القاعدة العسكرية في جبل ميرون. ولا يتوقع العدد القليل من الإسرائيليين الذين ظلوا في الشمال بعد 8 تشرين الأول/ أكتوبر البقاء في حالة من المجهول ولوقت طويل. 

وقال عومير سيمحي، الذي عمل ولتسعة أشهر في فرقة الدفاع المحلي بكيبوتز ساسا بالجليل الأعلى القريب من الحدود اللبنانية "العائلات متعبة". 


وكانت زوجة سيمحي وولديه من ضمن 100,000 تم إجلاؤهم عن الشمال بعد تساقط صواريخ والمسيرات الإنتحارية والصواريخ المضادة للدبابات على الشمال من حزب الله، مما حول هذه المنطقة الزراعية إلى محور حرب. وتم إجلاء نفس العدد من اللبنانيين الذين شردتهم الغارات الإسرائيلية على جنوب لبنان. وقتل على الأقل 98 مدنيا و300 من مقاتلي حزب الله نتيجة للغارات الإسرائيلية. وقتلت ضربات حزب الله 20 جنديا و11 مدنيا في إسرائيل. وعندما يريد سيمحي  مشاهدة عائلته يجد بديلا عنه، لكن هناك قلة في المتطوعين و "لا أعرف إن كان هناك حل دبلوماسي أو حرب، وما أعرفه أن الوضع لن يستمر على حاله بهذه الطريقة".

 وقال رئيس المجلس المحلي موشيه دافيدوش إن مئات البيوت دمرت في شمال إسرائيل . وهو صورة صغيرة عما يمكن لحزب الله التسبب به من أضرار حالة حرب شاملة والمتوقع أنها ستؤدي إلى قطع التيار الكهربائي ووابل من المقذوفات والصواريخ وحرب برية واسعة ضد مقاتلين على معرفة بتضاريس المنطقة. ويعتقد أن لدى حزب الله أعدادا ضعف ما لدى حماس وعتادا وذخيرة أربعة أضعاف من ترسانة حماس، بما في ذلك الصواريخ. 

ولهذا فقد أصبح التعبير عن عدم جاهزية إسرائيل للحرب مع حزب الله مفتوحا وعلنيا. ونقلت إذاعة الجيش الإسرائيلي عن يائير غولان، زعيم حزب العمل الإسرائيلي ورئيس هيئة الأركان المشتركة قوله في الشهر الماضي: "لقد تم استنزاف جنود الإحتياط والجيش النظامي حتى النخاع". وقال يوئيل غوزانسكي، المسؤول السابق في مجلس الأمن القومي "تعودت إسرائيل على الحروب القصيرة" و "لكن بعد تسعد أشهر، أصبح الجيش متعبا، والمعدات بحاجة لصيانة وتم استخدام الذخيرة وتأثرت كل عائلة في إسرائيل بها".

 ورغم الوتيرة المتدنية للحرب في الشمال إلا أن الحرب تركت أثرها الكبير على الجنود في الجبهات الأمامية. ونقلت الصحيفة عن جندي احتياط عمره 25 عاما نقل إلى الشمال بعد 7 تشرين الأول/أكتوبر قوله إنه وبعد اربعة أشهر من العيش تحت النار فقد تراكم "الإجهاد". وعندما انتهت مدته وجد "صعوبة للعودة إلى الروتين". وقال إنه بشعور بالذنب طلب فترة راحة من عمله كمدرس حتى يتأقلم مع الحياة المدنية. ويحضر الآن للعودة مرة ثانية إلى الجبهة، ولكنه يتساءل إن كان جاهزا، وقال إن زملاءه يكافحون أنفسهم. 

وقتل منذ بداية الحرب في غزة 325 جنديا وهو أربعة أضعاف ما قتل منهم في عام 2014 وقد تفاقمت الخسائر مع الحس المتزايد بالفشل الإستراتيجي، وفي النهاية سحبت إسرائيل معظم قواتها بدون أن تحقق أيا من الأهداف المعلنة، تدمير حماس واستعادة الأسرى. 

واستشهد أكثر من 38,000 شخصا في غزة حسب وزارة الصحة الفلسطينية. وبالمقارنة فستكون الحرب في لبنان كارثة على الطرفين، حسبما يقول الخبراء. 


وحذر الأمين العام لحزب الله، حسن نصر الله في الشهر الماضي وبعد نشر لقطات عن ميناء حيفا من "حرب بدون قواعد وبدون حدود". ونشر وزير الخارجية الإسرائيلي إسرائيل كاتز على تغريدة عبر إكس "نصر الله، لو لم تتوقف عن التهديدات والعنف وتنسحب إلى نهر الليطاني فستكون مدمر لبنان". ويرى غوزانسكي إن غزو لبنان قد يكون "مصيدة" وجر إسرائيل إلى حرب مكلفة  وبدون نهاية "هناك اعتقاد خاطئ في إسرائيل أن الحرب قد تنتهي في عدة أيام أو أسابيع". 

كما أن مشاهد الدمار في لبنان ستزيد من الضغوط الدولية والتوترات مع واشنطن. واشتكى نتنياهو الشهر الماضي من تراجع الدعم العسكري الأمريكي. ومن أجل منع الحرب يطلب الإسرائيليون عبر الأمريكيين والاوروبيين انسحاب  حزب الله 10 كيلومترات للشمال من الحدود وخلف نهر الليطاني، وهو الحد العسكري الذي تم الإتفاق عليه بعد حرب 2006.

المصدر: عربي21

كلمات دلالية: سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة مقابلات سياسة دولية سياسة دولية إسرائيل غزة لبنان حزب الله لبنان إسرائيل غزة حزب الله الجيش الاسرائيلي المزيد في سياسة سياسة دولية سياسة دولية سياسة دولية سياسة دولية سياسة دولية سياسة دولية سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة اقتصاد رياضة صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تشرین الأول حزب الله فی لبنان فی غزة

إقرأ أيضاً:

مرغّت انف الجنجويد وغيرت مسار الحرب.. سردية معركة مايرنو

رسالة الجنجويد لعمدة مايرنو عبدالرحمن محمد طاهر بواسطة وكلائهم و معاونيهم ، كانت اشبه برسالة سليمان إلى بلقيس ، مفادها الاستسلام للجنجويد دون مقاومة …
اتصل حفيد المك عدلان الذي أعلن انضمامه للجنجويد عقب دخولهم مباشرة إلى سنجة ، و اتضح أنه كان متعاونا معهم في اسقاطها . اخبره المك في المكالمة بأن الجنجويد في طريقهم إلى مايرنو بعد سقوط سنجة و المرفع و ام شوكة والنورانية و كل مناطق شرق سنجة و لم يتبقى سوى مايرنو و سنار ليستلموا كافة الولاية و المدينتان محاصرتان من كل الجهات ، من الشرق جهة السوكي و قلاديمة وصولا الى تريرة التي يفصلها عن مايرنو منطقة الشيخ طلحة و النيل الازرق و كانت السلطات الامنية قد اوقفت و سحبت كل المواعين البحرية التي تربط مايرنو بالشرق و يمكن للجنجويد ان يخلوها ان احتلوا طلحة بالتدوين العشوائي ، و من الغرب استلم الجنجويد منطقة النورانية المعروفة بمايرنو الغربية و في الجنوب تعسكر قوات الجنجويد في جبل موية و تتناوش كبري العرب ، و هاهي الان تهاجم المنطقة من البوابة الجنوبية بعد احتلال كل المدن و القرى تجاه سنجة ، مما يعني الا مخرج لمحلية سنار من كماشة الجنجويد .
طلب هدهد الجنجويد من عمدة مايرنو أن يخرج مع أهل منطقته لاستقبال موكب الجنجويد وسط زغاريد النساء وتهليل الرجال و هتافات الشباب و بهجة الأطفال ، و وعدوا بانهم لن يؤذوا اهل المنطقة . فقط بعض الصور و الفديوهات للتوثيق بأنهم اسقطوا مايرنو و حرروها من دولة ٥٦ فيعودوا ادراجهم بدون أن يؤذوا احد …
رغم ما عرف به العمدة بحرارة القلب و قوة الشكيمة الا انه ايضا كان حكيما فكظم غيظه و لم يلعن حامل الرسالة كما تفعل الملوك، إنما طلب مهلة ليستشير أعيان المنطقة ، فهو لا يستطيع أن يقرر عنهم هذا الأمر المصيري …
كان رد الاعيان على الطلب قويا و متوقعا، بأنهم لن يسمحوا للجنجويد أن يدنسوا أرضهم الطاهرة الا وهم في باطنها . بالرغم من إشارة البعض للأخبار التي تشير لقوة تجهيزات الجنجويد و كثافة الجنود و السلاح الذي حشد لهذه المعركة ، لكن الرد كان جاهزا في مثل هذه النقاشات : (( الذين قال لهم الناس ، ان الناس قد جمعوا لكم فاخشوهم، فزادهم إيمانا و قالوا حسبنا الله ونعم الوكيل )) …
نقاشات شابهت تماما انقسام اسلافهم في الدولة الفودية (دولة عثمان بن فودي) عندما هجم الاستعمار على الإسلام في غرب أفريقيا. فكانت سببا أن يكونوا في هذه البقعة المباركة .
كان الطرف الأول يرى ضرورة مواجهة الانجليز وقتها و ساق كل منهم الادلة الشرعية التي تجيز لهم ذلك . و اسلاف اهل مايرنو أخذوا بفتوى القاضي عبدالله ، الذي استند على الاية ( إن الذين توفاهم الملائكة ظالمي أنفسهم، قالوا فيم كنتم ، قالوا كنا مستضعفين في الأرض، قالوا الم تكن أرض الله واسعة فتهاجروا فيها ، فأولئك مأواهم جهنم و ساءت مصيرا )) ، فأفتى لهم بوجوب الهجرة لحفظ الدين من الكفار المستكبرون . فكانت اكبر هجرة في نهايات القرن الثامن عشر إلى هذه المنطقة ، و التي كانت عبارة عن غابات تعرف بغابة الجن . فاستصلحوها و عاشوا و ماتوا فيها وخلفوا هؤلاء…
لكن الآن فكرة هجرة أخرى غير واردة ، فاما الاستسلام للجنجويد ، أو المقاومة حتى الشهادة …
فكان الرأي الغالب و بالإجماع بعد نقاش طويل هو المقاومة . لمعرفتهم بأن الجنجويد اذا دخلوا قرية فعلوا فيها ما قالت بلقيس لأعيان مملكتها:( إن الملوك اذا دخلوا قرية أفسدوها و جعلوا اعزة أهلها اذلة ) . اذا كان هذا حال الملوك فما بالنا بهؤلاء الاوباش الذين يشفشفون و ينهبون و يغتصبون و يدمرون ..
كان قرار أعيان مايرنو عدم تسليمها للجنجويد طوعا، فرد العمدة لوسيطهم بأن طلبهم مرفوض من أهالي المنطقة و لن يخرجوا ليسلموا بلدتهم لاحد ، و سيدافعون عنها حتى الشهادة .
في ذات المساء جمعوا شباب و اهل المنطقة في لقاء جماهيري كبير ، اخبروهم بمطالب الجنجويد التي رفضوها حفاظا على المنطقة و أهلها، كانت الكلمات و الخطابات ملهمة لأفئدة الشباب و الشيوخ و النساء ، توافق الجميع على الثبات و مواجهة الجنجويد فقد اثبتت التجارب بأنه لم تسلم منطقة من اذاهم و شرهم حتى لو دخلوها سلما وبدون مقاومة ، لم تسلم من قتل و اذلال الاعيان و انتهاك الحرمات و نهب الممتلكات …
لذا قال احد الاعيان و هو محسوب من الكيزان ، بأنه كمعتمد سابق اول المطلوبين في المنطقة للقتل حسب ما تسرب من الكشوفات المرفوعة للجنجويد ، لكنه مع بقية زملائه لن يغادروا المنطقة ابدا ، اما النصر او ان تدفن اجسادهم هناك …
و الحقيقة تقال اتفقنا أو اختلفنا معهم الا ان الكيزان في مايرنو ضربوا مثلا في الرجولة و الفراسة ، لم يهربوا أو ينسحبوا و يتركوا أهلهم رغم معرفتهم بأن ارجوزات الإمارات ستسحلهم و تُمثل بهم أن دخلت مايرنو حربا أو سلما . لكنهم ثبتوا و حثوا الناس و الشباب على الثبات و المواجهة حتى يتحقق النصر …
كان رأي البعض أن يغادر السلطان إلى مكان آمن ، حتى إذا سقطت المنطقة الا يكون موجودا فيها ، الا انه رفض ذلك في شجاعة نادرة مرددا حسبنا الله ونعم الوكيل ، و كان ثباته و معه قيادات المنطقة سببا في ثبات الجميع .
انفض اللقاء في تلك الامسية ب تعاهد الجميع على الثبات و المواجهة بنفوس ممتلئة بالحماس .
ولسوء حظ الجنجويد، انهم هجموا على المنطقة في صباح اليوم التالي مباشرة ، استيقظ المواطن فجرا على أصوات السلاح و لازالت نفسه مشحونة بحماس اللقاء الذي دار بالأمس …
كانت خطة الجنجويد هي تمويه الجيوش بمهاجمة كبري عرب و كجيك و حلة البئر لصرف النظر عن مايرنو ، و سحب الجنود غربا إلى تلك المناطق . بدأ الهجوم هناك في الساعة الثالثة صباح الحادي عشر من يوليو ، ذاك اليوم يمثل تاريخا جديدا ليس لمايرنو و سنار فقط بل لكل السودان ، لأن دخول الجنجويد إلى مايرنو يعني سقوط سنار و إستلام كافة الولاية مما يسهل لهم اجتياح النيل الأبيض و القضارف و من ثم حصار و إسقاط النيل الأزرق. بعدها لن تستطيع اي قوة أن تقف أمامهم. لكن قدر المولى عز وجل و ارادة المواطن و القوات في محور مايرنو وسنار المختلفة ودعوات الرجال و النساء و ابتهالاتهم غيرت تلك الخارطة السوداوية.
جاءت الإشارة إلى الجنجويد بالتوجه نحو مايرنو في عدد كبير من السيارات و الجنود المدججين بأسلحة ضخمة أكثر من مئتي تاتشر مدججة ، بدأت المعركة بكثافة نيرانية كبيرة جدا ثم الضرب بالمسيرات، فكانت اول مسيرة سقطت في مدخل مايرنو الغربي فأودت بحياة اول شهيد ، الشاب عبدالرؤف ابن عمدة مايرنو و عدد كبير من المصابين …
سوء حظ الجنجويد في اختيار توقيت الهجوم كان من جنود المعركة، فقد كان انسان مايرنو في تلك اللحظة جاهز تماما للمواجهة و الثبات ..
فقد خرج الشباب و المواطنين كل بما يملك من سلاح و أدوات الدفاع عن النفس ، البعض كان مسلحا بالاسلحة النارية ، لكن معظم المواطنين كانو باسلحة بدائية من نِشاب وسيوف و عصي و حراب ، أسلحة الآباء التراثية المعلقة في حوائط الغرف و التي لا تتحرك الا عند الذهاب إلى صلاة العيد ، فكان العرف المتوارث منذ تأسيس المنطقة أن يخرج الجميع إلى صلاة العيد بما يملك من سلاح . تلك الأسلحة البدائية حملها الناس و تدافعوا بها نحو الدفاعات المتقدمة لمواجة الجنجويد . كان الجميع يستشعر خطر دخول الجنجويد إلى المنطقة .
وقتها كان الجنجويد قد حشدوا جيوشهم وألياتهم، فبدأ بإطلاق نيران المدافع و الهاونات و الرباعي و الثنائي و عدد كبير من المسيرات ، لكن برحمة من الله طاشت كلها عن اهدافها .
بينما كان الشباب و الاطفال يساندون القوات المسلحة كان الكهول يتضرعون إلى المولى عز وجل في المساجد والخلاوي بالنصر على الاوباش . كان ذكر حسبنا الله و نعم الوكيل، ولا حول ولا قوة الا بالله، وسورة يس اوردا ثابتة في كل البيوت و المساجد …
من لا يحمل سلاحا كان يساعد الجنود ، فالبعض يذهب إلى النيل لجلب الماء لسقاية الجنود ، أسرة كاملة استشهدت و هي تمارس السقاية ، الوالد مصطفى يجلب الماء من النيل و أبناءه يقومون بسقاية الجنود ، احد القناصين صوب نحو الطفل مبارك مصطفى الذي كان يسقي احد الجنود فارداه شهيدا في الحال . بعد ساعتين اصاب القناص شقيه ادم و هو يؤدي نفس الدور . و استشهد بعدها متأثرا بجراحه ، بعد المعركة بأيام اصيب والدهم مصطفى بالكوليرا التي اجتاحت المنطقة و مات شهيدا …
كان القناصون يركزون على الشباب الذين يؤدون الخدمات المهمة للجيش خاصة السقاة، كان الاستاذ الشاب مدير المدرسة منصور يتحرك يمينا و يسارا يسقى الجنود ايضا حينما صوب القناص نحوه فارداه شهيدا . في هذه المعركة استشهد أكثر من عشرة من خيرة أبناء المنطقة ، كانت دماءهم ثمنا لدحر الجنجويد و تأمين بوابة سنار الجنوبية …
الشي الذي ادهش الجنود بأن بعض شباب مايرنو تعلموا ضرب النار في نفس اللحظة ، شرحوا لهم كيف يستخدم السلاح ، فاظهروا مهارات عالية في الضرب و الهجوم بضراوة، كانو يصطادون الجنجويد كالطير … بعض الاطفال كان يعبئ الرصاص في الدوشكا و القرنوف بالرغم من انهم يرون هذه الأسلحة لأول مرة . هذه السردية واقع حصل في معركة مايرنو و ليست من نسج الخيال ، و الجنود شهود على هذه المعجزات التي حدثت في ذاك اليوم ، بعض الجنود كانو يحاولون أبعاد الشباب صغيري السن لكنهم كان يندفعون في مواقف بطولية بثت الشجاعة في نفوس الجنود ..
عندما عجز الجنجويد عبور الكبري بسبب إغلاقه بكونتينر و بسبب كثافة النيران من كل الجهات التف بعضهم إلى نهاية الترعة عند النيل و عبروا إلى خلف دفاعات الجيش ، كانت هناك امرأة خرجت من بيتها مع أطفالها الثلاث من منطقة عريديبة مكان انطلاق النيران قاصدة الهروب شمال إلى داخل مايرنو ، لكن كثافة النيران جعلتها تختبئ خلف بعض الشجيرات و تخبئ أطفالها و تغطيهم بجسدها، عندما وجدها الجنجويد على هذه الحالة اردوها بوابل من الرصاص هي و أطفالها فماتوا في الحال …
كانت المواجهات في النقطة صفر ، فقط الترعة هي الفاصل بين الجيشين و الجنود و المسنفرين اظهروا بطولة و شجاعة نادرة في هذه المعركة …
في نفس اللحظة كانت تدور معركة تمويهية في كبري العرب غرب مدينة سنار . قامت قوات العمل الخاص بردعهم بقيادة البطل الرائد الشوبلي الذي يستحق أن يكون فريق ، لما اداه في منطقة سنار ، بل كل الضباط و الجنود و المستنفرين يستحقون ذلك .
لحظات رعب حقيقية عاشتها المنطقة في ذاك اليوم ، القائد الفذ اللواء علي بيلو كان يجوب و يتفقد جنوده ذهابا و ايابا ، و عندما اصيب احد جنوده قائد الدوشكا الذي يحبس الجنجويد من التقدم ، استلمها منه القائد علي بيلو بنفسه . كانت معركة اشترك فيها كل الضباط و قادة محور سنار في الصفوف الامامية ….
معركة مختلفة تماما عن كل المعارك ، كانت ستحدد سيطرة الجنجويد و الإمارات على السودان إلى الأبد ، أو سيندحر التمرد إلى الأبد، فعلا كانت الفاصلة ، قرر الجميع الا يمر الجنجويد إلى سنار الا على اجسادهم، في تلك اللحظات العصيبة و بعد أن بلغت القلوب الحناجر، ظهرت قوات العمل الخاص بقيادة الشوبلي بعد ان دحروهم في كبري العرب . بمجرد ان رأى الجنجويد قوات العمل الخاص ، اطلقوا صافراتهم و تقهقروا هاربون، هربوا و هم يرددون كالمجانين البراءون البراءون، حملوا معهم بعض الجثث من أصحاب المصارين البيض و تركوا جثث الرعاع غذاءا للكلاب و الصقور …
معركة استشهد فيها قائد كتيبة البراء و العديد من شبابهم الذين استبسلوا في شجاعة نادرة تضرب بها الأمثال ….
معركة ١١ يوليو ٢٠٢٤ يجب ان تخلد و يكرم شهدائها لأنها كتبت بدمائهم ميلادا جديدا للسودان بعد أن كان قاب قوسين أو أدنى من سقوطه في أيدي الأوباش . لكن ارادة الله كانت أقوى منهم و من الدويلة التي كانت تنتظر هذه المعركة بفارغ الصبر، الا انها اصبحت وبالا عليهم و نقطة النهاية لأحلامهم الطفولية و بداية لانطلاق الجيش و المواطن لدحر التمرد الآثم ….
الرحمة و المغفرة لكل الشهداء و الشفاء للمصابين .


سالم الأمين بشير / ديسمبر ٢٠٢٤

إنضم لقناة النيلين على واتساب

مقالات مشابهة

  • أزمة تعصف بجيش الاحتلال ودعوات للعصيان المدني
  • إسرائيل تواصل العربدة وتقصف جنوب لبنان.. والوسطاء يتحدثون عن "بعض التقدم" في مفاوضات غزة
  • خبير عسكري: إسرائيل تقصف ضاحية بيروت لتثبيت الردع لا ترميمه
  • في بيان مُشترك.. إليكم ما أعلنه نتنياهو وكاتس عن استهداف الضاحية وحزب الله
  • بالفيديو... هكذا اغتالت إسرائيل عامر عبد العال اليوم في جنوب لبنان
  • قتل الجنود يزيد وتيرة الهجوم على نتنياهو.. وباراك وأيالون يدعوان للعصيان
  • أزمة عسكرية تعصف بجيش الاحتلال: تمديد خدمة للجنود بلا إجازات
  • روسيا تعترف لأول مرة بتجنيد كوريين شماليين في حرب أوكرانيا
  • مرغّت انف الجنجويد وغيرت مسار الحرب.. سردية معركة مايرنو
  • أرقام تكشف.. كم بلغ عدد قتلى إسرائيل في عام من الحرب على غزة ولبنان؟