لجريدة عمان:
2024-08-29@04:19:28 GMT

نتانياهو... وجرائم متواصلة تتحدى العالم!!

تاريخ النشر: 15th, July 2024 GMT

بالرغم من أن الرئيس الأمريكي بايدن اختار أن يعلن بنفسه يوم الجمعة الماضي 12 يوليو الجاري بشرى موافقة حماس وإسرائيل على اتفاق إطاري للتهدئة في الحرب في غزة والتمهيد لصفقة تبادل الرهائن الإسرائيليين وعدد من المعتقلين الفلسطينيين وسط تفاؤل متزايد بقرب الإعلان عن التوصل إلى اتفاق رسمي حوله أو تعهد حماس وإسرائيل بذلك وهو ما تحدث عنه، أيضا، وسطاء الصفقة الذين توافدوا إلى القاهرة والدوحة من أجل التوصل إلى اتفاق بدا وكأنه بات أقرب ما يكون إلى التوقيع عليه خاصة مع نجاح واشنطن وتل أبيب في التغلب على خلافاتهما أو معظمها بشأن توريد الأسلحة الأمريكية إلى إسرائيل وانتقاد نتانياهو للتلكؤ الأمريكي في هذا المجال علنا مما هدد بحدوث أزمة كبيرة بين الدولتين الصديقتين.

وبالرغم من تأكيد واشنطن على ثبات سياساتها المعروفة حيال إسرائيل وضمان تفوقها العسكري إلا أنه يبدو أن نتنياهو عاد سريعا إلى طبيعته المتقلبة والمتغيرة من أجل تحقيق ما يراه مصلحة له دون اعتبار لمصداقية أو احترام لثقة متبادلة أو لتعهد ما أو لمواثيق اعتاد العالم احترامها في التعامل بين الدول. وبالفعل لم تمض 24 ساعة على إعلان بايدن عن اتفاق حماس وإسرائيل عن اتفاق إطار للتهدئة في غزة بخطوطه العريضة المعروفة من قبل بوجه عام حتى تراجع نتانياهو عمّا تم الاتفاق عليه مع الوسطاء من قبل حيث عمد إلى إضافة شرط يعرقل إمكانية التوصل إلى اتفاق يمنع من خلاله عودة المسلحين الفلسطينيين إلى شمال غزة وهو ما أثار التشاؤم حول إمكانية التوصل إلى اتفاق كان قاب قوسين أو أدنى.. وبالفعل تحدثت مصادر إسرائيلية عن أن رئيس الوزراء الإسرائيلي سعى إلى عرقلة التوصل إلى اتفاق للتهدئة لخدمة مصالحه السياسية، في حين رأى مسؤولون إسرائيليون آخرون أن نتنياهو يناور من أجل انتزاع تنازلات أخرى من حماس بعد ممارسة مزيد من الضغط العسكري عليها في رفح وغزة. وفي ظل الجدل الذي أثاره موقف نتنياهو المتقلب وعدم اليقين مما يمكن أن يؤول إليه مصير اتفاق التهدئة، فإنه يمكن الإشارة إلى عدد من الجوانب، لعل من أهمها ما يأتي:

أولا: بالرغم من أنه يبدو أن نتانياهو لا يتعامل مع الرئيس الأمريكي بايدن من موقع احترام كاف، وهو ما يتأثر بالضرورة بطبيعة العلاقات الأمريكية الإسرائيلية من ناحية، وإدراك نتنياهو ازدياد الضغوط التي يتعرض لها بايدن مع كل يوم تقترب فيه الانتخابات الرئاسية في نوفمبر القادم وللمشكلات التي يواجهها بايدن من ناحية ثانية بشأن ترشحه عن الحزب الديمقراطي والجدل المتواصل والمتزايد داخل الحزب وعلى الصعيد الأمريكي العام كذلك بهذا الشأن، وما يحظى به نتانياهو من علاقات جيدة داخل جماعات الضغط الأمريكية قد زاد من ثقة نتنياهو في التعامل مع بايدن من ناحية ثالثة، غير أن مما له معنى ودلالة أن نتنياهو لم يحتمل ضغطا طفيفا مارسه بايدن ضد إسرائيل داخل مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة وبتأجيل تسليم بعض شحنات الأسلحة الأمريكية من القنابل الثقيلة زنة 2000 رطل بمبرر ما تسببه من خسائر في صفوف المدنيين، بل واشتكى نتنياهو من ذلك علنا. وعلى أية حال فإن رئيس الوزراء الإسرائيلي يريد أن يوظف تعامله مع بايدن ليخدم حملته الانتخابية المحتملة ولكسب مزيد من التأييد داخل إسرائيل. ومن الواضح أن نتانياهو يعتقد أن كل مماطلة وتأجيل يزيد من الضغوط على بايدن التواق كثيرا إلى التوصل إلى الاتفاق مع حماس وكلما اقتراب موعد انتخابات الرئاسة الأمريكية يمكن أن يجعل بايدن أكثر استجابة لمطالب إسرائيل من الأسلحة والمعونات الأمريكية كذلك ولذا فإنه لا يكترث كثيرا في التعامل مع الرئيس بايدن وما قد يثير الخلاف معه. ومن هنا تحديدا لم يمانع نتانياهو في تنفيذ مذبحة المواصي في غزة يوم السبت الماضي الثالث عشر من يوليو عندما توفرت لديه معلومات استخبارية أكدت بأن محمد الضيف القائد العسكري لحماس في غزة ورافع سلامة القائد العسكري للواء خانيونس تم رصدهما فوق الأرض وبالتالي تم توجيه طائرات حربية إسرائيلية لقصف إحداثيات الموقع المرصود والذي دلت طبيعته على أنه تابع لحماس على حد زعم إسرائيل كما تم استخدام قنابل ثقيلة في القصف لضمان التدمير التام للنقاط المستهدفة، ولم تبلغ إسرائيل واشنطن بالعملية بشكل مسبق حسبما أعلن نتانياهو ذلك بنفسه بعد العملية ربما ثقة في نجاحها الذي لم يتأكد حيث أعلنت حماس أن محمد الضيف «بخير» وأن مزاعم اغتياله «كلام فارغ» بينما أعلنت إسرائيل أنها لم تتأكد من مصير محمد الضيف وقالت مصادر إسرائيلية أنه ربما أصيب إصابات خطرة ولكن تظل هذه محاولات لتبرير العملية الإسرائيلية الجبانة والتي كانت تأمل فيها التخلص من اثنين من كبار قادة حماس العسكريين في قطاع غزة وأحدهما مساعد كبير ليحيى السنوار وهو محمد الضيف الملقب بالرجل «ذي التسعة أرواح» لكثرة محاولات الاغتيال الإسرائيلية التي تعرض لها والتي نجاه الله منها ليواصل مهمته في المقاومة وندعو الله أن يمد في عمره وأن يوفقه في مهامه ضد مرتكبي الإبادة الجماعية ضد الفلسطينيين وفي تحد بشع للعالم ولكل القيم والمواثيق الإنسانية. وبالرغم من بشاعة العملية التي راح ضحيتها نحو مائة شهيد وحوالي ثلاثمائة جريح، عدد كبير منهم من الأطفال والنساء، لأن القصف استهدف منطقة المواصي المصنفة منطقة آمنة حسب الإسرائيليين ولكن مخطئ من يثق أو يصدق الإسرائيليين الذين يمارسون الإبادة الجماعية ضد الفلسطينيين دون وازع أو ضمير. وإذا كان بايدن وإدارته سيتفهمون كالعادة مبررات نتانياهو لجريمته النكراء، فإن مفاوضات التهدئة قد توقفت كما أعلنت حماس وقف مشاركتها في المفاوضات طالما تستهدف إسرائيل المدنيين الفلسطينيين وبالتالي توقفت مفاوضات الهدنة حسبما أراد وخطط نتنياهو، الذي وصفته حماس بأنه «غير مهتم بمفاوضات التهدئة» وقد جدد نتنياهو ما قال إنها أهداف يعمل على تحقيقها في النهاية وقد كررها رغم الفشل أكثر من تسعة أشهر ولم تنجح أيضا مجزرة خان يونس التي راح ضحيتها نحو أربعمائة شهيد وجريح فلسطيني السبت الماضي.

ثانيا: إنه إذا كان كثيرون على امتداد العالم باتوا متيقنين من همجية إسرائيل وانتهاكها الدائم للقانون والشرعية الدولية، فإن مجزرة المواصي هذا الأسبوع تؤكد في الواقع أن نتانياهو لن يتورع عن استخدام القنابل الثقيلة والتي أوقف بايدن تسليمها لإسرائيل حتى الآن على الأقل حماية للمدنيين الفلسطينيين، فإن بشاعة مجزرة المواصي تؤكد في الواقع أن نتانياهو سيواصل مجازره ضد الفلسطينيين طالما وجد في ذلك ما يحقق أهدافه السياسية، وأن ذلك هو في الواقع نموذج أو بروفة لما سيمارسه في المستقبل حتى بعد التوقيع على اتفاق وتهدئة في غزة من ناحية، وأن سياسة المماطلة وقضم الوقت هو ما سيتبعه نتانياهو لابتزاز بايدن وإدارته مستغلا ضعفه وإصراره على الترشح المستميت للرئاسة الأمريكية من ناحية ثانية، ولا يهم ما يمكن أن تؤول إليه الأمور خاصة وأن الرصاصة التي استهدفت المرشح الجمهوري دونالد ترامب في التجمع الانتخابي له في بنسلفانيا السبت الماضي وجرحت أذنه اليمنى سوف تقلب الحملة الانتخابية على الأرجح وهنا تحديدا يثور التساؤل حول من يقف وراء محاولة الاغتيال هذه ولماذا كانت بهذه الدرجة من الخطورة والحرفية في التصويب الاثنين من ناحية، ولماذا جاءت قبل يومين فقط من المؤتمر الوطني للحزب الجمهوري الذي بدأ أمس والذي سيرشح ترامب للرئاسة والذي حضره ترامب وحاول القيام بدور الضحية المستهدف والذي دعا أنصاره إلى القتال، والأكثر من ذلك لماذا تم قتل مرتكب الحادث وهو ما يحمل بعض ملامح جريمة اغتيال الرئيس الأمريكي السبق جون كيندي حيث تم قتل اوزوالد الذي قام بإطلاق الرصاص عليه في دالاس في نوفمبر عام 1963 خارج مسرح الجريمة ومن موقع مرتفع تم منه إطلاق النار على الرئيس جون كيندي، وبرغم أن جاكلين زوجته كانت إلى جواره في السيارة الرئاسية إلا أنها لم تصب بسوء. على أية حال فإن هناك ما سيتم الكشف عنه في المستقبل بعد أن بدأت التحقيقات بالفعل في الحادث، ومن جانب آخر ماذا يعني أن حملة بايدن سعت إلى إزالة إعلاناتها الانتخابية الرئاسية من الشوارع بعد وقوع الحادث الذي خلط الأوراق وهو ما ستكشف عنه الأيام والأسابيع القادمة أما مفاوضات التهدئة في غزة وحتى ترشيح بايدن فإن مصيرهما إلى مجهول حتى تتضح أبعاد ما يجري!!

المصدر: لجريدة عمان

كلمات دلالية: التوصل إلى اتفاق أن نتانیاهو محمد الضیف من ناحیة وهو ما فی غزة

إقرأ أيضاً:

قضية فلسطين في الحملات الانتخابية الأمريكية

 

عبد النبي العكري

تتزامن الحملات الانتخابية الأمريكية مع حرب الإبادة الإسرائيلية ضد الشعب الفلسطيني في غزّة وباقي فلسطين المُحتلة؛ حيث ثمة أهمية استثنائية تكتسبها مواقف الحزبين الديمقراطي والجمهوري والمرشحيْن المتنافسين نائب الرئيس الحالي كمالا هاريس مرشحة الحزب الديمقراطي، والرئيس السابق دونالد ترمب عن الحزب الجمهوري، بالدرجة الأولى، وباقي مرشحي الحزبين للكونجرس بالدرجه الثانية.

الثوابت الأمريكية واللوبي الإسرائيلي

يعد دعم أمريكا للكيان الصهيوني والحركة الصهيونية الاستيطانية في فلسطين من ثوابت السياسة الأمريكية، وقد كان لأمريكا دور أساسي في قيام الكيان الصهيوني واستمراره وتوسعه على حساب فلسطين والعرب، وشاركت أمريكا في جميع حروب إسرائيل عسكريًا واقصاديًا وسياسيًا ودبلوماسيا، بحيث أطلق على إسرائيل حاملة الطائرات أو القاعدة الأمريكية المتقدمة في العالم العربي. إضافة إلى تلازم المصالح الصهيونية والأمريكية في الوطن العربي، هناك الدور الحاسم الذي تلعبه الحركة الصهيونية الأمريكية اليهودية واللوبي الإسرائيلي في استمرار هذه العلاقة وتعزيزها رغم ما تلحقه من خسائر هائلة بالشعب الأمريكي وإفقاد أمريكا لمصداقيتها في العالم كونها الدولة العظمى في العالم بما يتطلبه من مسؤولية دولية.

سباق الانتخابات والقضية الفلسطينية

يترتب على حملة الانتخابات الرئاسية والتنافس ما بين الحزبين الديمقراطي والجمهوري تحديد الفائزين في انتخابات الرئاسة والكونجرس (مجلس النواب بالكامل وثلث أعضاء مجلس الشيوخ) و11حاكم ولاية في 5 نوفمبر 2024. ورغم أن الاهتمام الأكبر يتركز على انتخابات الرئاسة، إلّا أن انتخابات الكونجرس مهمة أيضا لأنها ستحدد أغلبية أي من الحزبين في مجلسي الشيوخ والنواب في انسجام أو تعارض مع الرئيس المنتخب. ورغم أن القضايا الخارجية لها أهمية أكبر في سباق الانتخابات الرئاسية وبرامج المرشحين المتنافسين إلا أن لها أيضا أهمية في انتخابات الكونجرس (الشيوخ والنواب).

إنَّ ما يميز حملة الانتخابات هذه عما سبقها من حملات الانتخابات السابقة هو أنها تزامنت مع حرب الإبادة "الإسرائيلية" ضد الشعب الفلسطيني الأطول بكثير من حروب إسرائيل ضد الفلسطينيين والعرب والتي انطلقت مع طوفان الأقصى في 7 أكتوبر 2023 والمستمرة حتى الآن والمرجح استمرارها حتى ما بعد الانتخابات الأمريكية في 5 نوفمبر 2024 والتي لا سابق لها في وحشيتها وخسائرها البشرية والمادية قياسا بعدد إلسكان والمساحة الجغرافية لقطاع غزّة. وكذلك المشاركة الأمريكية في هذه الحرب الأكثر تورطًا وتواطؤا من الحروب السابقة. وهذا ما جعل موضوع المشاركة الأمريكية وتزعمها لتحالف غربي ودولي موضع صراع في المجتمع الأمريكي، وتولد عنه حركة احتجاجية واسعة هي الأكبر منذ حرب فيتنام في ستينيات القرن الماضي.

تتميز هذه الانتخابات بأنها قد تحدد الخصمان المتنافسان على الرئاسة مبكرا وحتى قبل أن تبدأ الحملات الانتخابية داخل كل حزب للتأهيل لترشح الحزب ثم التنافس ما بين مرشحي الحزبين. فبالرغم من خسارة دونالد ترمب لصالح جو بايدن في انتخابات 2020، إلا أنه لم يعترف بهزيمته واعتبرها انتخابات مزورة ولم يسلم بشرعية رئاسة بايدن وبالتالي اعتبره خصمه.كما أن ترمب ورغم خسارته فقد ظل القيادي للحزب الجمهوري دون منازع واعتبر مرشحاً طبيعياً في انتخابات 2024؛ حيث تغلب على منافسيه في الانتخابات التأهيلية بسهولة وقد دعموه لاحقًا.

أما خصمه بايدن فقد كان بديهيًا أن يكون الرئيس هو مرشح الحزب الديمقراطي حسب التقاليد الانتخابية الأمريكية. وهكذا لم يواجه بايدن منافسة تذكر. وحتى عندما اضطر بايدن أن ينسحب من سباق الرئاسة فقد خلفته نائبة الرئيس كمالا هاريس وهي شريكته في الحكم وما يترتب عليه. كما تشاركه في المواقف تجاه مختلف القضايا بما فيها السياسة الخارجية، لكنها بالتأكيد تتميز بالحيوية التي يفتقدها بايدن وتتباين معه نسبيًا في المواقف.

وهكذا فإن برنامج كل من الحزبين الجمهوري والديمقراطي وأجندة كل من المرشحين ترمب وخصمه بايدن ثم هارس محددة مسبقا إلى حد كبير، ولكن التطورات الداخلية المترتبة على هذه الحرب وخصوصا الحركة الاحتجاجية الواسعة ضد الحرب ودور أمريكا فيها والعبء المالي الكبير في تمويلها والحشد العسكري الأمريكي على حساب الانتشار دولياً وفقدان مصداقية قيادة أمريكا وغيرها أحدثت، تعديلات في هذه البرامج والمواقف.

وفي ظل هذا الصراع فقد مضت إسرائيل بعيدًا في حرب الإبادة غير عابئة باعتراضات أمريكا الشكلية ومشاريعها لوقف الحرب وتبادل الرهائن، كما أمعنت الحركة الصهيونية واللوبي "الإسرائيلي" بقيادة منظمة "آيباك" في التصدي للمرشحين ممن يعارضون الموقف "الإسرائيلي" والأمريكي ولو جزئياً وضخ أموال هائلة في تمويل مؤيدي إسرائيل والسياسة الأمريكية تجاهها. ويمكن القول إن الموقف من إسرائيل، وبالتالي فلسطين ليست قضية خارجية؛ بل قضية أمريكية محلية.

وبغض النظر عن التباينات المحدودة في برامج المرشحين ترمب وهاريس والحزبين الجمهوري والديمقراطي فإنهما متفقان على دعم إسرائيل وحربها الحالية بقوه حتى تحقيق كامل أهدافها بموجب "حق إسرائيل" في الدفاع عن نفسها، وأن أمريكا تضمن ذلك بكل الإمكانيات، وتضمن تفوقها عسكرياً على جميع جيرانها العرب وإيران. وإذا كان هناك خلافات مع إسرائيل فهي تكتيكية لا تمس جوهرالتحالف الاستراتيجي.

وقد اتضح هذا الإجماع لمؤسسة الحكم الأمريكية بمؤسساتها وحزبيها في الاستقبال غير المسبوق لأي زعيم أجنبي أو حتى رئيس أمريكي في الكونجرس لنتنياهو واجتماعاته مع الرئيس بايدن ومرشحي الرئاسة ترمب وهاريس والقيادات الأمريكية وهو يُملي السياسة والاستراتيجية التي يجب أن تتبعها أمريكا تبعًا لتصور إسرائيل؛ باعتبار "إسرائيل" أقوى وأقرب حليف إستراتيجي لأمريكا.

الجمهوريون وترمب

يتفاخر ترمب والحزب الجمهوري بأنه حقق لإسرائيل ما لم يحققه أي رئيس أمريكي سابق ومنه نقل السفارة الأمريكية للقدس كونها عاصمة لإسرائيل وبسط السيادة على الضفة الغربية وتهويدها وكذلك سيادتها على الجولان المحتل والاتفاق الإبراهيمي الذي فتح الأبواب مشرعة لتطبيع الدول العربية مع إسرائيل مع تطبيع أربع دول عربية وهي، الإمارات والبحرين والمغرب والسودان معها. وهو ما سعى ترمب له لاحقًا.

هناك أيضًا خاصية للحزب الجمهوري وهو تحوله لحزب يميني للأمريكيين البيض غالبا وبتأثير للعقيدة الإنجيلية المتصهينة وهو ما يحعل الحزب الجمهوري متشددا ومجمعا على دعمه لإسرائيل دون تحفظ.

بناءً على ذلك، فقد أقر المؤتمر الوطني الجمهوري في ميلواكي (أكبر مدن ولاية ويسكنسن الأمريكية) إلى جانب تثبيت ترشيح ترمب ونائبه جي دي فانس، برنامجه المستند على مشروع 2025 اليميني لموسسه هيريتج، بالبناء على ما أنجزه ترمب خلال رئاسته الأولى، بالضغط على الدول العربية والإسلامية للتطبيع مع إسرائيل مقابل استمرار حمايتهم. كما يؤيد ترمب "انهاء نتنياهو للحرب بسرعة" ودون أية اعتبارات للمذابح بحق المدنيين وحصارهم وتجويعهم، وكذلك توسعة الحرب لتشمل إيران ولبنان واليمن. ووعد بتشديد الحصار على إيران وإجراءات ضد من يعارض إسرائيل وسياسة أمريكا تجاهها.

في ذات الوقت، ينتقد ترمب ما يعتبره دعما أمريكيا مشروطا لإسرائيل من قبل إداره الرئيس بايدن، ويعد بتعظيم هذا الدعم وبدون أية قيود على إسرائيل. وبالمقابل فإن ترمب يؤيد إسرائيل في رفض حل الدولتين وتأييد الاستيطان والتهويد والسيادة الإسرائيلية على كامل فلسطين والأراضي العربية المُحتلة؛ بل ودعا ضمنا لضمها الأراضي العربية المحيطة بها باعتبار أن إسرائيل صغيرة المساحة قياسا بجيرانها من الدول العربية.

من هنا.. فإن نتنياهو لن يوقف الحرب حتى إعلان نتيجة انتخابات الرئاسة في 5 نوفمبر 2024 مع احتمال فوز ترمب، بالتالي المضي في مخططه بالمضي في الحرب وتوسيعها لحرب إقليمية بمشاركة أمريكا؛ بهدف تصفية المقاومة الفلسطينية والإسلامية وتهجير الفلسطينين في غزّة ولاحقًا الضفة الغربية والقدس الشرقية.

هاريس والحزب الديمقراطي

في تطور مفاجئ، اضطر بايدن للانسحاب من سباق الرئاسة تحت ضغط قيادات الحزب الديمقراطي لعدم أهليته وزكّى نائبته كمالا هاريس كمرشح للرئاسة، وهو ما تم تأكيده في مؤتمر الحزب في شيكاجو مؤخرا. فمن ناحية فإنها شريكته في الحكم ومجمل السياسات والقرارات بما فيها تلك المتعلقة بإسرائيل/ فلسطين وخصوصًا حرب الإبادة الإسرائيلية ضد الشعب الفلسطين منذ 7 أكتوبر 2023 حتى الآن. كما إنها تشارك بايدن في برنامجه الانتخابي؛ فهي مرشحته كنائب للرئيس.لكنها تحاول التميز بعدما أضحت هي المرشح البديل للرئاسة. وتراجعت حالة الانقسام داخل الحزب الديمقراطي واكتسبت حملتها الانتخابية زخما قويا في ظل إجماع الحزب لترشحها والدعم المالي والجماهيري الكبير لها. كما إن خصوصية هاريس بالانتماء للعرق الآسيوي الأفريقي وكونها امرأة ذات تاريخ يتميز بالتغلب على الصعاب والإنجازات، التي حققتها واختيارها الموفق لنائبها تيم مالز فإنها تحاول أن تستجيب لتطلعات الحزب الديمقراطي وتركيبته العرقية والاجتماعية والسياسية المتنوعة.

في ذات الوقت، فقد شهدت الانتخابات التأهيلية لمرشح الرئاسة بايدن رفضًا لترشيحه في عدد من الولايات ذات الثقل الفلسطيني والعربي والإسلامي واليساري المعارض للسياسة الأمريكية وإسرائيل والمؤيد لفلسطين ووقف الحرب. واطلق عليهم "غير الملتزمين"، وقد تمثلوا بعشرات المندوبين داخل المؤتمر. وهذه إحدى نتائج الحركة الاحتجاجية الواسعة ضد سياسة الحكومة والحزب الديمقراطي وبرنامجه الانتخابي. لكن قيادة الحزب وحملة "هاريس/ مالز" لم تسمح لهذا التيار أن يعبر عن نفسه في المؤتمر بأي متحدث أو المشاركة في صياغة البرنامج الانتخابي.

بناءً على ذلك، فإنَّ برنامج "هاريس/ مالز" الانتخابي يؤكد على التحالف الاستراتيجي مع إسرائيل ودعمها في مجمل سياساتها الاستيطانية والتوسعية بكل الوسائل بما فيها الحروب العدوانية وآخرها حرب الإبادة الحالية.وفي ذات الوقت طرح مواقف شكلية مثل المطالبة بوقف الحرب الحالية وحل الدولتين ومعارضة الضم والاستيطان والتوسع، دون أن يؤثر ذلك على الدعم العسكري والاقتصادي والسياسي والدبلوماسي لإسرائيل، كما هو واضح في الحرب الحالية"وقد عبرت النائبة المعارضة إلهان عمر عن ذلك بقولها: "ان أمريكا القوة العظمى الأولى في العالم، ليس متواطئة فقط مع إسرائيل في حرب الإبادة ضد الفلسطينيين في غزّة، وإنما هي تهين نفسها وتخضع لإسرائيل التي ترفض مطلب أمريكا بوقف لإطلاق النار لاعتبارات إنسانية".

بالمقابل فإن هناك المؤسسة المُسيطرة في الحزب والشريكة مع مؤسسه الحزب الجمهوري في الحكم وتاثيرات اللوبي الإسرائيلي؛ بقياده "آيباك" وتمويلها الهائل للمرشحين والذي يلعب دورًا حاسمًا في استبعاد مرشحي الحزب المناهضين لهذه السياسات والتوجهات، ومنهم على سبيل المثال استبعاد المرشح النيابي عن نيويورك جمال بومان المؤيد لفلسطين لصالح الصهيوني حورج لاتيمار.

تقاطع برنامج الحزبين حول فلسطين/ إسرائيل

هناك تقاطعات جوهرية ما بين برنامجي المرشحين للرئاسة هاريس وترمب واستطرادًا الحزبين الديمقراطي والجمهوري تجاه القضية الفلسطينة، وتبعًا لذلك تجاه إسرائيل وكل تبعات ذلك، من صراع قائم منذ 1947 حتى الآن. ينطلق البرنامجان بالتحالف الاستراتيجي الأمريكي "الإسرائيلي" ودعم إسرائيل في برنامجها الاستيطاني التوسعي على حساب فلسطين وشعبها والأمة العربية ووحدتها الترابية وسيادتها، والتصدي الأمريكي الإسرائيلي لكل من يعارض هذا المخطط.

أما التباينات فتكمن في المقاربات السياسية التكتيكية ما بين المرشحين والحزبين. هاريس والحزب الديمقراطني يقرون لفظيًا ببعض القرارات الدولية المتعلقة بفلسطين/ إسرائيل والصراع العربي- الإسرائيلي وحاليًا يدعون لوقف لإطلاق النار وتبادل الأسرى ووضع حد للمذابح ومعاناة الشعب الفلسطيني في غزّة وعدم توسعة الحرب، لكنهم مستمرون في دعم إسرائيل بكل السبل. أما ترمب والحزب الجمهوري فلا يعيرون ذلك الاهتمام؛ بل ويطرح ترمب ضرورة حسم حرب الإبادة الإسرائيلية ضد الشعب الفلسطيني بسرعة وإمكانية توسع إسرائيل على حساب البلدان العربية المجاورة.

رابط مختصر

مقالات مشابهة

  • نتنياهو: إسرائيل لم تغير شروطها في اتفاق غزة
  • الصمود مقابل التوصل إلى اتفاق.. الديناميات المعقدة بين يحيى السنوار وبنيامين نتنياهو
  • باحث أمريكي: الولايات المتحدة لا تملك إرادة سياسية لوقف التصعيد في المنطقة
  • سمير فرج: نتنياهو الوحيد في العالم الذي لا يريد السلام
  • قضية فلسطين في الحملات الانتخابية الأمريكية
  • مصر تؤكد رفضها أي وجود للاحتلال الإسرائيلي في رفح و"محور فيلادلفيا"
  • انتهاء محادثات غزة في القاهرة دون اتفاق
  • 4 نقاط خلاف أساسية أفشلت مفاوضات غزة مجددا.. تعرف عليها؟
  • هل الساحة متكافئة بين حماس وإسرائيل بمحادثات وقف إطلاق النار؟
  • 4 نقاط خلاف أساسية أفشلت مفاوضات غزة مجددا .. ما هي ؟