لجريدة عمان:
2024-11-26@21:07:37 GMT

إيران.. وديناميكية النظام السياسي

تاريخ النشر: 15th, July 2024 GMT

مسعود بزشكيان.. الرئيس الحالي للجمهورية الإسلامية الإيرانية المحسوب على الإصلاحيين، جاء إلى الحكم في 6 يوليو 2024م، بانتخابات بعد رحيل الرئيس المحافظ إبراهيم رئيسي، إثر تحطم طائرته بتاريخ 19 مايو 2024م. معظم التحليلات السياسية ركزت على أن الانتخابات صراع بين تياري المحافظين والإصلاحيين، وبرأيي؛ هذه قراءة لسطح السياسة الإيرانية دون عمقها، ولذا؛ علينا أن نقرأ ميكانيزم النظام في بُنيته الأساسية.

إن نظام ولاية الفقيه المتبع في إيران هو الوحيد من بين تيارات الإسلام السياسي الذي نجح في الوصول للحكم عبر ثورة شعبية عارمة عام 1979م، واستمر بزخمه السياسي حتى الآن، رغم التحديات الكبرى التي عاشها في المنطقة، ولا يزال يعيشها مع الغرب. لقد استطاع أن يطور من مؤسساته السياسية التي أثبتت أنها تخضع لسيطرة حاسمة ذات ديناميكية تواكب المتغيرات؛ داخليًّا وخارجيًّا. وبعكس تيار الإسلام السياسي العام الذي يستحضر المقولات الفقهية التقليدية؛ فإن ولاية الفقيه جاءت «ثورة» على هذه المقولات لصالح الشأن السياسي. ولفهم مدى الديناميكية التي يتمتع بها النظام السياسي الإيراني علينا أن نقرأها من خلال جميع مؤسسات النظام وتطبيقاته، ولطبيعة المقال فإنه يكتفي بأن يتطرق لبُنية النظام ممثلة في «ولاية الفقيه» و«المرشد الأعلى».

- ولاية الفقيه.. نظرية تطورت لدى مفكري إيران ومراجعها الدينيين خلال مدة طولية، حتى أثمرت تطبيقها السياسي بقيام «الحكومة الإسلامية» على يد روح الله الخميني، ولا يسع المقام أن نتتبع نشأة النظرية وحجج قيامها والاعتراضات عليها، ومدى مشروعيتها في ظل اعتماد الدستور الإيراني للفقه الجعفري السائد بإيران. ما يهمنا هنا أنها نظرية متطورة ومتحركة، ويكفي أن روح الله الخميني استطاع أن يقرّها في الدستور عام 1979م بتصويت شعبي لأول مرة في تاريخ إيران.

البعض.. يتصور أن تطبيق ولاية الفقيه يعني أن الحكم برمته يؤول إلى المرشد الأعلى للجمهورية، والواقع أن المرشد بأساسه الدستوري هو «مشرف» على التزام سلطات الدولة الثلاث: التشريعية والقضائية والتنفيذية بالدستور، مع الحفاظ على مبادئ الثورة والمرجعية السياسية للشعب الإيراني، أما ذات النظرية فهي تطبق عبر مؤسسات تدار وفقًا للدستور ولا يستأثر المرشد بها وحده.

ورغم أن النظام في إيران هو «جمهوري إسلامي»؛ بمعنى أن «الأحزاب الإسلامية» هي التي لها حق التنافس على رئاسة الجمهورية، فإن الواقع السياسي الذي فرضته ولاية الفقيه؛ أدى بالتنافس أن يقتصر على من يلتزم بخط النظرية، وهذا قيد آخر للنظام الجمهوري بالإضافة إلى شرط إسلاميته، ورغم ذلك؛ استطاع النظام أن يحافظ على ديناميكيته عبر مؤسسات صنع القرار القائمة على الشورى: مجلس خبراء القيادة، ومجلس صيانة الدستور، ومجلس تشخيص مصلحة النظام، ومجلس الأمن الوطني الأعلى، وهذه المؤسسات كما أنها تحرس النظام؛ فإنها كذلك تعمل على تفعيل الدستور.

- المرشد الأعلى للجمهورية الإسلامية.. منصب خلقته الثورة، قبل أن تفرضه نظرية ولاية الفقيه، أو ينص عليه الدستور. فالخميني.. حدد مهمته بإزاحة الشاه وحليفه الأمريكي، وتسليم البلاد للشعب، بيد أن الأوضاع المعقدة وحماسة الجماهير أثناء الثورة جعلته يواصل وجوده السياسي؛ بكونه قائدًا للشعب ومرشدًا لولاية الفقيه. والمفترض.. أن يكون تدخله في عمل الحكومة «إرشاديًّا»، لكنه أصبح حاسمًا بحكم الكاريزما التي تشكلت للخميني عبر نضاله الطويل بقيادة الشعب نحو ثورة ناجحة، وظل الخميني رجل الثورة ولم يتحول لرجل الدولة.

بعد رحيل الخميني عام 1989م أجريت تعديلاتٌ في الدستور لانتقال إيران من الثورة إلى الدولة، منها أنه لم يشترط لمرشد الجمهورية أن يكون (الفقيه جامع الشرائط)، واكتفى بأن يكون (الأعلم بالأحكام والموضوعات الفقهية أو المسائل السياسية والاجتماعية)، وهذه المادة ذات المرونة في اختيار المرشد أعطت ديناميكية واسعة، أهّلت علي خامنئي الذي مارس رئاسة الجمهورية عدة سنوات بأن يشغل منصب المرشد، مع وجود مرجعيات دينية أكبر منه. ومنها إلغاء منصب رئيس الحكومة، وأعطيت صلاحياته لرئيس الجمهورية، في حين تحول كثير من اختصاصات رئيس الجمهورية للمرشد.

البعض يجادل.. بأن هذا تكريس لسلطة المرشد، وهذا صحيح إلى حد ما؛ إلا أن عملية التحول من الثورة إلى الدولة اقتضت وجود قيادة صلبة لمؤسساتها، تسعى إلى توحيد الرؤية السياسية في الجمهورية. وقد أثبت الواقع أن إيران لم تجمد سياسيًّا بهذا التحول، وإنما عززت من قدراتها في إدارة مؤسسات الدولة وحضورها الدولي. وهذا لا يعني بأنه لم تظهر مشكلات من التحول.. بل ظهرت وانعكست على المستوى الشعبي بالاحتجاجات التي تندلع بين الحين والآخر، ولكن هذا الوضع له أسباب عدة؛ منها ما يعود لذات نظرية ولاية الفقيه، وظهور توجهات دينية وسياسية وشعبية ترغب بتجاوزها، ومنها أسباب عالمية كالحصار الذي فرض على إيران، وطبيعة التحولات التي توجد نتيجة «ديالكتيك التغيير». ومع ذلك؛ فإن إيران كانت لديها القدرة على الاستفادة من هذه الأسباب في مزيد من الواقعية السياسية. والوضع.. أن كل الأنظمة تعاني من التغيّرات الحاصلة، بما فيها الأنظمة الغربية التي شهدت احتجاجات، ولا تزال حبلى بالمفاجآت، وآخرها وصول اليسار للحكم في بريطانيا وفرنسا.

يجادل البعض كذلك.. بأن اختيار المرشد الأعلى تحول من الانتخاب الشعبي إلى اختياره من قِبَل مؤسسة خبراء القيادة، مما كرّس سلطته، وهذا كذلك استلزمته طبيعة التحول إلى الدولة، لضمان بقاء منصب المرشد داخل آلية مؤسسات الدولة ذاتها، فهي الضامنة لبقائه أمام عاصفة التحولات التي يمر بها الاجتماع البشري في إيران. ومع حصول إشكالات في هذا التعديل؛ إلا أنها لم تؤثر على استقرار النظام السياسي بإيران، وظلت الإشكالات متداولة بين النخبة السياسية، في حين احتفظ النظام بديناميكيته بما جعله يواكب التغيرات الداخلية والمؤثرات الخارجية.

هذه الديناميكية التي يتمتع بها النظام السياسي؛ لم تكن غائبة عن المرشد، رغم تركّز العديد من الصلاحيات العليا بيده، ويكفي أن نعود إلى الانتخابات الأخيرة، فالكثيرون يرون أن علي خامنئي رأس المحافظين، وهذا نظر لجانب محدود من العملية السياسية، ولتتضح الرؤية.. علينا أن نعلم بأن هناك محددين مهمين للتمييز بين الإصلاحيين والمحافظين.

الأول: أن الإصلاحيين هم ذوو طبيعة تغييرية.. ويرون أن الثورة جاءت للتغيير، ولا ينبغي أن نقف عند لحظتها الأولى. في حين؛ يرى المحافظون أنه لا بد أن يكون هناك وفاء للمبادئ التي قامت عليها الثورة وأسست تقاليدها، وفي مقدمتها الإيمان بولاية الفقيه.

الثاني.. أن الإصلاحيين يرون الانفتاح على العالم الخارجي.. أما المحافظون فيتحفظون على هذا الانفتاح، ويرونه بداية تدخل في الشأن الداخلي لإيران؛ قد يؤدي إلى القبول التدريجي بالليبرالية الغربية، والتي قامت الثورة ضدها.

وبهذين المعنيين لا يمكن حساب المرشد على هذا التيار دون ذاك، فدوره دائمًا هو الحفاظ على النظام، كما أن سياساته واقعية؛ سواء حكم المحافظون أم الإصلاحيون. الانتخابات الأخيرة أثبتت ما أقول، وأكدت على الديناميكية التي يتمتع بها المرشد، عندما أعلن إعطاء صوته لمسعود بزشكيان، وذلك لأنه يراه هو المؤهل لمواصلة الدور الذي قام به الرئيس المحافظ إبراهيم رئيسي؛ من مثل التفاوض حول الملف النووي، ورجع العلاقات مع المحيط العربي، وإعادة بناء الثقة مع الجارة أذربيجان.

ختامًا.. لا يمكن قراءة النظام السياسي بآلية الصراع بين الإصلاح والمحافظة فقط، وإنما علينا قراءته بآلية الديناميكية السياسية، وهي آلية تجعل كلا من المحافظين والإصلاحيين يكمل دور الآخر، دون النفي بأن هذا التداول قد يؤثر على مستقبل العملية السياسية. ولكن إيران قادرة على أن تعيد النظر في فلسفة نظامها وآليات عمله، باتجاه إشراك أوسع للشعب في اختيار قيادته للحفاظ على بقاء النظام وديناميكيته.

المصدر: لجريدة عمان

كلمات دلالية: النظام السیاسی المرشد الأعلى ولایة الفقیه أن یکون

إقرأ أيضاً:

قائد الثورة الإسلامية في إيران السيد علي الخامنئي في كلمة بمناسبة أسبوع التعبئة: قصف الكيان الصهيوني للبيوت والمستشفيات في فلسطين ولبنان ليس انتصاراً ولن يحقق أياً من أهداف عدوانه

2024-11-25Zeinaسابق الحرارة أدنى من معدلاتها والجو شديد البرودة نهاراً انظر ايضاً الحرارة أدنى من معدلاتها والجو شديد البرودة نهاراً

دمشق-سانا يطرأ انخفاض ملموس على درجات الحرارة لتصبح أدنى من معدلاتها لمثل هذه الفترة من …

آخر الأخبار 2024-11-25قائد الثورة الإسلامية في إيران السيد علي الخامنئي في كلمة بمناسبة أسبوع التعبئة: قصف الكيان الصهيوني للبيوت والمستشفيات في فلسطين ولبنان ليس انتصاراً ولن يحقق أياً من أهداف عدوانه 2024-11-25الحرارة أدنى من معدلاتها والجو شديد البرودة نهاراً 2024-11-25قوات الاحتلال تعتقل 16 فلسطينياً في الضفة الغربية 2024-11-25وزارة الثقافة تعلن أسماء الفائزين بجوائزها الأدبية لعام ٢٠٢٤ 2024-11-25المزيد من دمار المنازل وتهجير الأهالي جراء العدوان الإسرائيلي المستمر على لبنان 2024-11-25الصين تطلق قمرين صناعيين جديدين 2024-11-25المكسيك.. مقتل ستة أشخاص في هجوم مسلح جنوب شرق البلاد 2024-11-25ارتفاع أسعار الذهب عالمياً 2024-11-25البرازيل: مصرع 17 شخصاً جراء سقوط حافلة في واد 2024-11-25متنبئ جوي لـ سانا: المنخفض الجوي مستمر حتى الغد وذروته اليوم في مختلف المناطق

مراسيم وقوانين مرسومان بتحديد الـ 21 من كانون الأول القادم موعداً لإجراء انتخابات تشريعية لمقعدين شاغرين في دائرة دمشق وآخر في دائرة مناطق حلب 2024-11-20 الرئيس الأسد يصدر ثلاثة قوانين تسهم في تطوير آليات العمل بالقطاع السياحي 2024-11-14 الرئيس الأسد يصدر مرسوماً بتنفيذ عقوبة العزل بحق قاضية في النياية العامة التمييزية 2024-11-02الأحداث على حقيقتها عدوان إسرائيلي يستهدف معبر جوسية على الحدود السورية اللبنانية 2024-11-23 القوات الروسية تقيم 9 نقاط مراقبة بريفي القنيطرة ودرعا قرب “منطقة فصل القوات” 2024-11-18صور من سورية منوعات الصين تطلق قمرين صناعيين جديدين 2024-11-25 شابة سورية تدخل موسوعة “غينيس” للأرقام القياسية لأطول مسافة “سبليت” على دراجتين معاً 2024-11-24فرص عمل الخارجية تعلن عن برنامج تدريب المقبولين للتقدم إلى المرحلة الثالثة من مسابقتها 2024-11-06 التعليم العالي تسمح للجامعات الخاصة فتح التسجيل المباشر لملء الشواغر في كلياتها 2024-11-04الصحافة متوالية الأحداث الصعبة… بقلم: منهل إبراهيم 2024-11-22 استكمال المــهــمــة!!! بقلم: أ. د.بثينة شعبان 2024-11-18حدث في مثل هذا اليوم 2024-11-2525 تشرين الثاني 1992 -الموافقة على تقسيم تشيكوسلوفاكيا إلى دولتين 2024-11-2424 تشرين الثاني 1989- انتخاب إلياس الهراوي رئيساً للجمهورية اللبنانية 2024-11-2323 تشرين الثاني 1989- هدم جدار برلين بالكامل 2024-11-2222 تشرين الثاني عيد الاستقلال في لبنان 2024-11-2121 تشرين الثاني-اليوم العالمي للتلفاز 2024-11-2020 تشرين الثاني- اليوم العالمي للطفل
مواقع صديقة أسعار العملات رسائل سانا هيئة التحرير اتصل بنا للإعلان على موقعنا
Powered by sana | Designed by team to develop the softwarethemetf © Copyright 2024, All Rights Reserved

مقالات مشابهة

  • “اللافي” يناقش مع رؤساء التكتلات السياسية من الأحزاب تطورات المشهد السياسي
  • مسرور بارزاني يتهم إيران بالهجوم الكيماوي على حلبجة.. مكتبه الإعلامي يوضح حقيقة الادعاء
  • رئيس لجنة شؤون الأسرى لـ “الثورة نت”: مستعدون لتنفيذ كل الاتفاقيات التي تم التوقيع عليها برعاية الامم المتحدة دون قيد أو شرط
  • إيران تكشف عن خطط لإطلاق “الريال الرقمي” لتحديث النظام المصرفي وتحسين التعاون المالي الدولي
  • الخلافات السياسية في إيران.. تصاعد الجدل حول تعيين ظريف نائبا استراتيجيا في حكومة پزشكيان
  • قائد الثورة الإسلامية في إيران السيد علي الخامنئي في كلمة بمناسبة أسبوع التعبئة: قصف الكيان الصهيوني للبيوت والمستشفيات في فلسطين ولبنان ليس انتصاراً ولن يحقق أياً من أهداف عدوانه
  • مستشار مرشد إيران يكشف استعدادات الرد على الاحتلال الإسرائيلي
  • خطاب السلطة السودانية: الكذبة التي يصدقها النظام وحقائق الصراع في سنجة
  • ردا على الاستغلال السياسي لمحافظي الوكالة الذرية..إيران تطلق أجهزة طرد مركزي متطورة
  • قاليباف: إيران ردت على الاستغلال السياسي لمجلس المحافظين بإطلاق أجهزة الطرد المركزي