لجريدة عمان:
2024-12-18@13:36:26 GMT

أمر جلل حدث للتو في كينيا

تاريخ النشر: 15th, July 2024 GMT

يعلم الرئيس وليم روتو أنه في مأزق. قبل أسابيع قليلة أقيمت المتاريس حول مكتبه في المجمع الرئاسي بنيروبي، بينما خرج آلاف الكينيين الشبان إلى الشوارع. ومنذ ذلك الحين، بدأت المظاهرات التي شملت البلد كله اعتراضا على رفع محتمل لضرائب السلع والخدمات الأساسية في التحول إلى ما هو أكبر كثيرا، وذلك هو الإطاحة بالرئيس روتو وإنهاء وضع يخول للطبقة السياسية في كينيا أن تثري نفسها على حساب احتياجات المواطنين الاجتماعية والاقتصادية.

منذ البداية، بدت هذه الحركة مختلفة عن احتجاجات سابقة. فأغلب المتظاهرين كانوا من أغلبية البلد الشابة الذين أخذوا ينشرون المعلومات حول أماكن ومواقيت خروجهم عبر تطبيقات تيك توك وإنستجرام وواتساب. ولم تكن وراء الحشود شخصية سياسية مركزية أو حزب سياسي يتوحدون فيه، ولا كانت تجمعهم أيديولوجية عدا الغضب من خطة الحكومة لزيادة الضرائب في الوقت الذي انهارت فيه الخدمات الاجتماعية، وارتفعت فيه مصاريف الجامعات العامة وتعمقت أزمة البطالة. وحتى مع تلاشي احتجاجات الشوارع، يتابع مزيد من الكينيين الآن قضايا الكسب غير المشروع عبر وسائل الإعلام الاجتماعي، ويتداولون مقتطفات من الدستور ويتصلون بالنواب أو يبعثون إليهم الرسائل النصية.

يمثل هذا تحولا زلزاليا في أمة طالما تعرض شبابها للاتهام باللامبالاة السياسية. فخلال انتخابات 2022 العامة، لم يبال أغلب الشباب الكينيين حتى بتسجيل أسمائهم في الكشوف. والآن للمرة الأولى منذ تبني البلد دستورا جديدا في 2010 يمثل الشباب جزءا أساسيا من حركة يخاطر فيها الناس بحياتهم نضالا من أجل مكتسبات ديمقراطية تلقوا وعودا بها. ومن الواضح أن الرئيس روتو يشعر أن ولايته في خطر، ففي يوم الخميس استجاب للضغط الشعبي وأقال جميع وزراء حكومته إلا واحدا.

والرئيس روتو أحد تلاميذ دانيال آراب موي، وهو الدكتاتور الذي حكم كينيا بين 1978 و2002. ومنذ بداية مسيرته السياسية، بدا أن الرئيس روتو يتبنى احتقار أستاذه للديمقراطية. فمن أعماله السياسية الأولى قيامه بتنظيم فرق من طلبة الجامعة للعمل لحساب الرئيس موي خلال إجازاتهم الجامعية، ثم أسهم لاحقا في تعطيل مسيرات المعارضة خلال انتخابات عام 1992 وكانت أول انتخابات متعددة الأحزاب في كينيا منذ عقود.

وعندما ترك الرئيس موي السلطة أصبح الرئيس روتو عضوا أساسيا في المعارضة، وعمل ببطء على تحقيق شهرة من أجل الترشح للرئاسة. وفي عام 2007 سعى إلى الحصول على ترشيح من حزبه للرئاسة لكنه خسر في الانتخابات الداخلية. واندلعت موجات عنف في كينيا بعد تلك الانتخابات، أسفرت عن مقتل ألف ومائتي شخص وتشريد ستمائة ألف من بيوتهم. وكان الرئيس روتو أحد ستة كينيين وجهت لهم المحكمة الجنائية الدولية في عام 2011 تهم الضلوع بدور في العنف وهو ما أنكره. ثم تم اتهامه بـ«القتل والترحيل أو النقل القسري للسكان واضطهادهم».

ومنذ ذلك الحين يقاوم الرئيس روتو الإصلاحات الديمقراطية التي يناصرها ملايين الكينيين. في عام 2010 عارض دستور البلد الجديد الذي سعى إلى إصلاح هيكل سياسي أعان دكتاتورية موي من قبل، كما منح ذلك الدستور حقوقا لمن كانوا من قبل محرومين منها، واستحدث قوانين جديدة لمنع الكسب غير المشروع ومنع المدانين جنائيا من تولي مناصب سياسية.

في عام 2013 قام أوهورو كنياتا -الذي اتهمته أيضا الجنائية الدولية- بإضافة الرئيس روتو نائبا له في الانتخابات الرئاسية. وفازا معا، وسرعان ما تم إسقاط اتهامات المحكمة الجنائية لهما بعد ذلك. وانتخب روتو رئيسا في عام 2022. وفي كلتا الوظيفتين، قام بتقويض الدستور من خلال التجاهل الصارخ لأوامر المحكمة، وتجاهل المتطلبات الدستورية لتعيين الأشخاص في مناصب الدولة، وتعيين أفراد عائلته في وظائف حكومية، واستخدام التفوق العددي لحزبه في البرلمان في محاولة إضعاف قوانين النزاهة المطبقة على موظفي الدولة.

كما أنه لم يف بجوهر وعود حملته الانتخابية في 2022، وهي أن يحارب تفاوت الدخول ويوفر فرص العمل للشباب الكينيين. وبدلا من ذلك، قلَّل برامج الرفاه الاجتماعي وزاد من الضرائب التي قال إنه يحتاج إليها لسداد عبء الدين الكيني. وفي هذا الأمر شيء من الحقيقة، فقد حث صندوق النقد الدولي حكومة الرئيس روتو -ضمن شروطه للمساعدة في تخفيف الدين الكيني الهائل- على زيادة تحصيل الإيرادات. لكن الصندوق أشار أيضا إلى أن جزءا ضخما من مأزق كينيا المالي ينبع من الكسب غير المشروع. في الشهر الماضي، حينما أعلن الرئيس روتو خطته لزيادة الإيرادات باستحداث ضرائب جديدة على سلع أساسية من قبيل الخبز والفوط الصحية والأقمطة والزيت النباتي والوقود، تأجج قدر كبير من الغضب الشعبي بسبب الإيمان بأن أغلب هذه الأموال المحصلة سوف يستعمل في حشو جيوب حلفاء الرئيس روتو.

برغم وجوده في مركز السياسة الكينية منذ عقود، يواجه الرئيس روتو في موجة الاحتجاجات الحديثة أمرا جديدا عليه تماما. ففي فترات الاضطرابات السابقة الناجمة عن ضرائب مرفوضة، كان الرئيس يُتهم برشوة أعضاء المعارضة في البرلمان وتنظيم اجتماعات مع السياسيين الذين يخططون لمسيرات مناهضة للضرائب من أجل إقناعهم بوقف هذه الاحتجاجات. لكن شباب الشوارع اليوم لا يتحدثون بتلك اللغة السياسية، وما من قيادة مركزية لهم يمكن شراؤها، أو تهديدها أو دفعها إلى «حوارات سلام» لا نهاية لها.

ومع ذلك بذلت الدولة قصارى جهدها. فمنذ بدء الاحتجاجات في الثامن عشر من يونيو، لقي ما لا يقل عن واحد وأربعين متظاهرا مصرعهم وأصيب مئات آخرون في مصادمات مع الشرطة. وقال آخرون إنهم تعرضوا للاختطاف من بيوتهم في جنح الليل أو للاعتقال في عرض الشارع على أيدي ضباط شرطة في ثياب مدنية وتم احتجازهم بمعزل عن العالم الخارجي لعدة أيام دون توجيه تهم إليهم. من جانبه وجّه الرئيس روتو الشكر للشرطة على عملها، وعند مواجهته بمعلومات عن موت متظاهرين، زعم أنهم كانوا مجرمين وأن يديه غير ملوثتين بالدماء.

أدّى العنف إلى تحويل الغضب من الضرائب فصار غضبا مستعرا من القتل، ومن حكم الرئيس روتو بعامة. وفي ذروة المظاهرات، اقتحم المتظاهرون البرلمان وأعلنوا نواياهم بالسير إلى دار الدولة وهي مقر إقامة الرئيس. وردا على ذلك، لجأ الرئيس كثير الرحلات إلى مقر إقامته وأغلق العديد من الطرق المفضية إليه وأصدر بيانات تصف المتظاهرين الشباب بالمجرمين الخونة. وبعد أسابيع يواصل الكينيون المطالبة باستقالة الرئيس روتو. ودعوا أيضا إلى إنهاء الفساد في حكومته وإلغاء المناصب غير الدستورية التي أنشأها، ومحاكمة حلفائه المتهمين بنهب أموال الحكومة.

يقول الرئيس روتو إنه ينصت للمتظاهرين، وفضلا عن إصلاحه الحكومي، تراجع عن مشروع قانون مالي تضمن رفعا للضرائب. وخلافا للعادة، تناقش مع منتقديه عبر وسائل الإعلام الاجتماعي وشجع أعضاء في حكومته على فعل ذلك، وأدان بعض حلفائه بسبب أقوالهم المتغطرسة في حق المتظاهرين. كما تعامل العديد من كبار الساسة مع شكاوى المتظاهرين من خلال تنصلهم علنا من الزيادات الأخيرة في رواتبهم أو المطالبة بإجراء تدقيق عام لأموال الدولة.

يشكل هذا تحولا عميقا عما حدث قبل عامين، عندما كان يقال عن الشباب الكينيين إنهم غير مبالين بالعملية السياسية برمتها -وغير مهمين لها. إذ تحقق الحركة الجديدة أمرا جللا في كينيا، والناس يشعرون بذلك. فهم يخرجون إلى الشوارع للنضال من أجل الديمقراطية في هذا البلد. لكنهم يشهدون أيضا كتابة التاريخ. وعندما يسألهم أبناؤهم وأحفادهم في يوم قادم أين كانوا خلال الاحتجاجات الكينية في عام 2024، لا يريدون أن يقولوا إنهم لم يكونوا حاضرين.

كاري بركة يكتب لمجلة نيويورك ريفيو أوف بوكس، وفاينانشيال تايمز، وجارديان.

خدمة نيويورك تايمز

المصدر: لجريدة عمان

كلمات دلالية: الرئیس روتو فی کینیا فی عام من أجل

إقرأ أيضاً:

الأمم المتحدة تعلن خطوات جديدة لحل الأزمة السياسية في ليبيا

كشفت بعثة الأمم المتحدة في ليبيا تشكيل لجنة فنية تضم مجموعة من الخبراء الليبيين، ستكون مهمتها تحديد الأولويات والمحطات الرئيسية لتشكيل حكومة توافقية تهدف إلى إنهاء الأزمة السياسية التي تعيشها البلاد منذ سنوات.

وجاء هذا الإعلان في كلمة مصورة ألقتها ستيفاني خوري، القائمة بأعمال رئيس البعثة الأممية، حيث أوضحت أن تفاصيل العملية السياسية ستُعرض خلال إحاطة لمجلس الأمن اليوم الاثنين. وتركز هذه العملية على تحقيق الاستقرار ومنع التصعيد، بالإضافة إلى توحيد المؤسسات الوطنية وتمهيد الطريق لإجراء الانتخابات ومعالجة الخلافات المستمرة منذ سنوات.

وكجزء من المرحلة الأولى، ستعمل اللجنة الفنية على وضع حلول للمشاكل المتعلقة بالقوانين الانتخابية في أسرع وقت ممكن، مع تقديم مقترحات تشمل ضمانات زمنية وإجرائية. كما ستضع هذه اللجنة تصورا واضحا لإطار الحوكمة والأولويات التي ينبغي على الحكومة التوافقية العمل عليها.

وأكدت البعثة الأممية التزامها بحماية مصالح الشعب الليبي من خلال الدفاع عن المبادئ والمعايير التي تضمن استقرار البلاد. كما ستسعى إلى توسيع دائرة المشاركة السياسية لتشمل جميع مكونات المجتمع الليبي، من بينها النساء والشباب والأحزاب السياسية والقيادات المجتمعية.

إعلان

وأوضحت ستيفاني خوري أن الأمم المتحدة ستواصل العمل مع الشركاء الليبيين لدعم الحوار الهادف إلى التوصل لتوافق بشأن أسباب النزاع الطويل. كما ستركز الجهود على تعزيز المصالحة الوطنية، ودعم الإصلاحات الاقتصادية، وتوحيد المؤسسات الأمنية والعسكرية، مما يمهد الطريق نحو تحقيق الاستقرار السياسي والاجتماعي.

تأتي هذه الجهود في ظل انقسام سياسي بين حكومتين متنافستين، حكومة الوحدة الوطنية التي يرأسها عبد الحميد الدبيبة في طرابلس، وحكومة أخرى عينها مجلس النواب برئاسة أسامة حماد في بنغازي.

ويتطلع الليبيون إلى أن تسهم هذه التحركات في إنهاء الفترات الانتقالية المستمرة منذ الإطاحة بنظام معمر القذافي، وإيجاد حل للصراعات السياسية والمسلحة التي أرهقت البلاد على مدى أكثر من عقد.

مقالات مشابهة

  • تغليب لغة العقل: المصالح العليا للأردن أولى من الانفعالات السياسية
  • الجفاف الأسوأ في كينيا منذ 40 عاما.. الملايين دون طعام أو مياه
  • إدماج الشباب في العملية السياسية
  • بعثة الأمم المتحدة تنظّم ورشة لتعزيز «تمثيل المرأة بالمشاركة السياسية»
  • أخنوش ينتقد خطاب المعارضة ويدعو لمراجعة الممارسة السياسية
  • المؤسسات السياسية تتداعَى في فرنسا
  • الأمم المتحدة تعلن خطوات جديدة لحل الأزمة السياسية في ليبيا
  • خوري تطلع الدبيبة على خطوات العملية السياسية قبل تقديمها لمجلس الأمن غدًا
  • البزري والبستاني بحثا الأوضاع السياسية والاستحقاق الرئاسي
  • مسعود بارزاني وبرهم صالح يبحثان التطورات والمستجدات السياسية في العراق والمنطقة