ذكر بعض المثقفين العرب في رسالتهم المفتوحة لنظرائهم الغربيين حول أحداث غزة وحرب الإبادة التي تشنها إسرائيل في حق الشعب الفلسطيني: «كنا ننتظر ـ نحن المثقفين العرب ـ من مفكري بلدان الغرب وأدبائها وفنانيها أن يقابلوا نضال الشعب الفلسطيني من أجل حقوقه الوطنية المشروعة والعادلة بالنصرة والتأييد». وجاء ضمن رد المثقفين الغربيين «كونوا على ثقة أيها الأصدقاء المثقفون في العالم العربي أن التزامنا بالاعتراف بحقوق الشعب الفلسطيني لا يضعف، وأننا نتابع العمل الشاق الذي قمنا به قبل فترة طويلة، لجعل الناس يسمعون صوت القانون والعدالة والقيم الإنسانية الحقة».

عبروا في ردهم عن قلقهم وسخطهم على الأحداث وشعورهم الرهيب بالعجز إزاء ذبح الآلاف من النساء والأطفال والشيوخ، واصفين ذلك بأنه جريمة إنسانية لا تصدق، وأعربوا بأنهم يشاركون في القيم الأخلاقية الأساسية للحضارة الإنسانية، وأنهم يطالبون بوقف إطلاق النار وإنهاء الحصار المفروض على الفلسطينيين، وأشاروا في ردهم إلى المعايير المزدوجة التي تهيمن على عالم اليوم والعنصرية التي لا تزال سائدة في الغرب، وعبروا عن تأييدهم للحق الفلسطيني في المقاومة ضد دولة الاحتلال وحقهم في دولتهم المستقلة. واعترافهم أن إسرائيل لم تخضع لأدنى عقوبة قط، وأنه ليس من العدل أن يتم تجاهل نكبة عام 1948 في ظل عقود عديدة من القمع والظلم والعدوان. وقّع الردَّ بعض المثقفين الغربيين نذكر منهم (فيليب تانسلين، شاعر وفيلسوف، فرانسيس كومبس، شاعر إيف فارغاس، فيلسوف، لوران فوركوت، شاعر، باتريشا لاتور، صحفية، جيرارد أستور، كاتب مسرحي، باسكال أكوت، مؤرخ علم البيئة، كلوديا كريستيانسن، موسيقية، إيرو سيافلاكي، مخرج، إيزبيل لاجني، طبيبة، جان ماري، مترجمة).

وكان مجموعة من المثقفين العرب قد وجهوا في الرابع والعشرين من نوفمبر 2023م رسالة مفتوحة إلى المثقفين الغربيين يستنكرون فيها صمت المثقفين الغربيين عن المجازر الوحشية وتدعوهم إلى استنكارها وإلى الإعلان الصريح المؤيد للحقوق الفلسطينية في مقاومة الاحتلال وصولا إلى إقامة دولته على الأراضي الفلسطينية، ويستنهضون فيها نصرة المثقفين الغربيين أسوة بقطاعات اجتماعية حية من الشعوب الأوروبية وفي أمريكا وخصوصا الطلبة الذين خرجوا في مظاهرات عارمة تنديدا بالمجازر والإبادة التي ترتكبها إسرائيل وتنديدا بالصمت المخزي والمعايير المزدوجة التي ينتهجها سياسيو الغرب وإعلامهم وما يلاقيه الفلسطينيون من ظلم وعدوان وتجاهل متعمد ومشاركة في تلك الإبادة الجماعية التي لا يتورعون في إمدادها بالأسلحة التي تفتك بالأطفال والشيوخ والنساء، وحرق وتدمير كل شيء بما فيها البنى التحتية في قطاع غزة.

وقَّعَ الرسالة عدد من الباحثين والكتاب والأدباء والفنانين من مختلف الأقطار العربية بينهم أذكر الروائية جوخة الحارثي من سلطنة عُمان، محمد الأشعري، الطاهر لبيب، محمد برادة، نبيل عبد الفتاح، مرسيل خليفة، علي أومليل، عزيز العظمة، محمد بنيس، نبيل سليمان، عبد الحسين شعبان، علوية صبح، صلاح بوسريف، أدونيس، حسن نجمي، أمين الزاوي، أحمد المديني، فخري صالح، فراس سواح، عبد القادر الشاوي، مبارك ربيع، فاضل ربيعي، وفاء العمراني، بسام كوسا، واسيني الاعرج، شوقي بزيع.

مما لا شك فيه بأن للمثقفين الغربيين فلاسفة وكتاب أدباء وفنانين مساهمات عظيمة وجليلة في خدمة البشرية وذلك من خلال النظريات والكتابات والروايات العظيمة شعراً ونثراً، والدفاع عن حقوق الإنسان، ومنهم من كان مناصرا للحقوق الفلسطينية والعرب وكانوا متناسقين منسجمين مع كتاباتهم ونظرياتهم، هم كثر ولا يتسع المكان لذكر الجميع، فقط أستحضر البعض، ومنهم، جاك بيرك، أرنولد تويني، موريس بوكاي، أسين بلاثيوس، أندريه ميكيل، نعوم تشومسكي، إدجار موران، روجيه جارودي، جان جينيه، جيل دولوز، خوان غوتيلس، والكثير من الفنانين والموسيقيين من بينهم المغني الإنجليزي روجر ووترز الذي قال «أيها الإسرائيليون أنتم دولة فاشلة انتهى الأمر، أحزموا أمتعتكم وارحلوا. لقد حان الوقت لتفعلوا الصواب». وهناك العديد من الرسائل والعرائض التي وقعها الكثير من المثقفين الغربيين تأييدا لفلسطين وغزة، منها العريضة التي وقّعها العديد من الموسيقيين منهم المغني الإنجليزي روجر ووترز يطالبون فيها زملاءهم الفنانين بمقاطعة العروض في إسرائيل حتى تكون فلسطين حرة. وأنشأوا مجموعة «موسيقيون من أجل فلسطين».

لكن ذلك لا ينفي ولا يخفي العلاقة الملتبسة مع المثقفين الغربيين والغرب بشكل عام التي تظل علاقة تدور في فلك الغرب ونظرته للعرب بشكل عام وقد ساهم بعض المثقفين الغربيين بصمتهم بل وتأييدهم ووقوفهم صراحة في تمادي القوى الغربية المدججة بأسلحتها في شن سلسلة من الحروب من العدوان والوحشية على العرب والمسلمين على مدار التاريخ، وقد يكون لصمتهم أو تأييدهم ذلك الدور المهم في تهيئة الأرضية وتمهيد الطرق المؤدية للاستعمار الغربي للأراضي العربية وهذا ما أداه بعض المستشرقين بطريقة مباشرة أو مباشرة والذين أتوا إلى البلاد العربية بحثا عن الاكتشاف والمغامرات وحب الاستطلاع.

بكل تجريد ما الذي يدعو مثقفين ومنهم فلاسفة وشعراء وروائيون وغيرهم من المثقفين الغربيين إلى الانخراط في دعم الفاشية الإسرائيلية والانخراط في جوقة ترديد المزاعم الدعائية الغربية الصهيونية بل لما هو أبعد من ذلك بترويجهم الأكاذيب والمغالطات الصهيونية، ويقفون عاجزين عن مناصرة الشعب الفلسطيني في كفاحه ونضاله المشروع الذي تكفله لهم شرائع السماء والأرض وهم على دراية بذلك، هل اختاروا بمحض إرادتهم أن يكون عقلهم ضمن العقل المستقيل؟

الفجوة (وذلك ما ذكره المثقفون العرب في رسالتهم) الكبيرة التي يزداد اتساعها بين تلك النظريات والإسهامات الفكرية من جهة وبين المواقف الحقيقية والملموسة التي يعبر عنها أولئك المثقفون وخصوصا إذا ما تعلق الأمر بالقضية الفلسطينية والعرب والإسلام بشكل عام، وهي لا تخلو من مواقف متناقضة ملتبسة غامضة، لا يتورعون بالمجاهرة والعلانية في الوقوف في صف الإسرائيليين داعمين لهم في المجازر والإبادة واستعمارهم للأراضي الفلسطينية والحقوق العربية.

نذكر من ذلك تعبير إدوارد سعيد مثلا عن خيبة أمله من موقف جان بول سارتر في ذلك اللقاء المثير الذي جمعهما في باريس في عام 1979، في منزل ميشيل فوكو حيث وجد سارتر غير متحمس للقضية الفلسطينية وظل وفيا لمبادئه الفلسفية الصهيونية، كذلك عبر إدوارد سعيد عن صدمته من مواقف ميشيل فوكو الداعم لإسرائيل وسيمون دي بوفوار (زوجة سارتر) وكلهم كانوا غير متحمسين للقضية الفلسطينية بل كانت غايتهم من ذلك اللقاء فقط الترويج والتطبيع للتعايش بين العرب وإسرائيل.

الأستاذ د. محمد المحيفيظ أستاذ الفلسفة السياسية في جامعة بن طفيل بالقنيطرة بالمملكة المغربية يشخص ذلك بقوله: «إن العديد من المثقفين الغربيين- كما كانت العادة منذ عقود- قد انحازوا للرواية الإسرائيلية، إما بسب تعصب عرقي أو عجزهم عن التحرر من اشتراطات نفسية أو تربوية أو اجتماعية تحكمهم» أو دعنا نقول مع فرانسيس بيكون: بسبب خضوعهم إما لأوهام القبيلة، أو لأوهام الكهف أو لأوهام السوق أو لأوهام المسرح أو لهذه الأوهام كلها» وأحيانا بسبب مصالح آنية أو نذالة وخسة روحية، وهم بذلك يخونون رسالتهم المفترضة فيهم بصفتهم مثقفين.

ليس عقلهم مستقيلا إلا إذا تعلق الأمر بالقضايا العربية والإسلامية، نذكر هنا أيضا، الموقف الذي عبر عنه الفيلسوف الألماني يورغن هابرماس (سليل الأخلاق النازية) كما وصفه مواطنه الفيلسوف بتر سلوتردايك. هابرماس الذي أصدر عشرات الكتب الفلسفية والاجتماعية، وعرف عنه بأنه من أكبر معارضي اليمين المتطرف في أوروبا والنزعات الشعبوية العنصرية المتنامية في الغرب، فقد وقع هابرماس مع مجموعة من المثقفين عريضة بخصوص الأحداث المأساوية في غزة، أكد فيها على شرعية العدوان الإسرائيلي على سكان غزة، ومما يثير السخف في تلك العريضة قوله بأن مجرد اتهام إسرائيل بشن حرب إبادة ضد الشعب الفلسطيني مظهر من مظاهر معاداة السامية. متجاهلا في تلك العريضة حقوق الشعب الفلسطيني ومقاومته للاحتلال.

إذن ليس اكتشافا ولا يحتاج الأمر إلى بحث وتروّ، المثقفون الغربيون هم جزء من المنظومة الغربية والثقافة الغربية وأبناء مخلصون وبررة لها ويجعلهم ذلك عاجزين عن التفكير خارج المنظومة الغربية بكل ما تحمله من معان، وقد يكونون هم من أوجدوا تلك المنظومة فهم عاجزون عن التفكير خارج مقاييس الكونية الغربية. الغرب بأكمله بما فيه المثقفون مكبّل بما يسمى بعقدة اليهود والسامية والمحرقة والهولوكوست، لذلك فهم مكبلون عاجزون، لا يستطيعون الفكاك من تلك الكونية الملازمة لوجودهم وخوفا من أن يتهموا بمعاداة السامية فإنهم يتمادون في تأييد كل ما يصدر من إسرائيل ولا يستطيعون الفكاك من عقدة ذنب المحرقة وخصوصا الألمان.

الغرب بما فيه سياسيوه ومثقفوه والعامة منهم واقعون تحت الضغط الذي تمارسه الآلة الإعلامية والبروباغاندا الغربية المتحالفة مع الصهيونية. ينظر بعض المثقفين الغربيين إلى أن تأييدهم للفلسطينيين وحقوقهم المشروعة وإدانتهم لإسرائيل قد تحرمهم من أشياء كثيرة كالمناصب والظهور والأضواء والجوائز وحتى طباعة مؤلفاتهم والترويج لها، في المقابل لا يعطيهم تأييد الفلسطينيين والعرب شيئا ويخرجهم من دائرة الضوء والاهتمام، وبالتالي هي أشياء ذاتية شخصية.

إسرائيل في نظر الغربيين بما فيهم المثقفون هي جزء منهم وامتداد طبيعي للسياق الغربي الأوربي الأمريكي، بل هم من أوجدوها وخلقوها. يرى ريجيس دوبريه بأن «لا أحد يستطيع الضغط على إسرائيل اليوم لا أمريكا ولا أوروبا بسبب أن أمريكا هي واقعيا مرتبطة لاهوتيا وعاطفيا بالشعب العبري حيث يعتبرون أنفسهم امتدادا لتاريخه بوصفهم شعبا مختارا جديدا، وهذه الروابط بحسب دوبريه نابعة من اللاوعي اللاهوتي. من الناحية الرمزية أمريكا مستعمرة لإسرائيل وليس العكس، بينما أوروبا تعاني الشلل بسبب المحرقة». إسرائيل والصهيونية من ورائها نجحت وبكل اقتدار في صناعة الهولوكوست والمحرقة وإتقان دور الضحية والمعتدى عليه، وتنجح في الترويج وترسيخ لسرديتها تاريخيا وحاضراً. الصهيونية لا تمسك بوسائل الإعلام وتسخرها لخدمتها فقط ، بل هي تمسك بجميع عناصر صناعة القرار في العالم الغربي والمنظمات التابعة له وتسخر في ذلك المال وكل شيء يخطر بالبال فقط لنصرتها.

المصدر: لجريدة عمان

كلمات دلالية: الشعب الفلسطینی من المثقفین

إقرأ أيضاً:

«إنهاء المقاومة.. شطب حق العودة.. وتوسيع المستوطنات».. خطة إسرائيل لتفكيك المخيمات الفلسطينية في الضفة الغربية

واقعة «الحافلات» تكشف التنسيق التآمري المسبق بين مؤسسات الاحتلال

تفجيرات تل أبيب المفبركة.. ذريعة لتوسيع عملية «السور الحديدي» العسكرية

استهداف الدعم الدولي للاجئين الفلسطينيين بتجفيف منابع دعم «الأونروا»

مركز بديل يحذّر من مشروع «الحسم»: ضد حل الدولتين وأهالي الضفة

تتعمد إسرائيل، حاليًا، تنفيذ مخطط تفكيك المخيمات الفلسطينية بالضفة الغربية، عبر تسويق روايتها المفككة حول مشاركة عناصر فلسطينية في تفجير حافلات بـ«تل أبيب»، وترويج مزاعم أمنية منسقة بين الحكومة والجيش والأجهزة الأمنية لتوسيع نطاق العمليات العسكرية الإسرائيلية، لاسيما في طولكرم وجنين، بهدف تفريغهما من الفلسطينيين.

وانفجرت ثلاث حافلات فارغة في توقيت واحد داخل ثلاثة مواقف للسيارات بمدينة «بات يام» جنوب تل أبيب، دون الإعلان عن وقوع ضحايا، أو إصابات، وكان التحريض الإسرائيلي مفضوحًا عبر ترويج وسائل إعلام مقربة من الحكومة اليمينية المتطرفة عبارة «الانتقام من مخيم طولكرم للاجئين» كانت مكتوبة على عبوتين!

لم يفسر الإعلام الإسرائيلي كيف كانت الأجهزة الأمنية ستتعرف على العبارة المكتوبة لو أن العبوتين انفجرتا بالفعل؟! وفي المقابل، سارع رئيس الحكومة، بنيامين نتنياهو إلى إصدار توجيهات لقوات الجيش والشرطة والأمن الداخلي (الشاباك) بـ«تنفيذ عملية عسكرية مكثفة ضد مراكز الإرهاب في الضفة»، وتوسيع عملية «السور الحديدي» العسكرية، بعد واقعة الحافلات.

قضية معقدة

يشكل ملف تفكيك مخيمات الضفة قضية معقدة تتداخل فيها أبعاد: تاريخية، سياسية، اجتماعية، وأخرى: اقتصادية، قانونية، وأمنية، فيما تواصل إسرائيل مؤامراتها ومبرراتها الزائفة للخلاص من المخيمات، قال مدير مركز «بديل» الفلسطيني، نضال العزة، لـ«الأسبوع»: «مشروع استهداف المخيمات الحالي جزء من خطة الحسم الإسرائيلية التي طرحها وزير المالية، بتسلئيل سموتريتش».

وفيما يعمل مركز «بديل» منذ تأسيسه عام 1998 بموافقة السلطة الفلسطينية، ويتصدى للدفاع عن حقوق اللاجئين والمهجرين الفلسطينيين، مع التركيز على حقهم في العودة، فقد أشار «العزة» إلى أن «خطة الحسم الإسرائيلية تستهدف فرض السيادة الإسرائيلية على كامل الضفة الغربية، وإنهاء كل ما له علاقة بحل الدولتين، وبالتالي، إجهاض قيام الدولة الفلسطينية».

ونبّه «العزة» إلى أن «إسرائيل تعمل على تنفيذ مخططها عبر تصفية مظاهر الحماية الدولية للفلسطينيين، كما هو واضح من تعقبها لوكالة الأونروا ومحاولات تصفية أنشطتها، خاصة في المخيمات، ومن جهة أخرى، تصفية المقاومة في المخيمات، التي تعد البيئة الحاضنة للمقاومة تاريخيًا، حيث تمثل المخيمات حضورًا سياسيًا قويًّا يشير إلى النكبة واستمرار القضية الفلسطينية وعجز المجتمع الدولي عن إيجاد حلول واقعية للأزمة».

وعن الإستراتيجية الإسرائيلية لتصفية المخيمات، يقول «العزة» إن «الاستراتيجية القديمة، منذ حقبة رئيس حكومتها ليفي أشكول، وجولدا مائير، والرئيس الأسبق لما يسمى بالإدارة المدنية، مناحم ملسون، كانت تعتمد على تقديم إغراءات بتحسين البنى التحتية، وتحويلها إلى أحياء نموذجية، لكن الاستراتيجيات الحالية تعتمد على الإفقار والتهميش ونشر الأمراض الاجتماعية داخل المخيمات».

خريطة المؤامرة

نشأت المخيمات الفلسطينية في الضفة الغربية بعد نكبة عام 1948، حيث نزح ما بين 615 إلى 635 ألف لاجئ فلسطيني إلى الضفة الغربية، مما أدى إلى إنشاء 21 مخيمًا لاستيعاب نحو 40% من إجمالي اللاجئين. وتتنوع مخيمات الضفة الغربية في مساحاتها وأعداد سكانها، لكنها جميعًا تشترك في المعاناة اليومية تحت الاحتلال الإسرائيلي.

تضم الضفة 19 مخيمًا رسميًا إلى جانب 5 مخيمات غير معترف بها، يعيش فيها حوالي 25% من إجمالي اللاجئين في الضفة، فيما تتوزع بقية الأعداد بين القرى والمدن، حاملين معهم إرث اللجوء والأمل المستمر بالعودة، وفي عام 1949، شهدت شمال شرق نابلس إنشاء مخيم الفارعة، الذي جمع المهجّرين من نحو 30 قرية محيطة بيافا.

لم يكن المخيم سوى امتداد لمعاناة بدأت منذ النكبة، ليصبح مأوى لأكثر من 8 آلاف لاجئ فلسطيني، يعيشون أوضاعًا مأساوية في ظل السياسات الإسرائيلية التي تفرض حصارًا خانقًا على المخيمات. وفي عام 1950، أُقيم مخيم بلاطة شرق نابلس، ليصبح الأكبر في الضفة الغربية، إذ يضم نحو 23 ألف لاجئ، معظمهم من قرى يافا، واللد، والرملة.

مع مرور الوقت، تحول المخيم إلى ساحة مواجهة مستمرة مع قوات الاحتلال، التي لا تتوقف عن تنفيذ عمليات عسكرية تستهدف سكانه. وفي الشمال الغربي من الضفة، تأسس مخيم نور شمس عام 1950، ليأوي نحو 8 آلاف لاجئ فلسطيني، إلا أن المخيم لم يكن بمنأى عن المخططات الإسرائيلية، التي تسعى إلى تفريغه عبر ذرائع ومزاعم أمنية، مما يجعله مهددًا بموجات تهجير جديدة.

ومنذ تأسيسه عام 1953، كان مخيم جنين واحدًا من أكثر المخيمات تعرضًا للهجمات العسكرية الإسرائيلية. يقع المخيم ضمن حدود بلدية جنين، ويقطنه أكثر من 12 ألف لاجئ فلسطيني، يعانون من الاقتحامات المستمرة والتضييق الأمني، في محاولة لفرض واقع جديد يهدد استقراره. وفي وسط الضفة، يقع مخيم بيرزيت على مساحة 0.16 كيلومتر مربع، ويقطنه عدد ضخم يصل إلى 132 ألف لاجئ.

أما مخيم دير عمار، الذي تأسس عام 1949 شمال غرب رام الله، فيمتد على المساحة نفسها، لكنه يضم 2400 لاجئ فقط. وفي شمال رام الله، يوجد مخيم الجلزون، الذي تبلغ مساحته 0.337 كيلومتر مربع، ويعيش فيه 9 آلاف لاجئ. وعلى بعد مسافة ليست بعيدة، يقع مخيم عين عريك غرب رام الله، على مساحة 0.025 كيلومتر مربع، ولا يزيد عدد سكانه على 500 لاجئ.

أما مخيم طولكرم، الذي أُنشئ عام 1950 غرب الضفة، فيمتد على مساحة 0.18 كيلومتر مربع، ويؤوي نحو 20 ألف لاجئ. ويضم مخيم بيت جبرين، المُنشأ عام 1950 وسط بيت لحم، حوالي 2000 لاجئ فقط، فيما يحتضن مخيم عايدة، الذي أُنشئ في العام ذاته جنوبي الضفة، نحو 4700 لاجئ. ويضم مخيم عسكر شمال الضفة حوالي 16 ألف لاجئ، رغم صغر مساحته التي لا تتجاوز 0.1 كيلومتر مربع.

في الشمال، لا يزال مخيم عين بيت الماء، الذي أُنشئ عام 1948، موطنًا لحوالي 6700 لاجئ. وعلى مساحة 0.374 كيلومتر مربع، يضم مخيم العروب، الذي أُنشئ عام 1949، نحو 10، 400 لاجئ. ويعيش في مخيم الفوار، الذي يعود تأسيسه إلى العام نفسه، حوالي 8 آلاف لاجئ جنوبي الخليل. وفي جنوب غربي أريحا، تأسس مخيم عقبة جبر عام 1956، ليصبح منزلاً لنحو 6400 لاجئ.

أما مخيم جنين، المُنشأ عام 1953، فيضم حوالي 16 ألف لاجئ، ويمتد على مساحة 0.42 كيلومتر مربع شمالي الضفة. أما مخيم الدهيشة، الذي يعود إلى عام 1949، فيقع جنوب شرقي بيت لحم على مساحة 0.34 كيلومتر مربع، ويعيش فيه نحو 9 آلاف لاجئ.

عدوان عسكري

قبل عملية الحافلات، واصلت إسرائيل عملياتها العسكرية برًّا وجوًّا، بمشاركة آلاف من العناصر العسكرية والأمنية، مدعومين بطائرات مقاتلة، ومروحيات، ومسيرات، وجرافات، بهدف تفريغ مخيمات جنين، طولكرم، ونور شمس من اللاجئين الفلسطينيين. فيما أدّت العمليات العسكرية الإسرائيلية المتكررة منذ منتصف 2023 إلى جعل مخيمات اللاجئين شمالي الضفة غير صالحة للسكن.

يواجه اللاجئون تحديات قانونية تتعلق بحقوق الملكية والإقامة، خاصة في ظل القيود الإسرائيلية على البناء والتوسع داخل المخيمات. اجتماعيًا واقتصاديًا، تُعاني المخيمات من معدلات بطالة مرتفعة، إذ بلغت نسبتها بين حملة الشهادات الجامعية 54%. ويُعتبر الفقر المدقع أكثر انتشارًا في المخيمات مقارنة بالمدن والقرى، مما يزيد من التحديات المعيشية للسكان، فيما تضغط إسرائيل من خلال سياساتها الكارثية لدفع سكان المخيمات إلى الهجرة.

تغذي الحكومات الإسرائيلية المتعاقبة الشعور بالاغتراب الاجتماعي والسياسي، وانعدام الثقة في صفوف قاطني المخيمات الفلسطينية في الضفة الغربية. وفي المقابل، تُطرح مبررات لتفكيك المخيمات، وأمنيًا، تُعتبر المخيمات نقاط توتر دائمة، حيث تتعرض لاقتحامات متكررة من قبل القوات الإسرائيلية، مما يؤدي إلى اشتباكات وسقوط ضحايا. وتزيد هذه التوترات من تعقيد الأوضاع الأمنية، وتؤثر سلبًا على الاستقرار في المنطقة.

ورغم أن أي فصيل فلسطيني لم يتبنَّ المسئولية عن تفجيرات الحافلات في تل أبيب، فإن البيانات الصادرة عن كل المستويات السياسية والعسكرية والأمنية في إسرائيل، توضح تماهي مؤسسات الاحتلال في استغلال اتفاق وقف إطلاق النار في قطاع غزة لتنفيذ مخطط تهجير واسع النطاق في الضفة الغربية، يركز بالأساس على مخيمات اللاجئين، التي تنشط فيها عناصر المقاومة.

وبحسب مركز «لاجئ» الفلسطيني، «تواصل قوات الاحتلال حصار الفلسطينيين في مدينة طولكرم، وتعرّض أكثر من 75% من سكانها للتهجير القسري خلال العمليات العسكرية الإسرائيلية، مع تحويل منازل الفلسطينيين إلى مواقع عسكرية، وسط نقص حاد في الغذاء والمياه والأدوية، بينما تواصل الجرافات تدمير الشوارع، وتحاصر قوات الاحتلال مستشفى ثابت ثابت».

أوضاع مأساوية

أُنشئت المخيمات كحلٍّ مؤقت، لكنها استمرت لعقود وأصبحت جزءًا من النسيج الاجتماعي الفلسطيني. ووفقًا لمصادر «الأسبوع»، يواجه سكان المخيمات في الضفة الغربية تحديات كبيرة تتعلق بالاكتظاظ السكاني، ونقص البنية التحتية، والخدمات الأساسية، نتيجة القيود المفروضة على توسع المخيمات ومحدودية الموارد المتاحة.

يُعتبر اللاجئون في الضفة مسجلين لدى وكالة الأونروا التابعة للأمم المتحدة، التي كانت تتولى إدارة، وتقديم الخدمات الأساسية في هذه المخيمات، بما في ذلك التعليم، والصحة، والإغاثة الاجتماعية، قبل أن تبادر إسرائيل إلى تعقب أنشطة الوكالة التي تأسست في يونيو 1949. وقد باتت الوكالة تواجه ضغوطًا كبيرة بعد اتهام إسرائيل بعض موظفيها بالمشاركة في «أعمال إرهابية»، لكن تحقيقًا دوليًا مستقلاً كذّب هذه الاتهامات.

تُواجه وكالة الأونروا تحديات مالية وسياسية تؤثر على قدرتها في تقديم الخدمات، مما يزيد من معاناة اللاجئين، ويضعف قدرتها على حماية حقوقهم. وقال المتحدث باسم وكالة الأونروا، عدنان أبو حسنة، لـ«الأسبوع» في حديث سابق: «لا جهة أخرى قادرة على أن تحل محل الوكالة، في ضوء قدراتها اللوجستية ومواردها البشرية وتاريخها وخبراتها».

وتعمل الوكالة في القدس والضفة الغربية وقطاع غزة بناءً على التفويض الممنوح لها من الجمعية العامة للأمم المتحدة، باعتبارها صاحبة الحق الأصيل في هذا التفويض. لكن الكنيست الإسرائيلي قرر حظر أنشطة الأونروا في 29 أكتوبر 2024، ويشمل القرار «الداخل الإسرائيلي»، ما يُعدّ إلغاءً لاتفاقية معمول بها منذ عام 1967، ويستهدف الحظر إنهاء قضية اللاجئين.

القرار الإسرائيلي بحظر الأونروا يهدد عملياتها وخدماتها الأساسية لحوالي 5.9 مليون لاجئ في 58 مخيمًا داخل فلسطين والجوار. ونتيجة لأزمة الوكالة، كلّفت الحكومة الفلسطينية دائرة شؤون اللاجئين في منظمة التحرير الفلسطينية بإدارة ملف الإيواء المؤقت للعائلات النازحة. وتشير تقديرات مكتب تنسيق الشؤون الإنسانية التابع للأمم المتحدة إلى أن 82% من الأسر المهجَّرة شمال الضفة تعيش حاليًا في مساكن مستأجرة.

شعارات خبيثة

قانونيًا وإنسانيًا، يُعتبر تفكيك المخيمات الفلسطينية في الضفة انتهاكًا لحقوق اللاجئين المكفولة دوليًا، ويُثير المخطط الإسرائيلي تساؤلات حول مستقبل قاطنيها، خاصة أن التجارب السابقة المتعلقة بتفكيك المخيمات أثبتت فشلها. فقد باءت محاولة تفكيك مخيم «نهر البارد» بالفشل بعد تدميره عام 2007، إذ واجهت عملية إعادة التوطين تحديات كبيرة وما زالت مستمرة حتى الآن.

تشمل هذه الخطط محاولات تعزيز السيادة الإسرائيلية عبر تشريعات جديدة تستهدف إضفاء الطابع القانوني على المستوطنات، مدعومة بسطوة التيارات اليمينية المتطرفة داخل الحكومة، التي تواصل تخصيص ميزانيات مالية ضخمة لدعم التوسع الاستيطاني. وتروج الحكومة الإسرائيلية لمخططها بشعارات إنسانية مثل «تحسين الظروف المعيشية، تطوير البنية التحتية، وتقليل الكثافة السكانية».

لكن حكومة نتنياهو تسعى إلى تهجير قاطني المخيمات الفلسطينية بالضفة الغربية، وإعادة توزيعهم وتفريغ بعض المناطق منهم. فمنذ عام 1967، قامت إسرائيل ببناء أكثر من 230 مستوطنة في الضفة الغربية، وواصلت توسيع المستوطنات الحالية تحت حكومة بنيامين نتنياهو منذ عام 2022، حيث أُطلقت خطط لبناء آلاف الوحدات الاستيطانية.

وتتحكم التوجهات اليمينية في قرارات الحكومة الإسرائيلية، ومع وجود وزراء متطرفين مثل وزير المالية بتسلئيل سموتريتش، تسعى إسرائيل إلى ضم الضفة الغربية بالكامل على حساب المخيمات وسكانها. كما تخصص الأحزاب اليمينية الإسرائيلية ميزانيات ضخمة لتوسيع نطاق الاستيطان، وشرعنة البؤر الاستيطانية العشوائية، بما في ذلك تخصيص ملايين الدولارات لدعم المستوطنين، وتمكينهم من التوسع الديموغرافي.

سيناريوهات ومواقف

تتعدد السيناريوهات المتعلقة بمستقبل ملف المخيمات الفلسطينية في الضفة الغربية، إذ إن إسرائيل لن تطبق السيناريو الأكثر عدالة، المتمثل في تحسين ظروف المخيمات خدمياً ومعيشياً، مع الحفاظ على حق العودة، بدلاً من تفكيكها. وفي المقابل، لن يلقى السيناريو المتعلق بإعادة توطين اللاجئين في مناطق أخرى داخل الضفة الغربية قبولاً شعبياً أو سياسياً، نظراً لما يحمله هذا الخيار من مخاوف تتعلق بطمس الهوية الوطنية، وتبديد الحقوق التاريخية.

أما السيناريو الثالث، الذي يقوم على الإبقاء على الوضع القائم، فيواجه تعقيدات سياسية، اقتصادية، وأمنية، نتيجة استمرار المعاناة والتحديات التي يواجهها قاطنو هذه المخيمات، مما انعكس على تفاعلاتهم اليومية. بينما تدفع السياسات الإسرائيلية باتجاه السيناريو الرابع والأكثر كارثية، والمتمثل في تفريغ المخيمات من سكانها الفلسطينيين بالكامل.

وتظل مخيمات الضفة تذكيراً دائماً للعالم بالنكبة الفلسطينية عام 1948، وحق العودة، وعدم شرعية الاحتلال الإسرائيلي، لذا يشكل تدميرها هدفاً استراتيجياً لإسرائيل، التي تنتهج سياسات التطهير العرقي والتهجير القسري، لتمهيد الطريق أمام التوسع الاستيطاني ومحاولة محو أي أثر لفلسطين على الخريطة. ومع ذلك، ورغم سياسات القمع الإسرائيلية، لا يزال الفلسطينيون يتوارثون حكايات النكبة، موقنين أن هذه المخيمات ليست سوى محطات انتظار، حتى تحين لحظة التحرر والعودة.

مقالات مشابهة

  • من هو الجندي الأمريكي الذي نعته المقاومة الفلسطينية؟
  • «إنهاء المقاومة.. شطب حق العودة.. وتوسيع المستوطنات».. خطة إسرائيل لتفكيك المخيمات الفلسطينية في الضفة الغربية
  • وكالة الأنباء الفرنسية: صافرات إنذار بأوكرانيا في زيارة 12 من القادة الغربيين إلى كييف
  • بحضور نخبة من المثقفين والإعلاميين.. أمسية فنية تراثية عراقية في جدة
  • المؤسسة الفلسطينية لمكافحة المقاومة.. ما الذي جرى لأجهزة السلطة؟
  • «المؤتمر»: الرؤية الفلسطينية المستقبلية تمثل إطارا شاملا لتحقيق تطلعات الشعب الفلسطيني
  • المليشيا الإرهابية تركب التونسية!
  • تدعم صمود الشعب الفلسطيني على أرضه.. وثيقة عربية جديدة للتحرك ضد إسرائيل
  • رئيس مجلس النواب: مُخططات تهجير الشعب الفلسطيني تستهدف تصفية القضية الفلسطينية
  • برلماني: الرؤية الفلسطينية تدعم حقوق الشعب الفلسطيني المشروعة وتمثل خطوة لدعم الجهود العربية