انطلاق مؤتمر الحزب الجمهوري وترقب لخطاب ترامب
تاريخ النشر: 15th, July 2024 GMT
انطلقت اليوم الاثنين، أعمال مؤتمر الحزب الجمهوري الأميركي بمدينة ميلووكي في ولاية ويسكونسون، من أجل اختيار المرشح الجمهوري لخوض سباق الانتخابات الأميريكة المقررة في نوفمبر المقبل.
وبدأ المؤتمر الوطني بالوقوف دقيقة صمت "للصلاة من أجل الضحايا وعائلاتهم" في حادث إطلاق النار على تجمع انتخابي لدونالد ترامب يوم السبت.
وتلاها صلاة من أبرشية الروم الأرثوذكس في أمريكا المطران إلبيدوفوروس.
ومن المرتقب أن يقدم الرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب بشكل رسمي للدخول في غمار الانتخابات المقبلة ضد المرشح الديمقراطي الرئيس الحالي جو بايدن.
كما يتوقع أن يعلن ترمب مرشحه لشغل منصب نائب الرئيس.
ويستمر المؤتمر الجمهوري العام الذي انطلق اليوم لمدة أربعة أيام.
ويجرى هذا المؤتمر بعد يومين فقط من نجاة ترامب من محاولة اغتيال تعرض لها في تجمع انتخابي في بنسيلفانيا.
وبعد الحادث أعلن ترامب مشاركته في أشغال المؤتمر، حيث ينتظر أن يلقي خطابا أمام الآلاف من مناصريه في الحزب الجمهوري.
المصدر: سكاي نيوز عربية
كلمات دلالية: ملفات ملفات ملفات دونالد ترامب جو بايدن محاولة اغتيال دونالد ترامب الحزب الجمهوري انتخابات أميركا 2024 المرشح الجمهوري دونالد ترامب جو بايدن محاولة اغتيال أخبار أميركا
إقرأ أيضاً:
سردية لندن: مؤتمر لم يُصفّق له الكيزان ولم يحضره القتلة
حين انعقد مؤتمر لندن لم يكن ذلك فعلًا بروتوكوليًا آخر في روزنامة البيانات الدبلوماسية، بل لحظة استثنائية في زمنٍ تتراكم فيه المآسي حتى تفقد الأرقام معناها.
السؤال لم يكن: لماذا تأخر العالم؟ بل كيف أُتيح للخراب أن يتسلل من فجوة في الضمير الإنساني، ويتمدد بهذا الاطمئنان، كما لو أن الموت قد أصبح مشهدًا مألوفًا لا يستحق الإيقاف.
في قاعة تاريخية تزنها التقاليد الدبلوماسية الثقيلة، اجتمع صوت الإنسان مع صدى الجغرافيا الممزقة، واحتشدت الدول لا بحثًا عن مجد، بل لاستدراك ما يمكن إنقاذه من وطنٍ يتهاوى تحت ضربات البنادق وخيانات النخب.
وبينما كان البعض مشغولًا بحسابات الاصطفاف، كانت هناك إرادة خافتة تُجرب، من جديد، أن تقول: لا للحرب، نعم للمدنيين، ولو من بعيد.
المؤتمر في جوهره لم يكن محاولة للوساطة بقدر ما كان اعترافًا دوليًا صريحًا بأن ثمة كارثة فشلت كل المبادرات في لجمها. لذلك اختار أن يبدأ من حيث يجب: من المدنيين، لا من الجنرالات. لكن، وبلا مواربة، فإن غياب أطراف الحرب عن طاولة النقاش لم يكن نقيصة، بل فضيلة أخلاقية. لأن لا البرهان مؤهلٌ للسلام، ولا حميدتي يُحسن غير هندسة الموت.
كل ما قدّمه المؤتمر، هو قول ما يجب أن يُقال: أن هذه الحرب ليست قدرًا، وأن وحدة السودان ليست محطة عابرة في موجز الكوارث اليومية، وأن المدنيين ليسوا مجرد “كولاج” إنساني لإضفاء العمق على تقارير المنظمات.
الذين وقفوا خارج المؤتمر يصرخون، كانوا يرفعون شعارات تبدو، للوهلة الأولى، عادلة. لكن تفكيك شعاراتهم يُعيدنا للعبة المرايا القديمة. الكيزان، الذين لم يخرجوا من المشهد، بل أعادوا تدوير أنفسهم داخل خطاب الوطنية المزيفة، استطاعوا أن يزجّوا بهؤلاء الشباب في لعبة دلالات مضللة: صار كل حديث عن المدنيين في المخيلة المُضلّلة مرادفًا للدعم السريع، وللتآمر، وللعمالة، بينما لم يجرؤ أحد على طرح سؤال: من الذي صنع هذه الحرب أصلًا؟ ومن الذي أفلت المليشيات من قمقمها؟
الكيزان، وحدهم، أحسنوا تحويل التظاهر إلى قناع، والغضب المشروع إلى مسرحية مدروسة، تُرفع فيها الشعارات ليُعاد بها إنتاج القهر، لا مقاومته؛ حتى صار الهتاف سلاحًا في يد الجلاد، يرتديه بوجه مدني ويواصل به التنكيل باسم الشعب.
أما الذين يصرّون على أن المؤتمر تجاهل الفاعلين السودانيين، فعليهم أن يراجعوا تعريف الفعل أصلًا. لأن الفاعل هنا ليس من يُمسك بالبندقية، بل من يملك القدرة على إنتاج المعنى.
والحقيقة التي لا جدال فيها هي أن لا الجيش، ولا الدعم السريع، ولا تلك القوى المدنية التي تماهت مع هندام السلطة، ولوّنت خطابها بلون الزي العسكري، وانزلقت مع سرديّتهم الأمنية، تملك مشروعًا يُعتد به، أو رؤية تستحق الرهان.
أما القوى المدنية الوطنية، التي تحاول — رغم العزلة والقهر — أن تصوغ موقفًا أخلاقيًا من الحرب، فلا تُختزل مسؤوليتها في غيابها عن طاولة، بل في قدرتها على كشف الزيف، والإصرار على المعنى.
ولهذا، فإن اختزال مشهد لندن في غياب ما يُسمّى بـ«أطراف النزاع» ليس سوى تبسيطٍ مخادعٍ لمأساةٍ معقّدة، لا يعوزها الحوار، بقدر ما يعوزها الصدق.
البيان المشترك الذي صدر لم يكن بيان تسوية، بل بيان نفي: نفي لإمكانية استمرار الحرب بلا مساءلة. نفي لفكرة أن السودان شأن داخلي بينما يتم نهبه بالسلاح وبالسكوت. نفي لسردية البرهان الذي يريد رسم حدود السيادة على جثث المدن المدمرة، ولحميدتي الذي يتكلم عن السلام من فوق جماجم الفاشر.
لكن الأهم من كل ذلك: هو نفي للخذلان الجماعي. للمرة الأولى، منذ وقت طويل، قالت أوروبا شيئًا عن السودان لم يكن مجاملة، ولا ترتيبًا لنفوذ، بل إعلان قلق حقيقي.
هل يكفي ذلك؟ قطعًا لا. لكن في زمن صار فيه السكوت هو القاعدة، فالاعتراف، إذًا، هو بداية الطريق.
الدعم المالي الذي أُعلن عنه ليس إنجازًا، لكنه صرخة مضادة للمجاعة، ورسالة بأن من مات لا يمكن أن يُعاد، وأن النجاة الآن لمن لم تُسحق عظامه بعد.
الذين يسخرون من تلك التعهدات، لأن مصدرها «غربي»، يغفلون أن الحروب لا تُوقفها القبلية العاطفية، بل سياسات عالمية تُمسك بخيوط اللعبة.
والهجوم على المؤتمر، بحجة أنه مدفوع الأجر من السفارات، هو في ذاته تكرار بائس لنفس منطق الانبطاح الذي جعل من بيانات الجيش قُرآنًا مُنزلًا، ومن المساعدات الخليجية «حلالًا طيبًا»، بينما صارت أي لفتة أوروبية كفرًا وخيانة.
لقد حاول المؤتمر أن يخلق خطابًا جديدًا: لا ينتمي لخرائط القوى الإقليمية التي تتصارع فوق الجثث، ولا لصفوف النخب التي تكتب بياناتها من المنفى وتنتظر إشارات العواصم.
الخطاب الذي حاول المؤتمر أن يبلوره كان فعلًا مضادًا للصمت، لا بديلاً للثورة، ولا تسوية مع الجنرالات، بل منصة لكشفهم جميعًا.
ولعل ما يُحسب له أنه لم يهادن أحدًا: لا الدعم السريع، ولا الجيش، ولا حتى الدول التي تغذي الحرب سرًا وتُدينها علنًا.
فحين فشلت مصر والإمارات والسعودية في الاتفاق على بيان موحّد، سقط القناع عن فكرة أن الإقليم يمكنه صناعة سلام. لأن الإقليم، ببساطة، هو جزء من آلة الحرب.
الذين دعموا المؤتمر لم يفعلوا ذلك لأنهم يؤمنون بقدرة لندن على إخراج السودان من أزمته، بل لأنهم سئموا من خرافة أن الصمت هو الحل.
هذا المؤتمر لم يكن خيانة، بل فعل مقاومة ضد سردية الاستسلام.
أما الذين ينعقون بوطنية فُصّلت على مقاس العسكر، ويزعمون أن الدعوة لوقف الحرب مؤامرة، فهم ذاتهم الذين هللوا للانقلاب، وباعوا الثورة لحفنة جنرالات مهووسين بالدم والسيطرة.
لسنا في لحظة انتصار، ولسنا في مسرح هزيمة فقط. نحن في منطقة رمادية، فيها الكارثة تُعيد إنتاج نفسها كل صباح، والمستقبل يُصادر من فوق أنقاض الحاضر.
ولكن ما حدث في لندن، رغم كل تعقيداته، هو بمثابة نافذة فُتحت في جدار الصمت.
ليس المطلوب أن نُعلق عليها كل آمالنا، بل أن نُحصنها من التسفيه، ونربطها بحراك حقيقي يعيد تعريف من يتحدث باسم السودان، ولأجل من.
في عالم اختُزل فيه المعنى إلى صورة، وانكمش فيه العمق أمام سرعة البث، لم تعد الحقيقة تملك أثرًا ما لم تُقال بلغة تجرؤ على كسر الابتذال ومقاومة البلادة الأخلاقية.
ومؤتمر لندن، في صورته الأعمق، لم يكن مجرد مبادرة، بل تمردًا رمزيًا على ابتذال الدم السوداني، ورفضًا لأن يتحوّل الفقد إلى خلفية صامتة في مسرح السياسة الدولية.
يبقى القرار الآن في يد من تبقّى من هذا الشعب:
هل يرضى أن يظل مرآةً تعكس صراع الآخرين، أم يجرؤ على رسم خريطة نجاته، لا عبر فوهة البندقية، بل عبر شجاعة أن يقول — لا في لحظة انفجار، بل في لحظة وعي —: كفى.
zoolsaay@yahoo.com