مع قدوم فصل الخريف، ومع إعلان آبل عن سلسلة هواتف آيفون 16 الجديدة، تقدم الشركة وعدا بأن هواتفها ستعرف المستخدم واحتياجاته جيدا، في محاولة لتسويق تقنيات الذكاء الاصطناعي الجديدة التي أعلنت عن قدومها في مؤتمر المطورين السنوي. لكن لأن نهج آبل دائما مختلف، ويركز أكثر على كيفية دمج أي تقنية جديدة داخل أجهزة الشركة مع الحفاظ على الخصوصية، فلم تذكر أن تلك التقنيات هي "ذكاء اصطناعي"، لكن أطلقت عليها اسما تسويقيا مختلفا وهو "ذكاء آبل".

أو بمعنى أبسط قليلا، يمكننا القول إن "ذكاء آبل" ليس "اصطناعيا" كالبقية، ولكنه شخصي ومخصص لما يحتاجه المستخدم، ويحافظ كذلك على خصوصية بياناته، أو هكذا تراه الشركة على الأقل.

ذكاء آبل

لا يعد "ذكاء آبل" مجرد نظام ذكاء اصطناعي آخر، بل تضعه الشركة داخل مجموعة متكاملة من الميزات الجديدة التي تعد بتقديم التخصيص مع التركيز على معايير الخصوصية المرتفعة التي تشتهر بها آبل. وفي الكلمة الافتتاحية لمؤتمر المطورين، كشفت الشركة عن هذه الرؤية، مشددة على الخصوصية والأمان للمستخدمين في مواجهة المخاوف التي غالبا ما ارتبطت بتقنيات الذكاء الاصطناعي مؤخرا.

ستعمل تلك الميزات الجديدة على معالجة الإشعارات وكتابة النصوص وتلخيصها وتنفيذ عمليات مشتركة بين التطبيقات. كما سيصبح المساعد الرقمي "سيري" طبيعيا أكثر في نظام التشغيل "آي أو إس 18″، إذ سيتيح إدخال الكلام والنصوص معا، وسيتعامل مع مهام مثل النصوص المجدولة والمهام التي تظهر على الشاشة، مثل تحسين الصور والتعبئة التلقائية للنماذج بتفاصيل المستخدم الشخصية.

وكذلك ستصبح اقتراحات كتابة الرسائل الإلكترونية وملخصات النصوص على نطاق كامل النظام، وستقدم ميزات جديدة لتوليد الصور، مثل ميزة "جينموجي" (Genmoji) و"ملعب الصور" (Image Playground). وستضيف الشركة إمكانيات بحث محسّنة عن الصور وميزات مشابهة لميزة "ماجيك إيريزر" (Magic Eraser) التي توفرها غوغل.

والمختلف في "ذكاء آبل" أنه يسعى لكسب ود المستخدم، من خلال تجنب استخدام مصطلح "الذكاء الاصطناعي" أصلا في تسويقها لهذه التقنيات، تحاول آبل الابتعاد عن الشبهات السيئة المرتبطة بمشكلات نماذج الذكاء الاصطناعي التوليدي التي تواجهها الشركات الأخرى فعلا، وربما أهمها عملية جمع البيانات بصورة عشوائية.

وفي هذا السياق، ذكر غادجو سيفيلا، كبير محللي شركة "إي ماركيتير" المتخصصة في أبحاث السوق، وفقا لموقع فوكس "تخصيص الذكاء الاصطناعي هو الإستراتيجية التي تتبعها شركة آبل. لأن إدراك الشركة لمجال التكنولوجيا الاستهلاكية وكيفية تفاعل المستخدمين مع أجهزتها يمنحها الأفضلية مقارنة بتطبيقات وخدمات الذكاء الاصطناعي المستقلة التي تعتبر الخصوصية فكرة ثانوية".

لذا، فإن التسويق للحفاظ على الخصوصية هو ما سينجّح إستراتيجية تخصيص الذكاء الاصطناعي التي تتبعها آبل، كما يشير تقرير فوكس. ففي الواقع، التخصيص هو إحدى المزايا المهمة لتقنيات الذكاء الاصطناعي، فإذا عرف النموذج احتياجات المستخدم جيدا، يمكنه أن يتوقع ما يرغب فيه ويسهل حياته أكثر.

مع إعلان آبل عن سلسلة هواتف آيفون 16 الجديدة، تقدم الشركة وعدًا بأن هواتفها ستعرف المستخدم واحتياجاته جيدا (أسوشيتد برس) المعالجة داخل الجهاز

ذكرت الشركة أنها صممت ميزات الذكاء الاصطناعي الجديدة الخاصة بها لتنفيذ مهام معقدة على أجهزتها، وفي الوقت نفسه تحمي بيانات المستخدم، إذ أوضحت آبل أن عمليات المعالجة ستحدث داخل الجهاز نفسه لضمان الحفاظ على الخصوصية، مما يتطلب شريحة معالجة "إيه 17 برو" أو شريحة من سلسلة معالجات "إم".

وفكرة المعالجة داخل الجهاز في "ذكاء آبل" هو أساس وعدها بالحفاظ على خصوصية المستخدم، كما أكد كريغ فيدريغي، نائب الرئيس الأول لهندسة البرمجيات في آبل، "لا ينبغي عليك تسليم جميع تفاصيل حياتك لتُخزن وتُحلل في سحابة ذكاء اصطناعي تخص شخصا آخر".

على عكس المنافسين، مثل غوغل وأوبن إيه آي، الذين يعتمدون على كميات هائلة من البيانات المجمعة المخزنة على خوادم خارجية، تؤكد آبل أن معظم عمليات المعالجة للذكاء الاصطناعي ستحدث داخل جهاز المستخدم نفسه. وللمهام التي تتطلب قدرات معالجة أكبر وعند الحاجة إلى الوصول إلى الحوسبة السحابية، تقدم آبل ميزة "السحابة الخاصة" مما يضمن عدم تخزين البيانات على خوادم الشركة، وستجري عمليات تحقق مستقلة من خبراء للتأكد من ادعاءات الشركة المتعلقة بخصوصية البيانات، وبهذا تظل البيانات مشفرة وتُحذف بعد الانتهاء من المهمة، مما يقلل من مخاطر الخصوصية.

تجربة المستخدم

كذلك التركيز هنا على نطاق وحجم نماذج الذكاء الاصطناعي، غالبا تركز الشركات الأخرى على جمع أكبر كمية من البيانات والمعلومات لتدريب نماذج لغوية ضخمة للغاية، لأن هذا ما يجعل روبوتات المحادثة مفيدة في الأساس.

أما النهج الذي تتبعه آبل، فهو أكثر واقعية قليلا، وهو التركيز على مهام صغيرة يمكن تنفيذها على الجهاز نفسه وتستهدف بها مساعدة المستخدم في أداء المهام اليومية على أجهزته، وهو أمر ليس بجديد على آبل، فإحدى نقاط قوتها في مجال التكنولوجيا الاستهلاكية هو التركيز على تجربة المستخدم في المقام الأول، وتحويلها لتجربة سهلة دون عقبات أو صعوبات تقنية. كما ذكر جين مونستر، الشريك الإداري في شركة ديب ووتر لإدارة الأصول، أن الميزة فيما تقدمه آبل هي سهولة التكامل مع "شات جي بي تي"، وذكر وفقا لرويترز "إنهم يتخلصون فعلا من العقبات التي تحول دون استخدام الذكاء الاصطناعي".

وأساس هذا النهج الذي تتبعه آبل هو تطوير نماذج ذكاء اصطناعي أصغر حجما، تدربها الشركة على مجموعة بيانات خاصة بالمهام التي يحتاجها مستخدمو أنظمة تشغيل أجهزتها.

لذا، فإن "ذكاء آبل" هو ذكاء تسويقي هذا من ناحية، ولكن الشركة تفضل دمج تقنيات الذكاء الاصطناعي بسلاسة داخل أنظمة تشغيل أجهزتها من ناحية أخرى، ولهذا لا تهتم إن كان المستخدم يعرف أصلا كيف تعمل هذه التقنيات أو لا يعرف، المهم أن يستخدمها ببساطة وسهولة، وهذا تحديدا ما تسوق له آبل دائما في مختلف أجهزتها.

لكن تلك النماذج الصغيرة لا تصلح لكافة المهام بالتأكيد، لذا قررت الشركة التوجه للشراكة مع أوبن إيه آي والاستعانة بروبوت المحادثة الأشهر حاليا "شات جي بي تي"، فعندما لا يستطيع المساعد الرقمي "سيري" تنفيذ طلب المستخدم سيلجأ إلى "شات جي بي تي". لكن حين يحدث هذا، تذكر آبل أنه سيطلب إذن المستخدم أولا، وربما بهذا تحاول الشركة التخلص من تحمل مسؤولية الخصوصية عند التعامل مع أطراف خارجية.

لكن يظل السؤال قائما هل تنجح إستراتيجية آبل التسويقية في إعادة تعريف تقنيات الذكاء الاصطناعي فعلا؟ علينا الانتظار حتى الخريف القادم لنرى ردود الفعل عند صدور "ذكاء آبل" رسميا داخل أنظمة تشغيل أجهزتها المختلفة.

المصدر: الجزيرة

كلمات دلالية: حراك الجامعات حريات الذکاء الاصطناعی ذکاء اصطناعی على الخصوصیة ذکاء آبل

إقرأ أيضاً:

3 اكتشافات تمت بفضل الذكاء الاصطناعي في 2024

وفي السطور التالية نرصد أبرز تلك الاكتشافات: مخطوطات هيركولانيوم تمكن ثلاثة من الباحثين من من الكشف عن محتوى مخطوطات هيركولانيوم المتفحمة والتي لم تكن قابلة للقراءة، بفضل أدوات الذكاء الاصطناعي.

وكانت هذه المخطوطات الهشة عُرضة للتفتت، كما أن لونها الأسود جعل من الصعب قراءة أي كتابات عليها، ولكن بفضل الذكاء الاصطناعي والأشعة السينية عالية الدقة، تم فك شفرة أكثر من 2000 حرف داخل المخطوطات.

وكان هذا الإنجاز كشف عن أول مقاطع كاملة من البرديات التي نجت من ثوران جبل فيزوف في عام 79 بعد الميلاد، ضمن بعض القطع الأثرية المتعلقة بروما القديمة واليونان، التي تم إنقاذها مما يُعتقد أنه منزل والد زوجة يوليوس قيصر.

وعن الطريقة التي تم بها فك رموز الكتابة، قال أستاذ علوم الكمبيوتر في جامعة كنتاكي والذي يعمل على فك شفرة المخطوطات منذ أكثر من عقد من الزمان، برنت سيلز، إن الكتابة تكون موجودة في المخطوطات ولكنها تكون مدفونة ومموهة في الورق.

ومن خلال الذكاء الاصطناعي يتم تكثيف هذه الكتابة وتضخيم قابلية قراءة الحبر، وفق سيلز.

التعرف على لغة الحيتان توصل العلماء من قبل إلى أن الأصوات التي تنتجها حيتان العنبر تختلف في طولها الموجي وإيقاعها، ولكن دلالة هذه اللغة ظلت لغزًا محيرًا بالنسبة للعلماء.

ولكن الذكاء الاصطناعي ساعد على تحليل نحو 9000 تسلسل نقرات مسجلة، تسمى الكودات، والتي تمثل أصوات حوالي 60 حوتًا من حيتان العنبر في البحر الكاريبي.

وسمح هذا التقدم في جعل لغة الحيتان قابلة في يومًا ما للتفسير بجانب بعض الحيوانات الأخرى.

وفي التجربة، قام العلماء برصد نهاية أصوات الحيتان، وخلال تبادل النداء، وكذلك الاستجابات بين الكائنات البحرية العملاقة.

ومن خلال عرض تلك الأصوات على أدوات الذكاء الاصطناعي، نتجت أنماط مقطعية أشبه بالأصوات التي ينتجها البشر.

واكتشفت البرامج 18 نوعًا من الإيقاع (تسلسل الفواصل الزمنية بين النقرات)، وخمسة أنواع من السرعة (مدة الكودا بأكملها)، وثلاثة أنواع من الروباتو (الاختلافات في المدة)، ونوعين من الزخارف “نقرة إضافية” تمت إضافتها في نهاية الكودا في مجموعة من الكودات الأقصر.

ويسعى العلماء في المراحل المقبلة لإجراء اختبارات تفاعلية مع الحيتان مع مراقبة سلوكها، بما يفتح الباب لفهم لغتها بشكل كامل.

كشف المواقع الأثرية على غرار المخطوطات الورقية، يعمل الذكاء الاصطناعي حاليًا على كشف المواقع الأثرية والرموز الغامضة المدفونة تحت الأرض في صحراء نازكا في بيرو.

وقديمًا، قضى العلماء ما يقرب من نصف قرن في الكشف عن تلك الآثار وتوثيقها. وغالبًا ما تكون الصور التوضيحية الممتدة، والتي لا يمكن رؤيتها إلا من الأعلى، تصور تصميمات هندسية وأشكال تشبه البشر وحتى حوت قاتل يحمل سكينًا.

وقام العماء بقيادة ماساتو ساكاي، أستاذ علم الآثار في جامعة ياماغاتا اليابانية، بتدريب نموذج الذكاء الاصطناعي لاكتشاف نحو 430 رمزًا من خلال التقاط صور عالية الدقة لها.

وخلال الفترة بين سبتمبر 2022 وفبراير 2023، بدأ الفريق في التأكد من صحة هذه الرموز عن طريق مسح شامل لصحراء نازكا من خلال الطائرات بدون طيار. ونجح العلماء في إثبات صحة نحو 303 من الرسوم الجيوجليفية التصويرية، مما أدى إلى مضاعفة عدد الرسوم الجيوجليفية المعروفة تقريبًا في غضون أشهر

مقالات مشابهة

  • هنا تُصَنَّع عدادات الكهرباء الذكية.. جولة داخل الشركة العربية العالمية للبصريات
  • تحديات تواجه اللغة العربية في عصر الذكاء الاصطناعي.. قراءة
  • راغب علامة ضحية الذكاء الاصطناعي.. وزوجته تدافع عنه: "عيب"
  • قيمة أبل تقارب 4 تريليونات دولار بفضل الذكاء الاصطناعي
  • مترجمون يناقشون مستقبل الترجمة في عصر الذكاء الاصطناعي
  • 3 اكتشافات تمت بفضل الذكاء الاصطناعي في 2024
  • الشيف ChatGPT..وصفات من الذكاء الاصطناعي
  • د. ندى عصام تكتب: العبادات في عصر الذكاء الاصطناعي
  • موظفو البنوك.. أين أنتم من الذكاء الاصطناعي؟
  • الذكاء الاصطناعي يختار الملاعب الأكثر رعبا في العالم