أسبلت عيناي معا وأنا أقرأ قصيدة الجليلة بنت مرة، التي نثرت من خلالها ذات صدرها إثر ذياك الخطب الفاجع الذي أصمى قلبها حزنا على بعلها المقتول، وأدماه أسى على أخيها القاتل!
كنت أتملى -من وراء سجف الغيب- ملامح الغصة وندوب اللوعة، تنقلها بلاغة التصوير المؤثر، التي تمشت في الأبيات من مطلعها إلى رويها الأخير!
وقد استأثرت -دون الجليلة- بإدراك شيء فاتها، ولم يكن لديها فائض وقت لملاحظته، ولا متسع بال لإدراكه.
فقد فصلت "فنيته" على مقاس "الحالة الشعورية"؛ بحيث يجد المتلقي نفسه مدينا لـ"اللحظة النفسية" الموحية، قبل "القريحة الفنية" السحاء. ولو لم يكن للجليلة من الشعر غير مشجاتها -في بكاء كليب- لكفتها، وأغنتها؛ فهي -على الحقيقة- "ديوان شعر مضغوط"، آية إلهامه صدق "التصوير النفسي"!
وقد سال بوح الجليلة نثرا، قبل أن يتدفق شعرا. ولعل أول قطرات ذلك البوح قولها -وقد استقبلها أبوها مرة بن ذهل يستخبرها: "ما وراءك يا جليلة؟". لتجيبه:
– "ثُكل العدد، وحزن الأبد، فقد حليل، وقتل أخٍ عما قليل"!
وكان يمكنها أن تقول: قتل حليل، وفقد أخ عما قليل، لكنه بوح حاك في وجدانها وجرى على لسانها، وهي أدرى بمرادها!
ولما بلغها أن أختا لكليب وصفت خروجها بأنه "رحلة المعتدي، وفراق الشامت"، ارفضت لوعة وتصببت لذعة، وقالت: "وهل تشمت الحرة بهتك سترها، وترقب وترها؟!. أسعد الله جد أختي؛ أفلا قالت: نفرة الحياء، وخوف الاعتداء". ثم لاذت بركن الشعر، وأنشدت:
يَا ابْنَةَ الأَقْوَامِ إِنْ شِئْتِ فَلا
تَعْجَلِي بِاللَّوْمِ حَتَّى تَسْأَلِي
فَإِذَا أَنْتِ تَبَيَّنْتِ الَّذِي
يُوجِبُ اللَّوْمَ فَلُومِي واعْذُلِي
إِنْ تَكُنْ أُخْتُ امْرِئٍ لِيمَتْ على
شَفَقٍ مِنْهَا عَلَيْهِ فَافْعَلِي
جَلَّ عِنْدِي فِعْلُ جَسَّاسٍ فَيَا
حَسْرَتِي عَمَّا انْجَلَتْ أَوْ تَنْجَلِي
فِعْلُ جَسَّاسٍ عَلَى وَجْدِي بِهِ
قَاطِعٌ ظَهْرِي وَمُدْنٍ أَجَلِي
لَوْ بِعَيْنٍ فُقِئَتْ عَيْنِي سِوَى
أُخْتِهَا فَانْفَقَأَتْ لَمْ أَحْفِلِ
تَحْمِلُ العَيْنُ قَذَى العَيْنِ كَمَا
تَحْمِلُ الأُمُّ أذَىَ مَا تَفْتَلِي
يَا قَتِيلاً قَوَّضَ الدَّهْرُ بِهِ
سَقْفَ بَيْتَيَّ جَمِيعًا مِنْ عَلِ
هَدَمَ البَيْتَ الَّذِي اسْتَحْدَثْتُهُ
وَانْثَنَى فِي هَدْمِ بَيْتِي الأَوَّلِ
وَرَمَانِي قَتْلُهُ مِنْ كَثَبٍ
رَمْيَةَ المُصْمِي بِهِ المُسْتَأْصِلِ
يَا نِسَائِي دُونَكُنَّ اليَوْمَ قَدْ
خَصَّنِي الدَّهْرُ بِرُزْءٍ مُعْضِلِ
خَصَّنِي قَتْلُ كُلَيْبٍ بِلَظًى
مِنْ وَرَائِي وَلَظًى مُسْتَقْبِلِي
لَيْسَ مَنْ يَبْكِي لِيَوْمَيْنِ كَمَنْ
إِنَّمَا يَبْكِي لِيَوْمٍ يَنْجَلِي
يَشْتَفِي المُدْرِكُ بِالثَّأْرِ وَفِي
دَرَكِي ثَأْرِيَ ثُكْلُ المُثْكِلِ
لَيْتَهُ كَانَ دَمِي فَاحْتَلَبُوا
بَدَلاً مِنْهُ دَمًا مِنْ أَكْحَلِي
إِنَّنِي قَاتِلَةٌ مَقْتُولَةٌ
وَلَعَلَّ اللَّهَ أَنْ يَرْتَاحَ لِي
وللعين في أبيات القصيدة سبح بكاء طويل!
المصدر: الجزيرة
كلمات دلالية: حراك الجامعات حريات
إقرأ أيضاً:
تعرف على ابتهال أبو سعد المهندسة التي هاجمت مايكروسوفت
ضجت منصات التواصل الاجتماعي بمشهد المهندسة العربية التي هاجمت شركة "مايكروسوفت" على الملاً، بسبب تواطؤ الشركة مع الاحتلال الإسرائيلي في العدوان على غزة.
وبحسب ما أوردته الجزيرة، فإن الشابة هي ابتهال أبو سعد مهندسة ومبرمجة مغربية وُلدت عام 1999، وتخرجت في جامعة هارفارد الأميركية. تخصصت في الذكاء الاصطناعي، وعملت لدى شركة مايكروسوفت العالمية.
وُلدت ابتهال أبو سعد عام 1999 في العاصمة المغربية الرباط، وفيها درست وحصلت على الثانوية العامة في تخصص العلوم الرياضية من ثانوية مولاي يوسف عام 2017، وبعدها حصلت على منحة للدراسة في جامعة هارفارد.
وشاركت ابتهال ،صيف 2016، في برنامج "تيك غيرلز" (TechGirls)، وهو برنامج تبادل صيفي أكاديمي يرعاه ويموله مكتب الشؤون التعليمية والثقافية التابع لوزارة الخارجية الأميركية.
ووصفت ابتهال البرنامج بأنه "تجربة غيرت حياتها ومكنتها من خبرات عبر زيارة شركات للتكنولوجيا ومختبرات للهندسة في الولايات المتحدة ولقاء بعض رواد التكنولوجيا في العالم".
ةبينت أنها استفادت من "مهارات تعمل على توظيفها في تغيير واقع المعرفة التكنولوجية في بيئتها"، وأنها "استفادت من التبادل الثقافي مع فتيات من جنسيات أخرى".
© 2000 - 2025 البوابة (www.albawaba.com)
قانوني وكاتب حاصل على درجة البكالوريوس في الحقوق، وأحضر حالياً لدرجة الماجستير في القانون الجزائي، انضممت لأسرة البوابة عام 2023 حيث أعمل كمحرر مختص بتغطية الشؤون المحلية والإقليمية والدولية.
الأحدثترنداشترك في النشرة الإخبارية لدينا للحصول على تحديثات حصرية والمحتوى المحسن
اقرأ ايضاًاشترك الآن