الجزيرة:
2024-11-18@08:49:22 GMT

الجليلة وأنّتها الشعرية!

تاريخ النشر: 15th, July 2024 GMT

الجليلة وأنّتها الشعرية!

أسبلت عيناي معا وأنا أقرأ قصيدة الجليلة بنت مرة، التي نثرت من خلالها ذات صدرها إثر ذياك الخطب الفاجع الذي أصمى قلبها حزنا على بعلها المقتول، وأدماه أسى على أخيها القاتل!

كنت أتملى -من وراء سجف الغيب- ملامح الغصة وندوب اللوعة، تنقلها بلاغة التصوير المؤثر، التي تمشت في الأبيات من مطلعها إلى رويها الأخير!

وقد استأثرت -دون الجليلة- بإدراك شيء فاتها، ولم يكن لديها فائض وقت لملاحظته، ولا متسع بال لإدراكه.

ذلكم بأنها كانت مشغولة "بالصدمة النفسية" الحرى التي صعقتها، فزعزعت استقرارها وزلزلت كيانها. وما كان لها أن تتجاوز غمها المسيطر، لتلاحظ -وتدرك- معي أن أقسى ما في المشهد الشعري -عند وضع الأبيات على مائدة النقد الأدبي- أن حرارته التعبيرية من حرارته العاطفية درجة بدرجة.

فقد فصلت "فنيته" على مقاس "الحالة الشعورية"؛ بحيث يجد المتلقي نفسه مدينا لـ"اللحظة النفسية" الموحية، قبل "القريحة الفنية" السحاء. ولو لم يكن للجليلة من الشعر غير مشجاتها -في بكاء كليب- لكفتها، وأغنتها؛ فهي -على الحقيقة- "ديوان شعر مضغوط"، آية إلهامه صدق "التصوير النفسي"!

وقد سال بوح الجليلة نثرا، قبل أن يتدفق شعرا. ولعل أول قطرات ذلك البوح قولها -وقد استقبلها أبوها مرة بن ذهل يستخبرها: "ما وراءك يا جليلة؟". لتجيبه:

– "ثُكل العدد، وحزن الأبد، فقد حليل، وقتل أخٍ عما قليل"!

وكان يمكنها أن تقول: قتل حليل، وفقد أخ عما قليل، لكنه بوح حاك في وجدانها وجرى على لسانها، وهي أدرى بمرادها!

ولما بلغها أن أختا لكليب وصفت خروجها بأنه "رحلة المعتدي، وفراق الشامت"، ارفضت لوعة وتصببت لذعة، وقالت: "وهل تشمت الحرة بهتك سترها، وترقب وترها؟!. أسعد الله جد أختي؛ أفلا قالت: نفرة الحياء، وخوف الاعتداء". ثم لاذت بركن الشعر، وأنشدت:

يَا ابْنَةَ الأَقْوَامِ إِنْ شِئْتِ فَلا

تَعْجَلِي بِاللَّوْمِ حَتَّى تَسْأَلِي

فَإِذَا أَنْتِ تَبَيَّنْتِ الَّذِي

يُوجِبُ اللَّوْمَ فَلُومِي واعْذُلِي

إِنْ تَكُنْ أُخْتُ امْرِئٍ لِيمَتْ على

شَفَقٍ مِنْهَا عَلَيْهِ فَافْعَلِي

جَلَّ عِنْدِي فِعْلُ جَسَّاسٍ فَيَا

حَسْرَتِي عَمَّا انْجَلَتْ أَوْ تَنْجَلِي

فِعْلُ جَسَّاسٍ عَلَى وَجْدِي بِهِ

قَاطِعٌ ظَهْرِي وَمُدْنٍ أَجَلِي

لَوْ بِعَيْنٍ فُقِئَتْ عَيْنِي سِوَى

أُخْتِهَا فَانْفَقَأَتْ لَمْ أَحْفِلِ

تَحْمِلُ العَيْنُ قَذَى العَيْنِ كَمَا

تَحْمِلُ الأُمُّ أذَىَ مَا تَفْتَلِي

يَا قَتِيلاً قَوَّضَ الدَّهْرُ بِهِ

سَقْفَ بَيْتَيَّ جَمِيعًا مِنْ عَلِ

هَدَمَ البَيْتَ الَّذِي اسْتَحْدَثْتُهُ

وَانْثَنَى فِي هَدْمِ بَيْتِي الأَوَّلِ

وَرَمَانِي قَتْلُهُ مِنْ كَثَبٍ

رَمْيَةَ المُصْمِي بِهِ المُسْتَأْصِلِ

يَا نِسَائِي دُونَكُنَّ اليَوْمَ قَدْ

خَصَّنِي الدَّهْرُ بِرُزْءٍ مُعْضِلِ

خَصَّنِي قَتْلُ كُلَيْبٍ بِلَظًى

مِنْ وَرَائِي وَلَظًى مُسْتَقْبِلِي

لَيْسَ مَنْ يَبْكِي لِيَوْمَيْنِ كَمَنْ

إِنَّمَا يَبْكِي لِيَوْمٍ يَنْجَلِي

يَشْتَفِي المُدْرِكُ بِالثَّأْرِ وَفِي

دَرَكِي ثَأْرِيَ ثُكْلُ المُثْكِلِ

لَيْتَهُ كَانَ دَمِي فَاحْتَلَبُوا

بَدَلاً مِنْهُ دَمًا مِنْ أَكْحَلِي

إِنَّنِي قَاتِلَةٌ مَقْتُولَةٌ

وَلَعَلَّ اللَّهَ أَنْ يَرْتَاحَ لِي

وللعين في أبيات القصيدة سبح بكاء طويل!

المصدر: الجزيرة

كلمات دلالية: حراك الجامعات حريات

إقرأ أيضاً:

الكشف عن الأسباب الجيولوجية التي تسببت في الانهيارات الصخرية الأخيرة في المحويت (وثائق)

الكشف عن الأسباب الجيولوجية التي تسببت في الانهيارات الصخرية الأخيرة في المحويت (وثائق)

مقالات مشابهة

  • الكشف عن الأسباب الجيولوجية التي تسببت في الانهيارات الصخرية الأخيرة في المحويت (وثائق)
  • ما هي الأعمال التي تجعلنا نرى رسول الله في الجنة؟
  • لذيذة وشهية.. طريقة عمل شوربة الشعرية بالخضار
  • غناء أحلام للسيدة الجليلة عهد البوسعيدية بدار الأوبرا السلطانية ..فيديو
  • وزارة الرياضة تعلن عن تنظيم ملتقى توظيف مصر بمركز شباب باب الشعرية
  • وزارة الرياضة تعلن عن ملتقى " توظيف مصر" بمركز شباب باب الشعرية
  • المشدد 3 سنوات لعامل أصاب ربة منزل بعاهة مستديمة في باب الشعرية
  • اللغة التي يفهمها ترامب
  • ما مصادر التمويل التي ستوفرها قمة المناخ "كوب 29"؟
  • عرض فيلم «غزة التي تطل على البحر» في مهرجان القاهرة السينمائي اليوم