سودانايل:
2024-08-28@07:51:57 GMT

هل اقترب السلام؟

تاريخ النشر: 15th, July 2024 GMT

المقال الاسبوعي بصحيفة الشرق الأوسط
فيصل محمد صالح

لم تتوقف رغبات وأماني الشَّعب السوداني في وقف الحرب في التعبير عن نفسها بالوسائل كلها، مع أنها ظلت أمنيات معلقة في السماء، لكنها وجدت في الأسبوع الماضي بعض المؤشرات التي قد تؤدي لتحقيق هذه الأمنيات. فقد تكاثرت الزيارات واللقاءات في العاصمة المؤقتة بورتسودان من مسؤولين أجانب، كما نشطت اللقاءات السودانية - السودانية خارج السودان، وتغيرت لهجة كثير من أنصار استمرار الحرب لتظهر دعوات السلام والمصالحة، وإن بشكل خجول.



في خلال الأسبوع الماضي استضافت القاهرة لقاء بين القوى السياسية المدنية، جمع للمرة الأولى ممثلي تنسيقية القوى الديمقراطية المدنية (تقدم)، وهي الكتلة المدنية الأكبر التي تضم معارضي الحرب، مع الكتلة الديمقراطية المساندة للفريق البرهان والجيش، بجانب بعض المجموعات الأخرى وبعض السياسيين المستقلين. ولم تكن النقطة الجوهرية في هذا اللقاء هي لقاء الغريمَين السودانيَّين، بقدر ما يعكسه ذلك من تحول في الموقف المصري من أحداث السودان منذ اندلاع الانتفاضة الشَّعبية التي أسقطت النظام السابق، مروراً بكل أحداث المرحلة الانتقالية وانقلاب 25 أكتوبر (تشرين الأول) 2021، وحتى اندلاع الحرب في 15 أبريل (نيسان) 2023. كان الرهان المصري على قائد الجيش، الفريق البرهان، كبيراً جدّاً، وربما كان هناك تطلع لتكرار التجربة المصرية بعد ثورة 25 يناير (كانون الثاني) 2011، في السودان، لهذا استمرَّ الدعم المصري للبرهان وقيادة الجيش في المراحل كلها، حتى الأشهر الأولى من الحرب. ونتيجة لهذا المسار فقد تباعدت خطى مصر الرسمية عن الكتلة المدنية لفترة طويلة، بينما تبنت مصر الكتلة الديمقراطية التي تضم الحركات المسلحة الممثلة في الحكومة، وبعض زعماء القبائل والأحزاب الصغيرة. لكن بدا واضحاً الآن أن مصر على قناعة بأن هذه الحرب لن تنتهي بانتصار، وأن الرهان على البرهان وحده لن يؤدي إلى نتيجة، كما أن نتائج المعارك الحالية تقدم صورة قاتمة لموقف الجيش ومستقبل الأوضاع في السودان، ولذلك فإن أهم مخرجات مؤتمر القاهرة كان الدعوة لوقف الحرب بشكل فوري، والاتجاه لفتح أبواب الحوار بين القوى السياسية المدنية؛ للوصول لتصور لمستقبل البلاد مرحلة ما بعد الحرب.

في الأسبوع نفسه زار رئيس وزراء إثيوبيا آبي أحمد بورتسودان للقاء الرئيس البرهان، حاملاً أفكاراً جديدة من الاتحاد الأفريقي ومنظمة «الإيغاد» لوقف الحرب في السودان. ورغم أن آبي أحمد لم يقدم تفاصيل حول المبادرة، فإن التحركات الأفريقية الأخيرة كلها تسير في الاتجاه نفسه، وربما تقود لإنجاح مساعي لقاء البرهان - حميدتي. كما زار بورتسودان نائب وزير الخارجية السعودي الذي حمل دعوة لقيادة الجيش لاستئناف المفاوضات في منبر جدة، المتوقفة منذ ثمانية أشهر.

في الأسبوع نفسه، انعقد اجتماع تحضيري في أديس أبابا بدعوة من الاتحاد الأفريقي، شارك فيه ممثلون لبعض القوى السياسية والقبائل والمجتمع المدني، بينما قاطعته «تقدم» ومعظم القوى المعارضة. ورغم أنه صار حواراً مع النفس، بحسب مواقف المشاركين، فإنه يدخل أيضاً في حسابات تصاعد الحراك المؤدي لوقف الحرب. وتكاثرت أيضاً التصريحات التي تدعو للسلام ووقف الحرب من كثير من القوى السياسية والشخصيات التي عُرفت بموقف متشدد يطالب باستمرار الحرب حتى القضاء على «الدعم السريع».

تَوافقَ ذلك كله مع حالة إنهاك واضحة لطرفَي الحرب، وموقف الجيش الميداني معروف ومكشوف، لكن حتى «قوات الدعم السريع»، التي تحقق تقدماً في الميدان تصبح كل منطقة جديدة تقع تحت سيطرتها عبئاً كبيراً عليها، تفشل في إدارتها وتعجز عن توفير متطلبات الحياة لساكنيها ولقواتها التي صارت منتشرة في رقعة جغرافية واسعة يصعب الاستمرار في دعمها وتموينها باحتياجاتها.

هناك بالتأكيد تصريحات متشددة تظهر من القيادات العسكرية، مثل تصريحات الفريق البرهان في مدينة عطبرة قبل يومين، التي قال فيها إنه لن يكون هناك سلام أو مفاوضات في جدة أو سويسرا. لكن في اليوم نفسه الذي كان يصرح فيه بذلك كان وفد يمثل الحكومة يوجد في جنيف لمفاوضات تنظمها الأمم المتحدة لطرفَي الحرب؛ لتسهيل وصول المساعدات الإنسانية.

هناك طريق شاق ينبغي أن يتم قطعه، ومراحل صعبة وعقبات كثيرة، وانقسامات وتناقضات ستظهر داخل كل طرف من طرفَي الحرب، كما ستظهر تناقضات المصالح الإقليمية والدولية وانعكاساتها على المواقف المختلفة، لكن يجب اعتبار ذلك كله من العقبات والصعوبات المتوقعة، وهو الثمن الصعب للسلام، لكنه على كل حال أقل تكلفة من ثمن الحرب

   

المصدر: سودانايل

كلمات دلالية: القوى السیاسیة

إقرأ أيضاً:

حربُ وحائطُ مبكى مدني

وجدي كامل

نحن امام ثلة عسكرية لصوصية حاكمة دون غطاء شرعي، ونحن امام تنظيم مهيمن على مقدرات وثروات عبر، وفيما تبقى من مؤسسات دولة من المتأسلمين الاشرار، والمليشيات المتفلتة في نزوع شرس لحرق الارض ومن فيها من بشر واشياء.
نحن ازاء كارثة انسانية باكثر من وجه وذيل تتطلب عملا ضخما من اعادة التأهيل لفكر حل الازمات ومواجهة الحقائق الطاحنة بما سببته الحرب من معاناة وكدر لغالبية اهل السودان دونما ذنب جنوه سوى انهم ثاروا في وجه الظلم والكيد لهم باسم الدين لقرابة الثلاثين عاما. ولا جديد سيقال اذا ما تم وصف ان التنظيم الاسلاموي واعوانه من العسكريين السماسرة هم من اشعل الحرب خشية لانفسهم من العقوبات والتجريد القانوني من نهب اجروه، وسرقة ارتكبوها وما مارسوه من عناد لتطبيق مخرجات الاتفاقيات من جدة والمنامة الى عدم المشاركة في مباحثات جنيف.
تمضي الى العامين هذه الحرب، واوارها يشتد وخرابها يتراكم بآليات لا ترحم. كل ذلك يحتم عملا نوعيا من القوى المدنية المنظمة وغير المنظمة تتجاوز فيه نفسها ومحاولاتها المحدودة للحيلولة دون استمرار الحرب. فما عادت حلول وافكار المقاومة السياسية التقليدية المبذولة، القائمة بقادرة على احراز اي نتائج فورية فعالة لحل المعادلة اللئيمة، والواقع المائل الماثل على الارض.
السودانيون ذوي التخصص والكفاءة في علم فض النزاعات وحل الازمات كثر، ونشهد لهم في اروقة الهيئات والمنظات الدولية ادوارا لا تخطئها العين ولكنهم وللاسف لا يمثلون في تنظيمات القوى المدنية السياسية النشطة في معارضة الحرب والعمل لاجل ايقافها.
عدم تمثيل هذه الشريحة الهامة المتخصصة في العمل الذهني الدقيق لمثل هذه المشكلات يعكس تراثا من النقائص والعيوب في عمل القوى السياسية المدنية عبر التاريخ لحل معضلات السياسات العامة بالسودان. فهؤلاء هم الاقدر بصفة تتفوق على السياسيين العاديين، المنظمين المنخرطين في المنظمات والاحزاب، وعلى هاتين الاخيرتين وعى الدرس التاريخي والانفتاح على هذه الشريحة التى نطالع مقالاتها واوراقها ونتعرف على مشاركاتها في الفضاءات الاسفيرية بالندوات والسمنارات المقامة اثناء الحرب وعلى هذه الايام.
بدون اشراك هؤلاء لابتكار مقاومة بأفكار جريئة جديدة يشارك في انتاجها كذلك كل الناس المكتويين بنار الفقد والخسارات الفادحة ستبقى الاشياء على تداع مستمر اكثر مما هى عليه الآن، وستتسع دوائر الفاقة، والعوز، والمرض، والجوع، وسيطول النزوح من الديار والبقاء في انتظار مفتوح لقادم لن يأتي ابدا. فالقادم الاقرب هو الشبح المقسم للبلاد والمفتت لوجودها.
تعميق الاحساس بالمسؤولية، واتحادنا وتكافلنا كضحايا لهذه الحرب وتحسين المحتوى الاعلامي، وترقيته اخلاقيا في منصات التواصل ياتي في مقدمة اسباب العثور على الافكار المحررة بعد ان صارت المنصات دار حرب اخرى ومكبا لسائر الافكار المضادة لايقافها.
المجتمع الدولي والاقليمي بدوله،وحكوماته، ومنظماته لن يتمكن من ابتكار طوق او طرق لنجاتنا، وان اتصفت مبادراته بحسن النوايا، هذا ان لم نقل انه لا يخلو من لاعبين مشاركين منه في الحرب الدائرة واصحاب مصلحة في استمرارها بشكل او آخر. نحن من نصنع الحلول, وان صعبت ولكن بوضع التفكير لضخامة الدور الخارجي الدولي والاقليمي.
آفة هذه الفتنة يمكن تلخيصها في ان كل منا، افرادا وجماعات ، وتنظيمات سياسية، ومنظمات، ومهما جمعتها من روابط الا انها تتحدث الى حائط مبكاها الخاص، وتضع القصاصات الورقية لشكاويها بين شقوقه لعناية مجهول.

wagdik@yahoo.com  

مقالات مشابهة

  • من جدّة عبر المنامة إلى جنيف: الجنرالان والتمادي في إهدارِ فرصِ السلام
  • القوى والواجهات المدنية للنظام العسكري في السودان (2019-2024): قراءة في معالم المشهد السياسي
  • أحلام مشلولة!!
  • تحالف القوى المدنية يطالب بإنقاذ عاجل للمتضررين من الفيضانات في البحر الأحمر
  • سعي الجيش وقوات الدعم السريع للواجهات المدنية في السودان منذ حكم المجلس العسكري الانتقالي إلى الحرب الأهلية
  • حربُ وحائطُ مبكى مدني
  • إنجاز منبر جنيفا – التحالف من أجل تعزيز السلام
  • البرهان ينتقد مفاوضات جنيف ويتحدث عن “مؤامرة دولية”
  • خالد يوسف: تحقيق السلام لن يحدث دون ضغط شعبي حقيقي
  • قراءة ما وراء حديث البرهان