سودانايل:
2024-09-08@16:11:45 GMT

الملاحة

تاريخ النشر: 15th, July 2024 GMT

mugheira88@gmail.com

قصة قصيرة

المغيرة التجاني علي

أحسست بصدري يعجز عن حمل رئتي الممتلئتين بهواء أوائل الخريف الطلق و الطائرة تهبط في هدوء في مدرج مطار الخرطوم . حاولت قبل النزول أن أحتوي المشهد كله بنظرة واحدة عميقة من أحد نوافذ الطائرة. لم يشغلني الناس المستقبلين و لا أفراد العمل في المطار بأزيائهم المختلفة .

كانت تترآي أمامي فقط وجوه أخواتي و أخواني وأهلي و أبناء عمومتي و أولادهم و أصدقائي . كنت أحاول أيضا أن أضع صورة للذين لم أراهم أو الذين شبوا و كبروا في غيبتي . الشخص الذي أستقبلني كان أحد نسابتي الجدد الذين لم التقيهم قبلا. كان رجلا لطيفا وسيم القسمات . أعجبني اكثر القميص الأبيض نصف كم الذي يرتديه والذي يختلف عن لبس الكثيرين الذين ضجت بهم صالات المطار و الساحة الخارجية . كان المشوار طويلا نسبيا و قد شبت في المناطق الخالية التي آلفتها ,, مباني و عمائر و طرقات . أذكر انني كنت أذهب بذات الطريق الي اقربائي ببصات أبورجيلة المشهورة في رحلة ماتعة لطيفة . تذكرت قريبي الذي كان يعمل كمساريا في البص – ترحمت عليه وقفزت الي ذاكرتي صفوف البص و كراسيه الأنيقة ,, تذكرت أيضا كيف كان الركاب يضعون البطيخ تحت الأرجل ,, البعض يحمل ربطات البرسيم ,, وهم يتصفحون جريدتي الأيام أو الصحافة ويتبادلون الحديث عن الأسعار و الاحتياجات و مشاغل الحياة و يتجادلون في شأن السياسية و الأحزاب و جدلية هلال مريخ المحببة . انهمكت في عناق شديد و دموع و نحيب وأنا بين أحضان اخواتي و أخواني و عماتي و خالاتي و أولادهن . حتي الجيران الذين لا يعرفونني جاءوا ليستقبلوا أخو السريرة و يتعرفوا عليه عن قرب . داهمتني الروائح المحببة المبنعثة من كل مكان في الدار و ما جاوره ,,لحم الضأن المشوي و خمار الكسرة المعتق و البخور و المحريب. تمنيت أن لو آكل وأشرب في لحظة واحدة كلما اشتهيته و افتقدته طوال سني غربتي. تمنيت أن يجيء كل معارفي وأصدقائي و أهلي وأن أعانقهم جميعا و أتعرف علي أحوالهم. قلت لأختي بعد أن هدأت عواطفنا الجياشة : تعرفي يا السريرة أنني جائع و لست في حاجة الي ذبائح ولحوم وغيره . تعرفي تشوقي للكسرة و للمفروكة والملاح الأخضر . غمزت بوجنتها الحبيبة الي قلبي و أشارت بكمشتها الخشبية الي المطبخ – الحلل مليانه بس كيف انت نلقاك و تأكل و تشرب معانا. تعمدت أن أتناول الغداء مع أخواتي بعد أن أذن لي نسابتي واخواني الموجودون في صالون المنزل . توسطت صينية الغداء برندتنا الأليفة المضمخة ببخور التيمان و عطر نوار الليمون المنبعث من الحوش الأمامي . أعرف ذوق أخواتي و يعرفن طبعي الذي لا أظن أنه قد تغير كثيرا. ثلاثة صحون لاغير . الصحن الكبير يحوي الكسرة بالملاح الأخضر , صحن اللحم الشهي الجديد و صحن سلطة الجرجير و الطماطم المرصوصة علي في شكل أهلة علي الحواف . لم أتبين من بين الصحون تلك الإضافة المفاجأة المحببة ,, (الملاحة ). قلت في سري وووواااااو ,,كما يقولها أبناء هذا الجيل الجديد . ملاحة ؟ يا الله ,,, ملاحة ؟. كانت مفاجأة لم أتوقعها ,,, سنوات طويلة مضت و لم تقع في عيني ملاحة . حتي في المطاعم التي قليلا ما ارتادها يكون للملاحة شكل اسطواني مختلف عن ملاحتنا المعهودة .دفعتها أختي أمامي بلطف و هي ترمقني بنظرة حنون . ملاحة جميلة أنيقة . بيضاء بورود علي جانبيها و نقوش بالوان زاهية . في كل كف أو عين كما نسميها نوعان من البهار . الشطة و الفلفل الدقة في عين و في العين الأخرى ملح اسمر مجروش ,,وبينهما برزخ لايلتقيان ,, نظرت اليُ أخواتي جميعهن في لحظة واحدة وقد توهطت عيونهن الحبيبة في رحابة علي صدري . قرأت في عيونهن أمراً . كما لو كان مطلوبا مني أن أجب علي لغز ,, تذكرت بدقة المحب حينها, أن هذه الملاحة تخص أمي فاطمة , رحمها الله, وقد تبقت ضمن ما بقي من حاجياتها العزيزة في البيت . أحسست بيدي تتسمر في أحدي عيني الملاحة كما لو أنها مثبتة بغراء لاصق . لم أستطع أن أحبس دمعة حري نزلت للتو علي طرف قميصي . دمعت عيون أخواتي في ذات اللحظة .حاولنا أن نتماسك جميعنا حتي لا نفسد بهجة هذه الجلسة الجامعة الوسيمة . تعمدت أن أروي حكاية هذه الملاحة لكي لا تظن أخواتي أنني قد نسيت في غربتي ملامح حياتنا الوادعة القديمة في كنف الوالدة . قلت : رحم الله أمي . أذكر أننا قد اشترينا هذه الملاحة من سوق الزيارة كما تسميه الأمهات عند بوابة المستشفى . و أشترت لي أمي أيضا علبة هندسة و حزام جلدي . تمتمن بهمهات غير مسموعة وفاضت للتو أعينهن بالدمع , أغمصت بشوق غلاب قطة اللحم في كلا عيني الملاحة في لذة ممزوجة بحنان و شوق الي أمي والي تلك الأيام العزيزة. عزمت علي أن آخذ معي في مهجري البعيد هذه الملاحة العتيقة ,, ملاحة أمي لتبقي معي دوماً مثل ذكراها الحبيبة الباقية .  

المصدر: سودانايل

كلمات دلالية: هذه الملاحة

إقرأ أيضاً:

المدونة الصينية “عائشة” تلتقط صور مع البرهان وتصفه بالزعيم: (تذوقت الطعام السوداني وتأثرت بصدق وتواضع ووفاء البرهان بعد أن دعا السائقين والموظفين الذين عملوا معه سابقاً في الصين للقاء لاستاضفتهم وتكريمهم)

نشرت المدونة صينية تدعى “عائشة”, صور قامت بالتقاطها من زيارة رئيس مجلس السيادة السوداني القائد العام للجيش الفريق أول عبد الفتاح البرهان, للصين.

وبحسب رصد ومتابعة محرر موقع النيلين, فقد التقطت المدونة الصينية “عائشة”, صور مع البرهان, ووصفته خلالها بالزعيم.

وكتبت “عائشة” في تدوينتها: (التقطت أمس أول صورة لي مع زعيم من دولة عربية، كم أنا سعيدة ومشرفة يُعقد منتدى التعاون الصيني الإفريقي في بكين هذه الأيام، وقد دعتني صديقتي لحضور فعالية في سفارة السودان, وهي السفارة الوحيدة في بكين التي تحتوي على مسجد فيها.).

وتابعت بحسب ما نقل عنها محرر موقع النيلين: (لأول مرة، تذوقت الطعام السوداني. لكن ما أسعدني وأثر فيَّ أكثر كان أنني شهدت لحظة مؤثرة جدًا،فقد دعا الفريق أول ركن عبدالفتاح البرهان رئيس مجلس السيادة الانتقالي، بعد سنوات طويلة من عودته إلى الصين، السائقين والموظفين الذين عملوا معه أثناء تواجده في الصين سابقًا للقاء والاستضافة وتكريمهم. وتأثرت بصدقه ولطفه وتواضعه ووفائه.).

وختمت المدونة الصينية تغريدتها: (عندما التقطت صورة معه، سألته: “ما شعورك عند عودتك إلى الصين هذه المرة؟” فأجاب مبتسمًا وبدون أي تردد: “أشعر وكأنني عدت إلى منزلي.” آمل أن يشعر الشعب السوداني والشعوب الإفريقية حقًا بالدعم والأخوة من الصين، وسنعمل جنبًا إلى جنب لبناء مستقبل أفضل معًا.).

محمد عثمان _ الخرطوم

النيلين

إنضم لقناة النيلين على واتساب

مقالات مشابهة

  • الصحة تكشف نسبة الأطفال الذين تلقوا لقاح شلل الأطفال في غزة
  • "أسبيدس" تعلن حماية 230 سفينة تجارية أثناء عبورها البحر الأحمر
  • من هم الذين يريدون انهاء دور القضاء العراقي؟
  • هام حول الناخبين الذين لم يعثروا على أسمائهم في القوائم
  • المدونة الصينية “عائشة” تلتقط صور مع البرهان وتصفه بالزعيم: (تذوقت الطعام السوداني وتأثرت بصدق وتواضع ووفاء البرهان بعد أن دعا السائقين والموظفين الذين عملوا معه سابقاً في الصين للقاء لاستاضفتهم وتكريمهم)
  • وزير الدفاع يكرم القادة الذين أوفوا العطاء بالقوات المسلحة
  • الأمم المتحدة: سكان غزة يشكلون 80% من البشر الذين يعانون من الجوع