صلاح شعيب ما يجري اليوم في السودان، حيث الحرب المدمرة للبلاد، إنما مكيدة دبرتها الحركة الإسلامية ممثلة في المؤتمر الوطني، وتوابعه المتواطئة ضد تغيير ثورة ديسمبر. ولو تجاهلنا المؤيدين للحرب أولئك الذين عاشوا في كنف الإنقاذ، وبنوا إمبراطوريات مالية، فللأسف وجدنا أن هناك من الشخصيات الوطنية التي عُرفت بمواقفها الصلبة لخلق الدولة الوطنية قد اتخذت مواقف مؤيدة لفكرة الحرب أكثر من فكرة إيقافها.

ذلك برغم أن نتائج القتال بين الطرفين ماثلة أمامنا. إذ تتراجع كل يوم أي فرصة للحفاظ على وحدة الوطن، والتوصل إلى مجال لتحقيق ممرات إنسانية على الأقل، تلك التي تعين غالب السودانيين الذين يعايشون الآن أهوال الحرب، ويفتقدون الأمن، والغذاء، والعلاج. بل إن عدد السودانيين في المعابر يتضاعف كل يوم، وتلك مأساة لم يواجهها شعب في التاريخ الحديث. وبهذه الكيفية فإن كل ما يقال بأن المؤتمر الوطني لم يدبر هذه الحرب حتى يقطع الطريق أمام النظام الديمقراطي الذي يؤسّسه من أسقطوا حكمه الاستبدادي هو التدليس عينه، أو يعد جهلا بكنه الصراع بعد الاستقلال بين قوى الخير والشر في بلادنا. فالإسلاميون – بوصفهم المتضررين الأساسيين من تغيير ثورة ديسمبر – أرادوا ليس الانتقام من قوى الحرية التغيير بتكوينها الأول أو اللاحق، أو الدعم السريع، وإنما الانتقام في المقام الأول من الشعب السوداني الذي قدرت له إرادته إنهاء ما سماه الإسلاميون المشروع الحضاري. ولذلك يُنظر المرء لحرص جيش الحركة الإسلامية على الاستمرار في الحرب دون مراعاة الثمن الباهظ الذي يدفعه شعبنا كل ساعة داخل البلاد وخارجه بأنه نوع من العقاب له أكثر من الحرص على تحقيق نصر حاسم على الدعم السريع. فرغم الهزائم المتتالية التي يواجهها جيش الحركة الإسلامية بين كل شهر، وآخر، حتى كاد السودان يقع كله تحت سيطرة خصمهم، ولكن فإن الآلة الإعلامية المضللة ما تزال تكذب حتى تغبش وعي عدد كبير من أنصار الجيش الذين وقعوا فرائس طائشة تحت تأثير هذه الحملات الإعلامية الهادفة لخلط الأوراق. وكما نعلم أن الحركة الإسلامية وظفت الأموال التي نهبتها الآن لقلب الحقائق على الأرض، وابتزاز القوى الوطنية عبر حملات لتشويه تنظيماتهم وقادتها، واستخدام لغة تخوين مكثفة ضد كل من يرى ضرورة لإيقاف الحرب. لقد وقفنا على حملات الآلة الإعلامية الابتزازية التي برع الإسلاميون في عقد لوائها منذ انهيار نظامهم عبر غرف إعلامية متعددة. وقد هدفت تلك الحملة لتلويث سمعة القادة السياسيين لثورة ديسمبر، وتنظيماتهم معا، وجاءت الحرب لتكمل مهمة هذه الغرف، ودعم اللايفجية الذين التقطوا القفاز لابتزاز الوطنيين في أضخم حملة إعلامية مسعورة، وإرهابهم، ووصفهم بالعمالة، والارتزاق. بل اتضح جليا من خلال هذه الحملات أن فكرة الحرب الرئيسية هي خلط الأوراق السياسية لإظهار المكون الثوري بأنه الواجهة السياسية للدعم السريع برغم أنه منتج أصيل من مصنع الحركة الإسلامية لضرب السودانيين بعضهم بعضاً ليستمر مشروع نهب البلاد. فتأمل من هو الذي صنع الإجرام، وغذاه، حين كان الدعم السريع السيف الباطش برضا الإسلاميين في قرى وبوادي مناطق النزاع. مهما استطالت مساحة الباطل الإعلامي لقلب الحقائق، وكثُرت حملات الابتزاز ضد قوانا السياسية الحية، وتخوين الشرفاء من المطالبين بإيقاف الحرب، واستخدام أقذع عبارات الشتم، فسيظل النضال مستمراً ضد مشاريع الحركة الإسلامية للعودة للحكم، أو تمزيق البلاد. وهذا مشروع حياة دونه خرط القتاد لمن قنعوا بإطلاق أن الإخوان المسلمين هم المهدد الرئيس لسلام هذا القرن، وأن وجودهم في كل وطن هو مصدر كل الصراعات التي يمكن أن تمزق نسيجه القومي. بل إنهم الطاعون السياسي الذي يصيب عقول عديدة لدى الأمم بالخراب، واللوثة، والتطرف السياسي والديني، هذا الذي يتسلى بأشلاء الجثث، والهياكل العظمية للبشر بعد التمثيل بها نهاراً جهاراً أمام أعين العالم. الوسومصلاح شعيب

المصدر: صحيفة التغيير السودانية

كلمات دلالية: صلاح شعيب الحرکة الإسلامیة

إقرأ أيضاً:

كيف تقضي على (حواضن) الدعم السريع ؟!

مناظير الخميس 29 اغسطس، 2024
زهير السراج
manazzeer@yahoo.com

* يتحدث البعض وعلى رأسهم قادة الجيش عن هزيمة (المليشيا المتمردة) ودحرها وتحرير الوطن منها، وعلى رأس الذين يُصرِّحون بذلك القائد العام للجيش الذي ظل يكرر القول بأنه "لا مفاوضات ولا سلام ولا وقف لاطلاق النار إلا بعد دحر المتمردين وتحرير الوطن منهم"، كما قال قبل بضعة اسابيع أمام حشد عسكري بولاية نهر النيل، وكأنهم يتحدثون عن قوات أجنبية أو عدو خارجي، ناسين أو متناسين أو (متغابين) أن من يتحدثون عن دحرهم وتحرير الوطن منهم هم أحد مكونات النسيج الاجتماعي لهذا الوطن، بل أكبر مكوناته على الاطلاق إذا يبلغ تعداد هذا المكون الاجتماعي الكبير والعريق أكثر من ستة مليون نسمة، وفي تقدير البعض أكثر من ثمانية مليون نسمة، وإذا أضفنا إليهم أبناء عمومتهم من المكونات الأخرى لوصل تعدادهم الى ما يزيد عن إحدى عشر مليون نسمة، وهم من أكبر وأعرق مكونات السودان الاجتماعية التي تتمدد وتنتشر في معظم بقاع السودان وتكاد تحتل اقليم غرب السودان بكامله من اقصى الشمال الى اقصى الجنوب، فضلا عن مثقفيهم ومتعلميهم وافرادهم الذين ينتشرون في كل انحاء السودان واختلطوا بغيرهم من المكونات الاجتماعية الاخرى ولهم اسهامات كبيرة في تاريخ السودان وفي كل المجالات الاخرى لا يمكن لاحد ان يجادل او يحاجج فيها، كما انهم يمثلون عددا كبيرا من السودانيين في الخارج، ودعوني هنا أتخلى عن الدبلوماسية والحرج واُسمي الاشياء بأسمائها الحقيقية، مستخدما كلمة (قبيلة) بدلا عن تعبير (مكون إجتماعي) أو (حاضنة إجتماعية) كما درجنا ودرج البعض عند الحديث عن القبائل حتى ينأى بنفسه عن العنصرية والقبلية!

* الكل يعرف أن العمود الفقري لقوات الدعم السريع هى قبيلة (الرزيقات) وابناء عمومتها من القبائل الاخرى مثل المسيرية، ولا يستطيع أحد أن ينكر أو يجادل في ذلك، وهما من اضخم وأعرق القبائل السودانية ولهما الكثير من الاسهامات الضخمة في كل المجالات في السودان، كما أسلفت، ويكفي ان تحرير السودان والخرطوم من الحكم التركي في القرن التاسع عشر بقيادة الامام (محمد احمد المهدي) لم يكن ليحدث لولا استعانته بهذه القبائل التي عرفت بالشراسة والبأس والشدة والشجاعة في القتال!
* وأتساءل هنا بعيدا عن الكلام المغلف: " هل يمكن دحر قبيلة الرزيقات وأبناء عمومتها من القبائل الأخرى وتحرير السودان منها، وهى قبائل سودانية ضخمة وأصيلة وقحة لها في السودان مثلما لبقية القبائل والمكونات الإجتماعية الأخرى، وهل يجوز طرد وتحرير السودان من قبائل سودانية ومواطنين سودانيين، إلا إذا كان الذين يرددون هذا الحديث الفج البعيد عن العقل يتحدثون عن حرب ابادة عنصرية قذرة (مثل الحرب الأهلية في رواندا) تتم فيها ابادة قبيلة الرزيقات وأبناء عمومتها لدحر قوات الدعم السريع، ولا بد ان اذكر هنا المحاولات الحثيثة للكيزان منذ اندلاع الحرب لتجييش المواطنين تحت مسمى المقاومة الشعبية بغرض توسيع دائرة الحرب والانتقال بها الى مرحلة الحرب الاهلية (قبائل الوسط والشمال ضد قبائل الغرب)، واللغة العنصرية التحريضية القبيحة للابواق الاعلامية الكيزانية، فضلا عن الانتهاكات والاعتقالات التي يتعرض لها مواطنو الغرب في مناطق الجيش بتهمة التعاون مع قوات الدعم السريع، وأغلبها اتهامات زائفة، ولقد افتى قبل بضعة ايام المدعو (عبد الحى يوسف) بجواز القصف الجوي للحواضن الاجتماعية لقوات الدعم السريع، وهو يقصد بذلك قبيلة الرزيقات وأبناء عمومتها من القبائل الأخرى!

* ولكن إذا كان الجيش الذي فشل وهو في أوج قوته في القضاء على التمرد في الجنوب (1955ـ 1971 و1983ــ 2005 )، وعلى التمرد في دارفور (2003 و2004 ــ وحتى اليوم) رغم هشاشته (حركة العدل والمساوة وحركة تحرير السودان) واضطراره للاستعانة (بالجنجويد ــ الدعم السريع حاليا) للقتال نيابة عنه، وعلى التمرد في جنوب كردفان وجبال النوبة (2011 حتى اليوم)، لأسباب من أهمها وجود حواضن إجتماعية تغذي التمرد، فهل يستطيع الجيش الضعيف المفكك الآن وحلفاؤه في الحركات العسكرية الانتهازية التي تحارب من اجل المال والمصالح الشخصية، بالاضافة الى فشل مشروع المقاومة الشعبية الذي لم يتمخض إلا عن مجموعات إرهابية هزيلة ليس لها ثقل عسكري يذكر، هل يستطيع دحر التمرد الذي يبلغ تعداد حواضنه الاجتماعية أكثر من 8 مليون نسمة وتحرير السودان منهم، وهى التي اشتهرت بالشراسة والبأس الشديد في القتال؟!
* وحتى لو كان الجيش قويا جدا واسطوريا يستطيع دحر التمرد وتحرير السودان منه، كما ظل يردد ويكرر القادة المهزمون، فهل سيسمح العالم بحرب ابادة جماعية ومأساة انسانية مرة اخرى في افريقيا؟!

* أما بالنسبة لما يفكر فيه الفلول بفصل وتقسيم السودان كما فعلوا من قبل بفصل الجنوب ليكون لهم الحكم في ما يسمى (بمثلث حمدي) أو (دولة النهر والبحر)، فلا الوضع الاقتصادي المتردي ولا الوضع الجيوي سياسي ولا الاقليمي ولا الرفض الشديد الذي يجدونه في الداخل والخارج ولا التكوين الاجتماعي في السودان، يسمح بذلك ..!

* الخيار الوحيد أمامهم .. هو الخضوع للتفاوض أو دحرهم والقضاء عليهم للأبد!

   

مقالات مشابهة

  • «500» يوم ضد الكرامة
  • كيف تقضي على (حواضن) الدعم السريع ؟!
  • اشعلت الحركة الاسلامية الحرب لحماية انقلاب البرهان العسكري فانهارت الدولة وغرق السودان في شبر موية
  • 500 يوم من الحرب.. سودانيون يتمسكون بضرورة إنهاء القتال
  • بعد تعثر جنيف.. هل تتوسع حرب السودان؟
  • اعتقالات وخطف ومطالبات بالفدية.. ماذا يحدث للصحفيين بالسودان؟
  • السودان: «الأبيض» في مواجهة مرض غامض يصيب العيون والسلطات الصحية تلتزم الصمت
  • أحلام مشلولة!!
  • “سودان حرب الأركان”
  • مهدري فرص السلام من هم وماذا يريدون؟؟