الجزيرة:
2024-09-09@06:11:57 GMT

ماذا نريد.. الحضارة أم منتجاتها؟

تاريخ النشر: 15th, July 2024 GMT

ماذا نريد.. الحضارة أم منتجاتها؟

للمفكر الكبير مالك بن نبي عبارة جميلة في علاقة الحضارة بالمنتجات الحضارية يقول فيها: "إن المقياس العام في عملية الحضارة هو أن الحضارة هي التي تلد منجاتها"، وسيكون من السخف والسخرية حتما أن نعكس هذه القاعدة حين نريد أن نصنع حضارة من منتجاتها". وقد بيّنتُ في مساهمة فكرية في كتابي "الاستنهاض الحضاري وتحدي العبور" أن المنتج الحضاري هو آخر مرحلة في مسار نشوء الحضارات، حيث وضّحت أن الحضارة تبدأ بفكرة، يحملها شخص، يصنع بها عصبة، ثم تنتشر الفكرة في المجتمع فإذا ما ترسخت وتجذرت في المجتمع تنتقل حتما إلى الدولة فتصنع نهضة فإذا استقرت في الدولة وباتت تنتج منتجات حسية ومعنوية تنافس في الساحة العالمية؛ انتقلت إلى مستوى الحضارة العالمية.

إن من مظاهر بلوغ الأمم مستوى الريادة الحضارية أن تصبح منتجاتها المعنوية جذابة تقصدها الأمم وتتأثر بها، وتحظى منتجاتها المادية بتنافسية عالية في الأسواق العالمية.

هكذا كان حال كل الحضارات، وهكذا كان حال الحضارة الإسلامية، إذ كانت في زمن ألقها منذ منتصف القرن التاسع إلى نهاية القرن الـ14 الميلادي تقود العالم كله في مختلف المجالات العلمية والفنية والأدبية والاقتصادية، في العمران والزراعة والصناعة والفلك والكيمياء والرياضيات والطب وغيرها، وتأثرت بها مختلف الأجناس وقصد جامعاتِها طلبةُ العلم من مختلف أنحاء الدنيا، وحاكت الأممُ كثيرا من نمط حياتها، وتعلم لغتها كلّ متلهّف للعلم والفلسفة والحكمة والأدب والسياسة، فداخلت اللغة العربية مختلف اللغات، يدل على ذلك الأصولُ العربية التي لا تحصى  في مفردات لغات الدول الأوروبية.

ثم دالت حضارة الإسلام وسارع إليها التقهقر والتخلف منذ القرن الـ15، في الفترة التي سماها بن نبي مرحلة ما بعد الموحدين، وهي الفترة التي استحكم فيها الترف والابتعاد عن الهداية القرآنية وهدي السنة النبوية، وكثرت فيها الاختلافات بين الملوك والأمراء، وتوقفت الجهود العلمية، وهو ما أدى إلى الضَّعف في مواجهة الأخطار المغولية والصليبية، ولولا نجدة المماليك والأتراك لزال كيان الأمة مبكرا، غير أن هبّة الأعاجم التي قادت المسلمين في زمن دول البارود ثم الخلافة الإسلامية العثمانية التي كانت دول عسكر وإدارة، ثبَّتت الدولة قرونا ولكن لم تُوقف تراجع الحضارة، التي كانت في ذلك الوقت تبزغ في أوروبا في زمن النهضة والإصلاح الديني، وفي بداية القرن الـ20 سقطت آخر دولة مثلت الإسلام مع سقوط الخلافة العثمانية، وحل الاستعمار في كل البلاد الإسلامية وأخذ الانحطاط يتعمق في كل الأرجاء وفي المجالات العلمية والسياسية والاقتصادية، وأخذت مظاهر الجهل والفقر والسلبية والخمول والكسل والعجز تتعاظم، ثم بدأت القاعدة التي وضعها ابن خلدون تتجسد في المجتمعات الإسلامية بأن "المغلوب مولع أبدا بتقليد الغالب"، فبدل البحث في أسباب الانحطاط والأخذ بأسباب النهوض لمنافسة الحضارة الغربية في منتجاتها المعنوية والمادية صار الاتجاه العام في الأمة هو اقتناء منتجات الحضارة الغربية، من المناهج والنظم والسياسات، إلى اللوازم والأدوات، والقيم والثقافات.

وقد عبر بن نبي عن هذه الحالة بقوله: "ونحن في القرن الـ20 نعيش في عالم يبدو فيه امتداد الحضارة الغربية قانونا تاريخيا لعصرنا، ففي الحجرة التي أكتب فيها الآن كل شيء غربي، فيما عدا "القُلَّة" التي أراها أمامي".

لا يرى مالك بن نبي ـوهو محق- أن الانصراف عن المنتجات الغربية كلّها أمرٌ ممكن، فهو يقول: "فمن العبث إذن أن نضع ستارا حديديا بين الحضارة التي يريد العالم الإسلامي تحقيقها، والحضارة الغربية" وإنما المعضلة في أن يعتقد المسلمون أن كل ما في الحضارة الغالبة نافعٌ لهم، وضرب المثل بحال المريض الذي يدخل الصيدلية يريد أن "يبرأ من مرض لا يعرف عنه شيئا"، ولا يعلم ما الدواء الذي يصلح له. وقد يؤدي التقليد الأعمى بصاحبه إلى الموت الحضاري وهو لا يدري، كمثل أولئك المترفين في أمتنا الذين لا يفوتهم شيء من منتجات الحضارة الغربية إلا اقتنوه، معتقدين بأن ذلك مؤشر على تحضرهم، وهم في حقيقة الأمر في أدنى دركات التخلف فكريا ونفسيا وعلائقيا وسلوكيا، خلافا لذلك الراعي الذي يعيش في بلد متحضر، لا يملك شيئا كثيرا، تراه في نفس الرقي الحضاري الذي عليه طبيب أو مهندس في نفس المجتمع وفق المثل الذي يضربه مالك بن نبي في كتابه شروط النهضة عن هذه الحالة.

الحضارة ومنتجاتها

وحين يقول مالك بن نبي "إن الحضارة هي التي تلد منجاتها"، يكمل فيقول: "وسيكون من السخف والسخرية حتما أن نعكس هذه القاعدة حين نريد أن نصنع حضارةً من منتجاتها"، ثم يبين بأنه في كل الأحوال لا يمكن، ولا ينبغي، تكديس المنتجات الحضارية، وذلك أمر لا يمكن أن يبلغ منتهاه من الناحية العقلانية والعملية، فمن حيث الكيف "لن تبيعنا الحضارة الغربية جملة واحدة الأشياء التي تنتجها ومشتملات هذه الأشياء، فهي لا يمكن أن تبيعنا روحها وأفكارها وثرواتها الذاتية وأذواقها"، وبالفعل ستبيعنا الحضارة الغربية منتجاتها الحضارية بالطريقة التي نبقى مستهلكين لها لا منتجين، خصوصا ما يتعلق بالمنتجات الإستراتيجية التي تضمن تفوقها.

ومن الناحية الكمية، لا يمكن أن نوفر رأس المال الذي نشتري به العدد الهائل من الأشياء التي تنتجها الحضارة الغربية، كما لا يمكن لمجتمعاتنا أن تستوعب كل تلك الأشياء، ولا يمكن أن تُشغّلها كلها بدون حضور لازم لصانعيها، وإذا حضر رأس المال وتكدست المنتجات فإنما هي "حضارة شيئية" أو نسخة مقلّدة للحضارة، وليست حضارة، وسيظهر العَوار من اليوم الأول بأنه إنما هو تخلف يتزيّن بما ليس له وما لا يُزينه. علاوة على أن المنتجات الحضارية للأمة الغالبة تحمل أحيانا قيما معارضة لقيمنا، خصوصا إن كانت الحضارة في مرحلة الترف والأفول فبدل أن نأخذ القيم التي جعلت تلك الحضارة تنهض في البدء نأخذ القيم التي تجرها إلى الزوال في الأخير، وعليه إن لم يكن الاقتناء عاقلا تدمر المنتجات الحضارية المشحونة بالسموم قواعدنا المبدئية للإقلاع الحضاري.

المصدر: الجزيرة

كلمات دلالية: حراك الجامعات حريات الحضارة الغربیة لا یمکن أن

إقرأ أيضاً:

وسام أبو علي: نريد إسعاد الجماهير الفلسطينية.. وأسعى لمزيد من الإنجازات مع الأهلي

أكد المهاجم الفلسطيني وسام أبوعلي أنه كان بإمكان منتخب بلاده تحقيق نتيجة أفضل من التعادل بدون أهداف مع مضيفه منتخب كوريا الجنوبية، مشددا على أنه وزملائه سوف يبذلون أقصى الجهد في لقاءات الفريق المقبلة بالتصفيات الآسيوية المؤهلة لكأس العالم 2026.

كما كشف أبوعلي، الذي يلعب في صفوف الأهلي، عن طموحاته مع الفريق الأحمر سواء ببطولة كأس العالم للأندية أو المسابقات المحلية والقارية الأخرى، التي يخوضها في الموسم الجديد.

وقال أبوعلي في حوار أجراه مع الموقع الرسمي للاتحاد الدولي لكرة القدم (فيفا)، بعد مباراة كوريا الجنوبية وفلسطين بالجولة الافتتاحية في المجموعة الثانية للدور الثالث بتصفيات المونديال "سعيد بالحصول على نقطة التعادل. كلا الفريقين كان بإمكانهما حصد الثلاث نقاط اليوم".

أضاف أبوعلي "لقد أضعت فرصة محققة للتسجيل في الثواني الأخيرة من اللقاء. أنا مهاجم وأريد تسجيل الأهداف، وعادةً لا أهدر هذه الفرص، إنني متأكد من أن مهاجمي الفريق الكوري الجنوبي سيقولون الشيء ذاته".

وأوضح "من المفترض ألا نضيع مثل هذه الفرص. في النهاية، كلا الفريقين كان لديهما فرص، وأعتقد أنه يمكنك القول أن التعادل كان عادلًا، وكلا الفريقين أراد الفوز".

أشار أبوعلي "منتخب كوريا يمتلك لاعبين من طراز رفيع. نحن نعرف بعضهم. حيث ينشطون في دوريات وأندية كبيرة. لقد لعبنا مباراة تكتيكية رائعة اليوم. ضغطنا كثيرًا وكنا منظمين جيدًا دفاعيًا. لديهم بعض اللاعبين المميزين، ولا يمكنك إيقافهم دائمًا، لكن حارس مرمانا قام بعملٍ رائع اليوم. الجميع رأى ذلك، ومع قليل من الحظ، كان بإمكاننا الفوز بالنقاط الثلاث".

شدد أبوعلي "لقد تطورنا كثيرًا خلال السنوات الماضية، والآن يمكننا منافسة معظم الفرق. الأمر يتعلق بالإرادة. الجميع يعرف ما تمر به بلادنا. هذا يعطينا دفعة إضافية بنسبة 10٪، بل ربما 20%. في النهاية، نحن نؤمن أن كل شيء في يد الله. نبذل كل جهدنا ونتعامل مع كل مباراة على حدة.

وأردف "نأمل أن نكون جعلنا الجماهير الفلسطينية سعيدة. يمكنهم رؤية أننا عملنا بجد وأردنا أن نقدم لهم النقاط الثلاث، لكن هذا لم يكن ممكنا اليوم. أنا متأكد أنهم فخورون بنا وسعداء. نأمل أن نحصل على ثلاث نقاط في المباراة القادمة".

ويستعد المنتخب الفلسطيني، الذي يبتعد بفارق نقطتين خلف منتخب العراق (المتصدر)، للعب في الجولة الثانية للمجموعة مع منتخب الأردن، الذي يمتلك نقطة وحيدة أيضا بعد تعادله 1 / 1 مع ضيفه منتخب الكويت في الجولة الافتتاحية.

وتطرق أبوعلي للحديث عن تجربته مع الأهلي، الذي انضم لصفوفه في يناير الماضي، وتوج معه بلقبي دوري أبطال أفريقيا والدوري المصري الممتاز في الموسم الماضي، الذي شهد أيضا فوزه بلقب هداف الدوري المحلي برصيد 18 هدفا.

وصرح النجم الفلسطيني "أنا فخور للغاية لكوني هداف الدوري المصري، هذا ليس شيئا قمت به من قبل. أشعر بالفخر أيضا بتسجيل هذه الأهداف والفوز بالدوري، وأيضا دوري الأبطال".

أكد أبوعلي "أنا عاشق للنادي الأهلي. إنه ناد كبير. يمكنك أن تشعر بسحر النادي والمدينة. لقد قضيت موسمًا رائعًا في أول ستة أشهر لي وأريد الاستمرار في العمل هناك".

كشف أبوعلي "ستكون تجربة كبيرة المشاركة في كأس العالم للأندية. الجميع يريد الذهاب للمونديال من أجل الفوز. نحن سنفعل ذلك أيضًا. نحن فريق كبير ونطمح لتحقيق إنجاز جديد".

وستكون هذه هي المرة العاشرة في تاريخ الأهلي، التي يشارك فيها بمونديال الأندية والخامسة على التوالي، حيث يعد أكثر فريق عربي وأفريقي يظهر في المسابقة، علما بأنه توج بالمركز الثالث والميدالية البرونزية للبطولة أعوام 2006 و2020 و2021 و2023.

مقالات مشابهة

  • كيف كانت الزراعة في مصر القديمة؟.. قامت عليها أسس الحضارة
  • ما الدور الذي يمكن أن تلعبه أمعاء الأسماك في منتجات العناية بالبشرة في المستقبل؟
  • له ثلاثة 3 أسماء وتتمسك به تل أبيب.. ماذا نعرف عن الجسر الرابط بين الضفة الغربية وإسرائيل؟
  • وزير الأمن القومي الإسرائيلي: الحرب التي نخوضها ليست في لبنان وغزة فقط إنما في الضفة الغربية كذلك
  • الأستاذ الصحفي فتحـي الضـو عن الحرب العبثية الدائرة ومآلاتها والسيناريوهات التي يمكن أن تحدث حال إستمرارها
  • دورة تدريبية عن الترميم الأخضر لمرممي متحف الحضارة
  • غضب أمريكي بعد مقتل ناشطة في الضفة الغربية.. ماذا طلب البيت الأبيض من دولة الاحتلال؟
  • السوداني يتصل بأيمن حسين: نريد قلبك قوي (فيديو)
  • ماذا وراء خريطة نتنياهو التي خلت من الضفة الغربية؟
  • وسام أبو علي: نريد إسعاد الجماهير الفلسطينية.. وأسعى لمزيد من الإنجازات مع الأهلي