ما أثر التحول الرقمي على قطاع المصارف الرقمية؟
تاريخ النشر: 15th, July 2024 GMT
مسقط-أثير
إعداد الباحث: زعيم بن ناصر بن حمد الشعيبي، باحث قانوني في دائرة الشؤون القانونية بجامعة السلطان قابوس.
تشهد هذه الأيام تحولاً جذريًا في مجال أتمتة البيانات وتحولات رقمية في المجالات جميعها، وكان أبرز الأمثلة التي نشهدها في الأيام الماضية هو القطاع المصرفي، حيث تلعب المصارف الرقمية دورًا محوريًا في مجال التحول الرقمي القانوني والاقتصادي والاجتماعي، كما تعتبر هذه المصارف تجسيدًا لتقدم التقنية المالية (FinTech) وتحول النظام المصرفي التقليدي إلى نظام يعتمد بشكل أساسي على التقنية الحديثة.
تعريف المصارف الرقمية:
تعرف المصارف الرقمية بأنها مؤسسات مالية تقدم خدماتها عبر الإنترنت بشكل تام، دون الحاجة إلى وجود فروع فيزيائية على أرض الواقع، وتعتمد هذه المصارف على التطبيقات والبرامج لتقديم خدماتها مثل فتح الحسابات، وتحويل الأموال، وإدارة الاستثمارات وغيرها من الأعمال المصرفية.
التطور التاريخي للمصارف الرقمية ودورها في مجال التحول الرقمي:
بدأت المصارف الرقمية في الظهور مع تطور الإنترنت وتقنية المعلومات في أواخر القرن العشرين، ثم تطورت هذه المصارف بشكل واضح خلال العقدين الأخيرين بفضل الابتكارات التقنية المتسارعة، ولكن أول من أخذ بهذه الفكرة بشكل جدي وحقق نجاحًا ملحوظًا كان بنك “ويلز فارجو” الأمريكي. ففي عام 1995م، أطلق بنك “ويلز فارجو” أول خدمة مصرفية عبر الإنترنت، مما مهد الطريق لبقية المصارف للاعتماد على التقنية في تقديم خدماتها المالية. لم يكن ويلز فارجو البنك الوحيد الذي تبنى الفكرة في بداياتها، إذ تبعته مصارف أخرى مثل “سيتي بنك” و”بنك أوف أمريكا”، لكن المبادرة التي اتخذها ويلز فارجو كانت الرائدة في هذا المجال.
أثر التطور التقني في مجال المصارف على المجتمع:
1- على قطاع العملاء:
بداية الأمر كانت ردود الفعل من العملاء متباينة، فبعض العملاء رحبوا بالخدمة الجديدة لأنها كانت توفر عليهم الوقت والجهد، وسهلت عليهم الوصول إلى حساباتهم وإجراء العمليات المصرفية من أي مكان وفي أي وقت، وفي المقابل كان هناك بعض العملاء الذين تخوفوا من مسألة الأمان ومن فكرة إدارة أموالهم عبر الإنترنت، خاصةً أن الإنترنت في ذلك الوقت كان لا يزال جديدًا نسبيًا بالنسبة للكثيرين.
2- على قطاع المصارف:
أما في ميدان القطاع المصرفي، كانت ردود الفعل مشجعة، خاصةً مع إدراك الفوائد التي يمكن تحقيقها من خلال التحول الرقمي، فقد بدأت المصارف الأخرى بسرعة إلى تطوير خدماتها الإلكترونية لتلحق بركب التطور. وكانت هذه الخطوة محورية في تعزيز الابتكار لدى القطاع المصرفي ودفع المصارف التقليدية لتبني التقنية بشكل أكبر في عملياتها. وفي إطار التحول الرقمي للمصارف، يلعب البنك المركزي العُماني دورًا رياديًا في تنظيم ورقابة المصارف الرقمية لضمان تقديم خدمات مالية مبتكرة وآمنة، فمن خلال اجتماع مجلس المحافظين المنعقد بتاريخ 26/6/2024م، اُعْتُمِدَت أساسيات الإطار التنظيمي الذي يهدف إلى تعزيز الشمول المالي وزيادة الكفاءة في القطاع المصرفي، كل هذه الخطوات تعكس التزام البنك المركزي بتبني التقنية الحديثة وتطوير بنية تحتية مالية تواكب التحديات والفرص في العصر الرقمي.
ومع مرور الوقت تحسنت التقنية وأصبح العملاء أكثر ثقة بالخدمات المصرفية عبر الإنترنت، حتى باتت المصارف الرقمية اليوم جزءًا لا يتجزأ من النظام المالي العالمي، وتتبنى المصارف في جميع أنحاء العالم نماذج رقمية لتقديم خدمات مبتكرة تلبي احتياجات العملاء المتغيرة.
الإشكاليات القانونية التي تواجه المصارف الرقمية:
تواجه المصارف الرقمية العديد من التحديات القانونية مثل حماية البيانات والخصوصية، ومكافحة غسل الأموال، والامتثال للوائح المالية المحلية والدولية، فكان حريًا على المصارف الرقمية بأن تسعى إلى تجاوز هذه التحديات من خلال الاستثمار في التقنيات الحديثة وتطوير سياسات وإجراءات أمنية صارمة، وهذا ما قام به البنك المركزي العماني باعتماد البنية الأساسية للإطار التنظيمي الذي يهدف إلى وضع خارطة واضحة للسياسات المالية. أما من حيث الإشكاليات القانونية، فتبرز أهمها في الآتي:
حماية البيانات والخصوصية: تعتبر حماية بيانات العملاء وضمان خصوصيتهم من أكبر التحديات التي تواجه المصارف الرقمية، لذلك يتعين على هذه المصارف الالتزام بالقوانين واللوائح المتعلقة بحماية البيانات مثل قانون حماية البيانات الشخصية الصادر بالمرسوم السلطاني رقم (6/2022)، ويقابله قانون حماية البيانات العامة (GDPR) في الاتحاد الأوروبي.
مكافحة غسل الأموال: تعتبر مكافحة غسل الأموال تحديًا قانونيًا آخر يواجه المصارف الرقمية، فإنه يتعين على هذه المصارف وضع نظم قوية لمكافحة غسل الأموال وتمويل الإرهاب لضمان الامتثال للقوانين الدولية.
الامتثال للوائح المالية: يجب على المصارف الرقمية الامتثال لمجموعة متنوعة من اللوائح المالية المحلية والدولية، مما يتطلب وجود فرق قانونية متخصصة لضمان الامتثال وضمان حوكمة جميع الإجراءات بما يتوافق مع الأنظمة والقوانين مثل: القانون المصرفي، والإطار التنظيمي للمصارف الإسلامية، ونظام تأمين الودائع المصرفية وغيرها من القوانين والأنظمة المتعلقة بهذا الشأن.
التوصيات لمواجهة التحديات القانونية:
تطوير القواعد الأساسية لتصبح قواعد قانونية مناسبة ومواكبة للتطور التقني: يجب على الدول والحكومات تطوير أطر قانونية مناسبة تدعم نمو المصارف الرقمية مع ضمان حماية حقوق العملاء، وهذا لا يمكن تحقيق ذلك إلا من خلال تحديث القوانين الحالية وإنشاء لوائح جديدة تلائم طبيعة الخدمات الرقمية ومتوافقة مع الواقع العملي.
تعزيز التعاون الدولي: نظرًا للطبيعة العابرة للحدود للمصارف الرقمية، يجب تعزيز التعاون الدولي بين الجهات الرقابية لتبادل المعلومات والخبرات وضمان الامتثال للقوانين الدولية، إذ الأمر يتبعه مسألة في غاية الأهمية وهو ضرورة تحسين تقنيات الأمان، فينبغي على المصارف الرقمية الاستثمار في تقنيات الأمان السيبراني المتقدمة لضمان حماية بيانات العملاء ومكافحة التهديدات السيبرانية.
تعزيز الشفافية: ينبغي على المصارف الرقمية تعزيز الشفافية في عملياتها وسياساتها لضمان ثقة العملاء والتزامها بالقوانين، يمكن ذلك من خلال نشر تقارير دورية حول سياسات حماية البيانات والإجراءات الأمنية، وهذا لا يأتي إلا من خلال توعية العملاء، فيجب على المصارف الرقمية توعية عملائها بأهمية حماية بياناتهم وطرق الوقاية من الاحتيال السيبراني، وذلك من خلال حملات توعوية وبرامج تدريبية.
في الختام، تشكل المصارف الرقمية جزءًا أساسيًا من مستقبل النظام المالي العالمي، على الرغم من التحديات القانونية والاقتصادية التي تواجهها، فإن الفوائد الكبيرة التي تقدمها في مجال التحول الرقمي تجعلها ضرورة لا غنى عنها. وبتطبيق التوصيات المطروحة، يمكن للمصارف الرقمية تحقيق توازن بين الابتكار والامتثال للقوانين، مما يضمن لها النجاح والاستدامة ورسم مسار واضح وحقيقي يؤدي إلى تحقيق أهداف ومحاور رؤية عمان 2040.
المصدر: صحيفة أثير
كلمات دلالية: فی مجال التحول الرقمی القطاع المصرفی حمایة البیانات عبر الإنترنت غسل الأموال هذه المصارف الرقمیة ا ا فی مجال من خلال
إقرأ أيضاً:
الحكومة الرقمية ترخّص 15 شركة لتقديم خدمات التصديق الرقمي
الرياض : البلاد
منحت هيئة الحكومة الرقمية 15 شركة تراخيص لتقديم خدمات التصديق الرقمي؛ بهدف توفير حلول ونماذج أعمال مبتكرة للخدمات المقدمة، ورفع مستويات تبني استخدام خدمات التصديق الرقمي في المملكة، للمستفيدين من القطاعين الحكومي والخاص.
وبحسب الهيئة، ستعزز الرخص الممنوحة للشركات، البيئة الاستثمارية من خلال إضفاء الموثوقية على صحة التعاملات والتوقيعات الإلكترونية، وسلامتها، وتوفير خيارات إضافية للمستفيدين من القطاعين الحكومي والخاص.
وأوضحت أن خدمات التصديق الرقمي هي: خدمة إلكترونية تهدف إلى التحقق من صحة وسلامة التعامل الإلكتروني، وهوية المتعاملين، وتشمل خدماتها: إصدار الشهادات الرقمية، والتوقيع الإلكتروني، والختم الإلكتروني والزمني، إضافة لإدارة الأجهزة، وبموجب هذه التراخيص يحقّ للشركات تقديم خدماتها لفئتين: الفئة الأولى مقدم خدمات شامل، وهي المؤهلة لتقديم جميع خدمات التصديق الرقمي، والفئة الثانية مقدم خدمات مُحدّد، وهي مؤهلة لتقديم خدمة واحدة أو أكثر باستثناء إصدار الشهادات الرقمية.
وتأتي الترخيص لهذه الخدمات في إطار جهود هيئة الحكومة الرقمية لرفع مستويات الثقة والأمان في التعاملات الرقمية للقطاعين الحكومي والخاص، بوصفه أحد أبرز مكونات برامج ومبادرات التحوّل الرقمي، وتحسين البيئة التنظيمية المُقدمة لهذه الخدمة، للإسهام في تعزيز التحوّل الرقمي بما يرفع من إسهامات الخدمات الرقمية في الاقتصاد الوطني وفق مستهدفات رؤية المملكة 2030.