لجريدة عمان:
2024-11-26@12:07:46 GMT

الليبرالية و«الأوليغاركية».. على طرفي نقيض

تاريخ النشر: 14th, July 2024 GMT

Your browser does not support the audio element.

في بداية هذه المناقشة يمكن طرح السؤال التالي: هل ثمة تعارض بين الليبرالية والأوليغاركية؟ والجواب: هناك من يرى أن «الليبرالية» مجرد مصطلح قد تؤمن بأهميته فئة من أبناء المجتمع، وقد لا ترى هذه الأهمية فئة أخرى، فتناقض وجهتا النظر أمر وارد بين طرفي المعادلة، وكل يراعي أو يُقَدِّرُ مصلحته في ذلك، وفي كلا الحالتين: من يؤمن ومن لا يؤمن هو خاضع لقناعة قد وصل إليها، بمعنى أن الليبرالية ليست لها أداة مادية يمكن فرضها على الواقع لتوظيفها، وجعلها مادة ملموسة تؤتي عوائد كل حين، فهي عبارة عن مجموعة مفاهيم فالحرية والمساواة التي تنادي به «الليبرالية» مجرد أحلام تدغدغ المخيلة، وتتمنى هذه المخيلة في أوقات معينة تحققها على أرض الواقع، وقد تنتكس هذه المخيلة في واقع آخر، فتضرب بكل هذه الأحلام عرض الحائط، وترى في المطالبة بها نوعا من الترف الاجتماعي، والحوار فيها هو حوار سفسطائي لا قيمة له، وعلى سبيل المثال كنت مرة أستمع إلى حوار عبر إذاعة الـ«بي بي سي» في تسعينيات القرن الماضي، وكان الحوار مع وزير الإعلام الكويتي في ذلك الوقت، ومن ضمن ما سئل عنه موقفه من الحرية الصحفية والإعلامية التي كان ينادي بها قبل أن يتولى المنصب الوزاري، فردّ -بما يعني قوله: إن للمنصب الوزاري استحقاقاته، بما معناه أنه لن يستطيع أن يتبنّى نفس أفكاره وآرائه التي كان يؤمن بها أشد الإيمان قبل أن يتولى المنصب، وهناك أمثلة كثيرة في الاتجاه ذاته، وفي المقابل صحيح أيضا أن «الأوليغاركية» مصطلح -يذهب إلى حكم الأقلية- ولكنه له قيمة مادية في واقع المجتمع، ويشار إليه بالبنان، لحقيقته الوجودية غير المنكورة، وهو فارض نفسه على واقع الناس، وله تاريخ ممتد منذ البدء، ولا يمكن إنكاره، بل ربما يتم الحرص على بقائه واستمراره، كلما سمحت الفرصة لذلك، لأنه يحقق الكثير من تحقيق الذات بين تموضعات المجتمع، والمجتمع في المقابل لا ينكر وجوده، ولا يرى فيه عبئا ثقيلا لا يمكن تحمّله، والدليل هو استمراره، ونموه، وتطور أدواته عبر التاريخ الاجتماعي الممتد، ومن يؤمن به قبل المنصب الرسمي على سبيل المثال فإنه سوف يكرسه أكثر بعد تولي المنصب، على عكس المفاهيم التي تنادي بها الليبرالية، وموقف الأفراد منها عندما تتغير أحوالهم، كما هو المثال أعلاه عند وزير الإعلام الكويتي.

السؤال الآخر: هل هناك ثمة تقارب بين مصطلح «الأوليغاركية» ومصطلح «الأيديولوجية»؟ وأيهما يخدم الآخر أو يبسط له الطرق الآمنة للاستمرار والترقي، والتنوع؟ والجواب: يمكن القول: إن الأيديولوجية من أعقد المفاهيم في صياغات المجتمع، والتفاعل الحاصل بين أركانها وموضوعاتها، ولذلك أتصور أن الحقيقة الأيديولوجية التي يؤمن بها المجتمع ولا ينكرها، فهي التي تؤسس، وتبارك الأركان التي يقوم عليها المجتمع، وقد تذهب إلى ترسيخ الإيمان بأهمية هذه الأركان، وحتى وإن كانت تربك الفهم العام، الذي يعيش في دوامة بين ما هو موجود ومؤمن له وبين ما هو مستجد، ويجب أن يأخذ طريقه نحو التطبيق، فـ«الأوليغاركية» على سبيل المثال هي حقيقة متجذرة في المجتمع، سواء عُرفت بهذا المصطلح أو لم تعرف، ويظل تطبيقها مقبولا ومتعارفا عليه، وقد يسعى البعض من أبناء المجتمعات إلى تحقيقها وإبرازها، فهي امتداد لأيديولوجية مجتمعية مؤمن بها حتى مع تجدد الأدوات، والنظم، والمفاهيم الحديثة التي تفرضها الحياة اليومية بتجددها، وشيوع المعلومة المتنقلة عبر أفق الأثير من مشارق الأرض ومغاربها، فالناس مقتنعون بذلك، ولا يتنازلون عنه بسهولة، حتى وإن ظلت بعض الممارسات المجتمعية تتصادم مع ما هو جديد، وما هو مهم، وما هو أكثر عمليا عما هو متجذر، بينما «الليبرالية» وإن كانت ليست حديثة العهد على الفهم العام إلا أنها لم تكن متداولة بالصورة التي عليها الآن، لأن الناس غارقون في أيديولوجية «الأوليغاركية» ومتعايشون معها إلى حد بعيد، على الرغم من إخفاقاتها، ولذلك فهي أي «الليبرالية» لم تحظ بالإيمان الذي يوصلها إلى مستويات الأيديولوجية، ويأتي عدم الاهتمام بها من قبل أبناء المجتمعات لأنها تعامل على أنها نوع من الترف الاجتماعي، وليس على أنها مرتكز مهم من مرتكزات الحياة الاجتماعية اليومية، ويمكن قياس ذلك حتى على مستوى الأسرة الواحدة في البيت الواحد، ففي لحظة من الصفاء الذهني يتبنّى الأب أهمية أن يشاركه أبناؤه في كثير من شؤون الأسرة، ويرى في ذلك أهمية كبيرة، سواء من حيث تحمّل المسؤولية، أو من حيث تربية الأبناء على اتخاذ القرار بحرية تامة، هذه صورة من صور «الليبرالية» ولكن في ظرف مشحون بكثير من تنازعات الذات وتجاذباتها لا يتوانى الأب في الاستحواذ على كل قرارات الأسرة، حتى في الأمر الخاص لكل فرد من أفراد الأسرة -مثال: زواج أحد الأبناء/ البنات، ويرى في تقرير مصير أحدهما من حقه، فهو الأفهم، وهو من يرى مصلحة كل واحد فيهم، فهذه صورة من صور «الأوليغاركية» فهنا تتجذر الأيديولوجية أكثر من المثال السابق، وردا على السؤال المطروح في أول الفقرة يمكن الجزم المطلق أن هناك علاقة كبيرة ومتداخلة بين «الأوليغاركية» مصطلح ومذهب، وبين «الأيديولوجية» مصطلح ومذهب، واستدراكا لهذا الفهم يمكن القول أيضا: إن الأيديولوجية المبنية على التجرد من الشهوات تظل أيديولوجية ديناميكية لا تتوقف، فغاياتها سامية، ونزعاتها ليست شخصية، ومآلاتها ليست مادية مقبوضة، بمعنى أن الأيديولوجية على الرغم من أحزمتها المتجذرة يمكن أن تعيد تشكيل ذاتها اتباعا لواقع حال الناس، ومتطلبات الحياة وتبني عليها، لأن عناصرها هي مكونات من تفاعلات الحياة اليومية، التي يقوم بها أبناء المجتمع، وليست نصوصا مقدسة لا يمكن الخوض فيها، وبالتالي فانتصارها لقناعات أبناء المجتمع بصورة حدية، ومطلقة، ولا تقبل النقاش، ففي كل أحوالها هي معيارية، ويمكن القياس عليها، وبالتالي فأمر الإيمان المطلق بها يحتاج إلى كثير من المراجعات من قبل أبناء المجتمع.

المناقشة أعلاه تتم في أجواء اجتماعية بحتة، وإن تداخل فيها المفهوم السياسي فيما يخص «المساواة» مع أن تحقيق المساواة بين أفراد المجتمع هو نوع من الخرافة الذهنية، حتى وإن حرصت الأنظمة الحديثة على تحقيقها فلن تتحقق، ولو وضعت لها نظم، وآليات وإجراءات إدارية، وذلك لسبب بسيط، وهو تفشي السلطة «النخبوية» في المجتمعات، وتسلطها في كل صغيرة وكبيرة، فهذا مرض اجتماعي لا يمكن تجاوزه، لأنه تعمق بأيديولوجية مطلقة، لا يمكن الفكاك منها، حتى أولئك الذين يؤمنون بأهمية الليبرالية -كتطبيق- يظلون مأسورين للمباهج التي سوف توزعه لهم النخبوية، ويروا في ذلك الكثير من المتعة، فالخروج عن النخبوية، هو الذهاب مطلقا إلى كثير من التجرد، والحيادية، وهي مفاهيم ليس سهلا استيعابها «أولا» وليس قبولها مطلقا «ثانيا» وقد استغربت فعلا من تصرف شخص لا أشك في كلامه وموقفه -يخبرني بنفسه- أنه أتى لجهة رسمية لطلب خدمة خاصة لأحد من أفراد أسرته، فإذا به يستنجد به شخص آخر لا يعرفه ويريد الخدمة ذاتها دون أن يكون بينهما اتفاق على اللقاء في ذات اللحظة الزمنية والمكان، ولأن هذا الشخص الذي أعرفه له مكانة في المؤسسة ذاتها، وتلبية طلبه تحصيل حاصل، فقد نقل مطلب هذا الذي التقاه، متجاوزا مطلبه الخاص، وتم تحقيق ذلك، ويقينا هذا الموقف هو استثناء للقاعدة، فتسلط النخب أمر واقع ومعايش، قبل ذلك أو لم يقبل فهذه مسألة أخرى، ومن أبناء المجتمع من يبارك هذا التسلط، وذلك لتحقيق منافع ولو في حالات قليلة أو استثنائية، فـ «المجتمع المدني أيضا مستعمر من قبل الفصائل النخبوية ...» كما يقول مؤلف كتاب: متلازمات الفساد (الثروة والسلطة والديمقراطية).

أحمد بن سالم الفلاحي كاتب وصحفي عماني

المصدر: لجريدة عمان

كلمات دلالية: أبناء المجتمع لا یمکن فی ذلک

إقرأ أيضاً:

وزارة الخارجية تلفت نظر المجتمع الدولي للفظائع التي يرتكبها مليشيا الجنجويد بشكل منهجي ضد النساء

أصدرت وزارة الخارجية بيانا يصادف يوم الإثنين 25 نوفمبر اليوم الدولي للقضاء على العنف ضد المرأة وبهذه المناسبة المهمة تلفت فيه نظر المجتمع الدولي مجددا للفظائع غير المسبوقة وواسعة النطاق التي ترتكبها مليشيا الجنجويد بشكل منهجي ضد النساء والفتيات في سن الطفولة في مناطق مختلفة من السودان. وتشمل تلك الفظائع جرائم الإغتصاب، والاختطاف، والاسترقاق الجنسي، والتهريب، والزواج بالإكراه، وأشكال أخرى من العنف والمعاملة غير الإنسانية والمهينة و القاسية والحاطة للكرامة للنساء وأسرهن ومجتمعاتهن وفيما يلي تورد سونا نص البيان التالي .يصادف يوم غد الإثنين 25 نوفمبر اليوم الدولي للقضاء على العنف ضد المرأة . وبهذه المناسبة المهمة تلفت وزارة الخارجية نظر المجتمع الدولي مجددا للفظائع غير المسبوقة وواسعة النطاق التي ترتكبها مليشيا الجنجويد بشكل منهجي ضد النساء والفتيات في سن الطفولة في مناطق مختلفة من السودان. وتشمل تلك الفظائع جرائم الإغتصاب، والاختطاف، والاسترقاق الجنسي، والتهريب، والزواج بالإكراه، وأشكال أخرى من العنف والمعاملة غير الإنسانية والمهينة و القاسية والحاطة للكرامة للنساء وأسرهن ومجتمعاتهن.لقد تم توثيق ما لا يقل عن 500 حالة إغتصاب بواسطة الجهات الرسمية والمنظمات المختصة و منظمات حقوق، تقتصر على الناجيات من المناطق التي غزتها المليشيا، ولا شك أن هناك أعدادا أخرى من الحالات غير المرصودة بسبب عدم التبليغ عنها، أو لأن الضحايا لا يزلن في المناطق التي تسيطر عليها المليشيا. بينما يقدر أن هناك عدة مئات من المختطفات والمحتجزات كرهائن ومستعبدات جنسيا وعمالة منزلية قسرية، مع تقارير عن تهريب الفتيات خارج مناطق ذويهن وخارج السودان للاتجار فيهن .تستخدم المليشيا الإغتصاب سلاحا في الحرب لإجبار المواطنين على إخلاء قراهم ومنازلهم لتوطين مرتزقتها، ولمعاقبة المجتمعات الرافضة لوجودها. كما توظفه ضمن استراتيجيتها للإبادة الجماعية والتطهير العرقي التي تستهدف مجموعات إثنية بعينها، حيث تقتل كل الذكور من تلك المجموعات وتغتصب النساء والفتيات بغرض إنجاب أطفال يمكن إلحاقهم بالقبائل التيينتمي إليها عناصر المليشيا.ظلت حكومة السودان وخبراء الأمم المتحدة وبعض كبار مسؤوليها، وعدد من منظمات حقوق الإنسان الدولية والوطنية تنبه لهذه الجرائم منذ وقت مبكر، بعد أن شنت المليشيا حربها ضد الشعب السوداني وقواته المسلحة ودولته الوطنية في أبريل من العام الماضي. ومع ذلك لم يكن هناك رد فعل دولي يوازي حجم هذه الفظائع التي تفوق ما ارتكبته داعش وبوكو حرام وجيش الرب اليوغندي ضد المرأة. ومن الواضح أنها تمثل أسوأ ما تتعرض له النساء في العالم اليوم. وعلى العكس من ذلك، لا تزال الدول والمجموعات الراعية للمليشيا الإرهابية تتمادي في تقديم الدعم العسكري والمالي والسياسي والإعلامي لها مما يجعلها شريكة بشكل كامل في تلك الجرائم. وما يزال مسؤولو الدعاية بالمليشيا والمتحدثون باسمها يمارسون نشاطهم الخبيث من عواصم غربية وأفريقية للترويج لتلك الجرائم وتبريرها. ولا شك أن في ذلك كله تشجيع للإفلات من العقاب يؤدي لاستمرار الجرائم والانتهاكات ضد المرأة.سونا إنضم لقناة النيلين على واتساب

مقالات مشابهة

  • الولايات المتحدة: حددنا الأهداف التي يمكن لأوكرانيا ضربها بصواريخ أتاكمز
  • برلمانية: رفع أسماء 716 شخصا من قوائم الإرهاب يؤكد حرص الرئيس على مصلحة أبناء الوطن
  • النوّاب يبحث الصعوبات التي تواجه عمل منظمات المجتمع المدني
  • وزارة الخارجية تلفت نظر المجتمع الدولي للفظائع التي يرتكبها مليشيا الجنجويد بشكل منهجي ضد النساء
  • “الشويهدي” يناقش الصعوبات التي تواجه عمل منظمات المجتمع المدني
  • الشويهدي يناقش الصعوبات التي تواجه منظمات المجتمع المدني
  • الرسالة الوطنية للسبلة العُمانية.. مجلس الخنجي أنموذجًا
  • «تنمية المجتمع» تنظم عرساً جماعياً لعدد من أبناء الوطن
  • تحت رعاية حاكم أم القيوين.. وزارة تنمية المجتمع تنظم عرساً جماعياً لعدد من أبناء الوطن
  • تحت رعاية حاكم أم القيوين … وزارة تنمية المجتمع تنظم عرسا جماعيا لعدد من أبناء الوطن