Your browser does not support the audio element.
نعيش في عالم يعج بالمفارقات ويحتفي بالسلطة حتى وهي تبنى على هدم الثوابت والقيم إنسانيا واجتماعيا، لم تعد ملاحظة ازدواج المعايير قصة فردية لا يمكن التعويل عليها لاعتبارها ظاهرة، بل هي ظاهرة يعيشها العالم على مسرح الواقع اليومي؛ ظاهرة تبررها المصالح ومنافع الأقوى نفوذا وسلطة، وفي خضم تصادمات سياسية اقتصادية كبرى وتنافسات دولية لا تخفى لن يدهشنا غض العالم الغربي والشرقي النظر عن مجازر تُرتكب في حق شعب لا يملك من أمر نفسه شيئا إلا المقاومة، خصوصا حين تتابع هذه المجازر لتصير زادا يوميا لأرض مُستهدفة وشعب صامد، ولن يكون غريبا بطبيعة الحال أن يضج العالم بأكمله على رصاصة أطلقها شاب ديمقراطي على المرشح الجمهوري دونالد ترامب لتصيب أذن الرئيس الأمريكي السابق، والمرشح الأقوى حاليا لسباق الرئاسة.
مجزرتا مواصي خان يونس ومخيم الشاطئ كانتا أمس أيضا وهو اليوم ذاته الذي شهد محاولة اغتيال دونالد ترامب أثناء خطابه الانتخابي في ولاية بنسلفانيا، ورغم أن هذه المحاولة متوقعة ولو بنسبة ضئيلة جدا ضمن سياق التنافس الرئاسي المحتدم بين المتنافسين، خصوصا بعد اللقاء الأخير الذي جمع كلا من ترامب وبايدن وانتهى بخيبة أمل مناصري بايدن لصالح ترامب الذي عزز حضوره بعد هذه الجولة من سباق حملتي الانتخابات للمتنافسين، رغم كل ذلك اندهش الحضور وفريق الخدمة السرية والعالم أجمع برصاصة الشاب منفذ المحاولة الذي قُتِل بعدها مباشرة، لكن المجازر التي ترتكب في حق أسر وأفراد مدنيين آمنين ليسوا طرفا في أي صراع مسلح هي التي كان يفترض أن تصدم العالم وتثير استهجانه، مع الصمت عن المجازر انشغل العالم بين متابع ومحلل ومفند لحادثة الرصاص وأذن الرئيس وسلامته، حتى أن صديق أمريكا رئيس وزراء إسرائيل بنيامين نتانياهو عبّر عن صدمته لدى علمه بتعرّض الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب لإطلاق نار قائلا: «لقد صُدمت أنا (وزوجتي سارة) من الهجوم الواضح على الرئيس ترامب»! ومع كل التوقعات الساذجة لنظرية المؤامرة والسيناريو المعد سلفا لرفع رصيد ترامب في سباق الرئاسة القادم، هذه التوقعات التي أغفلت نظرية الاحتمالات وحتى النسب الرياضية والاحترازات الأمنية التي لا تقبل الشك في أن الرصاصة التي أصابت أذن الرئيس السابق كانت على بعد شعرة فقط من جمجمته، بل إنه وفقا لصورة التقطها دوج ميلز من صحيفة نيويورك تايمز توضح خط رصاصة تقطع الهواء بالقرب من رأس دونالد ترامب، ربما لم يصب ترامب سوى بخدوش بسيطة، لكن الرصاص قتل أحد الحاضرين في المؤتمر الانتخابي وأصاب اثنين آخرين بجروح خطيرة، وسيتم توظيف كل هذه التداعيات لصالح حملة دونالد ترامب في سباق الرئاسة خصوصا مع الصورة التاريخية له وهو ينزف وسط فريق الحماية السرية رافعا يده كقائد منتصر، وقد كان الأقرب للفوز عموما وفقا للتوقعات دون هذه الحادثة بكل تداعياتها، لكنها ستخدم حملته الانتخابية خصوصا مع تركيز الجمهوريين قبلها على وصف دونالد ترامب بالفاشي الاستبدادي.
وبعيدا عن كل هذه السيناريوهات الوصفية وتحليل الحدث لا بد من التأكيد على تداعي وهشاشة فكرة التفوق الأمريكي خصوصا والغربي عموما في مجال الأمن والسلامة والقدرة على حفظهما، مما يستدعي المقولة المصرية الشهيرة «المتغطي بالأمريكان عريان» إذ كيف يمكن الثقة بتعهدات طرف يوهمك بحفظ أمنك وهو العاجز عن حفظ أمنه الذاتي؟ كيف أمكن لمُطلق النار العشريني تجاوز التفتيش وفريق التنظيم ثم التموضع في موقع يجعل ترامب هدفا سهلا مع وجود فريق الحماية الخاصة وادعاءات حفظ الأمن والسلامة الحكومية في تجمع كبير كهذا الذي شهدته ولاية بنسلفانيا أمس؟! وهو الاستغراب الذي صدر عن العميل الخاص لمكتب التحقيقات الفيدرالي، كيفن روجيك: إنه «من المفاجئ أن المسلح تمكن من إطلاق النار على المسرح قبل أن يقتله الحرس الرئاسي».
هذا التداعي لنظرية التفوق شهدها العالم في السابع من أكتوبر من العام الماضي حين تكشف ضعف إسرائيل أمام طوفان الأقصى وهي التي تتفاخر بدقة وكفاءة أجهزتها الأمنية والعسكرية، وقبل ما يزيد على عقدين من الزمن هجمات 11 سبتمبر بواسطة أربع طائرات نقل مدني تجارية، تقودها أربعة فرق تابعة لتنظيم القاعدة، وُجِّهت لتصطدم بأهداف محددة، نجحت ثلاث منها بينما سقطت الرابعة بعد أن استطاع ركَّاب الطائرة السيطرة عليها من يد الخاطفين لتغيير اتجاهها، ما أدَّى إلى سقوطها وانفجارها في نطاق أراضي ولاية بنسلفانيا التي تشهد حادثة محاولة الاغتيال، الأهداف الثلاثة عام 2001 لم تكن عشوائية يمكن التهاون في أمر حمايتها، بل تمثلت في برجَي مركز التجارة الدولية الواقعة في مانهاتن، ومقر وزارة الدفاع الأمريكية، المعروف باسم البنتاجون.
ختاما: لا يمكن للعنف إلا أن يُصدِّر العنف محليا وخارجيا، كما أن إهمال الأمن الوطني وكتم قنوات التنفيس المجتمعية وتهميش قضايا الشعوب سيفضي لا محالة إلى حالة من الغليان لا يمكن توقع درجة أو حدود تأثيرها مستقبلا على أمن البلاد فكريا واجتماعيا واقتصاديا، ثم بطبيعة الحال على مستقبل الأمن الخارجي المسمى تقليديا بالأمن القومي، وصولا للأمن الفكري الثقافي المؤسس لمستقبل البلاد وخطط تنميتها، ومع وجود أحزاب سياسية متباينة ومعارضة متطرفة والكثير من المشكلات الاجتماعية والسياسية لا يمكن إلا توقع العنف والصراع في حلبة يحكمها الأقوى ولا تنتصر إلا للمادة وإن كان نصرا هو الهزيمة حيث إقصاء الإنسان والتنكر للمكان.
حصة البادية أكاديمية وشاعرة عمانية
المصدر: لجريدة عمان
كلمات دلالية: دونالد ترامب لا یمکن
إقرأ أيضاً:
حزنت جدا للمصيبة التي حلت بمتحف السودان القومي بسبب النهب الذي تعرض له بواسطة عصابات الدعم السريع
كنت من محبي زيارة متحف السودان القومي..
واكاد اجزم أني احفظ المعروضات في القاعات في الدور الاول والثاني..
واعرف ممر الكباش والضفادع الحجرية علي البحيرة الصناعية والمعابد التي نقلت كما هي ووضعت في ساحة المتحف كمعبد دندرة وحيث اثار العهد الاسلامي في الطابق الثاني كدولة سنار
◾️- الصورة المرفقة صورتها بنفسي بجوالي النوكيا في ابريل 2011 ولازالت احتفظ ببعض الصور من ساحات العرض..
◾️- حزنت جدا للمصيبة التي حلت بمتحف السودان القومي بسبب النهب الذي تعرض له بواسطة عصابات الدعم السريع وتم سرقة مشغولات ذهبية عمرها الاف السنين وبعض الاثار الصغيرة من العاج والحجر والابنوس تعود للعهد المروي ولعهد دولة نبتة
– مع ان السودان اطلق حملة لاستعادة المسروقات بالتعاون مع اليونسكو الا ان الامل ضعيف في العثور عليها لان هناك هواة جمع تحف واثار يشترون مثل هذه المقتنيات ويحتفظون بها في خزائنهم لمدد طويلة ولا يعرضونها ابدا وبذا تقل فرص مطاردتها واسترجاعها..
????- الحل في نظري هو اطلاق حملة قومية للتنقيب عن الاثار مرة اخري.. هناك مواقع اثرية كبيرة ومتعددة متناثرة في السودان..
◾️- مثلا في العام 1998 زرت الولاية الشمالية باللواري في سفرة استغرقت عدة ايام فرايت كثير من الاثار ملقاة علي الطريق قريبا من شواطئ نهر النيل , احجار ضخمة واعمدة معابد لايستطيع اي احد ان يحركها من مكانها وربما هذا سبب حفظها حتي الان.. فلو تم التنقيب حول هذه الاماكن فالبتاكيد سنحصل علي اثار جديدة..
◾️هناك ايضا موقع النقعة والمصورات الاثري الذي يشرف عليه معهد حضارة السودان التابع لجامعة الخرطوكم تحت اشراف البروف جعفر ميرغني – وقد زرته من قبل في العام 2010 – الثلات صور الاخيرة – ففي هذا الموقع تتناثر الاثار علي العديد من التلال والسهول و الموقع ذات نفسه يقع علي نهاية وادي العوتيب وهذا الوادي الان عبارة عن رمال ولكنه حتما في قديم الزمان كان من روافد النيل الموسمية فعلي ضفاف هذا الوادي وحتي موقع النقعة والمصورات هناك احتمال وجود عشرات الاثار التي قد تغير التاريخ ذات نفسه
◾️- ايضا سفح جبل البركل وكثير من المواقع التي يمكن اعادة التنقيب فيها
◾️- في العام 2010 كانت هناك شركة تقوم بحفريات لبناء عمارة في احد الاحياء شرق مطار الخرطوم فعثرت علي ما يشبه المدفن لقرية تعتبر اول اثر علي وجود الانسان في منطقة الخرطوم والمقرن قدرت بالاف السنين..
– وكثير من الاثار هنا وهناك علي ضفاف النيل الذي كان علي الدوام جاذبا للمستعمرات البشرية منذ القدم
????- بهذه الطريقة يمكننا اعادة ملء المتحف القومي مرة اخري والحفاظ علي التاريخ الذي اراد تتار العصر ان يمحوه لهدم رواية الامة السودانية عن عراقتها وحضارتها الممتدة من الاف السنين وحتي الان..
♦️- بهذا يمكننا مرة اخري ان نضع قطع الاحجية جنبا الي جنب ونعيد بناء قصة متماسكة تمتد من الان الي عمق التاريخ ونضع معلما لاطفالنا والاجيال القادمة تحاجج به وتفتخر.
♦️- بعض الدول تحفر في اللاشئ وتعثر علي صخور صماء لايوجد عليها نقش واحد فتضعها في متحف ضخم لتقول للناس ان هذا الحجر استخدمه شخص في هذه البقعة قبل اربعة الف سنة كوسادة او كمسند او مربط لحيوان لتقول للعالم انها دولة ذات تاريخ وذات عراقة..
♦️- نحن كبلد اولي بان تكون لنا قصة لها شواهد وعليها ادلة والاسهل والحل الذي بين ايدينا هو اطلاق حملة جديدة للتنقيب عن الاثار تحت الارض والكشوفات الجديدة هذه توكل كمشاريع لكليات الاثار والدراسات الانسانية كالتاريخ وعلم الاجتماع مع التمويل من الدولة والشركات الوطنية مع مواصلة جهود البحث عن الاثار المفقودة.
النور صباح
إنضم لقناة النيلين على واتساب